محطات قانونية

إنهاء عقد العمل في حالة إخفاق العامل في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة

عامر بن منصور العزري، مدير دائرة الشؤون القانونية، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

أولى المشرع في قانون العمل الجديد، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 53/2023 اهتمامًا بالغًا بموضوع الكفاءة في العمل؛ إذ نص عليها صراحةً، ورتّب أشدّ جزاءٍ على إخفاق العامل في الوصول إليها، ألا وهو إنهاء عقد العمل، فقد نصت المادة (43) من القانون المذكور على الآتي: «مع عدم الإخلال بحكم المادة (٤٠) من هذا القانون، يجوز لصاحب العمل إنهاء العقد من جانبه بعد إخطار العامل في الحالات الآتية: … ٣ – إخفاق العامل في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة بعد إخطاره بأوجه عدم الكفاءة ومنحه مهلة مناسبة، لا تقل عن (٦) ستة أشهر للوصول إليها، فإذا أخفق العامل جاز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل، وفي حال كان المنهية خدماته عاملا عمانيا يشترط تعيين عامل عماني بديلا عنه في المهنة ذاتها التي كان يشغلها».

وعلى الرغم من أهمية الكفاءة لأطراف الإنتاج الثلاثة – فهي من جانب يتعيّن أن تنعكس إيجابًا على تنمية مهارات العامل وتعزيز قدراته وعلى استحقاقاته من الترقيات والمكافآت الدورية والتشجيعية وغير ذلك من الشؤون الوظيفية المتعلقة بالأداء، ومن جانب آخر تعزز الكفاية الإنتاجية للمنشأة، بما ينعكس إيجابًا على الوضع الاقتصادي في البلاد – إلا أن الجزاء الذي رتبه المشرع على إخفاق العامل في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة، والذي يتمثل في جواز إنهاء العقد من طرف صاحب العمل يعد جزاءً جسيمًا يحدو إلى كتابة هذه المقالة لتحليل النص المذكور، ومعرفة كيفية انطباق الحالة، من خلال استظهار معنى الكفاءة، ومعيارها، والمهلة المناسبة للوصول إليها، ودور وزارة العمل في هذه الحالة، وعبء إثبات الإخفاق في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة، ورقابة القضاء على ذلك.

جاء في معجم لسان العرب عن الكفاءة: «الكَفِيءُ: النَّظِيرُ، وكذلك الكُفْءُ والكُفُوءُ، على فُعْلٍ وفُعُولٍ، والمصدر الكَفَاءةُ، بالفتح والمدّ»[1]، إذن يتضح بأن الكفاءة لغةً تعني المماثَلة، أما إذا كان المراد بالكفاءة في المادة (43) من قانون العمل القدرة[2] -وهو ما يتضح من سياق المادة- فالأصح استخدام كلمة (الكفاية)[3]؛ إذ «كفى يكفي كفاية: إذا قام بالأمر»[4]، و«كفى: الشيء (يكفي) (كفاية) فهو (كافٍ) إذا حصل به الاستغناء عن غيره»[5]، وقد أحسن المشرع في قانون الخدمة المدنية، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 120/2004 عندما استخدم كلمة الكفاية في هذا الشأن؛ إذ نصت المادة (20) منه على الآتي: «تعد عن الموظفين تقارير تقويم أداء وظيفي سنوية وفقا لنظام قياس كفاية الأداء، الذي تضعه وزارة الخدمة المدنية»، والمادة (21) التي نصت على الآتي: «يكون تقدير الكفاية بمرتبة (ممتاز) أو (جيد جدا) أو (جيد) أو (متوسط) أو (ضعيف)… »، والمادة (28) التي نصت على الآتي: «تكون الترقية على أساس الجدارة المبنية على عنصري الكفاية والأقدمية»،[6]وهو المصطلح الذي تواترت عليه أحكام المحكمة العليا كذلك.[7]

إن هذه التوطئة للتفريق بين مصطلحيّ الكفاءة والكفاية ليس من باب المشَاحَّة في الاصطلاح، إنما للإشارة إلى أن هذا المقال سيتناول مصطلح الكفاءة، الذي نص عليه قانون العمل على أنه الكفاية التي أراد بها المشرع أو المعنى الذي يحمله.

على الرغم من أن قانون العمل لم يضع تعريفًا للكفاءة، كما لم يضع شروطًا أو معايير للوصول إلى المستوى المطلوب منها، وهو ما يعد قصورًا في التشريع؛ نظرًا لجسامة الأثر المترتب عليه، وهو إنهاء العقد، إلا أن النموذج الاسترشادي للائحة نظام العمل في منشآت القطاع الخاص، الصادر بالقرار الوزاري رقم 619/2024 قد حدد معيار الكفاءة من خلال المادة (31) التي نصت على الآتي: «وفي جميع الأحوال، يكون حصول العامل على تقدير (مقبول) فأعلى معيارا لوصوله المستوى المطلوب من الكفاءة»، وحتى يتسنى لنا تحليل هذا المعيار، يتعين علينا قارءته مع نصوص أخرى من قانون العمل، والاستئناس بالتشريعات المحلية المقارنة والتطبيقات القضائية في هذا الصدد.

فنجد أن قانون العمل نص في المادة (67) على الآتي: «يلتزم العامل بالآتي: ١ – تأدية العمل بنفسه تبعا لتوجيه وإشراف صاحب العمل أو من يمثله، وطبقا لما هو محدد بالعقد، ووفقا لأحكام هذا القانون واللوائح والقرارات الصادرة تنفيذا له، وأن يبذل في تأديته من العناية ما يبذله الشخص العادي»؛ أي أنّ المشرع جعل «أداء الشخص العادي» معيارًا للأداء الملزَم به العامل، فمن هو الشخص العادي؟ هو الشخص المتوسط في ذكائه وقدراته، فلا هو بخارق الذكاء والقدرات ولا بقليلها، أي أنْ نعتدَّ بالحالة الوسطية من الناس لنقول عن فلان إنه شخص عادي، وليس بالشخص الاستثنائي، فالقاعدة لا تُبنى على الاستثناء، إنما على الغالبية،[8]ويتجه بعض الفقه في تحديد مقومات المعيار الموضوعي للشخص العادي في العامل إلى أن ذلك يقتضي اعتماد سلوك وصفات لشخص ما في الوسط المهني نموذجًا لتحديد الواجبات القانونية المطلوبة، ومن ثم بيان مدى مطابقة سلوك العامل من عدمه بالقياس إلى ذلك النموذج العام، أو لتحديد مدى انحرافه عن متطلبات النموذج المهني بالنسبة لسلوكه المهني؛[9] إذن يتضح مما تقدم بأنه عند تحديد «المستوى المطلوب من الكفاءة» أن يكون متناسبًا مع التزام العامل بأن يبذل في تأدية عمله من العناية ما يبذله الشخص العادي؛ بحيث لا يكون ذلك المستوى استثنائيًّا أو يتطلب الوصول إليه من قبل شخص غير عادي في قدراته، من ذلك أن يجعل صاحب العمل مستوى الكفاءة المطلوب هو الحصول على أعلى تقدير في تقييم الأداء، أو أعلى درجة من درجات مؤشرات الأداء؛ إذ لا يُتصور أن يكون مستوى أداء جميع العاملين في أعلى تقدير أو أعلى درجة، فهناك فروق طبيعية بين العاملين في أدائهم، لذلك يتفاوت تقدير الأداء بين ممتاز وجيد جدًّا وجيد ومقبول أو متوسط وضعيف، ومن ذلك أيضًا أن يُطلب من العامل تحقيق نسبة معينة من الأرباح أو المبيعات دون مراعاة للظروف الأخرى الخارجة عن إرادته، كنوعية السلعة أو الخدمة ومستوى جودتها وسعرها، التي يتوجب على العامل بيعها أو التسويق أو الترويج لها، أو سلبيات تتعلق بموقع منفذ البيع، أو انخفاض القوة الشرائية بشكل عام؛ إذ يمكن أن يجتهد العامل وأن يبذل من العناية ما يبذله الشخص العادي لتحقيق النسبة المطلوبة دون أن ينجح في ذلك لأحد الظروف المذكورة أو غيرها، وهذا المعيار يحمي العلاقة العمالية من تعسف صاحب العمل في استعمال حق إنهاء العقد؛ إذ إن «حق صاحب العمل في فصل العامل ليس مطلقًا بل مقيدًا بعدم إساءة استعمال هذا الحق، ويترتب على هذا أن صاحب العمل لا يحق له فصل العامل الذي استخدمه وفق مشيئته ولا يكفي مراعاة مهلة الإشعار، بل يجب قيام ما يبرر الفصل».[10]

وفي هذا الصدد نجد أن قانون الخدمة المدنية قد أخذ كذلك بمعيار الشخص العادي لقياس الأداء؛ إذ نص في المادة (21) على الآتي: «يكون الأداء العادي هو المعيار الذي يؤخذ أساسا لقياس كفاية الأداء»، بل أن القانون المذكور بعد أن حدد في المادة (21) مراتب تقدير الكفاية المذكورة، جعل الحصول على تقدير (ضعيف) في تقريرين سنويين متتاليين معيارًا دقيقًا لعدم الكفاءة، يمكن أن يؤدي إلى إنهاء خدمة الموظف حسب ما نصت عليه المادة (26)، وقد قضت محكمة القضاء الإداري في هذا الشأن بأن «تقارير تقويم الأداء تكون بمراتب ممتاز أو جيد جدًا أو جيد أو متوسط أو ضعيف، وأن الأداء العادي هو المعيار الذي يؤحذ أساسًا لقياس كفاية أداء الموظف».[11]

ألزم المشرع صاحبَ العمل بمنح العامل -بعد إخطاره بأوجه عدم الكفاءة- مهلة مناسبة لا تقل عن (6) أشهر  للوصول إليها، وهو ما يعني بأن مجرد منح المدة المذكورة -والتي تمثل حدًّا أدنى- لا يعني بالضرورة أنها «مهلة مناسبة»؛ إذ يتعيّن أن تتناسب تلك المهلة مع متطلبات الوصول إلى الكفاءة المطلوبة، فالمهنة أو الوظيفة التي تتطلب قدرًا عاليًا من المهارة أو اجتياز برنامج تدريبي معيّن أو غيرها من المتطلبات قد يحتاج شاغلها إلى مهلة أطول للوصول إلى الكفاءة ممن يشغل وظيفة أو مهنة لا تحتاج ذلك القدر من المتطلبات، وعلى الرغم من ذلك، فإن النص بعمومه يمكن أن يفتح بابًا واسعًا للاجتهاد من قبل أصحاب العمل في تحديد «المهلة المناسبة»، وكان الأوجه برأيي ألا تقل المدة عن عام واحد؛ بحيث يُخطر العامل في تقرير أدائه الوظيفي السنوي بأوجه عدم الكفاءة ليسعى في العام الذي يليه للوصول إليها، وأساس هذا الرأي نجده في المادة (29) من النموذج الاسترشادي للائحة نظام العمل؛ إذ تنص المادة (29) منه على الآتي: «تتولى المنشأة إعداد تقارير الأداء بصفة دورية لجميع العاملين في المنشأة تتضمن العناصر الآتية: ١ – مقدرة العامل على العمل وكفاءة إتقانه»، والمادة (30) التي تنص على الآتي: «تعد المنشأة تقريرا معتمدا عن أداء العاملين لديها كل عام».[12]

وفي هذا الشأن أيضًا نجد أن قانون الخدمة المدنية في المادة (26) جعل المهلة عامين؛ إذ نص على الآتي: «يعرض أمر الموظف الذي يقدم عنه تقريران سنويان متتاليان بمرتبة ضعيف على لجنة شؤون الموظفين، فإذا تبين لها أنه كفء لشغل وظيفة أخرى في ذات درجة وظيفته أوصت بنقله إليها، أما إذا تبين عدم كفاءته اقترحت إنهاء خدمته، وفي جميع الأحوال يرفع الأمر إلى رئيس الوحدة لاتخاذ القرار».

ألزم المشرع في المادة (43) من قانون العمل صاحبَ العمل – بعد إخطار العامل بأوجه عدم الكفاءة، ومنحه مهلة مناسبة لا تقل عن (6) ستة أشهر للوصول إليها – بإخطار وزارة العمل بسبب إنهاء عقد العمل قبل (3) ثلاثة أشهر من تاريخ إنهائه، ومع ذلك لم يحدد دور الوزارة في هذا الصدد، الأمر الذي أراه قصورًا آخر في التشريع؛ إذ يثور التساؤل حول دور الوزارة عند تلقيها إخطارًا من قبل صاحب العمل بإنهاء عقد عامل في هذه الحالة، وما يتوخاه المشرع من هذا الإخطار؛ هل يتعين أن يحصل صاحب العمل على موافقة الوزارة حتى يكون إنهاء العقد صحيحًا؟ انطلاقًا من اختصاص هذه الوزارة بمتابعة تطبيق قانون العمل والقرارات الوزارية المنفذة له، أم أن الإخطار يهدف فقط إلى أن تضمن الوزارة بأنه في حالة كان المنهاة خدماته عاملًا عمانيًّا أن يقوم صاحب العمل بتعيين عامل عماني بديل عنه في المهنة التي كان يشغلها نفسها حسب ما اشترطته المادة (43)؟ في رأيي طالما أن النص قد جاءً عامًّا ولم يحدد الهدف من الإخطار، فنعود إلى الأساس، ألا وهو اختصاص وزارة العمل بمتابعة تطبيق قانون العمل والقرارات الوزارية المنفذة له، لا سيّما وأن المادة الأولى من القرار الوزاري رقم 619/2024 بشأن إصدار النموذج الاسترشادي للائحة نظام العمل في منشآت القطاع الخاص تنص على الآتي: «يعمل بالنموذج الاسترشادي للائحة نظام العمل في منشآت القطاع الخاص المرفق»، كما تنص المادة (2) من القرار المذكور على الآتي: «تسري أحكام هذه اللائحة على جميع العاملين في المنشأة»، وتنص المادة (54) من قانون العمل على الآتي: «… وفي جميع الأحوال، تطبق الأحكام الواردة في النموذج المشار إليه في هذه المادة على المنشآت التي لا تلتزم بوضع لائحة نظام عمل معتمدة من الوزارة»، ومن ثم يمكن أن تُعمِل الوزارة رقابتها – على الأقل – على التزام صاحب العمل بالإجراءات الشكلية في هذا الشأن، وهي أن يكون العامل قد أُخطِر بأوجه عدم الكفاءة، ومُنح مهلةً مناسبةً لا تقل عن (6) أشهر للوصول إليها، وأنه قد أخفق في الوصول إليها، وأن تُعمِل الوزارة رقابتها كذلك على الالتزامات المقررة على صاحب العمل، والمتعلقة بوصول العامل إلى الكفاءة المطلوبة، من ذلك أن يضع نظمًا وإجراءات لتنمية مهارات العامل وخبراته، حسب ما أشارت له المادة (67/5) من قانون العمل، والتزامه عند تشغيل (25) عاملًا فأكثر بتدريب العمانيين لتنمية مهاراتهم ورفع كفاءتهم، وتوفير أنظمة لتقييم الأداء، وإعداد خطة لتعيين العمانيين وتدريبهم لشغل المهن القيادية، ومتابعة تنفيذها حسب ما نصت عليه المادة (22) قانون العمل، وأن تتحقق من تقديم العامل تظلمه من تقرير الأداء إلى صاحب العمل أو من يمثله وفقًا لنظام الشكاوى والتظلمات الموجود في المنشأة والمعتمد من الوزارة أو وفقًا للقواعد العامة للتظلم ونتيجة ذلك التظلم، إلى جانب التحقق من التزام صاحب العمل بتعيين عامل عماني بديل عن العامل المنهاة خدماته في المهنة التي كان يشغلها نفسها.

يبقى أن قانون العمل نفسه لم يقرر عقوبة على مخالفة أحكام المادة (43)، وهذا يعد قصورا تشريعيا آخر، إلا أنّ المادة (150) أجازت بقرار من الوزير فرض جزاءات إدارية على مخالفة أحكام القانون واللوائح والقرارات الصادرة تنفيذًا له، وهو ما يمكن أن يغطي القصور المذكور بشكل نسبي.

إن مجرد اتباع صاحب العمل الإجراءات الشكلية التي تطلبتها المادة (43) لإنهاء عقد عمل العامل في حالة إخفاقه في الوصول إلى الكفاءة المطلوبة لا يعني أن الإنهاء قد جاء موافقًا للقانون، وإلا لأصبح هذا السبب بيد صاحب العمل ذريعةً لإنهاء خدمات العاملين لديه لأي أسباب أخرى غير مشروعة؛ إذ يقع على صاحب العمل عبء إثبات ذلك، وقد أكدت المحكمة العليا على هذا الأمر؛ إذ قضت بأنه: «لما كانت الطاعنة (أي المنشأة)… لم تثبت عدم كفاءة المطعون ضدها (أي العاملة)… فإن ما انتهت إليه محكمة الموضوع بدرجتيها من أن إنهاء خدمات المطعون ضدها كان بدون مبرر مشروع ومخالفا للقانون فإن هذا القضاء يكون قد صادف صحيح القانون، وما استقر عليه قضاء هذه المحكمة؛ الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن في هذا الشق»،[13]وقضت أيضًا بأنه لما «كانت المطعون ضدها قد أوردت بأن العامل لا يستحق العلاوة الدورية بسبب أن تقدير كفايته ضعيف، دون أن تقدم الدليل على ذلك، ومن ثم يكون دفعها بعدم الاستحقاق بغير سند ولا دليل»،[14]بل أن المحكمة العليا قد أسبلت رقابتها على الأسباب التي استند إليها صاحب العمل في قراره بضعف الأداء الوظيفي للعامل؛ فقضت بأنه: «عن باقي أسباب النعي فهي غير سديدة؛ ذلك أن محكمة الحكم المطعون فيه قد تعرضت لكافة دفاعات الطاعنة بخصوص ما أبدته من أسباب ومبررات لقرارها إنهاء خدمات المطعون ضده، سواء فيما يتعلق بالظروف الاقتصادية أو بضعف الأداء الوظيفي للمطعون ضده وناقشتها ومحصتها وردت عليها بأسباب سائغة تتوافق مع صحيح الواقع والقانون».[15] في المقابل قضت أيضًا بأنه: «لما كان الثابت من الأوراق والمستندات عدم كفاءة الطاعن الفنية لإنجاز عمله وعدم استقامة سلوكه، وقد بان ذلك من التقارير المعتمدة التي قدمت بشأنه، فقد تم تعيينه في مبدأ الأمر بقسم التدريب، ثم نقل إلى وظيفة كاتب أدوات قرطاسية، وتم نقله بعدها إلى فرع البنك بفنجا ثم إلى بهلاء، وكانت التقارير التي تكتب عنه تشير إلى أنه غير متقبل للعمل، وقليل التركيز وكثير الأخطاء، وقد تعددت شكاوى مديري الأفرع، وهي تجمع على عدم كفاءته وسوء سلوكه، وقد أقر الطاعن صراحة بمقتضى خطابه المؤرخ 4/7/2001، المعنون إلى نائب مدير عام الموارد البشرية – بنك …………. بتقصيره وسوء سلوكه قبل رؤسائه، وطلب فرصة أخرى لإثبات جدارته وفشل في ذلك، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بني على أسباب سائغة تكفي لحمل قضائه، فإن النعي عليه بالفساد في الاستدلال يصبح مجرد جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في استخلاص التعسف، وهو ما لا يجوز إثارته أمام المحكمة العليا»،[16]

ونخلص من هذا بأن الجوانب الشكلية التي تطلبها القانون لإنهاء عقد عمل العامل بسبب إخفاقه في الوصول إلى «المستوى المطلوب من الكفاءة»، لا يعد كافيًا حتى نكون بصدد إنهاء صحيح لعقد العمل من جانب صاحب العمل؛ إذ إن الجانب الموضوعي المتمثل في تقديم صاحب العمل أسبابًا ومسوغات وأدلة حقيقية تثبت إخفاق العامل في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة يعد شرطًا جوهريًّا لصحة إنهاء العقد في هذه الحالة.


[1] ابن منظور، لسان العرب، ص 139.

[2] «هذا خطأ مشهور جدًا»، محمد المنتصر الريسوني، عثرات الأقلام والألسنة، دار ابن حزم، ص 138.

[3] نقول أن استخدام كلمة (الكفاية) هو الأصح، لأن هناك من صحح استخدام كلمة «الكفاءة» على أنها تعني الكفاية: قرار مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة وتوصياته في دورته الثامنة والثمانين: «إجازَةُ اِسْتِعْمالِ الكَفاءة، والكَفُء لمَعْنَى الكِفايَة، والكافِي».

[4] علي النجدي ناصف، بحث بعنوان «بين الكفاءة والكفاية، وبين الكفء والكافي»، مشار إليه في: محمد شوقي أمين، مصطفى حجازي، كتاب الألفاظ والأساليب، ص 16.

[5] أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المصباح المنير، الطبعة الثانية، دار المعارف، ص 537.

[6] ومع ذلك يلاحظ بأن المشرع في المادة (26) من ذات القانون استخدم كلمة «كفاءة» في وصف (الكفاية) وذلك على النحو الآتي: «فإذا تبين لها أنه كفء لشغل وظيفة أخرى في ذات درجة وظيفته أوصت بنقله إليها، أما إذا تبين عدم كفاءته اقترحت إنهاء خدمته».

[7] أُنظر: الطعن رقم 302/2020م عمالي عليا، والطعن رقم: 1324/2019م عمالي عليا، والطعن رقم 302/2020م عمالي عليا، والطعن رقم 467/2019م عمالي عليا، والطعن رقم 221/2011م عمالي عليا.

[8] د. سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني – المدخل للعلوم القانونية، الجزء الأول، الطبعة السادسة، 1987، ص 214. مشار إليه في: علي حميد كاظم الشكري: المعيار الموضوعي وتطبيقاته القانونية لاستقرار المعاملات المالية، مقال منشور في الموقع الإلكتروني: المرجع الإلكتروني للمعلوماتية (www.almerja.com).

[9] د. عاطف النقيب ، النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي ، الخطأ والضرر ، 983 ، ص 134. مشار إليه في: علي حميد كاظم الشكري، مرجع سابق.

[10] الطعن رقم 170/2003م عمالي عليا.

[11] الاستئناف رقم 979 للسنة ق،س (الدائرة الاستئنافية الأولى).

[12] وهكذا الأمر بالنسبة للنموذج الاسترشادي السابق للائحة نظام العمل المعتمد بوزارة العمل في ظل قانون العمل السابق الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35/2003 نجده قد تناول الكفاءة في المادة (32) التي نصت على الآتي: «تعد المنشأة تقارير عن الأداء بصفة دورية لجميع العاملين تتضمن العناصر التالية: 1. المقدرة على العمل ودرجة إتقانه (الكفاءة)، … » كما تنص المادة (33) على الآتي: «تعد المنشأة تقريرا عن أداء القوى العاملة كل عام… ».

[13] الطعن رقم: 731/2016م عمالي عليا.

[14] الطعن رقم 467/2019م عمالي عليا.

[15] الطعن رقم: 727/2016م عمالي عليا، وهكذا الأمر بالنسبة لمحكمة القضاء الإداري؛ إذ قضت: «أنه من الأصول القانونية المسلّم بها والتي جرى عليها قضاء هذه المحكمة أن القرار الإداري الذي يصدر بتقدير تقويم أداء الموظف، شأنه شأن سائر القرارات الإدارية، يجب أن يقوم على أسباب مشروعة قائمة ومحققة وأن يستند إلى عناصر موضوعية محددة، بحيث تكون النتائج التي يسفر عنها مستخلصة استخلاصًا سائغًا ومبررًا من أصول تنتجها ماديًّا وتؤدي إليها قانونًا، وإلا وقع القرار فاقدًا لركن السبب المشروع الذي يبرره»، الاستئناف رقم 979 للسنة ق،س (الدائرة الاستئنافية الأولى).

[16] الطعن رقم: 69/2002م عمالي عليا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى