محطات قانونية

دور النقابات العمالية في تعزيز الحماية الاجتماعية للعمال الأحداث

خليفة بـن سيف الحوسني، رئيس قسم البرامج والتوعية القانونية، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

(الإشكالات التشريعية)

للحرية النقابية صورة جماعية وأخرى فردية، تتمثل الصورة الجماعية في حق العمال في تشكيل نقابات عمالية تهدف إلى رعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم فـي جميع الأمور المتعلقة بشؤونهم أمام صاحب العمل والجهات المعنية بما يضمن تحقيق التوازن بين أطراف علاقة العمل، أما الصورة الفردية للحرية النقابية فتتعلق بحرية العامل في الانضمام لنقابة عمال المنشأة التي يعمل بها دون أن يترتب على استخدامه لهذا الحق أي ضرر أو موانع تشريعية، ونخلص مما سبق أن العامل وحده هو الذي يقرر بكامل حريته ما إذا كان سينضم([1]) للنقابة العمالية من عدمه، وبجانب حرية العامل في الانضمام للنقابة فإن هناك تطبيقًا آخر للحرية النقابية الفردية تتمثل في حريته بالانسحاب من النقابة التي قد يكون منضمًّا إليها طالما رأى في ذلك ما يحقق مصالحه الشخصية.

ويُعرّف قانون العمل العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (35/2003) وتعديلاته العامل الحدث بأنه:” كل شخص طبيعي بلغ الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة، كما وضع بابًا خاصًا يتعلق بتشغيل الأحداث والنساء هو الباب الخامس من القانون([2]) وأتاحت المادة (79) لوزير القوى العاملة وضع نظام خاص لتشغيل الأحداث([3])، وعليه صدر القرار الوزاري رقم (217/2016) بشأن نظام تشغيل الأحداث والأعمال والمهن التي يجوز تشغيلهم فيها، كما أشار قانون التأمينات الاجتماعية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (72/1991) في المادة رقم (3) البند (أ) على الآتي:” تسري أحكام هذا القانون على العمال العمانيين الذين يعملون بالقطاع الخاص بموجب عقود عمل دائمة بشرط أن لا يقل سن العامل عن 15 عاماً ولا يزيد على 59 عاماً، والناظر لمجمل المواد التي جاءت في سياق قانون العمل والقرار الوزاري سالف الذكر يجد أنها حددت سن العامل الحدث بما دون الثامنة عشرة وهو أمر يتسق مع معايير العمل الدولية المتعلقة بهذا الخصوص([4]).

 وبالرجوع للقرار الوزاري رقم (500/2018) المتعلق بنظام تشكيل وعمل وتسجيل النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان نجد أنه قرر عددًا من الصلاحيات للنقابات العمالية بما فيها الدفاع عن حقوق أعضائها وتحسين حالتهم المادية والاجتماعية، وتمثيلهم في جميع الأمور المتعلقة بشؤونهم بالإضافة إلى رفع مستواهم المهني والثقافي، والسؤال الذي يعنينا يتمثل في السن الذي حدده القرار بالنسبة للعضوية في النقابات العمالية، إذا ما علمنا بأن العضوية في النقابات والاتحادات والاتحاد العام هي عضوية طوعية لا إكراه عليها ولا إجبار تأسيسًا على ما نصت عليه المادة رقم (3) من القرار الوزاري رقم (500/2018). ([5])

وجملة الشروط المتعلقة بالعضوية حددتها المادة رقم (4) من القرار المذكور بقولها، يشترط فـيمن يكون عضوا بالنقابة العمالية :

  1. أن يكون عاملاً في المنشأة.
  2. ألا يقل سنه عـن (18) ثماني عشرة سنة في تاريخ تقديم طلب العضوية، وأن يكون متمتعا بالأهلية الكاملة.
  3. ألا يكون معاراً أو منتدباً، أو عضواً فـي نقابة عمالية أخرى.
  4. ألا يكون صاحب عمل فـي المنشأة.

والواضح أن المادة المذكورة وضعت قيّدًا يتعلق بالسن بالنسبة للعامل الذي يريد الانضمام للنقابة العمالية (ألا يقل سنة عن 18 ثماني عشرة سنة في تاريخ تقديم طلب العضوية) وكان من الأجدى صياغة النص بما يتوافق مع ما جاء بقانون العمل كل شخص طبيعي بلغ الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرةحيث مكَّن قانون العمل العُماني فئة الأحداث من ممارسة العمل بشرط ألا يقل عمر الحدث عن خمسة عشر سنة وأعطاه مركزًا قانونيًا بمسمى عامل، وبالتالي يرى كثيرون عدم وجود مبرر من استبعاد هذه الفئة من الانضمام لعضوية النقابات العمالية لما تحققه لهم من ضمانات على اعتبار أنهم أحوج الفئات للرعاية، وعلى الرَّغم من أن المصالح الجماعية للأعضاء التي تحميها النقابة العمالية وتدافع عنها وتحرص على رعايتها لا تعتبر منصرفة إلى عضو معين من أعضائها، وإنما مناطها صون الأهداف التي تقوم عليها النقابة وبما يخدم جميع الأعضاء بشكل متساوٍ؛ عليه تسعى الكثير من النقابات العمالية على المستوى الوطني([6]) أن تشمل أهدافها جميع فئات العمال (العمانيين، غير العمانيين، الشباب والمرأة، الأحداث) قدر المستطاع لتمتعها بالشخصية الاعتبارية المستقلة.([7])

وفي ضوء هذه الإيضاحات، وبعد النظر في الشروط الضابطة لقبول العامل عضوًا في النقابة العمالية بما فيها شرط السن؛ فإنه يتعين على المشرع أن يعمل على إيجاد نصٍ يجيز لهذه الفئة الانضمام للنقابة العمالية وعدم حصر حق الانضمام للنقابات العمالية في فئة عمرية معينة؛ للاستفادة مما تقدمه النقابة من أعمال وأدوار توعوية في مختلف المجالات بما فيها رفع مستوى الإنتاجية ومعالجة الكثير من التحديات العملية في خطوط الإنتاج ومواقع  العمل، وسهولة التعامل مع الآلات واستدامتها، والتوعية باشتراطات السلامة والصحة المهنية بهدف حماية صحتهم وسلامتهم وتحقيق بيئة عمل آمنة ومستقرة إضافة إلى استيعاب التطور التكنولوجي الذي جاءت به الثورة الصناعية الرابعة، وتعزيز حماية حقوق العمال الأحداث، فالنقابة العمالية تقوم بدور اجتماعي وثقافي وترفيهي لأعضائها ومن البديهي أن يكون من يتمتع بهذه الخدمات هم أعضاء النقابة، ومن حق العضو أيضًّا إذا ما تعرض لاعتداء على حقوقه أن يجد من يقف بجانبه ويعمل على مساندته، بالإضافة إلى حقه كذلك في التمتع بالمزايا المقررة في اتفاقيات العمل الجماعية التي تعقدها نقابته مع صاحب العمل، وذلك أمر محمود فكل عامل يستحق الرعاية والحماية بصرف النظر عن سِنّه.([8])خليفة بـن سيف الحوسني – رئيس قسم البرامج والتوعية القانونية بالاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان


  1. تطلق بعض التشريعات المتعلقة بالعمل النقابي مصطلح “الانتساب” وتعني به الانضمام، إلا أن عددًا من التشريعات الوطنية كرست مصطلح الانضمام ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (النظام الأساسي للدولة، قانون الجمعيات الأهلية، القرار الوزاري رقم (500/2018) المتعلق بنظام تشكيل وعمل وتسجيل النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عمان)، مع الإشارة إلى أن المشرع العماني لم يميّز في الانضمام للنقابة بين الرجل والمرأة؛ إذ جاء مخاطبًا المراكز القانونية دون تمييز بسبب النوع الاجتماعي، إضافة إلى عدم تمييز المشرع بين العامل العماني وغير العماني في الانضمام.
  • تحديدًا المواد من ( 75 – 79) الخاصة بتشغيل الأحداث.
  • المادة رقم (79) من قانون العمل العماني :” مع مراعاة الأحكام السابقة يحدد بقرار من الوزير نظام تشغيل الأحداث والظروف والأحول التي يتم فيها التشغيل والأعمال والمهن والصناعات التي يعملون بها وفقًا لمراحل السن المختلفة”.
  • انضمت السلطنة لمنظمة العمل الدولية في العام 1994م، وقد سعت للتصديق على عدد من الاتفاقيات الدولية ومن بينها الاتفاقية رقم (138) لعام 1973 الخاصة بالحد الأدنى لسن الاستخدام بموجب المرسوم السلطاني رقم ( 65/2005 ).
  • المادة رقم (3)  من القرار الوزاري رقم (500/2018) :” للعامل الحق فـي الانضمام إلى النقابة العمالية أو الانسحاب منها، ولا يجوز حرمانه من ممارسة النشاط النقابي أو إكراهه على الانضمام إلى النقابة العمالية أو الانسحاب منها”، وهو ذات المبدأ الذي أشارت إليه المادة رقم (2) من اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم رقم 87 لسنة 1948م.
  • بموجب التقرير السنوي 2019م الصادر عن الاتحاد العام، فقد بلغ عدد النقابات العمالية بنهاية شهر ديسمبر (273) نقابة عمالية و(6) اتحادات عمالية قطاعية.
  • المــادة رقم (8) من القرار (500/2018) :” يترتب على تسجيل النقابة العمالية تمتعها بالشخصية الاعتبارية المستقلة، ويكون لها حق التقاضي للدفاع عن حقوقها ومصالحها والحقوق الجماعية والفردية لأعضائها الناشئة عن علاقة العمل، والاطلاع على لوائح العمل فـي المنشأة والتي تكفل حقوق ومصالح أعضائها. وفـي جميع الأحوال ، يكون حق التقاضي والدفاع عن الحقوق الفردية للعمال بناء على طلب كتابي من عضو النقابة”.
  • لدراسة تفصيلية حول الموضوع يمكن الرجوع إلى :
  • بشار عدنان ملكاوي، دراسات فقهية في قانون العمل، ط 1، المكتبة الوطنية – عمّان، 2014م.
  • مصطفى أحمد أبو عمرو، علاقات العمل الجماعية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2005م، ص 35 وما بعدها.
  • سماح التوبية، فض المنازعات العمالية الجماعية في القانون العماني –دراسة مقارنة-، رسالة ماجستير، جامعة السلطان قابوس، كلية الحقوق، 2017م، ص 39 وما بعدها.
  • سارة المحرزية، مدى انسجام قانون العمل العماني مع معايير العمل الدولية، رسالة ماجستير، جامعة السلطان قابوس، كلية الحقوق، 2018م، ص 61 وما بعدها.
  • كزافييه بودونيه، قانون العمل الدولي والقانون الوطني، مركز التدريب الدولي التابع  لمنظمة العمل الدولية، ترجمة مكتب مطبوعات منظمة العمل العربية، 2010م.
  • يوسف إلياس، أطروحات في القانون الدولي والوطني للعمل، دار وائل للنشر، ط 1، 2008م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى