تعاطي المؤثرات العقلية وإدمانها في بيئة العمل
رشيد العامري، رئيس قسم الإعلام، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
العامل المدمن ليس مجرمًا… وإنما ذو حالة مرضية
محمد عامل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، ومن المتفوقين في العمل، سمع من أحد زملائه بوجود حبوب تساعد على التركيز والاستيعاب، ففكر في الأخذ منها وتجربتها ظنا منه أنها ستعينه في الحصول على تركيز ونشاط أعلى، ومن ثم ستزيد إنتاجيته في العمل، وسيساهم ذلك بشكل تدريجي في ترقيه ووصوله إلى المنصب الذي يطمح إليه، والتخفيف من ضغوطات العمل التي يواجهها حسب وجهة نظره.
بدأ محمد بتناول نصف حبة من المنشطات يوميًّا، ولاحظ بأن تركيزه ونشاطه قد زاد فعلا، وكانت تساعده على البقاء منتبهًا طَوال وقت العمل، إلا أنه بعد مرور عِدة أيام وجد أن نصف حبة لا تفي بالغرض فبدأ بزيادة الكمية تدريجيًّا حتى يحصل على نفس الشعور والنشاط إلى أن وصل به الحال إلى تناول عدة حبات في اليوم الواحد.
بدأت بعدها تظهر مشكلات أخرى لمحمد، منها التغيب عن العمل، والإحساس بالتعب والإرهاق عند عدم تناول هذه الحبوب، كما أنها بدأت ترهقه ماديًا، ولم يتمكن من شراء تلك الكميات الكبيرة من مصروفه الخاص.
لذلك؛ لجأ محمد إلى اقتراض المال من زملائه في العمل بأعذار مختلقة، ومن ثم أخذ المال من والديه وأسرته دون علمهم، ووصل به الحال لبيع ذهب والدته دون علمها، وما إلى ذلك من الاستيلاء على أغراض المنزل لبيعها، لتؤول به الأوضاع إلى عِدة نتائج، من ضمنها تدهور أدائه الوظيفي، وتغيبه عن العمل، وتعرفه على مجموعة من رفقاء السوء، والتغيب عن المنزل لفترات طويلة والعودة إليه في أوقات متأخرة من الليل؛ مما أوقعه في العديد من المشكلات والخلافات مع عائلته، وصار عدوانيًا مع أهله وزملائه في العمل، وباتت تراوده وساوس بأنه مراقب طَوال الوقت، إلى أن قُبض عليه في حالة تعاطٍ لهذه المنشطات، وأُحيل للمحاكمة، وفُصل من العمل وهو في ريعان شبابه وفي ذروة عطائه.
كثيرا ما نسمع أو نقرأ عن قصص مشابهة لقصة محمد، موظف متفوق ومنجز في عمله آل به تعاطي مثل هذه المنشطات إلى تدهور مستواه العملي، وتعرضه إلى مشكلات وتحديات نفسية واجتماعية وقانونية، وباعتبار أن القطاع الخاص قطاع متشعب، يضم فئة كبيرة من العاملين الذين يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع، والتي قد تتعرض لمثل هذه الحالات في بيئة العمل، ونظرًا للأضرار البشرية والمادية الجسيمة الناجمة من جراء عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة في التعامل مع العامل المدمن على المؤثرات العقلية، منها تعريض سلامته وسلامة زملائه للخطر في بيئة العمل، ولأهمية التوعية بهذه القضية، والسعي لاستخلاص الحلول المناسبة لها من وجهة نظر مختصين تُجنّب أو تنقل العامل المدمن إلى بر الأمان، كان لا بد من تسليط الضوء على هذه القضية وأسبابها، ومناقشة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، والتعرف على الإجراءات المناسبة للتعامل مع العامل المدمن، علاوةً على الاطلاع على بعض الممارسات التي تقوم بها الشركات في هذا الشأن، ومدى جودة الخدمات الصحية المقدمة للمتعاطين، ودور القطاع الخاص في تحسينها، والأدوار التي يمكن أن تقوم بها النقابات العمالية في التقليل من حالات الإدمان في بيئة العمل، والتعامل مع الحالات المكتشفة منها، وكذلك الحلول والمقترحات للحد أو التقليل من الإدمان في بيئة العمل، والسبل المناسبة للتعامل مع الحالات المكتشفة.
ويشير تقرير المخدرات العالمي لعام 2021 الصادرعن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن حوالي 275 مليون شخص تعاطوا المخدرات في جميع أنحاء العالم في عام 2020، في حين عانى أكثر من 36 مليون شخص من اضطرابات تعاطي المخدرات.
كما كشفت نتائج دراسة نشرتها وزارة التنمية الاجتماعية حول واقع تعاطي المخدرات بين الأطفال والشباب في المجتمع العماني أن 71% من الشباب والأطفال الذين شملتهم الدراسة بدأوا بتعاطي المخدرات للمرة الأولى مع أحد الأصدقاء، و55% منهم تعاطوا المخدرات للمرة الأولى مع أقران في مثل أعمارهم، بينما أشارت الدراسة إلى أن مجموعة من المتعالجين من الإدمان ما زالوا يتعاطون المخدرات رغم خضوعهم لبرامج علاجية، وأن أصغر سن لتعاطي المخدرات من العينة التي شملتها الدراسة هو 12 عامًا؛ إذ يمثل الأطفال والشباب 69% من إجمالي المسجلين في بيانات السجل الوطني العماني لمتعاطي المخدرات.
مسببات الإدمان
د.حارث بن حمود العامري، اختصاصي طب نفسي بقسم علاج الإدمان بمستشفى المسرة يقول: أسباب الإدمان تبقى متشابهة عند جميع المتعاطين، ومنها أسباب متعلقة بالمادة المتعاطاة نفسها، كتوافرها، ورخص ثمنها، وتأثيرها المؤقت كزيادة النشاط، أو المساعدة على النوم، ومنها أسباب تتعلق بالشخص نفسه كضعف الشخصية، والقلق والاكتئاب، والتي قد تدفع به لتعاطي تلك المواد للخروج من القلق أو الضيق، وكذلك وجود أحد الأقارب المدمنين، والبيئة المحيطة كرفقاء السوء.
الرضا الوظيفي المنخفض
وتضيف بثينة بنت سالم الوهيبية، اختصاصية اجتماعية بمستشفى المسرة: أسباب الإدمان تكمن في سهولة الوصول إلى المواد في بيئة العمل، والرضا الوظيفي المنخفض، وساعات العمل الطويلة، وعدم وجود برامج ترفيهية ودينية في بيئات العمل التي تتطلب السكن بعيدًا عن الأسرة، إضافةً إلى ضغوطات العمل، وعدم التعامل معها بالشكل الصحيح، وضعف الإشراف والرقابة في بعض بيئات العمل، والقصور في تطبيق الإجراءات الخاصة في الوقاية والكشف والتعامل والعلاج.
البيئة المناسبة للتعاطي
وتكمل مروة بنت حسام المعولية، اختصاصية علاج نفسي، الحديث عن أسباب التعاطي: هناك أسباب تتعلق بتوفر البيئة المناسبة للتعاطي وطبيعة العمل وأوقاته كالبعد عن الأهل، ووجود أوقات فراغ لدى العامل ينعزل فيها لفترات طويلة، وكذلك توفر المال الكافي لشراء المؤثرات العقلية.
الضغوطات النفسية، وضعف الوازع الديني
ابتسام بنت نصير اللمكية، مسؤولة علاقات الموظفين بشركة تنمية نفط عمان تقول: من وجهة نظري تعاطي المؤثرات العقلية يعتمد على البيئة التي يعيش فيها العامل؛ فهناك مواقع عمل بسبب سهولة دخولها من قبل المروجين، يتفشى فيها حالات التعاطي أكثر، إضافةً إلى ضعف الوازع الديني، والتعاطي من أجل الهروب من المشكلات والضغوطات النفسية.
الغربة، وساعات العمل الطويلة
ويتطرق محمد بن إبراهيم الزدجالي، الفائز بجائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي، المركز الأول لعام ٢٠١١، إلى الأسباب قائلًا: من أهم أسباب دخول العامل في مستنقع المخدرات والمؤثرات العقلية رغم علمه في الغالب بخطورتها هي الغربة، وساعات العمل الطويلة كالعاملين في المناطق الصحراوية، والضغوطات النفسية والجسمية في بيئة العمل، فيبحث العامل عن مهرب يجد فيه الراحة من وجهة نظره ليلجأ إلى تعاطي المؤثرات العقلية، كما أن هناك أسباب تتعلق بالظروف الاجتماعية للعامل كالتفكك العائلي أو فقد شخص عزيز عليه اعتقادًا منه أن تعاطي هذه المؤثرات تُنسيه وتبعده عن التفكير في تلك الظروف.
هل فصل العامل المدمن هو الحل؟
ويوضح محمد الزدجالي بعض الممارسات التي تقوم بها الشركات في التعامل مع العامل المدمن: تلجأ بعض الشركات إلى تطبيق العقوبات على العامل المدمن بشكل مباشر بفصله من العمل لوجود مواد قانونية واضحة خاصةً على العامل الذي لا يعترف طوعًا بذلك؛ لعدة أسباب، منها خطورة الموقع الذي يعمل به، وقد يكون بسبب تماديه في تعاطي المؤثرات العقلية، وارتكابه لأخطاء أثرت في سمعة المؤسسة وأمنها وسلامتها، كما تقوم بعض الشركات بتخيير العامل في تقديم استقالته بدلًا من فصله عن العمل؛ مما ينتج عن ذلك أضرار مادية بفقده لوظيفته ومصدر دخله الوحيد، وما إلى ذلك من تراكم الديون عليه، وكذلك أضرار اجتماعية، تتمثل في عدم قدرته على توفير احتياجات والتزامات أسرته. أضف إلى ذلك أن الوضع قد يتفاقم إلى أن يلجأ العامل لبيع ممتلكاته الخاصة وممتلكات أسرته، ويتعدّى على ممتلكات الآخرين، وبيع المخدرات؛ بهدف ضمان مصدر دخل له وتوفير الجرعات التي يتعاطها.
هي كفاءات يجب أن يؤخذ بيدها
ويضيف الزدجالي: الشركة تخسر عندما تفصل العامل المدمن؛ فمن خلال تعاملي واطلاعي على حالات كثيرة أجد أن الغالب منهم متميزون وذوو كفاءات ومهارات عالية، أوصلهم الحال لهذا الوضع نتيجة رفقاء السوء، وحب التجربة والاستطلاع، وضعف الوازع الديني، إضافةً إلى ذلك أن تجار المخدرات ومروجوها يستهدفون هذه الفئة المتميزة لأجورهم العالية.
تبعات وخيمة
وترى بثينة الوهيبية أن فصل العامل في حال اكتشافه بتعاطي المؤثرات العقلية ليس الخيار الأمثل؛ نظرًا للتبعات الوخيمة التي ستلاحقه تباعًا، فمن الناحية الصحية قد تزيد حالته سوءًا في التعاطي أو قد يصاب بأمراض نتيجة تعاطيه، مثل الالتهاب الكبدي والإيدز، وكذلك من الناحية القانونية قد يدخل في قضايا قانونية، وغيرها من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية لفقده مصدر دخله، وتراكم الديون عليه؛ وبالتالي تتفكك أسرته، والتي تصل في بعض الحالات إلى الطلاق.
وتصف الوهيبية فصل العامل المدمن عن العمل يعد تعاملا مخطئا؛ إذ يجبر العمال الآخرين على عدم الإفصاح في حالة وقوعهم في مستنقع الإدمان، ولا يطلبون المساعدة خوفًا من تطبيق العقوبة وفقد الوظيفة؛ وبالتالي يؤدي ذلك إلى زيادة عدد المتعاطين في بيئة العمل، مضيفةً أنه ومن خلال ممارستها العملية مع المدمنين غالبًا ما يكون التعاطي في مجموعات بمعنى أن هناك احتمالية كبيرة أن يكون هناك أكثر من شخص مدمن في بيئة العمل ذاتها.
عدم الاستقرار النفسي والمالي
وتقول ابتسام اللمكية في هذا الجانب: بلا شك أن فصل العمال المدمنين عن عملهم يترتب عليه عدم الاستقرار المالي والنفسي للأفراد، خصوصًا رب الأسرة وعدم إمكانية استمراره في إعالة أسرته؛ مما يؤدي إلى تفشي جرائم العنف، وحالات الطلاق، والتفكك الأسري، وتزايد حالات الأمراض النفسية المزمنة، وأمراض الاضطرابات العقليّة.
وتضيف ابتسام اللمكية: لا نغفل أيضًا أن هناك أضرارًا محتملة على الشركة؛ نتيجة عدم التعامل الأمثل مع العامل المدمن أو تجاهله؛ فالمدمن يعرض حياة زملائه للخطر، خصوصًا إذا كان يعمل في وظيفة حساسة كالتعامل مع المعدات والآلات أو قيادة مركبة وغيرها…، وكذلك تأثر سمعة الشركة الذي يؤثر في تعاقدها مع الجهات والشركات الأخرى، ومن جانب آخر تفقد الشركة بفصلها للعمال المدمنين كوادر فعالة تؤثر في إنتاجيتها.
وتشير مروة المعولية إلى أن أغلب الشركات تستثمر الكثير من الوقت والمال على عمالها من حيث التدريب والتطوير؛ فعندما تقوم بتسريح العمال المدمنين بشكل مستمر؛ فهي حتما ستضطر لتوظيف عمال آخرين، وتبدأ الاستثمار فيهم من جديد؛ مما يكلفها مبالغ مالية جديدة.
ما الإجراءات المتبعة للتعامل مع حالات الإدمان (المؤثرات العقلية) في بيئة العمل، وضمان عدم انتشاره؟
التوعية والتوجيه
د.حارث العامري يقول: هناك العديد من الإجراءات الواجب اتباعها لضمان عدم انتشار الإدمان (المؤثرات العقلية) في بيئة العمال، أهمها التعريف والتوعية بالمؤثرات العقلية ومخاطرها، وتوضيح سياسة الشركة للعامل عند توقيع عقد العمل فيما يخص المواد الممنوعة بأنواعها، إضافةً إلى توفير البيئة المناسبة للعمل، وتخفيف الضغط على العمال، وإتاحة المجال لهم للتعبير عن مشكلاتهم الشخصية المتعلقة بالعمل ومناقشتها معهم، واقتراح الحلول لمعالجتها، كما أن وجود المختص النفسي والمرشد الاجتماعي في العمل له الدور في الدعم النفسي والاجتماعي للعمال، وكذلك أهمية توجيه العامل للعلاج عند اكتشاف المشكلة في بداية حدوثها.
وضع بروتوكول يتضمن سياسات التعاطي
وتضيف بثينة الوهيبية: من المهم وضع بروتوكول يتضمن السياسات الخاصة في التعامل مع حالات التعاطي والاشتباه، تتضمن الفحص والتفتيش في بيئة العمل، والإبلاغ عن زميل العمل الذي تظهر عليه علامات التعاطي، والمتورط في ترويج مواد الإدمان في بيئة العمل والسياسات التي تضمن الاستجابة الصحيحة لأزمة تعاطي المخدرات، وتحديد الأساليب والأدوات لمعالجة الأزمة؛ تتضمن تسهيل عملية علاج الموظف، ودعمه من جميع النواحي بما يشجع الموظفين الآخرين على الكشف عن حالات التعاطي في بيئة العمل.
تحفيز العمل الجماعي، والأنشطة الجماعية
وتكمل مروة المعولية: من الإجراءات التي تقلل من انتشار المؤثرات العقلية في بيئة العمل نشر الوعي بين العمال عن أضرارها، وتحفيزهم على استخدام إجازاتهم وأوقات الراحة بشكل منتظم حتى لا يصلوا لمرحلة الإجهاد الذي قد يدفعهم للجوء للمنشطات، بالإضافة إلى أهمية تحفيز العمل الجماعي والأنشطة الجماعية في بيئة العمل للحد من انعزال العمال لفترات طويلة؛ إذ إن الإدمان مرض يستمد قوته من العزلة؛ فكلما انعزل الفرد زادت أفكار التعاطي لديه.
لا تخشَ الإفصاح
وتقول ابتسام اللمكية: تدرك الشركة أن الكحول أو إدمان المخدرات حالات قابلة للعلاج، وتحث كل من يرى نفسه مدمنًا لهذه المواد أن يسارع في طلب العلاج والمساعدة من الشركة، لتقوم الشركة بدورها بتقديم المساعدة وفق برنامج إعادة التأهيل عن طريق الدائرة الطبية في الشركة.
وتوضح اللمكية: إذا جرى اكتشاف إدمان الكحول أو المخدرات بوسائل أخرى غير الإفصاح عن الذات، اعتمادًا على الظروف، فقد يجري تقديم المساعدة من خلال القسم الطبي بالشركة، ويمكن للشركة أن تمنح المدمن في طور التأهيل فترة غياب محدودة وبأجر مدفوع؛ وذلك حسب تقديرات الشركة وحدها، ولكن المشاركة في برنامج تأهيلي لا يعطي عذرًا للمدمن لكي يرتكب حالات سوء سلوك أخرى، والتي -إن وقعت- ستعتبرها الشركة قضية منفصلة تستوجب اتخاذ الإجراءات التأديبية الملائمة، وفي حال وجد الموظف تحت تأثير المخدرات في العمل، فستتخذ الشركة الإجراء المناسب وفقًا لقانون العمل العماني.
وتكمل: يجب أن تقوم الشركات ببناء حلقة التواصل مع الموظفين بشكل دوري وتوعيتهم وتثقيفهم في كل ما يتعلق بالمخدرات، وتسليط الضوء على أضرار التعاطي ومدى تأثيره من خلال تقديم ندوات ومحاضرات في أماكن العمل باستخدام وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة، ومشاركتهم بتجارب وقصص نجاح حدثت للآخرين، بالإضافة إلى توفير الخدمات المساعدة للموظفين الذين يعانون من الإدمان، ولديهم الرغبة في الإقلاع عنه ومعالجته.
الإدمان ليس جريمة وإنما حالة مرضية
ويرى محمد الزدجالي أن هناك عِدة آليات يمكن أن تتعامل بها الشركة مع العامل المدمن، وهذا يندرج ضمن مسؤوليتها الاجتماعية تجاه هذا العامل؛ بحيث لا تخلي مسؤوليتها عنه بشكل مباشر، وعلى سبيل المثال لا الحصر تمنحه إجازة بدون راتب بعد التأكد من مصداقيته ورغبته في العلاج؛ ليتمكن من العلاج، وتسانده في ذلك، وبعدها يعود للعمل، وهناك من التجارب الواقعية التي قامت بها بعض الشركات في هذا المجال.
هناك وظائف أكثر عرضة للتعاطي
وبشأن الدراسات أو الإحصائيات التي تبين نسبة انتشار المخدرات بين القطاعات الاقتصادية بالسلطنة، يقول د.حارث العامري: لا توجد دراسات أو إحصائيات متعلقة بهذا الشأن، ولكن يمكن القول أن نسبة التعاطي تزيد كلما توافرت الأسباب المؤدية لها، كما أن هناك وظائف أكثر عرضة للتعاطي والمتعلقة أغلبها بالاعتماد على الجهد البدني والنفسي، وكذلك المتعاملون مع المواد المخدرة، وسهولة وصولهم إليها بحكم طبيعة وظائفهم.
العاملون في قطاع النفط والغاز أكثر عرضة للإدمان
ويشير محمد الزدجالي: حسب خبرتي وتعاملي مع المدمنين، أستطيع القول بأن أكثر القطاعات عرضة لدخول العاملين فيها إلى عالم الإدمان وتعاطي المؤثرات العقلية هو قطاع النفط والغاز؛ نظرًا لساعات العمل الطويلة، علاوةً على أن فئة كبيرة من العاملين في القطاع أجورهم عالية، وهذه الفئة تكون مستهدفة من قبل تجار المخدرات ومروجيها.
اللائحة تلزم أصحاب العمل بالفحص الدوري للعمال في عدة قطاعات
وقد عُدلت اللائحة التنظيمية لتدابير السلامة والصحة المهنية في المنشآت الخاضعة لقانون العمل بالقرار الوزاري رقم 133/2018 بإلزام أصحاب العمل في المنشآت العاملة في (قطاع النفط والغاز، وقطاع الموانئ والمطارات، وقطاع الكهرباء والمياه) بإجراء الفحوصات الطبية الدورية والعشوائية للعمال العاملين في المنشآت بالقطاعات المذكورة للتأكد من عدم تعاطيهم لأي مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو مشروبات كحولية، ويجب اتخاذ التدابير التي تضمن خلو أماكن العمل من أي من المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو المشروبات الكحولية، ويتبين من خلال التعديل المذكور حرص المشرع على أن يكون لدى أصحاب العمل التدابير الاحترازية لتفادي حالات التعاطي في هذه القطاعات؛ لأهميتها؛ إذ هي بيئة خصبة للعمال لوجود تجمعات كبيرة من العمال وحتى لا تكون ملاذًا لمن يرغبون في تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو المشروبات الكحولية؛ فإن اتخاذ هذه التدابير يجعل العمال حريصين على عدم الوقوع في هذه المخالفات خوفا من العقوبات المترتبة على هذه المخالفات؛ فالعمال عندما يجري إبلاغهم بوجود إجراءات احترازية للكشف عن حالات التعاطي بشكل مفاجئ يكون رادعًا لمن تسول له نفسه في التعاطي في أماكن العمل تفاديا للوقوع في مخالفات تعرضهم لعقوبات تصل إلى إنهاء خدماتهم من العمل إذا كان التعاطي خلال ساعات العمل التي يكون العامل فيها في المنشاة التي يعمل بها، ويقودنا هذا إلى السؤال الآتي:
هل منشآت القطاع الخاص ملتزمة بإجراء الفحوصات الطبية الدورية والعشوائية للعاملين بها؟
ابتسام اللمكية تجيب بأن كثيرًا من الشركات لا تقوم بإجراء هذه الفحوصات إلا إذا كان هناك بلاغ بوجود تعاطي في أماكن العمل أو إذا كانت هناك حالات مشتبهه بها، وفي المقابل هناك شركات تقوم بالفحص أثناء فترة التعيين أو يكون جزءًا من الفحوصات الطبية الدورية التي تقوم بها الشركات.
ويتطرق محمد الزدجالي قائلًا: الفحوصات التي تجريها الشركات غير معترف بها قانونيًا، أما المحاكم والادعاء العام، وهذه الفحوصات يجب أن تكون في المختبر الجنائي بشرطة عُمان السلطانية، مشيرًا إلى أهمية التمييز بين المدمن وتاجر المخدرات؛ فسرعة محاكمة المدمن وفرض العقوبات عليه ليس هو الحل من وجهة نظري، ولكن يجب الأخذ بيده ومساعدته ومعاملته كمريض وأحد ضحايا تجار المخدرات، للوصول به إلى بر الأمان.
الخوف من فقد العقود وتأثر السمعة
ويضيف محمد الزدجالي: هناك بعض الشركات تتجنب التبليغ عن عمالها ممن تورطوا في الإدمان وتعاطي المؤثرات العقلية، والأسباب تعود لخوفها من تأثر سمعتها ومكانتها، وفقد عقودها سواءً مع الحكومة أو الشركات الأخرى، وتلجأ في هذه الحالة لإجبار العامل على الاستقالة، وكأن شيئًا لم يكن.
من مدمنين إلى أبطال يوّعون المجتمع
ويكمل الزدجالي: هناك الكثير من القصص لعمال تعاطوا المخدرات، وتعرضوا على إثرها لتبعات اجتماعية واقتصادية، وفقدوا أسرهم وأموالهم، وبعضهم أصيبوا بأمراض معدية، وهم الآن يمكن أن نسميهم أبطالًا تجاوزا تلك المحن، وأصبحوا ذوي رسائل توعوية للمجتمع في مجال الإدمان استلهموها من تجاربهم ورحلة كفاحهم مع آفة الإدمان.
جودة الخدمات الصحية المقدمة للمتعاطين، ودور القطاع الخاص في تحسينها
يقول د.حارث العامري: يمثل مستشفى المسرة ممثلًا بقسم علاج الإدمان المركز الحكومي الوحيد الذي يوفر خدمة سحب السموم والتأهيل لمرض الإدمان، إلى جانب المؤسسات الخاصة التي تقدم هذه الخدمة، وأقترح التركيز على التأهيل؛ باعتباره الجزء الأهم في علاج الإدمان بدلًا من التركيز على الجانب الدوائي؛ لما له من آثار سلبية أخرى، كالاعتماد عليه كمادة بديلة، مضيفًا أن القطاع الخاص يمكن أن يلعب دورًا في عِدة جوانب، منها دعم جهود اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، وتنظيم برامج التوعية في هذا المجال، بالإضافة إلى توفير العلاج للمدمنين على المخدرات سواءً في القطاعين العام والخاص.
وتضيف بثينة الوهيبية: يقدم مستشفى المسرة ممثلًا في مركز بيوت التعافي خدمات صحية ذات جودة وفق الإمكانيات المتاحة، وهناك اهتمام من قبل إدارة المستشفى لتطوير الخدمات المقدمة في جميع المراحل العلاجية، ومن جانب آخر تسعى اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بشكل دؤوب لتطوير البرامج العلاجية والوقائية في السلطنة.
الخدمات الصحية ليست كافية
أشكال متعددة يمكن يدعم فيها القطاع الخاص
وتؤكد الوهيبية أن القطاع الخاص هو قطاع داعم ومكمل للقطاع الحكومي في التنمية المستدامة لا سيما أن قضية الإدمان تستهدف بشكل أكبر أهم فئات المجتمع وهي الشباب، ويتعدى خطرها من الفرد ليصل إلى المجتمع؛ لذلك الخدمات الصحية في مجال علاج الإدمان تحتاج إلى الدعم من القطاع الخاص في مختلف المجالات سواءً من خلال الدعم المادي لتنفيذ البرامج العلاجية أو التأهيلية أو الوقائية أو في استقدام خبراء في السلطنة لعملية التدريب المستمر أوفي إرسال كوادر عمانية للتخصص في مجال علاج المدمنين وتأهيلهم، كما يمكن أن يساهم القطاع الخاص في إنشاء المراكز التأهيلية المتخصصة في تأهيل المدمنات أو في إنشاء بيوت منتصف الطريق التي هي معبر يُحول إليها المدمن في طور التعافي وفق شروط معينة، منها وجود أكثر من شخص مدمن نشط في البيت الواحد، أو في مجال دعم المدمنين المتعافين في التعامل مع مختلف المشكلات الاقتصادية والقانونية التي تواجههم، وتمكينهم من الانخراط في العمل.
قلة وجود كادر متخصص في علاج الإدمان
وصمة العار، ونظرة المجتمع للمدمن
وتصف مروة المعولية الخدمات الصحية المقدمة للمتعاطين قائلةً: الخدمات الصحية المقدمة للمتعاطين قد تطورت خلال السنوات الأخيرة الماضية، ولكن قلة وجود كادر مختص في علاج الإدمان يؤثر على جوده الخدمة أحيانًا، ويمكن للقطاع الخاص المساهمة في رعاية الورش التدريبة، والفرص التعليمية للموظفين بالقطاع الصحي الذي من شأنه أن يزيد من كفاءتهم، وينعكس على جوده الرعاية الصحية للعملاء، مضيفةً أن هناك تحديات نواجهها، منها وصمة العار ونظرة المجتمع للإدمان؛ باعتباره عيبًا أخلاقيًا، يحد من رغبة المدمن في طلب المساعدة، وخوف العميل من فقدان عمله في حال قدم وثائق أو تقارير من هذه المصحات.
إنشاء مركز متقدم لحالات الإدمان
وتقترح ابتسام اللمكية مع زيادة حالات الإدمان أن يكون هناك مركزا متقدما خاصا لمساعدة حالات الإدمان، والاستعانة بالخبرات من الدول المجاورة بطرق العلاج الأكثر فعالية.
ضرورة إعطاء مؤسسات المجتمع المدني مساحة أكبر لمساندة جهات الاختصاص
ويرى محمد الزدجالي أن الخدمات الصحية المقدمة للمتعاطين ليست كافية، ويتطلب توفير المزيد منها وتطويرها، مع ضرورة إعطاء مؤسسات المجتمع المدني مساحة وأدوار أكبر لمساندة جهات الاختصاص والحكومة؛ فهي بمثابة الذراع الأيمن لها، موضحًا أن القطاع الخاص يمكن أن يلعب دورًا في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمدمن من خلال تقديم التبرعات، وتنفيذ برامج وأنشطة توعوية في هذا المجال بالتعاون مع جهات الاختصاص، وهناك أشكال أخرى يمكن أن تدعم فيها مؤسسات القطاع الخاص، مثل دعم أسرة المدمن في حال توقف راتبه أثناء فترة العلاج؛ تجنبًا للأضرار الاجتماعية، والتفكك العائلي التي قد تحدث له أثناء فترة العلاج وبعدها.
دور النقابات العمالية في التقليل من حالات الإدمان في بيئة العمل، والتعامل مع المكتشفة منها
تثقيف العمال بالمخاطر والعقوبات
يقول إبراهيم بن عبد الله الغريبي، رئيس قسم التشكيل والانتساب بالاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان: النقابات العمالية هي مؤسسات تعمل من أجل العمال؛ فمن الطبيعي -إن وجد أمرٌ فيه مضرة للعمال- أن تسعى لمعالجته بشتى الوسائل الممكنة لتفادي المخاطر التي قد تقع ضد العامل، وكل ما من شأنه أن يلحق ضررًا بالعامل؛ فإدمان المؤثرات العقلية هو أحد الآفات التي قد يكون ضحاياه العاملين بمنشآت القطاع الخاص، وكما يقال الوقاية خيرٌ من العلاج؛ فلا بد أن يكون للنقابات العمال دور بارز في الحد من حالات الإدمان؛ وذلك من خلال تثقيف العمال بالمخاطر التي تترتب عليها المؤثرات العقلية، والعقوبات التي تترتب على أي عامل يتعاطى أيًا من المؤثرات العقلية، والتي تعرّضه لإنهاء خدماته في حالة كان التعاطي خلال ساعات العمل؛ وذلك وفقا للبند السابع من المادة (40) من قانون العمل.
التعاون والحوار بين النقابة وإدارة الشركة
اكتشاف الحالات، والإبلاغ عنها، والسعي لحلها بأقل الأضرار
ويوضح إبراهيم الغريبي أدوار النقابات العمالية في التعامل مع الحالات المكتشفة: للنقابات دور كبير في التعاون مع إدارات الشركات في الكشف عن حالات الإدمان، والسعي لمعالجتها دون أن يتأثر العمل بالمنشأة أو العامل ذاته؛ فلا بد أن تعول النقابات العمالية على وعي العمال بالمخاطر الصحية التي تترتب على التعاطي والجزاءات الجنائية التي يطبقا القانون ضد المتعاطين، كما لا بد أن توجه الجهود بالتشارك بين النقابة العمالية وإدارة الشركة في التصدي لجميع الوسائل التي قد تكون من شأنها أن تسهّل للعاملين في عمليات التعاطي، ويكمن دور النقابات العمالية أيضًا في اكتشاف حالات التعاطي، والإبلاغ عنها، ومعالجة المتعاطين والخروج بأقل الأضرار التي تلحق بالعامل الذي يكون ضحية التعاطي من خلال الحوار والتوعية بأهمية معالجة المتعاطين طبيًا، وعدم السماح لتكرار حالات التعاطي من عمال آخرين.
توضيح سياسات الشركة للعامل عند توقيع عقد العمل
ويضيف د.حارث العامري: يتمثل دور النقابات من وجهة نظري في مجموعة من الأدوار، منها توضيح سياسات الشركة للعامل عند توقيع العقد، وبذل جهود التوعية بالتنسيق مع جهات الاختصاص عن المؤثرات العقلية، وفتح باب النقاش والحوار مع العامل في حالة تعاطيه لبعض المؤثرات العقلية التي من شأنها أن تؤدي به إلى الانجراف وراء تيار المخدرات للتخلص من ضغوطات العمل، وكذلك الاستماع لمشكلات العمال وهمومهم والتحديات التي تواجههم، ومحاولة تذليلها وحلها بالحوار مع إدارة الشركة.
تسليط الضوء على قضايا الإدمان
وتواصل ابتسام اللمكية: للنقابة دور فعال في تسليط الضوء على القضايا المتعلقة بالمخدرات لا سيما قربها من العمال؛ مما يساعد على التدخل الإيجابي للتعامل مع المتعاطيين والمدمنين، وعلى سبيل المثال يمكن للنقابة أن تقوم بشكل فردي بمساعدة المتعاطين لإخضاعهم للعلاج، وإذا تطلب الأمر مساعدتهم في نقلهم من موقع عمل إلى آخر بالتعاون مع الشركة إذا كانت هناك مخاطرة في بقائهم، كما يمكن أن تقوم النقابة بحملات توعوية بالتنسيق مع جهات الاختصاص تُعرض فيها قصص نجاح وكفاح عن المدمنين.
حملات إعلامية توعوية
ويختتم محمد الزدجالي الحديث عن دور النقابات العمالية قائلًا: للنقابات دور في حماية العمال من آفة المخدرات والمؤثرات العقلية من خلال تنظيم محاضرات وحملات إعلامية توعوية وإرشادية في هذا الجانب بالتنسيق مع جهات الاختصاص، وتعريفهم بالآليات والإجراءات المناسبة في حال تعرضهم للإدمان، وقنوات التواصل المناسبة للإبلاغ وطلب المساعدة، مع ضمان سرية المعلومات وعدم إفشائها.
خلاصةً لما تقدم، يمكن أن نستنتج من آراء المشاركين في التحقيق مجموعة من الحلول والمقترحات للحد أو التقليل من الإدمان في بيئة العمل والسبل المناسبة للتعامل مع الحالات المكتشفة، نوضخها كالتالي: