محطات قانونية

حوكمة مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عُمان – النقابات العمالية نموذجًا

خليفة بـن سيف الحوسني، رئيس قسم البرامج والتوعية القانونية، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

ظهر مصطلح الحوكمة على غرار مصطلحات أخرى مثل الخصخصة، والعولمة، خلال العقود القليلة الماضية؛ نظرًا للانهيارات المالية والأزمات الاقتصادية التي شهدتها أسواق المال في العديد من الدول، كما يطلق عليه أيضًا مصطلح الحوكمة الرشيدة، والتي أصبحت مرتبطة بشكل وثيق بمفاهيم أخرى، منها سلطة القانون، والمشاركة المجتمعية، والعدالة، والشفافية، والمساءلة، والنزاهة، ومكافحة الفساد.

تُعرف الحوكمة بأنها نظام لبناء المنظمة وتشغيلها ورقابتها برؤية مستقبلية حريصة على تحقيق الأهداف الإستراتيجية البعيدة المدى، والحوكمة لفظ حديث في اللغة العربية، قد أقره مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 2002 ترجمةً للكلمة الإنجليزية governance، وارتبطت أصلًا بالشركات لتصبح corporate governance؛ أي حوكمة الشركات، وفي بعض الأحيان يستبدل مصطلح الإدارة الرشيدة stewardship  بمصطلح الحوكمة، (1) ومهما يكن من أمر فإن لفظ الحوكمة غدا في الوقت الراهن لفظًا متداولًا في القاموسين القانوني والاقتصادي، كما بات مسلمًا به في التطبيق العملي، فضلا عن أنه بات أحد المعايير التي اعتمدتها مؤسسات التقييم الدولية لقياس قدرة الشركات على الأداء والالتزام بالقواعد العامة. (2)

ونظرًا لحداثة استعمال مصطلح الحوكمة، حاول الفقه القانوني الاجتهاد في تعريفه؛ بإلحاقه بأقرب المصطلحات التي تتوافق مع مدلولاته، كما حاولت بعض المنظمات والمؤسسات الدولية إيجاد تعريف محدد له؛ فعُرّفت الحوكمة بأنها (مجوعة من القواعد التي تجري بموجبها إدارة المؤسسة داخليًّا، ويتم وَفقها إشراف مجلس الإدارة على المؤسسة؛ بهدف حماية المصالح والاستثمارات المالية للمساهمين، الذين قد يقيمون على بعد آلاف الأميال من الشركة)،(3) كما عرفها بعضهم بأنها: (عبارة عن مجموعة من القواعد والإجراءات التي تحدد صنع القرار، ومراقبة العمليات داخل المؤسسة، ورصدها)، في حين عرفها بعضهم بأنها (نظام متكامل للرقابة المالية وغير المالية، عن طريقه يتم إدارة المؤسسات والرقابة عليها؛ فهي مجموعة من الطرق التي يمكن من خلالها أن يتأكد المستثمرون من تحقيق ربحية معقولة لاستثماراتهم؛ أي مجموعة من القواعد والبيانات التي تهتدي بها إدارة المؤسسات لتعظيم ربحية المؤسسات وقيمتها على المدى البعيد لصالح المساهمين؛ بمعنى مجموعة من القوانين والقواعد والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة المؤسسات من ناحية، وحَمَلة الأسهم وأصحاب المصالح المرتبطة بالمؤسسة كالعاملين، والدائنين، والمواطنين من ناحية أخرى)، (4) وأما بالنسبة إلى المنظمات والهيئات الدولية فنجد مثلا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعرّف حوكمة المؤسسات بأنها (النظام الذي يوجه أعمال المؤسسة ويضبطها؛ إذ يصف ويوزع الحقوق والواجبات بين مختلف الأطراف في المؤسسات مثل مجلس الإدارة، والمساهمين، وذوي العلاقة، ويضع القواعد والإجراءات اللازمة لاتخاذ القرارات الخاصة بشؤون المؤسسة، كما يضع الأهداف الإستراتيجية اللازمة لتحقيقها، وأسس المتابعة لمراقبة الأداء وتقييمه)،(5)

وينعكس أثر حوكمة الشركات في زيادة الثقة بالاقتصاد، وتعميق دور سوق المال، ونمو القطاع الخاص، وخلق فرص عمل، وتتلخص مبادئ الحوكمة في (الانضباط، والشفافية، والاستقلالية، والمساءلة، والمسؤولية، والعدالة)؛ بهدف تفعيل أداء الشركات وتعظيم القيمة السوقية، والتأكيد التام على التفاعل ما بين الأنظمة الداخلية والخارجية لأعمال الشركات، وتحقيق التوازن في العلاقات التعاقدية ما بين إدارات الشركات والأطراف الأخرى، والعمل على الوصول لأفضل ممارسة توفّر الضمانات الكافية للحد من الفساد الإداري والمالي، (6) ويمكن أن نعزو أهمية حوكمة الشركات إلى ما يلي:(7)

  • تحقيق الثقة في المعلومات المالية الواردة في القوائم المالية المنشورة.
  • مساعدة المؤسسات على جذب الاستثمارات، وزيادة قدرتها التنافسية.
  • ضمان وفاء المؤسسة بالتزاماتها، وضمان تحقيق أهدافها بشكل قانوني واقتصادي.
  • محاربة الفساد الداخلي في المؤسسات، والقضاء عليه نهائيًا.
  • ضمان تحقيق النزاهة والحياد لجميع العاملين في المؤسسة.
  • توفير معلومات عادلة وشفافة لجميع الأطراف ذات العلاقات المرتبطة بالمؤسسة.

ومن الملاحظ أن التعريفات السابقة ركزّت فقط على تعريف الحوكمة في المؤسسات المالية مثل المؤسسات المصرفية والشركات التجارية؛ وذلك من خلال العبارات التي تناولتها مثل الاستثمارات المالية للمساهمين، وتعظيم ربحية المؤسسة، على اعتبار أن الشركة تقوم على أساس كونها مشروعًا اقتصاديًا يهدف إلى الربح، وهذه مزية جوهرية فيها، وهي بذلك تختلف عن الجهات التطوعية؛ إذ إن الجهات التطوعية لا تهدف من نشاطها إلى تحقيق الربح، بل إلى تقديم خدمات مجانية، وحتى لو حققت أرباحًا من مشاريعها؛ فهي إنما تهدف لتمويل أنشطتها المجانية، وليس لتحقيق الربح الشخصي لأعضائها؛ (8) وعليه فإن التعريفات السالفة الذكر لم تتناول الحوكمة بوجه عام؛ الأمر الذي يتعذّر معه تطبيق هذه التعريفات على مؤسسات المجتمع المدني؛ لكونها لا تقوم على أساس ربحي، ويمكن تعريف الحوكمة التي ترتبط بالمؤسسات غير الربحية بأنها (مجموعة الضوابط والإجراءات والقواعد التي يضعها الشخص الاعتباري، أيًا كانت صورته لأجل تنظيم العمل، وتفعيل دور الرقابة المالية وغير المالية، وتوفير أعلى درجات الشفافية والمحاسبة والكفاءة، وتحقيق العدالة، وتطبيق القانون على الجميع، مع توفير رقابة فاعلة داخلية وخارجية؛ وذلك من أجل ضمان حقوق الأطراف ذات العلاقة بنشاط الشخص الاعتباري). (9)

إن حوكمة مؤسسات المجتمع المدني تقوم على تحقيق مجموعة من الفوائد، لعل أهمها ظهور فرص التوسع كما ونوعا، وتحديد الفجوات في القطاع غير الربحي، وتوجه المجتمع نحو فرص التنسيق والاستثمار الاجتماعي في القطاع غير الربحي، وقيام المجتمع بدوره في مساءلة الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وإثبات فاعلية دورها أمام الجهات المنظمة، وتحسين الصورة الذهنية للقطاع غير الربحي، ووجود آلية مستدامة لتقييم أداء هذه المؤسسات، ومن تعريفات حوكمة الجمعيات الأهلية أنها (وضع إطار مهني لعمل الجمعيات الأهلية؛ بحيث لا تكون مجرد جمعيات خيرية غير محكومة بقواعد وأصول، وإنما تكون جمعيات ذات بناء مؤسسي قوي، شأنها  شأن مؤسسات القطاع الخاص في الإدارة والمساءلة والشفافية والمهنية، ولكنها بدلا من أن تستهدف الربح تستهدف تحقيق التنمية البشرية). (10)

وباستقراء عدد من التشريعات ذات الصلة بالحوكمة في سلطنة عُمان، نجد بأن المادة رقم (1/8) من قانون الشركات التجارية قضت بأن الحوكمة هي (مجموعة المبادئ والمعايير والإجراءات التي تحقق الانضباط المؤسسي في إدارة الشركة وفقا للمعايير والأساليب العالمية؛ وذلك من خلال تحديد مسؤوليات وواجبات أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية للشركة، وتأخذ في الاعتبار حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح)، (11) وبالرغم من خلو التشريعات الوطنية من تعريف محدد مرتبط بحوكمة مؤسسات المجتمع المدني؛ نجد إمكانية إعمال مدلولات الحوكمة على مختلف المؤسسات الأهلية والنقابات العمّالية التي لا تهدف إلى تحقيق الربح؛ لأن مدلول الحوكمة، وما تفرضه من قواعد وإجراءات ورقابة يمكن تطبيقه على جميع المؤسسات بصرف النظر عن أهدافها؛ فحوكمة النقابات العمّالية وعموم المؤسسات الأهلية يمنحها مُكنة أكبر في تعزيز الأداء، وتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها؛ فالتحديد الدقيق للأدوار والصلاحيات المنوطة بمجالس إداراتها وهيئاتها الإدارية، يضمن وجود معايير أخلاقية ومهنية، ولا ريب أن إقرار مبدأ الشفافية والمساءلة من شأنه ضمان حماية لحقوق الأعضاء، وتحقيق الإستراتيجيات والأهداف العامة، فضلا عن أن تفعيل مبادئ الحوكمة يعزز من قدرة النقابات العمالية على القيام بأنشطتها، واستثمار مواردها على الوجه الأمثل.

ويُعد تفعيل مبادئ الحوكمة داخل المنظمات غير الربحية من المتطلبات الضرورية في ظل الرغبة نحو تطوير مفهوم العمل التطوعي؛ ليكون منسجمًا مع المعايير الدولية، ولا شك أن تحقيق ذلك سيؤدي إلى تحسين الخدمات المقدمة للمنتسبين إليها، وتعزيز دورها التنموي المساند للدور الحكومي؛ إذ بذلت سلطنة عُمان جهودًا كبيرة في هذا المجال، تكاد تلمس من خلال مستهدفات رؤية عُمان 2040 نحو التنمية المستدامة التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الشراكة الفاعلة بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، كما أن تطبيق معايير الحوكمة لم تعد حكرًا على المؤسسات الربحية، وإنما أصبحت مطلبًا حتميًا في إدارة أي منظمة ربحية كانت أو غير ربحية، وهو ما يقتضي ضرورة تغيير النظرة في إدارة مؤسسات المجتمع المدني بما في ذلك النقابات العمّالية بمختلف هياكلها، في ظل أهميَّة الدور الذي تلعبه إلى جانب الدور الحكومي من أجل تحقيق مصالح المجتمع ومتطلباته المادية والمعنوية؛ فإذا ما تحقق ذلك نصبح أمام نموذج مميز للعمل النقابي، يرقى للطموحات الوطنية العمّالية، ويتناسب مع المعايير الدولية، ويحقق أهداف السلطنة التنموية؛ وعليه يتعين على النقابات العمّالية بهياكلها المختلفة، عند إعداد إستراتيجيتها وخططها المرحلية مراعاة أهداف السلطنة التنموية التي أفصحت عنها ضمن رؤية عمان 2040 والخطط الخمسية؛ فلا يمكن تحقيقها دون تكاتف جميع القطاعات.

ولقد حرص المشرّع العماني على وضع ضوابط إجرائية وموضوعية للعمل النقابي ابتداءً من اشتراطات التأسيس، ومرورًا بمصادر التمويل وآليات الإدارة، وانتهاءً بدور الدولة في الرقابة على عمل النقابات، ونجد مصداقًا لما تقدم، مجموعة من مبادئ الحوكمة كالمشاركة، والعدالة، والمساءلة، والمحاسبة، والمساواة، والشفافية، قضى بها القرار الوزاري رقم (500/2018) وتعديلاته، الصادر بشأن نظام تشكيل وعمل وتسجيل النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان، كما نجد ملامح مهمة أخرى لقواعد الحوكمة ضمن الأنظمة التأسيسية التي تضعها النقابات والاتحادات العمّالية.

فالنقابات العمّالية ذات هوية واضحة تتخذ من المصلحة المشتركة والحوار والتكافل الاجتماعي تصورًا ومنهجًا في أهدافها وأعمالها، وإذا كان الربح المادي ليس هدفًا من قيام النقابات العمّالية وفقًا للتشريعات الوطنية، إلا إن ذلك لا يمنعها من استثمار مواردها والاستفادة من عوائد هذه الاستثمارات للإنفاق على أنشطتها وتسيير أعمالها، كما أن عنصر المال هو المحرك الرئيس لأي عمل، والعمل النقابي يحتاج إلى تمويل ذاتي يحد من تبعيته ماليًا لأي جهة كانت (12).

إلا إن حق النقابات العمّالية في تنويع مصادر تمويلها لأجل تكوين الموارد اللازمة للقيام بأنشطتها المختلفة، وتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، لا يعني إطلاق حريتها دون ضابط؛ لذلك كان حرص المشرّع العماني في وضع مجموعة من الضوابط، منها تفعيل مبدأ الشفافية، وضمان سلامة مصادر التمويل، وعلى سبيل المثال ضوابط التمويل الأجنبي أو تلقي إعانات إلا بعد موافقة وزارة العمل، وكذلك إنشاء سجلات مالية خاصة تضمن قيمتها وشروط صرفها؛ من شأنه تسهيل الرقابة، فضلًا عن تمكين الجهات ذات الصلة من الرقابة الخارجية، والكشف عن أي مخالفات تتعلق بالموارد الناتجة عن الهبات وأوجه صرفها، ولكون النقابات العمّالية منظمات غير ربحية يحظر عليها استثمار أموالها في مضاربات مالية، وقد ألزم المشرّع العماني أن تودع أموالها النقدية باسمها لدى أحد المصارف المحلية، وألا تصرف هذه الأموال في غير ما خصصت له، كما حرّص المشرع العماني كذلك على سلامة المخصصات المالية ومصادر التمويل، واتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك وعلى وجه الخصوص اتخاذ الآتي (13):

  • اعتماد نظام تأسيسي يتضمن مصادر أموال النقابة، وكيفية حفظها والتصرف فيها، والنظام المالي والمحاسبي الذي تتبعه، ومقدار رسم الانضمام والاشتراك الذي يتحمله كل عضو، وحالات الإعفاء وشروطه، وتحديد الجهة التي تؤول إليها أموال النقابة عند حلها.
  • إيداع أموال النقابة في أحد المصارف المحلية المعتمدة بالسلطنة باسم النقابة، ولا يسحب أي مبلغ من حساب النقابة إلا إذا وقّع إذن الصرف الرئيس وأمين الصندوق أو من ينوب عنهما.
  • اتباع الإجراءات التنظيمية للأمور المالية وأنشطة التدقيق والرقابة على أعمال النقابة.
  • تحديد المفوضين بالتوقيع على السندات المالية.

والعمل النقابي عمومًا يقوم على مبدأ الحرية والاختيار، والذي يعني بذل الجهد عن رغبة محضة من قبل العامل المتطوّع، ومبادرة ذاتية منه منطلقًا في ذلك من قناعته الشخصية وإيمانه بضرورة العمل من أجل الآخرين، والمساهمة في التأثير بمحيطه العمّالي، وإبداء الرأي في المسائل ذات الصلة بنشاطات النقابة، ووضع مصالحها فوق العلاقات والمصالح الشخصية، والاشتراك في عمليات الترشح والتصويت والممارسة الديمقراطية، وإظهار التأييد المعنوي، وتقديم الدعم المادي لنشاطات النقابة، وحضور الاجتماعات العامة، وتقديم الجهد، وتخصيص الوقت للعمل النقابي، وهذا يقتضي أن يتمتع العامل النقابي المتطوّع بشخصية تتميّز بروح المبادرة والقدرة على العمل مع الآخرين ومن أجلهم، وعليه لا بّد للجمعية العمومية عند اختيارها لممثليها أن تضع هذه المعايير في الحسبان، وأن تدلي بصوتها بصدق وأمانة، كما أن العمل النقابي كأي نشاط إنساني يقتضي أثناء تنفيذه إجراء تقييم وتقدير لأداء العاملين فيه، وإبراز الممارسات النقابية المتميّزة وتكريمها، لغرض تجويد العمل النقابي وترقيته، وهذا الإجراء قد يتطلب منح مكافآت مالية، أو أوسمة، أو شهادات تقديرية، أو أية صورة من صور التكريم؛ الأمر الذي يستوجب عدم التمييز بين العاملين في هذا الميدان، والتقيّد في إجراءات تقييمها وفق معايير أداء موضوعية بعيدًا عن أية دواعٍ للتمييز غير المشروع.

وبخصوص مبدأ المشاركة باعتباره أحد مبادئ الحوكمة، فإنه يعني حق الجميع في اتخاذ القرار إما مباشرة أو بواسطة ممثليهم في الأفرع واللجان، كما يمكن قياس فاعلية العضو النقابي بمدى مساهمته في الأنشطة الميدانية، ومتابعة أعضاء الجمعية العمومية في مواقع العمل، وتقديم المقترحات العملية للإدارة بما يخدم طرفي علاقة العمل،ويمكن القول إن احترام الأنظمة واللوائح من معايير الحوكمة الجيدة، كما أن إعمال القواعد والالتزام بالقيود الإجرائية والموضوعية التي تنظمها الأنظمة التأسيسية يكفل للنقابات العمّالية ضمان استمرارها، وقد أحسن المشرّع العماني صنعًا بالنص على حق الهيئات الإدارية بالنقابات والاتحادات العمّالية في تشكيل لجان متفرعة عنها، وتفويضها في بعض الصلاحيات التي تكفل سير عملها؛ فدور اللجان الفرعية لا يقل أهمّية عن دور الهيئات الإدارية، وتفعيل عملها من شأنه تحقيق عنصر المشاركة وتدعيم فكرة التفويض، وهي من أهم معايير الحوكمة التي تساعد على الوصول إلى أقصى درجات المهنية في عمل الهياكل النقابية المختلفة.

وأما المساواة والشفافية فيما يتصل بالنقابات العمّالية وهياكلها المختلفة؛ فتعني تقديم صورة حقيقية لكل ما يحدث، وتوفير المعلومات لمن يطلبها من أعضائها؛ إذ إن التطبيق السليم لمبادئ الحوكمة يخلق مناخًا مناسبًا ويهيئ الفرص نحو تطبيق مبدأ المساواة، ممَّا يزيد الشعور بالعدالة والإنصاف، وفي مجال عمل النقابات العمّالية القائم على التمثيل العمّالي الحقيقي والجهد البشري التطوعي من أجل تمثيل منتسبيها، وبث روح الابتكار والإبداع ومضاعفة الجهود لصناعة قطاع خاص خلّاق؛ فإنه يتعين مراعاة المساواة على مستوى الهيكل التنظيمي، والمعايير السابقة يترابط بعضها ببعض؛ فلا يوجد أي منها بشكل مستقل، فإمكانية الحصول على المعلومات تعني مزيدًا من الشفافية، كما تعني مزيدًا من المشاركة، تُساهم في تبادل المعلومات اللازمة لفاعليَّة صنع القرار وشرعيَّة صنعها، واحترام سيادة القانون بوضع إطار قانوني عادل وغير متحيَّز، يتولى تنظيم عمل الهياكل النقابية والمنظمات غير الربحية بوجه عام.

ومن خلال استقراء القواعد التي حفلت بها القرارات المنظمة للعمل النقابي نجدها قد راعت أهمية تفعيل مبادئ الحوكمة لضمان الشفافية والنزاهة وعدم تعارض المصالح، وجميعها من المسائل التي بتحقيقها يتعزز دور النقابات العمّالية في القيام بأنشطتها الخدمية والتنموية على أفضل وجه ممكن، وختامًا يمكن القول إن تحقيق التفاعل والتطبيق السليم لنظام الحوكمة لا سيّما على مستوى الهياكل النقابية من خلال مختلف قواعدها وآلياتها، ينعكس أثره على تحسين جودة أداء خدماتها في تمثيل أعضائها، وتحقيق أهدافها المنشودة على المستوى الوطني والمؤمل منها، وتفعيل الدور الرقابي على ممثليها وكيفية اتخاذ القرارات، بما يخدم منتسبيها، ويتوافق مع التشريعات الوطنية وأنظمتها التأسيسية، واتخاذ قراراتها بالتشاور على أسس ديمقراطية، والالتزام بالشفافية والوضوح في جميع الأمور المالية؛ الأمر الذي يعزز مصداقيتها وينمي روح العمل النقابي، ويتبيّن من ذلك أن حوكمة النقابات العمّالية وعموم مؤسسات المجتمع المدني يفرض نفسه كموضوع جديد يحتاج إلى الدراسة والبحث من أجل تحقيق أهداف العمل النقابي التطوعي وحمايته؛ من أجل تفعيل دوره في المساهمة، وتعزيز القطاع الخاص، وتعزيز دوره في التنمية الوطنية؛ وبالتالي يفرض على القائمين عليها إعمال مبادئ الحوكمة، وتبسيط مفاهيمها، وتخصيص برامج تدريبية، ووضع الأدلة الفنية لتوفير إرشادات أكثر وضوحًا ودقة.

—————————————————————————-

1 محمد مصطفى سليمان، حوكمة الشركات ومعالجة الفساد المالي والإداري، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2006م، ص20.  

2 سالم بن سلام الفليتي، حوكمة الشركات المساهمة العامة في سلطنة عمان، رسالة ماجستير، جامعة السلطان قابوس، كلية الحقوق، 2009م، ص9.

3  كاترين كوتشا هليلينغ وآخرون، حوكمة الشركات في القرن الواحد والعشرين، ترجمة: سمير كريم، ط3، إصدارات مركز المشروعات الدولية الخاصة، واشنطن، 2003م، ص2.

4 طارق عبد العال حماد، حوكمة الشركات والأزمة المالية العالمية، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2009م، ص151.

5  أسست منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1961م، وتهدف إلى تدعيم النمو المستدام والتوظيف، ورفع مستوى المعيشة، والحفاظ على الاستقرار المالي  ومساعدة البلدان في التنمية الاقتصادية، والمساهمة في نمو التجارة العالمية، انظر: بدر عبد الله الشويعر، حوكمة الجمعيات والمؤسسات الأهلية في أنظمة المملكة العربية السعودية، دار الكتاب الجامعي للنشر والتوزيع، 2019م، ص48.

6  محمد عبد الفتاح إبراهيم، “نموذج مقترح لتفعيل قواعد حوكمة الشركات في إطار المعايير الدولية للمراجعة الداخلية”، بحث مقدم في المؤتمر العلمي الأول تحت شعار التدقيق الداخلي في إطار حوكمة الشركات، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، القاهرة، 2005م، ص 30

7 عبد الوهاب نصر وشحاته السيد شحاته، الرقابة والمراجعة الداخلية الحديثة في بيئة تكنولوجيا وعولمة الأسواق المالية، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2006م، ص23.

8 نصّت المادة رقم (3) من قانون الشركات التجارية العماني على أن الشركة التجارية هي: ” كيان قانوني ينشأ بموجب عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح، وذلك بتقديم حصة في رأس المال تكون إما حقوقا مادية، وإما معنوية، وإما خدمات أو عملا، لاقتسام أي ربح أو خسارة تنتج عن المشروع”.

9  بدر عبد الله الشويعر، حوكمة الجمعيات والمؤسسات الأهلية في أنظمة المملكة العربية السعودية، مرجع سابق، ص48.

10  أماني قنديل، المجتمع المدني في مطلع ألفية جديدة، منشورات مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، مؤسسة الأهرام، القاهرة، 2000م، ص18.

11  قانون الشركات التجارية  الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (18/2019)، بتاريخ 13 فبراير 2019م.

12  أحمد حسن البرعي، الوسيط في التشريعات الاجتماعية، الجزء الثالث – النقابات العمّالية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006م، ص182.

13 المادة رقم (10) من القرار الوزاري رقم (500/2018) وتعديلاته الصادر بشأن نظام تشكيل وعمل وتسجيل النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان، الذي يعد بمثابة دستور العمل النقابي في سلطنة عُمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى