قضية العدد

قانون العمل الجديد… نجاحه مرهون بحسن تطبيقه

رشيد العامري، رئيس قسم الإعلام، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

بعد مراحل عديدة مر بها مشروع قانون العمل، والتوقيع على مسودته في الأول من مايو عام ٢٠١٤ من قبل أطراف الإنتاج الثلاثة، وسنين طويلة من الترقب والانتظار، قضى المرسوم السلطاني رقم (53/2023) بإصدار قانون العمل الجديد، والذي جاء في مرحلة مهمة ليواكب التغيرات المتسارعة في سوق العمل، وبالرغم من حزمة التحسينات والشمولية التي جاء بها القانون، والتي ستساهم في سد الثغرات في قانون العمل السابق إلا إن أي قانون -بطبيعة الحال- لا بد أن يشوبه بعض التحديات والسلبيات، وأن يخضع للتعديل والتطوير بشكل مستمر لضمان استجابته الفاعلة لكل مرحلة.

ومن أجل أن نقترب من ذلك أكثر؛ سنتطرق في الأسطر القادمة إلى آراء ووجهات نظر عن قانون العمل الجديد لمختصين وقانونيين، وعدد من ممثلي الهياكل النقابية بالسلطنة، وبعض المعنيين الآخرين، تشمل الجوانب الإيجابية في القانون والسلبيات والتحديات ذات العلاقة، وتفسير بعض التغيرات والمواد والبنود القانونية التي أثارت التساؤل بعد صدور القانون، فضلا عن استعراض بعض الاقتراحات التطويرية والتطلعات المستقبلية للتعديلات التي يمكن أن يؤخذ بها في القانون.

القانون ثمرة جهد مشترك بين أطراف الإنتاج

قال نبهان بن أحمد البطاشي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان بالتزامن مع إصدار القانون: “يعرب الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان عن تقديره البالغ لتفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بإصدار قانون العمل الجديد، والذي يأتي ثمرة لجهد مشترك بين أطراف الإنتاج الثلاثة، ويتضمن حزمة من التحسينات التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل، وتنظيم علاقات العمل بما يساهم في رفع الكفاءة الإنتاجية وتحسين بيئة العمل”.

وأضاف نبهان البطاشي: “يأتي إصدار قانون العمل في مرحلة مهمة من عمر نهضة عُمان المتجددة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله- والتي أعطت البعد الاجتماعي والاقتصادي أهمية خاصة لمواكبة تطلعات رؤية عُمان 2040 الهادفة لخلق سوق عمل جاذب للكفاءات ومتفاعل ومواكب للتغيرات الديمغرافية والاقتصادية والمعرفية”.

القانون سيعالج الثغرات والتباين في الممارسات والإجراءات في قانون العمل السابق

وأوضح البطاشي: “لقد جاء قانون العمل ليعالج الثغرات والتباين في الممارسات والإجراءات في قانون العمل السابق، ويعطي مساهمة أوسع لتنظيم بعض القطاعات وفقًا لمقتضيات كل مرحلة، كما ضمِن القانون الجديد وجود اللجان المشتركة الثلاثية التمثيل بما يتوافق مع معايير العمل الدولية، والتي تختص بالوقوف على بعض المسائل المشتركة بين أطراف الإنتاج، وبلا شك ستتعامل هذه اللجان مع أي إشكاليات قد تحدث في منظومة سوق العمل، وتضمن حسن تنفيذ القانون وفق الغايات والأهداف التي رُسمت له عبر التشاور والحوار الثلاثي”.

لن تكون هناك تحديات إلا إذا تحايلت الأطراف المعنية في تطبيقه

ويقول سعادة يونس بن علي المنذري، رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى للفترة التاسعة (2019-2023): “القانون جاء متوازنًا ومنصفًا للجميع، ولا أظن بأنه ستكون هناك تحديات أو سلبيات إلا إذا تحايلت الأطراف المعنية في تطبيقه، وعندئذ سيكون للسلطة القضائية كلمة الفصل في إنفاذه”.

القانون أكثر شمولية ودقة

ويبدي نايف بن خالد القري، محامٍ ومستشار في قانون العمل وجهة نظره في القانون قائلًا: “بالمقارنة مع قانون العمل السابق، نجد أن قانون العمل الجديد أكثر شمولية ودقة ومواكب للمرحلة؛ إذ غطى جوانب لم تكن موجودة سابقًا، منها إشارته للسبب الاقتصادي، والعمل عن بعد، وإنشاء صندوق تنمية الموارد البشرية، فضلا عن ذلك فقد فصّل القانون بعض الجوانب بطريقة أزالت الغموض في القانون السابق، مثل إنهاء العقد غير محدد المدة المشار إليها في المادة (٣٨) التي تقابل المادة (٣٧) في قانون العمل السابق؛ إذ إن ظاهر المادة كان يشير إلى الإنهاء بمجرد الإخطار فقط دون ذكر السبب، أما في القانون الحالي فقد وضحت المادة أن مع الإخطار يشترط توافر السبب المشروع”.

ألزم القانون صاحب العمل تدريب القوى العاملة الوطنية وتأهيلها لشغل المناصب العليا والقيادية

ويوضح عبد الله بن ثاني المحاربي، رئيس النقابة العامة لقطاع البيع والتوزيع: “قانون العمل وُجد لينظم العلاقة بين طرفي الإنتاج؛ بحيث تتوزع للطرفين الحقوق والواجبات، والإضافة المميزة التي استحدثها قانون العمل الجديد هي إلزام صاحب العمل بالعمل على تدريب القوى العاملة الوطنية وتأهيلها لشغل المناصب العليا والقيادية، وكذلك تقليص ساعات العمل إلى 8 ساعات عمل فعلية، وزيادة فترة الاستراحة من نصف ساعة إلى ساعة، وهذه من المؤشرات الجيدة التي تعطي قبولًا كبيرًا؛ نظرًا لتقليص الفوارق مع القطاع العام، كما ركز قانون العمل الجديد على المرأة العاملة من خلال إعطائها الحق في ساعة أمومة لمدة عام بعد انتهاء إجازة الوضع، وزيادة عدد أيام إجازة الوضع، وإعطائها الحق في طلب إجازة خاصة بدون أجر من أجل رعايتة طفلها”.

مواد القانون تبقى رهن التفسير والتعامل بين أطرافها

ويشير حميد بن سالم المحيرزي، رئيس النقابة العامة لقطاع الصناعة إلى أن قانون العمل الجديد جاء متوافقًا مع النظرة المستقبلية لرؤية عُمان 2040، ومواكبًا للتغيرات الاقتصادية ومتزنًا في معظم مواده، ومعالجًا لبعض الصعوبات التي كانت في القانون السابق، وواضعا بعض الحلول لها، علاوة على ذلك فقد وضع نصوصا قانونية للحوار المشترك بين أطراف الإنتاج الثلاثة لتعزيز الشراكة بينهم، مضيفًا أن مواد القانون تبقى رهن التفسير والتعامل بين أطرافها؛ لذلك يُعول على اللوائح والقرارت الوزارية أن تحد من الثغرات القانونية، وتحافظ على التوازن بين أطراف الإنتاج.

تفويض الوزير بإصدار اللوائح والقرارات الوزارية في بعض البنود فرصة للتوضيح

يقول سعيد بن أحمد المحروقي، رئيس النقابة العامة لقطاع النفط والغاز: “يعد قانون العمل الجديد جيد نسبيًا، ومن النقاط المهمة التي يمكن أن نشير إليها هي تفويض وزير العمل في بعض البنود بإصدار لوائح تنظيمية وقرارات وزارية، والتي ستكون فرصة لتوضيح بعض الملاحظات على بعض البنود في القانون”.

ويضيف سعيد بن سالم الشريقي، رئيس النقابة العامة لقطاع الإنشاءات قائلا: “تميزَ قانون العمل الجديد بشمولية ومرونة أكثر عن القانون السابق، وأزال الغموض والتناقض فى تفسير بعض مواد القانون”.

عدم ذكر الإجازة الطارئة والتوسع في الإجازات

يقول نايف القري: “يمكن أن نشير إلى بعض النقاط السلبية في القانون الجديد، مثل عدم الإشارة إلى الإجازة الطارئة، وكذلك التوسع في الإجازات واستحداث إجازات جديدة؛ بحيث أصبح بعضها طويلا أكثر من الحد المعقول، حتى وإن تكفل صندوق الحماية الاجتماعية بتغطية تكلفة هذه الإجازات عن صاحب العمل، ولكن من وجهة نظري قد يتسبب خروج العامل لفترات طويلة نوعًا من الخلل في المنشأة”.

المادة (43) أجازت لصاحب العمل إنهاء العقد

ويضيف حميد المحيرزي قائلا: “من النقاط غير الإيجابية في القانون أنه لم يتطرق إلى الإجازة الطارئة، وكذلك فيما يتعلق بالمادة (43) من القانون التي أشارت إلى أنه يجوز لصاحب العمل إنهاء العقد من جانبه في حال إخفاق العامل في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة بعد إخطاره بأوجه عدم الكفاءة، ومنحه مهلة مناسبة لا تقل عن (٦) أشهر للوصول إليها؛ إذ لم يحدد معايير الكفاءة المطلوبة وأسسها؛ ولذلك قد يستخدم بعض أصحاب العمل هذه المادة ذريعةً للتسريح”.

تحديد تعويض العامل في حال الفصل التعسفي بواقع راتب 12 شهرًا قد لا يجبر الضرر

ويكمل عبد الله المحاربي الحديث عن سلبيات القانون قائلا: “النقطة المقلقة في القانون في بند التقييم الذي يجيز لصاحب العمل إنهاء عقد العامل من جانبه في حال إخفاقه في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة بعد إخطاره بأوجه عدم الكفاءة ومنحه مهلة مناسبة لا تقل عن (٦) أشهر للوصول إليه؛ فهذه الثغرة قد يتلاعب بها أصحاب العمل، بالإضافة إلى تحديد الحد الأقصى لتعويض العامل في حال الفصل التعسفي بواقع راتب 12 شهرًا قد لا يجبر الضرر الذي لحق بالعامل”.

تخوف من استغلال أصحاب العمل للمادة (43)

وأشارت المادة (43) من القانون بأنه يجوز لصاحب العمل إنهاء العقد من جانبه في حال إخفاقه في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة بعد إخطاره بأوجه عدم الكفاءة ومنحه مهلة مناسبة لا تقل عن (٦) ستة أشهر للوصول إليها… وهناك تخوف من العاملين في القطاع الخاص من استخدام بعض أصحاب العمل لهذه المادة ذريعةً للتسريح…وفي هذا الصدد يوضح سعادة يونس المنذري قائلًا: “كما إن للعامل حقوقا يتحصل عليها في ظل القانون فعليه واجبات لا بد أن يلتزم بها؛ لذلك كان لا بد من ضبط المواد لتتناسب مع الطرفين، ومسألة التخوف من استغلال هذه المادة ليست واردة هنا؛ لأن صاحب العمل عليه كذلك أن يثبت إخفاق العامل وإلا فإن ادعاءه مردود عليه”.

لو حدث الاستغلال فالقضاء بالمرصاد

ويوضح نايف القري: “أعتقد شخصيا أن هذه الفقرة عادلة فالعامل الكفء يستحق الاستمرار في العمل، والعامل المستهتر يجب أن تتاح الفرصة لغيره، خصوصًا في ظل شح الوظائف وأزمة الباحثين عن عمل، ولا ينبغي أن يكون هناك تخوف من العاملين في القطاع الخاص من استخدام بعض المنشآت هذه المادة ذريعة للتسريح؛ لأن صاحب العمل إذا أراد التعسف فكل النصوص القانونية يمكن أن يتعسف في استخدامها، ولنفترض أنه حدث استغلال من قبل أصحاب العمل فالقضاء بالمرصاد، أضف إلى ذلك أن المادة كانت دقيقة ووضعت ضوابط لتطبيقها؛ إذ سيكون تقييم العامل تحت رقابة القضاء، فلو تظلم العامل للمحكمة بعدم صحة التقييم ستنظر المحكمة في هذا الأمر، وفي الغالب تحيل الأمر إلى خبير موارد بشرية لمراجعة مدى صحة التقييم وجديته”.

الإجازة الطارئة

على رغم أهميتها لم يشر القانون للإجازة الطارئة، ويتساءل الكثير عن أسباب عدم الإشارة إليها، ويعلّق سعادة يونس المنذري في هذا الجانب قائلا:” الإجازات كلها حكمت حسب ما نص عليه قانون الحماية الاجتماعية، وبالقياس إلى القانون السابق نجد أن الإجازات في القانون الجديد أفضل بكثير”.

عدم جواز إجراء أي تخفيض في المستويات والشروط التي تم تشغيل العامل بموجبها في القانون السابق

ويقول عامر بن منصور العزري، مدير دائرة الشؤون القانونية بالاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان في هذا الجانب: “مع صدور قانون العمل الجديد ظهرت تساؤلات عديدة بشأن الإجازة الطارئة، منها هل قانون العمل الجديد قد ألغى هذه الإجازة، والحقيقة أن القانون الجديد لم يشر إليها، وكان يتعيّن الإشارة إليها نظرًا لأنه حتى مع توسع القانون في الإجازات كمًّا ونوعًا، إلا إن جميع تلك الإجازات لا تغطي الحالات الطارئة التي تؤدي إلى انقطاع العامل عن العمل بسبب قهري خارج عن إرادته.

 وعلى الرغم من أن قانون العمل الجديد لم يتطرق إلى الإجازة الطارئة إلا إنه نص في المادتين (٣) و(٤) من القانون على عدم جواز إجراء أي تخفيض في المستويات والشروط التي تم تشغيل العامل بموجبها قبل سريان هذا القانون، ويستمر العمل بأي شروط أفضل تكون مقررة للعامل بموجب القوانين واللوائح والقرارت المعمول بها”.

ويوضح عامر العزري: “نصت أيضًا المادة (٥٣) من قانون العمل على عدم جواز مخالفة صاحب العمل لنصوص عقد العمل؛ وعليه يتعين أن تكون الإجازة الطارئة منصوصا عليها في عقد العمل أو لائحة نظام العمل أو جرى العمل على منحها في المنشأة انطلاقًا واستنادًا إلى إلزاميتها في قانون العمل السابق؛ وعليه يجب على صاحب العمل أن يستمر في منح عماله الإجازة الطارئة؛ لأنها أصبحت حقًا مكتسبًا لهم”.

والقول في هذا الصدد بأن قانون العمل الجديد قد ألغى قانون العمل السابق وألغى كل ما يخالفه أو يتعارض مع أحكامه مرود عليه بأن القانون الجديد ذاته هو من حفظ الحقوق المكتسبة للعمال بموجب المواد التي تقدم ذكرها، ومن ثم لا يكون في حفظ تلك الحقوق مخالفةً للقانون الجديد، بل تطبيقًا صحيحًا لأحكامه.

سيظل العامل مستحقًا للإجازة الطارئة بموجب العقد

ويضيف نايف القري: “أعتقد أنه كان من المفترض أن يشار إلى الإجازة الطارئة في قانون العمل الجديد لأهميتها، ولكن هناك وجهة نظر قانونية، مجمع عليها من قبل أغلب القانونيين، وأتفق معها، وهي أنه بموجب المادة (٣) من القانون ستبقى الإجازة الطارئة طالما أنها كانت موجودة كميزة للعمال في السابق؛ فالمادة منعت المساس بالمستحقات التي كان يتمتع بها العامل قبل صدور القانون، أضف إلى ذلك أن العمال الذين وردت الإشارة إلى الإجازة الطارئة في عقودهم فلا يمكن المساس بها، وسيظل العامل مستحقا للإجازة بموجب العقد”.

التعويض عن الفصل التعسفي

وحددت المادة (11) من قانون العمل الجديد التعويض عن الفصل التعسفي بأن يكون حدُّه الأدنى تعويضًا لا يقل عن أجر (3) أشهر كما في القانون السابق؛ ولكنّ القانون تدخّل في تحديد الحد الأعلى بجعله 12 شهرًا كما لم يكن محدّدًا في القانون السابق؛ والكثير يتساءل بأن تحديد 12 شهرًا كحد أقصى قد لا يجبر ضرر العامل من هذا الفصل.

ويشير سعادة يونس المنذري موضحًا: “من ينظر للأحكام في ظل القانون السابق يجد أغلبها -إن لم يكن جميعها- كانت ثلاثة أشهر فقط، وأرى تحديد 12 شهرًا كحد أقصى لتعويض العامل في القانون أفضل من السابق، مع العلم بأن المادة (12) حددت للقاضي متى ما يكون الفصل تعسفيًا حتى لا يترك مجالا لأصحاب العمل للتسريح”.

المادة (11) أعطت الصلاحية والسلطة التقديرية الواسعة للقاضي

ويضيف نايف القري قائلا: “أرى أن القضاء سيكون له دور في هذا الجانب؛ لأنه لا تزال المادة (١١) من القانون الجديد متطابقة مع المادة (١٠٦) من القانون السابق؛ إذ أعطت الصلاحية والسلطة التقديرية الواسعة للقاضي في حال ثبوت الفصل التعسفي، إما بإعادة العامل إلى عمله أو إلزام صاحب العمل بتعويضه، وأتصور أن هذه المسألة مردها للقاضي فإذا رأى أن حالة الفصل لا يجبرها التعويض بـاثني عشر راتبا؛ فله الصلاحية بإعادة العامل إلى عمله مع صرف رواتبه من تاريخ الفصل إلى تاريخ الإعادة للعمل.”

ويتسائل حميد المحيرزي هل من المعقول بأن جبر الضرر يكون له حد أقصى للجميع مع اختلاف الأجور الشهرية واختلاف الضرر الناتج عن الفصل؟ فيرى أنه من الأفضل أن يترك تحديد ذلك من قبل القاضي لينظر في كل حالة على حدة للتعاطي مع قوة الضرر ومقدار الأجور الشهرية لجبر هذا الضرر.

السبب الاقتصادي

ويتيح قانون العمل الجديد لصاحب العمل الذي توفر له السبب الاقتصادي أن يقلص عدد العمال في منشأته بالقدر الذي تتطلبه المحافظة على استمرارية عمل المنشأة، ويجنبها مخاطر الإفلاس.

وضع القانون ضوابط لا تجيز لصحاب العمل التسريح إلا بتحققها

ويقول سعادة يونس المنذري في هذا الإطار: “نتفق مع ذلك، مع العلم بأنه في حالة وجود عامل غير عماني فيجب إحلاله بعامل عماني إن توفر، وحتى مع وجود السبب الاقتصادي فقد وضع القانون ضوابط لا تجيز لصاحب العمل التسريح إلا بتحققها، وهي بطبيعة الحال أفضل مما كان عليه القانون السابق الذي لم يعالج هذا البند”.

السبب الاقتصادي صِمام أمان لتنظيم عملية التسريح في الأزمات الاقتصادية دون أن تكون عشوائية

ويشير نايف القري إلى أن السبب الاقتصادي من النصوص المستحدثة في قانون العمل الجديد، والنص عليه كان ضرورة لا بد منها؛ لأن السبب الاقتصادي حالة واقعية في كل سوق عمل ولا يمكن تجاوزها؛ فقد يعتقد بعضهم أن النص عليه في القانون تصريح لصاحب العمل لإنهاء عقود العمل، وهذا اعتقاد خاطئ، بل بالعكس فالنصوص التي وردت في قانون العمل ستكون بمثابة صِمام أمان لتنظيم عملية التسريح في الأزمات الاقتصادية دون أن تكون عشوائية، ونذكر هنا على سبيل المثال أن صاحب العمل قد يصل إلى مرحلة من الأزمة لا يستطيع عندها الاستمرار في دفع التكلفة المعتادة، وإذا قلّص نفقاته سيصل إلى مرحلة الإفلاس وإغلاق المنشأة، فبدلًا من ذلك الأفضل أن يلجأ لتخفيض أجور العمال إلى حين تجاوز الأزمة أو تقليص عدد العمال.

حتى وإن تعرض صاحب العمل لأزمة فلا يمكن أن يسرّح بشكل مباشر، وإنما يلجأ للجنة المختصة لدراسة حالة المنشأة

ويضيف نايف القري: “بالنصوص الموجودة في قانون العمل الجديد ستكون هناك حماية أكثر للعامل؛ إذ لا يمكن لصاحب العمل أن يسرّح بشكل مباشر إذا تعرض لأزمة مالية، وإن قام بذلك سيعتبر ذلك فصلا تعسفيا؛ لأن القانون وضع لذلك ضوابط وآليات من خلال اللجوء إلى اللجنة المختصة لدراسة حالة المنشأة، وإذا كانت الأزمة فعلًا موجودة ستقوم اللجنة بدورها في إيجاد الحلول والخيارات البديلة”.

ويؤكد نايف القري أن القانون لم ينس العامل المسرح لأسباب اقتصادية؛ فقد أعطاه حقوقًا، من ضمنها ألا تقل مدة الإخطار عن ٣ أشهر، وأن تكون له الأولوية في العودة للعمل بالمنشأة في حال تحسن أوضاعها.

العقد المحدد المدة

وبالنظر في قانون العمل الجديد، نجد أنه يسمح بتجديد العقد المحدد المدة لغاية خمسة أعوام في كل مرات التجديد، في حين لم يحدد قانون العمل السابق المدة الزمنية التي يعتبر فيها العقد غير محدد المدة، ويصبح العقد غير محدد المدة إذا استمر الطرفان في تنفيذه بعد انقضاء مدته.

كانت وجهة نظر مجلس الشورى أن تكون مدة العقد محدد المدة بعامين

ويتحدث سعادة يونس المنذري عن ذلك: “كانت لنا وجهة نظر بمجلس الشورى أن تكون مدة العقد محددة بعامين، وبعد ذلك يجدد ليكون غير محدد المدة، ولكن وجهة النظر التي كانت مطروحة بأن القانون جاء لكافة العاملين سواء العماني وغير العماني، وهناك من العقود التي تتطلب مدد أكثر لذلك رُفعت المدة، مع احتفاظنا بوجهة نظرنا التي لم يؤخذ بها في هذه المادة”.

سبع حالات يتحول بموجبها العقد تلقائيًا إلى عقد غير محدد المدة

ويوضح نايف القري: “توسع قانون العمل وتحديده لسبع حالات يتحول بموجبها العقد تلقائيًا إلى عقد غير محدد المدة يعد ضمانا كبيرا للعامل لكيلا يبقى العامل طيلة حياته الوظيفية تحت رحمة العقود محددة المدة التي لا تحقق له الاستقرار الوظيفي، وأعتقد أن سماح قانون العمل الجديد بتجديد العقد محدد المدة لغاية خمسة أعوام في كل مرات التجديد مدة منطقية في حال كان هدف صاحب العمل من تحديد مدة للعقد هو التأكد من كفاءة العامل وإمكانياته واستحقاقه للاستمرار في العمل وكذلك الاطمئنان على استقرار مشروعه واستمراره”.

التطلعات والآمال في قانون العمل الجديد

وبطبيعة الحال كل القوانين هي تحتاج إلى تعديل وتطوير بشكل مستمر لمواكبة تغييرات سوق العمل… ونشارك هنا ببعض المقترحات التطويرية والتطلعات المستقبلية للتعديلات التي يمكن أن يُعمل بها في قانون العمل الجديد.

يمكن لمجلس عمان أن يعمل على مقترح تعديل في حال ظهور أي خلل في مواد القانون

سعادة يونس المنذري يقول: “نحتاج إلى البدء في تطبيق القانون، وفي حال ظهور أي خلل في مواده فيمكن لمجلس عُمان أن يعمل على مقترح لتعديل المواد التي تحتاج لذلك”.

التفويض التشريعي للوزير سيسهل عملية التعديلات باستمرار لتواكب متغيرات سوق العمل

ويضيف نايف القري: “قانون العمل من القوانين المتجددة لكونه معنيا بسوق العمل، وسوق العمل يشهد متغيرات متسارعة؛ ولذلك المشرع في قانون العمل الجديد فوّض في تنظيم الكثير من الجوانب وزير العمل لإصدار اللوائح والقرارات الوزارية، وهذا التفويض التشريعي نقطة في غاية الأهمية؛ إذ سيسهل عملية التعديلات باستمرار لتواكب متغيرات سوق العمل”.

ويواصل عبد الله المحاربي: “نأمل أن يصدر قرار وزاري ينظم عملية العقود المؤقتة، فعلى سبيل المثال أغلب المهن في قطاع البيع والتوزيع تكون دائمة ولا ترتبط بمشروع أو مدة، وما نلاحظه هو توجه بعض الشركات في هذا القطاع إلى التوظيف بعقود عمل محدد المدة، واستغلال أصحاب العمل لأسماء المهن؛ بحيث يتيح له نقل العامل من أكثر من قسم حتى وإن اختلفت طبيعة العمل في تلك الأقسام، ومنها على سبيل المثال مهنة بائع مواد تموينية؛ فنحن نتطلع إلى سد هذه الثغرات التي تعطي الصلاحية التعسفية لبعض أصحاب العمل، فضلا عن ضرورة وجود بند في القانون يُعنى بالعدول عن الاستقالة”.

توحيد لوائح العمل القطاعية لتجنب الخلافات

ويؤكد سعيد المحروقي على أهمية توحيد لوائح العمل القطاعية لتجنب الخلافات، متضمنة ساعات العمل وفترات الراحة والمناوبة والإجازات والبدلات، وكذلك توحيد لائحة الصحة والسلامة المهنية القطاعية، وإدارة العمل في أثناء الأنواء المناخية والأوبئة، وجهات إصدار التراخيص، وكل ما يختص بالعمل في قطاع النفط، مضيفًا بعض الملاحظات على القانون، وهي:

  • عدم الإشارة إلى الإجازة الطارئة، وكان من الأفضل إبقاؤها وتغيير اسمها إلى الإجازة للظروف الاستثنائية.
  • عدم تحديد الضرر الجسيم أو المخالفة الجسيمة في القانون، ومثال على ذلك البند (3) من المادة (40) فيما يخص عدم مراعاة لائحة الصحة والسلامة المهنية، وهذا قد يتسبب في وقوع الكثير من التجاوزات من قبل بعض أصحاب العمل، وتصنيف الكثير من المخالفات كمخالفة جسيمة؛ مما يجعل العامل عرضة للتسريح.
  • استخدام أصحاب العمل للمادة (40) لإنهاء خدمة العامل والنقابي، والأسوء من ذلك عدم انتفاع العامل من منفعة الأمان الوظيفي؛ بسبب استخدام أصحاب العمل هذه المادة وسيلة للتسريح مع وجود تصريح مباشر من بعض أصحاب العمل بتخيير العامل أن يرضى بالتسوية بمبلغ مادي لإنهاء خدماته وينتفع من الصندوق أو يتم تسريحه وفق المادة (40) من القانون ولن يتمكن بعدها من الانتفاع من منفعة الأمان الوظيفي؛ لذلك نقترح بأن تعطى صلاحية أوسع لوزارة العمل لتقدير استحقاق العامل من خلال المختصين بعد عقد جلسات التسوية بصرف المنفعة على أن يتم صرفها لحين إصدار الحكم النهائي بعد مراحل التقاضي.
  • البند (10) من المادة (67): عدم قيام العامل بأي صفة كانت بمزاولة نشاط مماثل للنشاط الذي يمارسة صاحب العمل في أثناء سريان عقد العمل؛ إذ يتعارض هذا البند مع عقود العمل لبعض الوقت والأعمال الحرة وحق العامل بالعمل في أثناء الإجازة؛ وذلك لتعزيز مستوى الدخل لديه.
  • المادة (111): يحظر تطبيق عقوبة الفصل أو أي عقوبة أخرى على ممثلي العمال في النقابات العمالية أو النقابات العامة القطاعية أو الاتحاد العام للعمال بسبب ممارستهم نشاطهم النقابي العمالي وفقًا لهذا القانون واللوائح والقرارات الوزارية الصادرة تنفيذا له، وأقترح أن تكون كالتالي: يحظر تطبيق عقوبة الفصل أو أي عقوبة أخرى على ممثلي العمال في النقابات العمالية أو النقابات العامة القطاعية أو الاتحاد العام للعمال بسبب ممارستهم نشاطهم النقابي العمالي ما لم تقر المخالفة من قبل لجنة تضم ممثلين من أطراف الإنتاج الثلاثة.

ويشاركنا سعيد الشريقي ببعض النقاط التطويرية والتطلعات المستقبلية التي يمكن أن يتضمنها قانون العمل، وهي:

  • حقوق العمال: توسيع حقوق العمال وضمان أجور عادلة وظروف عمل آمنة لهم.
  • العمل اللائق: دعم برامج تدريب العمال وتأهيلهم لتعزيز فرص العمل اللائق.
  • التوازن بين العمل والحياة الشخصية: تقليص ساعات العمل لتمكين العمال من تحقيق التوازن بين عملهم وحياتهم الشخصية.
  • الابتكار والريادة: تشجيع ريادة الأعمال، وتطوير بيئة مناسبة للابتكار والنمو الاقتصادي.
  • الحماية الاجتماعية: توفير نظام قوي للتأمين الاجتماعي والرعاية الصحية للعمال.
  • التكنولوجيا والعمل: وضع تشريعات تنظم تأثير التكنولوجيا على الوظائف، وضمان حماية العمال من الأضرار المحتملة للتطورات التكنولوجية.
  • الدور الحكومي: التحسين الإداري والأدائي للجهات الحكومية المسؤولة عن تنفيذ قانون العمل والقرارات واللوائح الوزارية المنظمة له.
  • الوضع الاقتصادي: دراسة الوضع الاقتصادي المحلي وتقييمه قبل اتخاذ أي تعديلات قانونية، وتحقيق التوازن بين حماية حقوق العمال وتحفيز الاقتصاد، إضافةً إلى زيادة فرص العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى