قضية العدد

الحد الأدنى للأجور

رشيد العامري، رئيس قسم الإعلام، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

يقال: كلما زاد  السُّقاة زاد الطلب على الماء، وفي خِضّم موجة التغيرات التي فرضتها الأوضاع الاقتصادية من إقرار بعض الضرائب، وارتفاع الأسعار، والرفع التدريجي للدعم عن عدد كبير من السلع والخدمات، وزيادة بعض الرسوم، وارتفاع نسب التضخم الذي بلغت معدلاته بنهاية مارس 2022 حوالي (3.6%)، دون أن تكون هناك مظاهر إيجابية للعمال أو معالجات وتحسينات طرأت على مستوى الأجور؛ مما أثارت تساؤلات كثيرة حول تلك الأوضاع، لعل أبرزها موضوع (الحد الأدني للأجور)، الذي لاقى صدى واسعا في مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الرقمي.

وتشير الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن حوالي 24% من المؤمن عليهم النشطين في نظام التأمينات الاجتماعية تتراوح أجورهم من 325 إلى 400 ريال فقط، كما تشير البيانات نفسها إلى أن حوالي نصف المؤمن عليهم يتقاضون أجرًا يقل  عن 500 ريال؛ وفي المقابل نجد أن متوسط إنفاق الأسرة العُمانية الشهري حوالي (757) ريالا وفق نتائج المسح الأخير  لدخل الأسرة ونفقاتها الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

وبناءً على ما تقدم؛ كان لا بد من أن نجيب عن أسئلة تدور في ذهن الكثير عن الحد الأدنى للأجور، منها: ما وضع الحد الأدنى للأجور في السلطنة؟ وهل تستوجب الأوضاع الراهنة تعديله؟ وما مسوغات تعديله في الفترة الحالية وآثارها؟ وما أثر وجود آلية وطنية محددة للمراجعة الدورية للحد الأدنى للأجور على البيئة الاستثمارية في السلطنة؟ كما سنتطرق في لمحة إلى دور النقابات العمالية في إيجاد معالجات لتحسين الحد الأدنى للأجور، والحلول المقترحة لمعالجتها وتحسينها من خلال آراء ووجهات نظر لمختصّين ومحللين وكتّاب ونِقابيين.

الحد الأدنى للأجور قيد الدراسة من قبل لجنة الحوار الاجتماعي

أكد سعادة الشيخ نصر بن عامر الحوسني، وكيل وزارة العمل للعمل في تصريح له أثناء احتفال الاتحاد العام لعمال السلطنة بيوم العمال العالمي 2022 أن لجنة الحوار الاجتماعي تعمل على مراجعة الحد الأدنى للأجور؛ إذ تضم 3 أطراف، هي وزارة العمل، والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان، وغرفة تجارة وصناعة عُمان، مشيرًا إلى أن موضوع الأجور جرت دراسته في الاجتماع الأول للجنة الفنية الثلاثية للحوار الاجتماعي، وستجري دراسته في الاجتماعات القادمة للوصول إلى اتفاق بين أطراف الإنتاج الثلاثة.

مؤشرات التعافي الاقتصادي تساهم في التسريع

وأوضح سعادته أن مؤشرات التعافي الاقتصادي في السلطنة والعالم ستساهم بلا شك في تسريع مراجعة الحد الأدنى لأجور القوى العاملة، وسيجري النظر إلى الأعداد الجديدة التي دخلت سوق العمل سواء من القوى العاملة الوطنية أو الوافدة، وهو مؤشر جيد على أن بعض القطاعات كالقطاع الصحي الخاص، وقطاع التعليم الخاص، وقطاع الإنشاءات قد بدأت فعلا في إظهار بوادر للتعافي والنمو.

وضع الحد الأدنى للأجور في السلطنة، وهل تتطلب الأوضاع الراهنة تعديله؟

ننظر للأجور أداةً للتنمية

ويقول نبهان بن أحمد البطاشي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال السلطنة: ما فرضته الأوضاع الاقتصادية في الآونة الأخيرة من إقرار بعض الضرائب، وارتفاع الأسعار، والرفع التدريجي للدعم عن عدد كبير من السلع والخدمات، وزيادة بعض الرسوم، وارتفاع نسب التضخم الذي بلغت معدلاته بنهاية مارس 2022 حوالي (3.6%)، يقودنا إلى أهمية إيجاد معالجات سريعة من قبل الحكومة لتحسين الحد الأدنى للأجور، وإقرار المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية، وإننا في الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان ننظر إلى الأجور أداةً للتنمية؛ فمنظمة العمل الدولية، منذ نشأتها قد اعتبرت أن العمل ليس سلعة؛ فقيمة الأجر لا يجب أن تخضع لقواعد العرض والطلب، وإنما تعتبر محورا وجزءا أساسيا لكرامة الإنسان وتطوره وضمان الحياة الكريمة له، مضيفًا إلى أنه عند الرجوع إلى القرارات السابقة المتعلقة بالحد الأدنى للأجور نجد أن آخرها كان القرار الوزاري رقم (٣٢٢/٢٠١٣) الذي حدد الحد الأدنى لأجور القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص بمقدار (٣٢٥) ريالا عمانيا، ومنذ ذلك الحين لم يُراجع الحد الأدنى للأجر رغم المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت خلال ما يقارب  عقد من الزمان على صدور ذلك القرار.

الإحصائيات مؤشر لضرورة التدخل السريع

ويشير البطاشي في حديثه: وفقًا للإحصائيات التي تنشرها الجهات المختصة يتبين بأن حوالي 24 % من المؤمن عليهم النشطين في نظام التأمينات الاجتماعية تتراوح أجورهم من 325 إلى 400 ريال فقط، كما تشير البيانات ذاتها إلى أن حوالي نصف المؤمن عليهم يتقاضون أجرًا يقل عن 500 ريال عماني. وفي المقابل نجد أن متوسط إنفاق الأسرة العُمانية الشهري حوالي (757) ريالا وفق نتائج المسح الأخير  لدخل الأسرة ونفقاتها، الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات؛ الأمر الذي يستدعي معه ضرورة التدخل السريع، وإيجاد المعالجات الكفيلة بتحسين مستوى الأجور للقوى العاملة الوطنية، وتحسين منظومة الحماية الاجتماعية بما يضمن الحياة الكريمة للعامل وأسرته.

جاهزية بعض القطاعات الاقتصادية لرفع الحد الأدنى للأجر

 ويؤكد نبهان البطاشي قائلًا: متى ما وُجدت الإرادة تجاه تحقيق هدف معين توافرت الحلول أو ما يؤدي إلى تنفيذها، ونحن في السلطنة، ولله الحمد، تتوفر لدينا من الدعامات والعوامل الإيجابية ما يساهم في إيجاد الحلول والمعالجات لتحسين الحد الأدنى لأجور القوى العاملة الوطنية التي تشكل حوالي 18% فقط من إجمالي القوى العاملة بمؤسسات القطاع الخاص؛ فالأوضاع الاقتصادية تتجه نحو التعافي، والتسهيلات التي تقدمتها الحكومة للشركات والمستثمرين، وخفض رسوم بعض الخدمات المقدمة لأصحاب العمل، وتأجيل تطبيق بعض الضرائب، إضافة لجاهزية بعض القطاعات الاقتصادية لرفع الحد الأدنى للأجر، مثل: قطاعات البنوك، والنفط والغاز، جميعها تصب في الاتجاه الذي يقلل من التبعات المالية على مؤسسات القطاع الخاص، والتي قد تنتج عن رفع الحد الأدنى لأجور القوى العاملة الوطنية، فضلاً عن مدى قدرة الدولة على تحمل بعض المسؤوليات في دعم الأجور لبعض الفئات من جراء التحسن الأخير في إيرادات الدولة؛ لكونها وسيلة اقتصادية معتبرة في الأزمات.

ويؤكد الدكتور أحمد بن عبد الكريم الهوتي، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان، ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والدراسات والبحوث بالغرفة على ضرورة أن تكون هناك آلية وطنية محددة للمراجعة الدورية للحد الأدنى للأجور خاصةً مع زيادة التضخم وغلاء المعيشة في السلطنة، وأن تكون هذه الآلية موضوعة وفق المعطيات والمستجدات التي تحصل في السوق؛ إذ إنه لا يوجد ارتباط حاليًا بين هذه المعطيات والأجور في القطاعين العام والخاص.

التفريق بين الدخل الفردي والإعالة

ويقول علي بن مسعود المعشني، كاتب صحفي ومحلل سياسي: عند الحديث عن الحد الأدنى للأجور علينا أن نعي جيدًا نقاط مهمة، وهي ضرورة وجود تعريف قانوني للفقر بالسلطنة، ولفئات ذوي الدخل المحدود والأسر المتعففة، وإحصاؤهم دوريًا، إضافةً إلى أهمية التفريق بين الدخل الفردي والإعالة؛ إذ إن الفرد العماني يعيل في المتوسط ما بين 5 إلى 7 أفراد وفق إحصاءات التعداد العام  للأسرة العُمانية وإنفاقها.

قطاعنا نفعي يقتات على صدقات الحكومة

ويوضح المعشني قائلًا: علينا التيقن بأنه لايوجد لدينا قطاع خاص بالمفهوم  الاقتصادي الفعلي، بل قطاع نفعي يقتات على صدقات الحكومة وحاجات الدولة والمواطن؛ لهذا فهو يعد عبئا على الدولة، ولن يكون رافدًا لها، ومن هنا علينا التذكير بأن كلفة الوافد أعلى من كلفة المواطن في الوظيفة العامة والخاصة من مجمل الراتب والمزايا من راتب وسكن وتأمين صحي وتجديد إقامة وتذاكر سفر … إلخ إضافةً إلى  التكاليف الأخرى، وهي أن المواطن يعيد تدوير مدخراته وخبراته في الوطن، بينما تذهب مدخرات الوافد وخبراته للخارج  بحكم إقامته فقط.

الحد الأدنى للأجور متدنٍ مقارنة بالدول المجاورة

ويشير د.حمود بن خميس النوفلي، أستاذ مشارك بقسم الاجتماع والعمل الاجتماعي بجامعة السلطان قابوس: إذا أردنا وضع الأمر في مساره الصحيح؛ يجب علينا أن نقوم بعمل مقارنة للحد الأدنى للأجور مع الدول المجاورة بنا، وهو بالمقارنة  متدنٍ، وما زاد الطين بِلة تعميم إلغاء الحد الأجور المرتبط بالشهادة، الذي أصبح يخضع لجميع العمال بمختلف مؤهلاتهم العلمية.

تحديد حد أدنى حسب النشاط يؤدي إلى تركز الشباب في نشاطات دون أخرى

ويضيف د.حمود إلى أن البعض يقترح تحديد حد أنى للأجور حسب النشاط الاقتصادي، ومن وجهة نظري لا أعتقد من المناسب أن نحدد الحد الأنى حسب النشاط الاقتصادي حتى لا تزيد الإشكالية في تركز الشباب في نشاط دون آخر؛  الأمر الذي قد يتسبب في كساد بعض الأنشطة الاقتصادية.

ويوضح النوفلي: لو افترضنا أن الحكومة قامت بدعم أجور القوى العاملة في مؤسسات القطاع الخاص فهذا أمر جيد في حال اتجهت الحكومة إلى الاعتماد على التوظيف في القطاع الخاص بنسبة (90%)، وهي ليست بحاجة للتوظيف في المؤسسات الحكومية، ولكن في المقابل كان التوظيف في القطاع الحكومي مهما؛ لأن الكثير من الخدمات التي تقدمها الحكومة هي من تنعش الجانب الاقتصادي، وتُحسن من بيئة الأعمال.

ويعول د.حمود مع تحسن الأوضاع الاقتصادية في السلطنة، وبدء تشغيل عدد من القطاعات الاقتصادية، والاسثمارات الخارجية المؤمل دخولها للسلطنة، أن يصاحبها رفع الحد الأدنى للأجور الحالي الذي لا يغطي مستوى المعيشة للفرد.

حالات كثيرة من الأسر المعسرة تتوافد على لجان الزكاة

ويتحدث سيف بن سعيد الشبلي، نائب رئيس لجنة الزكاة بولاية بوشر: إن المعيار الذي نعتمد عليه في تحديد الأسر المستحقة للزكاة هو نصيب الفرد من أجر دخل الأسرة، وهو (أجر المعيل للأسرة) ونقصد بالأسرة هنا الزوج والزوجة والأبناء؛ بحيث يكون نصيب كل فرد في الأسرة أقل من 100 ريال عُماني، وإذ ما افترضنا أن عاملًا في القطاع الخاص يستلم مبلغ الحد الأدنى للأجر (325) ريالًا وعدد أفراد أسرته 5؛ وبالتالي نصيب الفرد هنا (65) ريالًا، وتعتبر هذه الأسرة مستحقة للزكاة.

 ويوضح سيف الشبلي: اللجنة تستقبل حالات كثيرة من الأسر المعسرة، ولكن لا يمكن تضمينها من ضمن الأسر المستحقة للزكاة لعدم استيفائها لشروط استحقاق الزكاة، وأترك هنا المجال لك أيها للقارئ الكريم في البحث حول متوسط عدد الأفراد الذين يعيلهم العُماني؟ ونقارن ذلك مع المؤمن عليهم النشطين في نظام التأمينات الاجتماعية الذين يتقاضون أجور منخفضة؟ واطلع أيضًا على متوسط إنفاق الأسرة العُمانية الشهري وفق نتائج المسح الأخير لدخل الأسرة ونفقاتها الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات؟ لا جدال أن الأرقام والإحصائيات ستقودك إلى نتيجة فحواها أن الأجور لا تتناسب تمامًا مع غلاء المعيشة والأوضاع الاقتصادية الحالية للعمال، وآن الأون الإسراع في إيجاد معالجات لتحسين الحد الأدنى للأجور.

 800 ريال تفي بمتطلبات الحياة الأساسية فقط

سلطان بن سعيد المحروقي، رئيس نقابة عمال شركة كهرباء مجان يقول: إن تحديد الحد الأدنى للأجور ينبغي أن يتم وفق دراسات تعتمد على عدة مؤشرات، من بينها الظروف الاقتصادية والتضخم، ومستويات المعيشة، ومتوسط معدلات الأجور السائدة للأعمال في الدول المتشابهة الظروف، ولو أسقطنا هذه المؤشرات على الأوضاع المعيشية الحالية في السلطنة، نجد أن مبلغ 800 ريال يفي فقط بمتطلبات الحياة الأساسية بدون فائض للرفاهية أو الادخار؛ لذلك يجب أن يُزايد هذا المبلغ سنويًا حسب معدلات التضخم.

العدالة في الأجور يعزز المؤشرات التنافسية

ويضيف سلطان المحروقي: إن تحقيق العدالة الاجتماعية في الأجور يجب أن يكون له مقاييس واقعية تساهم في تعزيزها؛ الأمر الذي يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي للدول، كما أنه يساهم في تنشيط عجلة الاقتصاد، وتحريك سوق العمل، وإيجاد مناخ تجاري، ورفع مؤشرات التنافسية في كل المستويات، بينما لو أُهمل هذا الجانب سيكون له عواقب وخيمة ونتائج كارثية على الدولة بشكل عام.

بين (800-900) ريال الحد الأدنى المناسب

ويشارك سلطان بن علي الجهوري، رئيس نقابة عمال شركة حديد صحار قائلًا: الحد الأدنى للأجور في السلطنة يتعارض مع متطلبات الحياة، ولا يمكّن المواطنين من تلبية حاجاتهم ومستلزماتهم، وهو بمثابة حجر عثرة أمام أحلام الشباب وطموحاته، الذي يسعى إلى تشكيل أسرة بناءً على ضمان أمان وظيفي، ومن وجهة نظري أرى بأن الحد الأدنى للأجور الذي يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الحالية هو بين (800-900) ريال.

تحسين الحد الأدنى للأجور يساهم في:

  • جذب الكفاءات والمحافظة عليها.
  • الاستقرار الوظيفي.
  • النمو الاقتصادي على المدى البعيد.

ويعتقد سلطان الجهوري أن إيجاد معالجات لتحسين الحد الأدنى للأجور يبعد الكثير من المواطنين من الوقوع في فخ الديون، وهذه التحسينات تساعد في الدفع بعجلة التوطين المأمولة، وتوفر بيئة عمل جاذبة ومناسبة، وتخلق استقرارا وظيفيا للمواطن في القطاع الخاص، إضافةً إلى أنها تساعد على النمو الاقتصادي على المدى البعيد، وزيادة الإقبال لدخول سوق العمل، مشيرًا إلى أن هذه التحسينات تساهم كذلك في جذب أفضل للمواهب والحفاظ عليها، وانتعاش معدلات السيولة بالأسواق.

أثر وجود آلية وطنية محددة للمراجعة الدورية للحد الأدنى للأجور على البيئة الاستثمارية في السلطنة

الحد الأدنى للأجور  ينبغي مراجعته كل 6 أشهر  على الأقل

ويضيف د.حمود النوفلي: وجود آلية وطنية محددة للمراجعة الدورية للحد الأدنى للأجور له أثر على البيئة الاستثمارية في السلطنة، وهو أمر ضروري، لا مناص منه؛ نتيجة مستويات التضخم التي تختلف وفقًا للظروف الاقتصادية والسياسية في العالم بشكل عام، وكذلك نتيجة تحسن الجانب الاقتصادي، وزيادة فرص التوظيف والمنافسة بين المؤسسات؛ فالحد الأدنى للأجور ينبغي مراجعته كل 6 أشهر  على الأقل و كل 12 شهرا على الأكثر.

أجر أكثر قدرة شرائية أفضل

ويوضح نبهان البطاشي قائلا: إن الانسياق وراء الآراء التي تحذر من مخاطر رفع الحد الأدنى للأجور؛ لكونه السبب في ارتفاع الأسعار، وإغلاق المؤسسات، وحجب الاستثمارات، ولكونه المستهدف الأول عند الأزمات في ظل عدم إجراء مراجعة للسياسة الاقتصادية ككل، جميعها آراء تتناسى بأن القدرة الشرائية والاستهلاكية للعمال في تدنٍ مستمر؛ فتصبح القروض البنكية ملاذ العمال من أجل الاستجابة إلى حاجاتهم اليومية، مؤديا ذلك ككل إلى تقليص مستوى الطلب على السلع والخدمات، وخفض الإنتاج بشكل عام في المقابل؛ مما يؤدي إلى انخفاض الحاجة للوظائف وزيادة أعداد الباحثين عن عمل، والانكماش المالي، وما الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى في الثلاثينيات من القرن الماضي إلا مثال لما يمكن أن ينجم عن سياسات انخفاض الأجور ومستوى الدخل، وما تعانيه الكثير من مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة وبعض قطاعات الدولة الاقتصادية من تأثيرات ما هو إلا نتيجة لتدني القدرة الشرائية للأفراد كأحد المسببات الرئيسية. 

دور الهياكل النقابية

التشاور الكامل بين الشركاء الاجتماعيين

ويضيف نبهان البطاشي: إن مراجعة الحد الأدنى للأجور ينبغي أن تقوم على التشاور الكامل بين الشركاء الاجتماعيين؛ إذ تشجع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (131) على إنشاء نظامٍ للحد الأدنى للأجور، واعتماد مبدأ التشاور بشأنه مع الشركاء الاجتماعيين، وإنشاء آلية لتعديله بين فينةٍ وأخرى، يراعى عند تحديده حاجات العمال وأسرهم، واعتماد التدابير المناسبة لضمان تطبيقه؛ الأمر الذي يقودنا  بشكل واضح إلى أن تلك المراجعة إنما تكون في إطار آلية محددة وخطط بعيدة المدى لتحقيق أهدافها، وتتخذ من معايير العمل الدولية أساسًا ومرجعًا، بما يتلاءم مع متطلبات الحياة والأوضاع الاقتصادية الراهنة، وتوجهات الحكومة في جعل القطاع الخاص قطاعًا جاذبًا للكفاءات والقوى العاملة الوطنية؛ ونؤكد أن دور الاتحاد العام لعمال السلطنة والاتحادات والنقابات العمالية أساسي في العملية الاقتصادية وليس خارجًا عن المألوف؛ لأن استقرار الأوضاع الاقتصادية يرتبط ويؤثر مباشرة على علاقات العمل الفردية والجماعية والعدالة الاجتماعية بشكل عام وقضايا التنمية القائمة على مشاركة أوسع للشباب والنقابات العمالية.

ويكمل البطاشي قائلا: إن إشراك الأطراف ذات العلاقة في صنع القرارات من شأنه  أن يجنب الآثار السلبية لتلك القرارات، وهنا يجب تفعيل الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج الثلاثة (العمال والحكومة وأصحاب العمل)، ويجب أن تقوم النقابات بدور فعال في هذا الجانب، وأن تسعى بمختلف هياكلها لإشراكها في قرار تحديد الحد الأدنى للأجور، كما يجب على الحكومة  أن تلتفت  إلى مطالب  الهياكل النقابية؛ لكونها عنصرا مهما من عناصر الإنتاج.

ويتحدث سلطان الجهوري عن دور النقابات قائلًا:  إن للنقابات العمالية دورا في إيجاد آلية ملزمة للقطاع الخاص من خلال رفع سقف الرواتب التي يتم منحها للعاملين، والعمل على إقرار منظومة معينة للحوافز لتشجيع العمال على الإنتاجية، ووضع برامج تأهيل وتدريب وتثقيف للقوى العاملة الوطنية لزيادة إنتاجيتهم؛ مما يساهم في تغيير النظرة والفكرة السائدة لدى البعض بأن القوى العاملة الوطنية  ليست بالمستوى المطلوب من الإنتاجية في بيئة العمل.

الحلول المقترحة

إنشاء لجنة وطنية تضم كافة الأطراف المعنية

ويؤكد  نبهان البطاشي مطالبته بضرورة إنشاء لجنة وطنية، تضم كافة الأطراف المعنية بمراجعة الحد الأدنى للأجور وتعديله، ووضع الأطُر والآليات المناسبة لتنفيذ ذلك، إضافة إلى استحداث نظام مؤقت خاص لدعم أجور العمال منخفضي الدخل ضمن قانون الحماية الاجتماعية بالتوازي مع التزام مؤسسات القطاع الخاص بتحديد إطار زمني محدد لتحسين أجور العاملين بها، وتشجيع مبادرات رفع الأجور.

دعم الحكومة لذوي الأجور المنخفضة

ويضيف الدكتور أحمد الهوتي: إذا اقتربنا أكثر نستطيع القول أن الأجور ترتبط بطبيعة العمل وإنتاجيته، وهذا الموضوع في حد ذاته يحتاج إلى مراجعة ودراسة، مقترحًا أن تقدم الحكومة مساعدة مالية لذوي الأجور المنخفضة إلى أن تتحسن أوضاعهم لمواجهة هذه الظروف.

المراجعة المتأنية والتعاون بين أطراف الإنتاج الثلاثة

ويؤكد الدكتور أحمد الهوتي بأن الأجور في السلطنة إجمالًا متدنية، واليوم أقل أجر يجب أن يكون من 500 إلى 600 ريالا؛ نظرًا لزيادة التضخم، وغلاء الأسعار، ورفع الدعم عن بعض  الخدمات، مثل: الكهرباء والماء…الخ، ولكن من يتحمل هذه التكلفة؟  مضيفًا أن الإنتاجية في السنوات الثلاث الأخيرة تراجعت  بنسبة (50%) تقريبًا، وهذا التراجع يضر بالقطاع الخاص، ويجعل العملية مرهقة ومتعبة لأي استثمار يقام في البلد؛ الأمر الذي يتطلب المراجعة المتأنية، والتعاون بين أطراف الإنتاج الثلاثة، ومشاركة الجهات ذات العلاقة.

استحداث علاوات جديدة ودائمة

ويضيف على المعشني: يجب عند الحديث عن حدود الرواتب وجداولها النظر إلى حجم الأسرة العمانية وواجبات الإنفاق للفرد العماني ومسؤوليته الاجتماعية تجاه من يعول، وهنا لابد من  استحداث علاوات جديدة ودائمة براتب الموظف العماني، كعلاوة زواج، وعلاوة أبناء، وعلاوة شهادة…الخ.

ويكمل المعشني: حين نتحدث عن راتب الموظف العماني في أي من القطاعين العام والخاص لا نغفل أن نستحضر أمرين، هما: أيهما أفضل زيادة الراتب والعلاوات، أم السيطرة على معيشة المواطن وإنفاقه عبر استحداث خدمات وخطط تيسر امتلاكه للسكن بأقساط مريحة، وتفعيل بطاقة تموين تمكنه من شراء فائض المواد الغذائية من الاحتياط العام للدولة، والإبقاء على  دعم المحروقات والكهرباء والماء.

دعم الحكومة الفارق في الرواتب

ويقترح سلطان الجهوري لمعالجة وتحسين الحد الأدنى للأجور العمل على استحداث صندوق يهتم بدعم كافة الفوارق الموجودة والمتعلقة بالرواتب الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، وربط حصول المناقصات الحكومية بنسب التوطين لديها، والعمل على تعزيز بعض الوظائف العليا للمواطنين؛ لذلك يكمن الحل  في التدخل الحكومي من خلال دعم الفارق في الرواتب الذي يضمن حقوق العمال والموظفين من خلال مظلة حكومية، والعمل على إزالة الفوارق الموجودة في صناديق التقاعد المعمول بها في السلطنة، ورفع الحد الأدنى  للراتب التقاعدي.

المراجعة الدورية وفقًا للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية

ويوضح المحروقي: التصميم الدقيق والتحديد العادل للحد الأدنى للأجور من أهم ركائز الاقتصاد في الدول، ويجب أن يكون مقبولًا لكل الأطراف؛ بحيث لا يكون قليلًا؛ مما يوقع الظلم على العامل، وما يترتب عليه من نتائج، ولا يكون مرتفعًا؛ وبالتالي يؤدي إلى خسارة الشركات، وربما إعلان إفلاسها، والأهم من ذلك أن يتم مراجعته بشكل دوري وفقا للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ولا يتأتى ذلك إلى بإشراك جميع الأطراف في لجنة حوار  اجتماعي تختص بهذا الجانب، لتضمن حقوق الجميع بدون ضرر ولا ضرار.

خلاصةً لما  تقدّم نستطيع القول أن معظم الآراء اتفقت على أهمية إيجاد الحلول والمعالجات لتحسين الحد الأدنى للأجور للقوى العاملة الوطنية بمنشآت القطاع الخاص، وقد تنوعت منهجية هذه الحلول بين المؤقتة والدائمة والقصيرة المدى والبعيدة المدى، نوجزها في التالي:

حلول ومقترحات ومعالجات لتحسين الحد الأدنى للأجور

  • إنشاء لجنة وطنية، تضم كافة الأطراف المعنية بمراجعة الحد الأدنى للأجور وتعديله، ووضع الأطُر والآليات المناسبة لتنفيذ ذلك.
  • استحداث نظام مؤقت خاص لدعم أجور العمال منخفضي الدخل ضمن قانون الحماية الاجتماعية؛ بالتوازي مع التزام مؤسسات القطاع الخاص بتحديد إطار زمني لتحسين أجور العاملين بها.
  • التدخل الحكومي من خلال دعم الفارق في الرواتب الذي يضمن حقوق العمال والموظفين من خلال مظلة حكومية، والعمل على إزالة الفوارق الموجودة في صناديق التقاعد المعمول بها في السلطنة، ورفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي.
  • منح الحكومة مساعدة مالية لذوي الأجور المنخفضة إلى أن تتحسن أوضاعهم، إضافةً إلى تشجيع مبادرات رفع الأجور.
  • استحداث علاوات جديدة ودائمة براتب الموظف العماني، كعلاوة زواج، وعلاوة أبناء، وعلاوة شهادة…الخ
  • المراجعة المتأنية، والتعاون بين أطراف الإنتاج الثلاثة والجهات ذات العلاقة لتحسين الحد الأدنى للأجور.
  • استحداث خدمات وخطط تُيسر امتلاك المواطن للسكن بأقساط مريحة، وتفعيل بطاقة تموين، تمكنه من شراء فائض المواد الغذائية من الاحتياط العام للدولة، والإبقاء على الدعم للمحروقات والكهرباء والماء.
  • استحداث صندوق يهتم بدعم كافة الفوارق الموجودة والمتعلقة بالرواتب الخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة.
  • العمل على تمكين المواطنين بشكل أكبر في الوظائف العليا.
  • مراجعة الحد الأدنى للأجور بشكل دوري وفقًا للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.
  • إعداد دراسة مشتركة بين أطراف الإنتاج الثلاثة والجهات ذات العلاقة حول القطاعات الاقتصادية المهيأة لرفع الحد الأدنى للأجور كمرحلة أولى، ومن ثم تهيأة القطاعات الأخرى، وتمكينها لرفع الحد الأدنى للأجور بها كمرحلة لاحقة.
  • إيقاف العمل بتعميم إلغاء الحد الأجور المرتبط بالشهادة الذي أصبح يخضع للجميع بمختلف مؤهلاتهم العلمية.
  • تحديد الحد الأدنى للأجور وفق دراسات تعتمد على عدة مؤشرات، من بينها الظروف الاقتصادية والتضخم، ومستويات المعيشة، ومتوسط معدلات الأجور السائدة للأعمال في الدول المتشابهة الظروف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى