العماني قادر على ممارسة كل الوظائف التي يمارسها الوافد
التعمين والإحلال من المواضيع المتجددة والمتكررة والمتغيرة تبعًا للمستجدات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وتعد سلطنتنا الحبيبة من البيئات العالمية الجاذبة للقوى العاملة الوافدة؛ وذلك لأصالة شعبها وطيبته وكرمه ودماثة أخلاقه التي باتت معروفة على مستوى المنطقة، وبالإضافة للامتيازات التي يحظى بها الوافد في كثير من الشركات سواء الخاصة أو الحكومية، ومن هذه الميزات على سبيل المثال وليس الحصر حصول الموظف الوافد على نهاية الخدمة بشكل مجزٍ، وأيضًا ربما ذلك الوافد يستحق الميزة ذاتها من دولته! الإحصاءات خير دليل على ذلك؛ فعدد السكان الحالي 4. 7 مليون نسمة ويشكل الوافدون ما نسبته 42 % من إجمالي عدد السكان، لمستوى أن الوافدين قد بلغوا نسبة أعلى من المواطنين في بعض المناطق بالسلطنة خلال السنوات المنصرمة، مع العلم أن جلالة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- قد تحدث في إحدى جولاته السنوية أن النسب المقبولة للوافدين لا تتجاوز 30 % وتبلغ القوى العاملة الوافدة 7,1 مليون، معظمها في القطاع الخاص وبينما عدد العُمانيين قد بلغ تقريبًا 250 ألف يعملون في القطاع الخاص فقط. وفي القطاع الحكومي لا يتجاوز عدد الموظفين 232 ألف في سنة 2018، وتشكل نسبة الوافدين 15 %. وفي المقابل يوجد ما يقارب 50 ألف عُماني مسجل كباحث عن عمل، وناهيك عن المخرجات الجامعية والدبلوم بشكل سنوي والتي تعد خسارة للوطن واستثماراته في مجال التعليم! وكذلك التأثير الاقتصادي المباشر لهذا الوضع وتدفق السيولة الى خارج الدولة بما يصل الى 10 مليارات دولار سنويا.
فقد قامت دول الخليج والسلطنة بكثير من الدراسات حول هذا الموضوع من ناحية إيجابياته وسلبياته خلال السنوات الماضية وربط استخدام العمالة الوافدة بما تقدمه من قيمة حقيقية مضافة للاقتصاد الوطني في جميع المجالات، وأجمعت معظم هذه الدراسات على أن العمالة الوافدة هي المسيطرة على معظم المهن سواء الإدارية والفنية بنسب عالية جدًّا في القطاع الخاص. وفي الجانب الآخر الحكومة لم تألُ جهدًا في تمكين المواطن من الوظائف المناسبة له سواء على مستوى القطاع الحكومي أو الخاص؛ فقد شرعت القوانين والأنظمة وبين الفترة والأخرى تقوم الحكومة بإيقاف استقدام االقوى العاملة الوافدة لبعض الوظائف لتوفير فرص الشواغر للمواطن. ولكن هذه القرارات مثلا لم تؤتِ أكلها حسب الخطط في تقليل البطالة فإن الكثير من الشركات تقوم بالتحايل باستقدام القوى العاملة الوافدة بمسميات وتخصصات مسموح بها على الورق بينما في الواقع تكون من ضمن المهن الموقوفة، وكما ظهر مؤخرًا ما يسمى شركات التوظيف -خنجر في خاصرة التعمين- بعقود مؤقتة للتحايل أيضًا على سقف التعمين وتؤدي إلى شغل الوافد بوظائف موقوفة وتنتهي بتوظيف دائم بعد تغير سقف التعمين بسبب تقاعد بعض العُمانيين أو نشوء بعض العلاقات الودية مع المسؤولين بالشركة! مع ملاحظة أن تكلفة الوافد من خلال شركات التوظيف أعلى من توظيف العمالة الوطنية. لهذا كانت المتابعة والتفتيش الدقيق من الأمور التي ربما زادت العبء على الحكومة وفي الجانب الآخر مازال عدد الباحثين عن العمل في ازدياد.
وحول التحديات ذات العلاقة بالقوى العاملة الوافدة فقد تضمنت منافسة العامل الوافد بشكل كبير للمواطن وتفضيل العامل الوافد العمل مع عمال من جنسيته أو من جنسيات مشابهة لأحواله، بالإضافة إلى عدم رغبة بعض العمال الوافدين في نقل مهاراتهم وخبراتهم لزملائهم العُمانيين في العمل. والأسوأ من ذلك إذا تقلدت هذه القوى العاملة الوافدة مناصب قيادية كبيرة أو تم توظيفها في شؤون الموظفين بالشركات فإن أولويات التوظيف من أبناء جلدتهم؛ ولهذا تجد الكثير من صغار السن يشغلون وظائف عالية وكبيرة في الشركات المحلية.
كان ذلك حول تحديات المواطن خارج المؤسسات المحلية ومعاناته للحصول على وظيفة تناسب تخصصه. وأما تحدياته داخل المؤسسات الكبيرة فإذا عرجنا إلى الأوضاع العالمية، فالعالم يواجه الكثير من التحديات الاقتصادية في الوقت الراهن مثل آثار فيروس كورونا، وعدم استقرار أسعار النفط والتي ألقت بظلالها السوداء على الأوضاع الحياتية والاجتماعية العالمية؛ فأثرت سلبًا على الكثير من دول العالم، ولكون السلطنة جزءًا من هذا العالم فالقطاعان العام والخاص تعرضها للكثير من هذه الآثار؛ فالقطاعان يعتبران ركيزتين لمصادر الدخل الرئيسية لوطننا الغالي. ولهذه الأسباب فقد تأثرت أرباح الكثير من الشركات الخاصة والحكومية، وكما هو واضح جلي من هذه الأحداث الراهنة المتسارعة أن الوضع ربما يستمر فترة أطول مما هو متوقع؛ ولذلك لا بد أن تنظر هذه القطاعات إلى جانب التوفير في الكثير من الصرفيات على مستويات مختلفة، وتتماشى مع توجيهات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد.
هناك الكثير من الشركات الخاصة والحكومية التي تمتلك العديد من الخبرات الوطنية العُمانية التي لم تحظ حتى الآن بفرصة الثقة من قبل القيادات الحالية في هذه المؤسسات. هذه الفئات تشمل عددًا من المستشارين والخبراء العُمانيين الوطنيين الذين لديهم الرغبة في تلبية نداء الوطن والواجب لتخفيف العبء المالي عن هذه المؤسسات الدولة، خصوصًا أن هناك الكثير من المناصب القيادية الشاغرة بهذه المؤسسات والتي عادة يشغلها الوافدون! ومما لا شك فيه أن الاعتماد على القوى العاملة الوطنية لها مردود إيجابي كبير جدًّا سواء على مستوى المؤسسات أو الوطن إذ أنّ التكلفة للموظف العُماني أقل بكثير منها في حالة استقدام القوى العاملة الوافدة، ناهيك عن التحويلات المالية الكبيرة السنوية لخارج الوطن. وما هذه في الحقيقة إلا خطوة باتجاه الإحلال والتعمين التي طالما دعا لها جلال السلطان الراحل -طيب الله ثراه- والتي أكد السير على نفس خطاها مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- ؛ لهذا يجب أن تقوم المؤسسات باستثمار كافة الموارد الوطنية التي توجد لديها .
وفي الحقيقة كانت قرارات توظيف الوافدين في بعض المؤسسات ربما يتماشى مع رؤى الإدارات التنفيذية؛ لما تتوقعه من فوائد جمة للمؤسسات على المستوى القريب والبعيد، إلا أن هذه الأوضاع الراهنة الاقتصادية وغيرها من تغييرات السوق حالت دون الوصول لكثير من هذه الرؤى. ولذلك على إدارات هذه المؤسسات للاستفادة من هذه الفئات بشكل أكبر كمصادر مؤهلة علميًّا وعمليًّا تملك الخبرات الطويلة والمتعددة في الكثير من المجالات بما تراه مناسبًا لخدمة احتياجاتها والتي لا ريب فيه أن هذه المؤسسات قد تتكبد مبالغ كبيرة جدًّا في حال توظيف احتياجاتها من خارج الدولة بالقوى العاملة غير الوطنية.
فعُمان وشبابها وبعد 50 سنة من النهضة في هذا الوطن الغالي قادرون على العطاء ومتعطشون لبذل الجهود، وهذه التغييرات والأزمات التي يواجها الوطن قد أعطت الشباب العُماني الرغبة الملحة في التنافس للمصلحة العليا والتفوق، وكمقترح لوزارة العمل أن تضع الخطط الاستراتيجية لتعمين جميع الوظائف في القطاعين الخاص والعام ما عدا الوظائف الدنيا والتي لا تلائم المواطن، وأنه لا يوجد أدنى شك في قدرة العُماني على شغلها وربط ذلك بمدد زمنية لا تتجاوز خمس سنوات. وإذا تطلب المواطن التدريب اللازم فإنه يجب تفعيل التدريب المكثف على رأس العمل وإلزام مدد زمنية للإحلال، ويجب اتخاذ الإجراءات الصارمة مع الوافدين المتقاعسين عن نقل خبراتهم للمواطن خلال الفترة المتفق عليها وتكون جزءًا من عقد العمل الذي يمكن إنهاؤه بسبب التقاعس. ومن الإجراءات المقترحة أيضًا أن يظل الوافد العامل في الوظيفة من 3 حتى 5 سنوات كحد أقصى وبعدها ينهي وجوده في المؤسسة وخلالها لا بد من وجود الشاب العُماني الطامح للإحلال . وإذا كانت إدارات الشركات المحلية لا تستطيع تحقيق هذه الأهداف فالأولى لها أن تترك المجال للمواطنين في قيادة هذه المؤسسات، بالإضافة إلى فرض رسوم مالية أعلى على الوافدين وأفراد أسرهم من ناحية الإقامات والدخل.
لهذا نرجو من إدارات وقيادات المؤسسات في السلطنة أن تعمل على استغلال موارد الوطن والاستفادة منها بشكل دائم وكلما اقتضت الحاجة بشكل فعال يساهم في رقيها وتطويرها وخصوصًا خلال الأوضاع الاقتصادية الراهنة الصعبة.