محطات قانونية

سياسات تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص – قراءة في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

خليفة بـن سيف الحوسني، رئيس قسم البرامج والتوعية القانونية، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

تحظى قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة (1) باهتمام متزايد من جانب الحكومات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، ولا سيّما وأن مستوى الرعاية والتأهيل المقدم لذوي الإعاقة تحديدًا  يمثل أحد المعايير الأساسية التي تقاس عليها حضارة كل مجتمع من المجتمعات ومدى تطوره، مع التأكيد على أن الاهتمام بهذه الفئة يجب ألا يرتكز على دواعي العطف والإحسان، وإنما على أساس ما يجب أن يتمتعون به من حقوق تقرها جميع الأديان السماوية، وتنص عليها الدساتير والمواثيق الدولية، وعلى الرغم من كثرة التشريعات، وتنوع الحقوق التي أقرتها التشريعات للأشخاص ذوي الإعاقة، يبقى حق العمل أحد أبرز هذه الحقوق، خصوصًا في ظل تنامي الدعوة إلى الاهتمام بالموارد البشرية والعمل على اندماجها في التنمية المجتمعية؛ إذ أن العمل يعتبر أفضل السُبل التي  تساهم بشكل مباشر في سرعة تأقلم ذوي الإعاقة مع المجتمع الذي يعيشون فيه؛ فهو يكشف عن طاقاتهم المعطلة، ويساهم في زيادة الإنتاج، ويدفع عجلة التنمية إلى الأمام، أضف إلى ذلك أن العمل هو خير معين لهم ولأسرهم، وتحقيق حياة أفضل عن طريق توفير موارد مالية منتظمة لهم، وهذا بدوره انعكس على تشريعات رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وتأهيلهم في أغلب دول العالم التي حرصت أشد الحرص على تأكيد حق ذوي الإعاقة في الالتحاق بالعمل، وتيسير  إمكانية حصولهم على فرصة عمل تتناسب ومؤهلاتهم وقدراتهم، وقد بذلت سلطنة عُمان جهودًا ملموسة من خلال السلطات التنفيذية والتشريعية في مجال  سن القوانين التي تعزز مصالح ذوي الإعاقة؛ وقد أسفرت هذه الجهود عن صياغة تشريعات، تقوم فلسفتها على إدماج المعاقين في المجتمع وتعزيز حقوقهم في الرعاية والتأهيل بمختلف أشكاله، وعملت هذه التشريعات – قدر المتاح والممكن –  على معالجة قضايا المعاقين، ومن بينها قضية التشغيل التي كانت وما تزال تشغل اهتمام الأفراد والحكومات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني.

وقد عملت السلطنة بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك قواعد العمل الدولية، ومصادقتها على أهم الاتفاقيات المتعلقة بمبادئ حقوق الإنسان الأساسية في العمل، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تقر بحق الشخص المعاق في العمل على قدم المساواة مع الآخرين، مكرسة مبدأ المساواة في العمل (2)، كما تعمل وزارة التنمية الاجتماعية على تقديم خدمات رعائية خاصة لبعض الفئات الاجتماعية، والتي تحتاج للرعاية والتأهيل، ومن هذه الفئات: الأشخاص ذوي  الإعاقة؛ لذا تعددت البرامج والأنشطة المقدمة لتلك الفئات لتمكينها من الاعتماد على ذاتها في تدبير شؤون حياتها دون الاعتماد على الآخرين، ويتم ذلك من خلال توفير البيئة المناسبة لتحقيق الدمج الاجتماعي، وتقديم البرامج والخدمات اللازمة؛ وذلك لمساعدة هذه الفئات على التكيّف مع وضعها الطبيعي، وتحقيق طموحاتها أسوة بغيرها من فئات  المجتمع؛ إذ يتم رعاية هذه الفئات وتأهيلها من خلال عدد من المؤسسات بموجب عدد من اللوائح والتشريعات (3).

هذا وتعد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (4) إحدى اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية، وهي ذات طبيعة ملزمة للدول التي صادقت عليها وانضمت إليها، وقد تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ديسمبر 2006، ودخلت حيز النفاذ في 31 مايو 2007، وتتضمن الاتفاقية 50 مادة تتناول مختلف الجوانب المتصلة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، كما أن المصادقة على الاتفاقيات الدولية يعني أنها قد أصبحت جزءًا من منظومة التشريعات الوطنية؛(5) بحيث ينبغي تعديل التشريعات الوطنية لتوائم أحكام الاتفاقية ومبادئها، وإلغاء كل ما يتعارض معها، كما أن الاتفاقية المذكورة  ملحقةٌ ببروتوكول اختياري ينظم  الإجراءات والضوابط الخاصة بإرسال الشكاوى الفردية وتلقيها، المرسلة مباشرةً من الأفراد إلى لجنة الرصد الأممية المشكلة بموجب نصوص الاتفاقية؛ بمعنى أن أهمية البروتوكول الاختياري تتمثل في كونه آلية تكفل نطاقًا أوسع من الحماية القانونية للأفراد الذين قد يتعرضون لشكل من أشكال التمييز أو لانتهاك حقوقهم وحرياتهم، مع محدودية آليات التظلم والتقاضي الوطنية في إنصافهم (6)، وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يشمل مصطلح “الأشخاص ذوي الإعاقة” (الأشخاص ذوي الإعاقة) كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسية، قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعَّالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين (7)، وفي المقابل يؤكد   قانون رعاية المعاقين وتأهيلهم الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (63/2008) بأن المعاق هو: الشخص الذي يعاني من نقص في بعض قدراته الحسية أو الجسدية أو الذهنية خَلْقيا، أو نتيجة عامل وراثي، أو مرض، أو حادث، مما يحد من قدرته على تأدية دوره الطبيعي في الحياة قياسا على من هم في عمره، بما يحتاج معه إلى الرعاية والتأهيل؛ حتى يؤدي دوره في الحياة” (8)، أهيل وتضمنت الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة العديد من المبادئ والموجهات الرئيسية للجهود الدولية والحكومية داخل البلدان الأعضاء في مجال التأهيل المهني والعمل للأشخاص ذوي الإعاقة منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي، بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم.
  • عدم التمييز.
  • كفالة مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة وإشراكهم بصورة كاملة وفعَّالة في المجتمع.
  • احترام الفوارق، وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوَّع البشري والطبيعة البشرية.
  • تكافؤ الفرص.
  • إمكانية الوصول.
  • المساواة بين الرجل والمرأة.
  • احترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة، واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم.

إلا أن ما يعنينا في هذا السياق هو الوقوف على سياسات تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، وعلى وجه الخصوص المتعلقة بالقطاع  الخاص؛ إذ تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة للأشخاص ذوي الإعاقة الإطار القانوني لالتزامات الدول الأطراف فيما يتعلق بحق هؤلاء في  العمل؛ وعليه قضت المادة رقم (27) من الاتفاقية الدولية على أن:

 1.  تعترف الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، على قدم المساواة مع الآخرين؛ ويشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لهم لكسب الرزق في عمل يختارونه أو يقبلونه بحرية في سوق عمل وبيئة عم  منفتحتين أمام الأشخاص ذوي الإعاقة، وشاملتين لهم، ويسهل انخراطهم فيها، وتحمي الدول الأطراف إعمال الحق في العمل وتعززه، بما في ذلك حق أولئك الذين تصيبهم الإعاقة خلال  عملهم؛ وذلك عن طريق اتخاذ الخطوات المناسبة، بما في ذلك سن التشريعات، لتحقيق عدة أهداف، منها ما يلي:

  • حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة، ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل، واستمرار العمل، والتقدم الوظيفي، وظروف العمل الآمنة والصحية.
  • حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ظروف عمل عادلة وملائمة، على قدم المساواة مع الآخرين، بما في ذلك تكافؤ الفرص، وتقاضي أجر  متساوٍ لقاء القيام بعمل متساوي القيمة، وظروف العمل المأمونة والصحية، بما في ذلك الحماية من التحرش، والانتصاف من المظالم.

ج. كفالة تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول من ممارسة حقوقهم العمالية والنقابية على قدم المساواة مع الآخرين.

د. تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول بصورة فعالة على البرامج العامة للتوجيه التقني والفني، وخدمات التوظيف، والتدريب المهني المستمر.

ه. تعزيز فرص العمل والتقدم الوظيفي للأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، فضلا عن تقديم المساعدة على إيجاد العمل والحصول عليه والمداومة عليه والعودة إليه.

و. تعزيز فرص العمل الحر، ومباشرة الأعمال الحرة، وتكوين التعاونيات، والشروع في الأعمال التجارية الخاصة.

ز. تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام.

ح. تشجيع عمالة الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص من خلال انتهاج سياسات واتخاذ تدابير مناسبة، قد تشمل البرامج التصحيحية، والحوافز، وغير ذلك من التدابير.

ط. كفالة توفير ترتيبات تيسيرية معقولة للأشخاص ذوي الإعاقة في أماكن العمل.

ي. تشجيع اكتساب الأشخاص ذوي الإعاقة للخبرات المهنية في سوق العمل المفتوحة.

ك. تعزيز برامج إعادة التأهيل المهني والوظيفي، والاحتفاظ بالوظائف، والعودة إلى العمل لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة.

2. تكفل الدول الأطراف عدم إخضاع الأشخاص ذوي الإعاقة للرق أو العبودية، وحمايتهم على قدم المساواة مع الآخرين، من العمل الجبري أو القسري.

وبالرغم من هذا الالتزام الدولي والوطني بضمان حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الإدماج الاجتماعي والمهني، ورغم الجهود السلطنة المبذولة  من رعاية المعاقين وإدماجهم اجتماعيّا وتمكينهم وتأهيلهم، إلا أن واقع هذه الفئة لا يزال يستوجب الوقوف عند معوقات تجسيد حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل من خلال إستراتيجية تشغيل واضحة المعالم بناءً على تشريعات قانونية وتنظيمية، بما في ذلك اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تؤكد التزام الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لتكريس حق هذه الفئة في العمل المناسب والملائم لإمكانياتهم وقدراتهم مع مراعاة اختلاف نوع الإعاقة، وعند استعراض الأوضاع التشريعية والممارسات العملية على المستوى الوطني، وقياس مدى تماثلها من المحددات التي أكدت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتحديدًا سياسات التشغيل بالقطاع الخاص؛ نظرًا لما يشكله العمل من قيمة  مهمة لذوي الإعاقة  وعنصرٍ مساعدٍ في تحسين دخلهم الاقتصادي، فإننا نجد بأن المادة رقم (17) من قانون العمل العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (35/2003) قضت بأنه: على صاحب العمل الذي يستخدم خمسين عاملًا فأكثر تعيين من ترشحه الدائرة المختصة من ذوي الاحتياجات الخاصة المؤهلين  مهنيّا في الأعمال التي تتناسب مع حالاتهم؛ وذلك في حدود النسبة التي تحدد بقرار من  الوزير، ويتمتع ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يتم تشغيلهم وفقًا للفقرة السابقة بالحقوق والحريات المقررة للعمال  الآخرين. كما صدر بناءً على ذلك القرار الوزاري رقم (125/2005)، وأشار في المادة الثانية منه على  أنه: … يجب على صاحب العمل الذي يستخدم خمسين عاملًا فأكثر تعيين من ترشحهم الدائرة المختصة من ذوي الاحتياجات الخاصة من واقع سجل قيدهم في حدود نسبة (2%) من مجموع  عماله. إضافةً إلى أن المادة رقم (9) من قانون رعاية المعاقين وتأهيلهم أكدت على  أنّ: تلتزم الجهات الحكومية وأصحاب الأعمال الذين يستخدمون خمسين عاملا فأكثر بتعيين من ترشحه وزارة القوى العاملة الوطنية، وذلك بنسبة من الوظائف أو المهن المطلوب شغلها. شغلها، ويصدر بتحديد هذه النسبة بعد أخذ رأي الوزير قرارٌ من مجلس الخدمة المدنية، فيما يخص الجهات الحكومية، وقرار من وزير القوى العاملة فيما يخص القطاع  الخاص، ويجب في حالة تعيين أو استخدام معاق دون ترشيح من وزارة القوى العاملة إخطارها بذلك خلال ثلاثين يوما من تسلمه العمل؛ للاعتداد بذلك عند حساب النسبة المقررة، ويتمتع من يتم تعيينه وفقا لأحكام هذه المادة بالحقوق والمزايا المقررة للموظفين والعمال الآخرين، إلا أن الواقع العملي يشير إلى وجود مؤسسات بالقطاع الخاص تستخدم أكثر من خمسين عاملًا ولا يوجد بها عمال من ذوي الإعاقة، كما أن اللائحة التنظيمية لتدابير السلامة والصحة المهنية في المنشآت الخاضعة لقانون العمل الصادرة بالقرار الوزاري رقم (286/2008) أشارت في المادة رقم (29) بأنه: على صاحب العمل الالتزام بعدم تكليف المعوّق بأي عمل أو ممارسة مهنية لا تتوافق مع قدراته الفعلية لأداء العمل بشكل آمن  وصحي. وفي مجال حقوق الفئات الأحق بالرعاية وتحديدًا الأشخاص ذوي الإعاقة رصدت اللجنة العمانية لحقوق الإنسان بتاريخ 8 يوليو 2020 قبول 26 طالب وطالبة من ذوي الإعاقة في برنامج الدراسات الجامعية بجامعة السلطان قابوس للعام الأكاديمي (2020 – 2021) (9)، وهي أرقام محدودة، تستدعي إعادة النظر في السياسات التشغيلية، وتحديد الصعوبات ومعالجتها، كما تشي هذه الأرقام والنسب بأنّ هناك حاجة ماسة إلى تبني سياسات وإجراءات عملية، وتنفيذ حملات توعية لتحفيز أصحاب العمل على تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة من جهة، وضمان حصول أصحاب العمل على تسهيلات إضافية عند تشغيل هؤلاء الأشخاص من جهة أخرى، لا سيَّما تقديم المقترحات بشأن تجويد بيئة العمل لتصبح ملائمة للأشخاص ذوي الإعاقة، وتوضيح مضامين القوانين والتشريعات المتعلقة بتساوي الفرص، وعدم التمييز والمساعدة في إزالة المعوقات المادية والقانونية والنفسية لتشغيلهم، مع تقديم الاستشارة لكل من صاحب العمل وللعامل  ذي الإعاقة بعد تعيينه، ومحاولة توعية  القطاعين الخاص والعام على حدٍ سواء بالجدوى الاقتصادية لتأهيل   الأشخاص ذوي الإعاقة وتشغيلهم، وأهمية تطوير البرامج والخدمات الخاصة بانتقالهم من المراحل التعليمية إلى العمل، والنظر إلى قضايا تدريب الأشخاص ذوي الإعاقة وتشيلغهم بصورة مغايرة تمامًا؛ فالبعض لا يزال يعتقد أن الأموال التي تنفق على برامج تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة وتأهيلهم أموال تصرف في جوانب لا طائل منها؛ لأنهم يتصورون عدم قدرة هؤلاء الأشخاص على التعلم والعمل والإنتاج، والمشاركة في تنمية الأرباح، وتحقيق الوفرة المالية، وأسباب ذلك عديدة ومتباينة، لكن الدراسات ذات العلاقة باقتصاديات برامج التأهيل تشير بوضوح إلى الجدوى الاقتصادية لهذه البرامج والسياسات؛ فتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وتشغيلهم إنما هو استثمار يترتب عليه تحويل الشخص ذو الإعاقة من شخص يعتمد على غيره إلى طاقة بشرية منتجة تعتمد على نفسها، كما أن هذا العائد الاقتصادي المستدام يقابله العائد الإنساني المتحقق في كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي لا يمكن تقديرها بقيمة نقدية.

والناظر لمراحل إعداد رؤية عمان 2040 يجد أنها استقطبت كافة أطياف المجتمع، بما فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة، واتساقًا مع الرؤية صدرت تعديلات تشريعية وقانونية، لها الأثر  الإيجابي على صون  الحقوق؛ فقد سعت السلطنة إلى الانضمام للاتفاقيات الدولية؛ لكونها تولي أهمية كبيرة في مجال التعاون الدولي، وتتجاوب مع الهيئات والمنظمات الدولية، فقد وافقت السلطنة الانضمام إلى ثلاث اتفاقيات دولية متعلقة بحقوق الإنسان؛ مما شكل تعزيزا إضافيا لحالة حقوق الإنسان في  السلطنة؛ إذ صدر المرسوم السلطاني رقم (44/2020) القاضي بالموافقة على انضمام السلطنة إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وهي وثيقة دولية لحقوق الانسان، تابعة للأمم المتحدة، هدفها منع الاختفاء القسري المحدد في القانون الدولي، إضافة إلى الجرائم ضد الانسانية، كما صدر المرسوم السلطاني رقم (45/2020)  بالموافقة على انضمام السلطنة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وصدور المرسوم السلطاني رقم (46/2020) بالموافقة على انضمام السلطنة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي معاهدة متعددة الأطراف، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبذلك تكون السلطنة قد انضمت إلى سبع معاهدات دولية أساسية تُعنى بحقوق الانسان من أصل تسع اتفاقيات، وإن كافة هذه التعديلات التشريعية والقانونية التي تمت بما يتوافق وظروف المرحلة الحالية سيكون لها دون أدنى شك الأثر الإيجابي في صون حقوق المواطن بشكل عام وذوي الإعاقة بشكل خاص.

ومن المناسب أن تعمل وزارة العمل على تخصيص نسب أعلى عند طرحها للوظائف في القطاعين العام والخاص، والتركيز على تذليل التحديات، وتقديم التسهيلات للأشخاص ذوي الإعاقة، ومنح أجهزة تفتيش العمل الـمُكنة القانونية للتحقق من توافر الترتيبات التيسيرية لهم، والمتعلقة بإزالة العوائق أمام الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة والتسهيلات المقدمة لهم؛ ليتمكنوا من ممارسة العمل بشكل طبيعي، وهو أمر حرصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فيما يعرف بإمكانية الوصول (10)، كما أن على جميع أطراف  الإنتاج في السلطنة مضاعفة المبادرات الهادفة إلى دمج ذوي الإعاقة بسوق العمل بالتعاون مع جهات الاختصاص، تشمل الإعاقة السمعية والبصرية والحركية؛ لتدريبهم على المهارات اللازمة للعمل في مهنٍ مختلفة، وفتح مشروعات تتناسب مع إعاقتهم.

وفي الختام نقول بأن حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل كرسته المواثيق الدولية، وأقرته التشريعات الوطنية على اختلاف  درجاتها؛ وبالتالي نحتاج على المستوى الوطني تجويد سياسات   التشغيل وبرامجه، التي من شأنها تعزيز حق هذه الفئة في العمل، وتحقيق تكافؤ الفرص في ممارسته والحصول  عليه؛ حتى لا يبقى العمل الحر أحد الخيارات القلية المتاحة لهم؛ وبالتالي يواجهون صعوبات حقيقة لممارسة حقهم في العمل، ويرجع ذلك إلى محدودية تطبيق النصوص القانونية وآليات مراقبتها ومتابعتها، الأمر الذي يستوجب وضع   إستراتيجيات وطنية تشترك في صياغتها كل الأطراف الفاعلة؛ لأن حق ذوي الإعاقة في العمل واجب يتحمله المجتمع ككل، وارتكازًا لكل ما تقدم؛ يمكن أن نخرج بمجموعة من المقترحات العملية، أهمها:

  • ضرورة مراجعة التشريعات الوطنية، ذات العلاقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، وتفعليها، بما فيها رفع النسبة المحددة في قانون العمل (2%) بحسب أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة المؤهلين للعمل(11)، وفي حال عدم تشغيل هذه الفئة فإن على صاحب العمل دفع اشتراك مالي سنوي، يُحدد قيمته بناءً على تنظيم واضح، يرصد لصندوق خاص لتمويل برامج الأشخاص ذوي الإعاقة.
  • أهمية توقيع السلطنة على البرتوكول الاختياري الخاص باتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي من شأنه تعزيز حقوق الإنسان، وتحقيق نطاق أوسع من الحماية القانونية؛ بحيث يتاح للأشخاص ذوي الإعاقة استثمار أداة أمميّة للدفاع عن حقوقهم، في حال تعذر عليهم تحقيق ذلك من خلال الآليات   الوطنية؛ إذ إن التوقيع  على الاتفاقيات الدولية والانضمام إليها يمثل خطوات إضافية لجهود السلطنة لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
  • على المنشأة التي تعرّض بسببها العامل لنوع من الإعاقة أن تكفل له إعادة التأهيل المهني؛ بقصد إعداده لاستئناف عمله السابق أو عمل آخر، يتناسب مع قدراته ومؤهلاته، وعدم الاكتفاء بما توفره له الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية  من حماية اجتماعية، اجتماعية؛ بمعنى استفادة العامل  قدر المتاح والممكن  من الاحتفاظ بمنصبه أو شغل منصب آخر.
  • أهمية بناء شراكة مستدامة مع مؤسسات القطاع الخاص لدعم هذه الفئة من المجتمع، وإقامة مشاريع ذات استمرارية مالية، تساهم في دعم أنشطة التأهيل والإعداد المهني، والمساهمة في تجويد الخدمات التأهيلية المقدمة للملتحقين بها، وتوفير الوسائل المعينة، والمرافق الخاصة بهم في المدارس والجامعات والأماكن العامة (كالعربات، المصاعد، دورات المياه، وغيرها)، ومنحهم وذويهم تخفيضات خاصة بنسب معقولة عند استخدامهم لوسائل النقل المختلفة البرية والبحرية والجوية، مع تخصيص منح دراسية لابتعاثهم لإكمال الدراسات العليا خارج السلطنة.
  • الترخيص بالغياب للأشخاص ذوي الإعاقة العاملين بالقطاع الخاص بناءً على رأي الطبيب المعالج، والاستفادة من إجازات خاصة من أجل إعادة التأهيل، وإجراء المعاينات الطبية.
  • التأكيد على أن يكون إعلام الأشخاص ذوي الإعاقة جزءًا من منظومة الإعلام الوطنية، مع أهمية إنتاج البرامج الإذاعية والتلفزيونية لإبراز قدراتهم ومواهبهم.
  • على النقابات العمالية إنشاء لجان معنية بالأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز النماذج الناجحة من الجنسين في مختلف المجالات، بصرف النظر عن نوع الإعاقة، وإصدار النشرات الخاصة بهم، مع عدم إغفال أن هذا النشاط ينبغي ألا ينحصر داخل المنشأة، وإنما يمتد إلى المحيط الاجتماعي، وحرص النقابات العمالية على توقيع اتفاقيات مشتركة مع الجهات الحكومية والخاصة تحقيقًا لامتيازات ومكاسب لهذه الفئة.

———————————————-

  1. قضت المادة الأولى من المرسوم السلطاني رقم (8/2021) الصادر بتاريخ 13 يناير 2021م بتعديل بعض القوانين والمراسيم السلطانية على أن: ” تستبدل بكلمة (المعوقين)، وبكلمة (المعاقين) وبعبارة (ذوي الاحتياجات الخاصة)، وبغيرها من المصطلحات التي يراد بها الأشخاص ذوي الإعاقة، أينما وردت في القوانين والمراسيم السلطانية، عبارة (الأشخاص ذوي الإعاقة) “، وعليه ينبغي مواءمة جميع التشريعات والقرارات واللوائح مع نص المرسوم السلطاني.
  2. أكدت المادة (15) من النظام الأساسي على حرية العمل وقضت أنه:” العمل حق وشرف، ولكل مواطن ممارسة العمل الذي يختاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا إلا بمقتضى القانون، ولأداء خدمة عامة، ولمدة محددة، وبمقابل عادل، وتسن الدولة القوانين التي تحمي العامل وصاحب العمل وتنم العلاقة بينهما وتوفر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية”.
  3. موقع وزارة التنمية الاجتماعية ( mosd.gov.om )، تاريخ الزيارة 17 مايو 2021 م.
  4. صادقت السلطنة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بتاريخ 5 نوفمبر 2008م، بموجب المرسوم السلطاني رقم (121/2008)، المنشور بالجريدة الرسمية العدد رقم (875).
  5. نصت المادة رقم (93) من النظام الأساسي للدولة على أن أنه:” لا يكون للمعاهدات والاتفاقيات الدولية قوة القانون إلا بعد التصديق عليها، ولا يجوز في أي حال أن تتضمن المعاهدة أو الاتفاقية شروطا سرية تناقض شروطها العلنية”.
  6. لم تصادق السلطنة حتى تاريخه على البروتوكول الاختياري، وقد جاءت المادة الأولى من المرسوم السلطاني رقم (121/2008) بشأن تصديق سلطنة عُمان على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على النحو الآتي:” التصديق على الاتفاقية المشار إليها، دون البروتوكول المرفق بها”.
  7. المادة رقم (1) من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
  8. البند (ج) المادة رقم (1) من قانون رعاية وتأهيل المعاقين.
  9. أنظر: التقرير السنوي للجنة العمانية لحقوق الإنسان 2020م، ص 38.
  10. راجع البند رقم (1) من المادة (9) من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
  11. يبلغ إجمالي ذوي الإعاقة (42,304) بحسب بيانات تعداد العام 2020م للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى