الواقع والطموحقضايا عمالية

أمام تحديات تشكيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، هل ثمة فرصة لتنظيمها نقابيا؟

علياء الجردانية، اختصاصي إعلام أول

“رائد الأعمال لن يظل رائدًا ما لم يجد اهتمامًا قولًا وفعلًا من الجهات المعنية، والقرارات التي لا تدرس من كافة الجوانب هي بمثابة الموت الرحيم لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة” قالها رائد الأعمال سيف المنجي.

“لم أستطع إلى الآن تأمين مهر للزواج، وقد يبدو أمر ارتباطي مستحيلًا” عبارة رردها خالد السليمي  بحسرة بعدما واجه تحديات عدة في مشروعه الذي يكمل فيه الآن 8 سنوات، ومن بين تلك التحديات أزمة جائحة كورونا، وما خلّفته من خسائر على مشروعه، ويضيف قائلًا: على رغم اجتهادي في العمل بشتى الوظائف من الساعة 4 فجرًا إلى الساعة 12 صباحًا، إلا أنني وإلى الآن لم أتمتع بالربح لتأمين متطلبات مستقبلي كمواطن على مدار هذه الأعوام.

يمثل كلٌّ من خالد وسيف نموذجًا لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذين بددت أزمة كورونا والإجراءات الحكومية والسياسات المتبعة في هذا الجانب طاقات مشاريعهم. لقد شكلت المشروعات الصغيرة والمتوسطة عصبًا أساسيا للاقتصاد العُماني خلال السنوات الماضية، ونتيجة لشح الوظائف في القطاعين الحكومي والخاص، لجأ عدد كبير من الشباب إلى تأسيس مشروعات تجارية مختلفة، شملت معظم القطاعات، مثل تجارة الجملة وتجارة التجزئة والمقاولات ومشاريع التشييد  والإلكترونيات، إضافة لمشاريع لوجستية وغيرها.

 الإحصائيات تتحدث

وتشير آخر الإحصائيات الصادرة عن هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى ارتفاع عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، المسجلة لدى هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عام  2020 بنسبة 14%؛ لتبلغ بنهاية ديسمبر 2020 نحو 48 ألفًا و669 مؤسسة مقابل 42 ألفًا و698 مؤسسة في نهاية ديسمبر من عام 2019.

الإغلاق وتأثيره على رواد الأعمال

بدأ خالد السليمي مشروعه التجاري قبل  8 سنوات، ومنذ بداية أزمة كورونا أقرت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا  مجموعة من الإجراءات؛ لتقليل حدة انتشار المرض بين المواطنين والمقيمين، من بينها اعتماد سلسلة من  الإغلاقات الكلية والجزئية وفق مؤشرات الوضع الوبائي. بالنسبة لخالد فإن كل إغلاق تتخذه هذه اللجنة هو مؤشر على خسائر قادمة سيواجهها مشروعه، ويعتبر خالد أن المبادرات التي أطلقتها هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة لا تنصب جميعها في مصلحته؛ إذ أن معظمها تحمل في طياتها إجراءات شاقة، تقع على كاهل رائد الأعمال المتضرر أصلًا.

المناقصات والعقود

 ويسرد السليمي إشكاليات العمل الخاص في السلطنة قائًلا: كنا نواجه إشكالية رفض اعتماد مؤسساتنا في عملية المناقصات والعقود من قبل الجهات الحكومية أو الشركات الخاصة. لقد سعيت واجتهدت منذ بداية انطلاق مؤسستي من أجل تأمين عقد، يضمن لي الاستمرار في مشروعي على نحو  أقل؛ فسعيت لمخاطبة الشركات والجهات الحكومية للحصول على عقد، ولكن دون جدوى، ومن جهة أخرى فإن الحكومة تطالبني بالتعمين في الوظائف الخاصة بمؤسستي؛ ما يعني دفع رواتب مرتفعة، فضلاً عن أن الشركات الكبرى في  المجال ذاته تحصل على كلتا الأمرين (العقود والمناقصات)، ولقد شاهدت كيف يتم الالتفاف من جانب هذه الشركات على مسألة التعمين في  الوظائف، ويضيف قائلًا: كان من المفترض أن يتم دعمنا بالعقود والمناقصات من أجل نجاحها واستمرارها، فضلاً عن أن هذه المؤسسة حاصلة على قرض حكومي، وهذا يعني أن على كاهلها التزام، ولا أخفي بأنني ومنذ أن باشرت في المؤسسة إلى الآن لا توجد أي شركة أو مؤسسة حكومية لم أتقدم لها لطلب الحصول على عقد توريد، ولكن دون  جدوى.

غياب الدعم

‏ويقول رائد الأعمال محمد السيابي: من التحديات التي واجهتها هي توقف الأعمال في فترة  جائحة كورونا؛ فلم يصدر أي قرار يلزم أصحاب العقارات بتخفيض الإجار، ولو بنسبة بسيطة، كذلك غياب الدعم المجزي الذي من الممكن أن يغطي حاجة واضحة من المصاريف والالتزامات، مثل الرسوم والمساهمة في التأمينات الاجتماعية، بالإضافة إلى عدم التزام الشركات الكبيرة بإعطاء نسبة 10 % للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

إطلاق خطة التحفيز الاقتصادي

في مارس 2021 بعد أكثر من عام من تفشي جائحة كورونا في البلاد، تم إطلاق خطة التحفيز الاقتصادي المعتمدة من قبل مجلس الوزراء، والهادفة إلى تخفيف تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد  الوطني؛ إذ تضمنت 5 محاور، من بينها محور حوافز لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ فقد شملت تخفيض معدل ضريبة الدخل، وتأجيل أقساط القروض، وإسناد المناقصات الحكومية التي لا تزيد قيمتها عن 10 آلاف للمؤسسات  الصغيرة، وبالرغم أن هذه الخطة نالت اهتمامًا إعلاميًّا واسعًا، إلا أنها لا تزال غير كافية لمعالجة الضرر المتفاقم على المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

الإسراع في تسهيل الإجراءات

ويرى رائد الأعمال سيف المنجي أن التحديات التي تواجه رواد الأعمال هي ذاتها منذ سنوات، وتفاقمت الآن بسبب جائحة كورونا، وأن أغلبها تحديات تمويلية وقانونية وإدارية وسوقية، ويقول: لا بد من الإسراع في تسهيل إجراءات التراخيص، وكذلك إسناد المشاريع والمناقصات التي لا تصل قيمتها إلى 10 آلاف للمؤسسات الصغيرة؛ فنلاحظ بأنه لا توجد لدينا صناديق طوارئ لدعم المؤسسات الصغيرة؛ وذلك سيؤثر ذلك على الجيل الجديد الراغب في خوض غمار ريادة  الأعمال، ويكمل قائلا: رغم الإجراءات الاحترازية التي تضمنت الإغلاق التام، لم نجد الدعم لنا نحن كمؤسسات صغيرة، الكل يتفق أن الصحة أهم من المال والأعمال، ولكن من سيعوض رائد الأعمال عن دفع الإيجارات والأجور وسداد الفواتير والقروض  البنكية.

حزمة مبادرات الحماية الاجتماعية

في مطلع إبريل 2021، وبمباركة سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- تم إطلاق حزمة من المبادرات الاجتماعية  التي تقدمت بها الجهات المعنية، من بينها تقديم تسهيلات مالية بدون  فوائد، وإعفاء المواطنين المستفيدين من برامج الدعم من أداء المبالغ غير المسددة، بالإضافة إلى إطلاق هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لبرنامج تمويلي طارئ لرواد الأعمال.

يقول خالد السليمي: بالنسبة للدعم المقدم لرواد الأعمال، والمقدر بمبلغ قدره  200 ريالًا شهريًّا في الواقع إلى الآن لم أحصل عليه رغم استيفائي لجميع الشروط؛ وقد تقدمت لطلبه، ولكن  المرسوم كالعادة يصدر في وقت مبكر، ويتم تنفيذه في وقت متأخر!

بالنسبة لسيف المنجي فإن منحة 200 ريال شهريًّا ليست  مطلبًا لرواد  الأعمال، ويقول: نحتاج لتخفيف الإجراءات، وتقديم الاستشارات المجانية والتدريب والتأهيل، وإيجاد صندوق طوارئ لدعمنا  في حالات الطوارئ، وتخصيص بعض المناقصات والمشاريع الحكومية لنا، وتسهيل إجراءات  التصدير والاستيراد، والتنسيق مع البنوك لتمويل المؤسسات ودراسة وتحليل أوضاع المؤسسات سنويا أو كل 6 أشهر.

رفع رسوم استقدام القوى العاملة الوافدة

وأثار القرار الأخير الصادر عن وزارة العمل، المتعلّق برفع رسوم استقدام القوى العاملة الوافدة جدل أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وفي هذا الصدد يقول  رائد الأعمال محمد السيابي: إن التحدي الأكبر هو أننا كنا نتوقع إعفاءات، وتخفيض الرسوم من قبل جميع الجهات الحكومية خاصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لكننا نتفاجأ برفع رسوم  إصدار تصاريح العمل أضعاف مضاعفة، وفي نظري أن الحكومة هي الأم الراعية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، قد قامت برعايتها وتنميتها من فترة طويلة، والآن تضيق عليها الخناق حتى  الموت.

إحلال العُماني

ويقول سليمان الراجحي، وهو عضو سابق في مجلس  الشورى: بالنسبة لقرار رسوم استقدام القوى العاملة الوافدة؛ فمن الأفضل ألّا تعمم على أصحاب المؤسسات  الصغيرة؛ نظرًا للدخل والفوائد البسيطة لهذه المؤسسة، وأقصد ألّا يعمم قانون التوطين في هذه  المؤسسات؛ فالذي يتقاضاه الوافد في الشهر يتوافق مع سير عمل  المؤسسة، وفيما يتعلق بالقرار الأخير لوزارة العمل، الخاص برفع الرسوم هي الطريقة التي ستساعد على إحلال العماني في هذه المؤسسات، ويشير الراجحي أيضًا إلى أنها سلاح ذو حدين فهي في الوجه المقابل ستؤدي إلى إغلاق مؤسسات عدة، وانتقالها إلى دول أخرى،  تاركة وراءها الكثير من المسرحين العمانيين، وبالمقابل ستؤدي زيادة رفع الرسوم إلى تدني المسؤولية المجتمعية لدى تلك المؤسسات؛ وذلك في نظرها أنها قدمت بما فيه الكفاية من خلال رسوم تراخيص الوافدين. ويضيف الراجحي قائلا: سنلاحظ تأثيرًا مباشرًا على مستوى الأسعار، وخصوصًا إن كانت هذه المؤسسات مرتبطة بتوفير ما يلزم المواطن في معيشته اليومية؛ وسيؤدي هذا الأمر إلى ممارسات خاطئة ،كاستجلاب وافدين بأسماء مهن ذات رسوم بسيطة، لم يتم حظرها، بينما في الواقع يعملون على مستوى وظائف قيادية وإشرافية؛ وذلك تهربًا من دفع الرسوم؛ وبالتالي ستؤثر على متطلبات سوق العمل والإحلال في نفس الوقت.

الحكومة والتسهيلات المقدمة

 ويجدر الذكر أن الحكومة الرشيدة في  ظل قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- قد قدمت مجموعة من التسهيلات والإعفاءات الضريبية وحوافز مصرفية، من بينها تأجيل الأقساط والفوائد والأرباح، وتسهيلات ائتمانية، وإعادة جدولة القروض، تخفيض ضريبة الدخل، وخلال أزمة كورونا تم اعتماد إعفاءات رسوم التراخيص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتأجيل سداد الاشتراكات الشهرية في نظام التأمينات الاجتماعية، وتخفيض الرسوم، والإعفاء من غرامات التأخير والبرامج التمويلية الطارئة، وتأجيل دفع مستحقات الخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه).

  • إطلاق البرنامج التمويلي الطارئ، الموجه لرواد الأعمال حاملي بطاقة ريادة الأعمال بسقف تمويلي، يصل إلى 10 آلاف ريال عماني، والبدء في تلقي الطلبات، وإطلاق حزمة من المبادرات التشغيلية.
  • صرف إعانة شهرية، مقطوعة من صندوق الأمان الوظيفي بمقدار 202.5 ريال عماني لمدة ستة أشهر، للعاملين لحسابهم الخاص، والمؤمن عليهم لدى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، المتأثرة أعمالهم بسبب الوضع الاقتصادي.
  • تسهيلات مالية من بنك التنمية العُماني بدون فوائد ورسوم للعاملين لحسابهم الخاص.
  • تخفيض معدل ضريبة الدخل من (15%) إلى (12%) للمؤسسات والصغيرة والمتوسطة.
  • تأجيل أقساط القروض الخاصة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة،  المستحقة لصندوق الرفد حتى نهاية ديسمبر 2021.
  • إسناد مناقصات للمشتريات الحكومية التي لا تزيد قيمتها عن 10 آلاف ريال عماني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي حصل أصحابها على بطاقة ريادة، ويتم الاستثناء من ذلك بقرار مسبب من رئيس الوحدة.

هل يمكن الدفع بإنشاء نقابات عمالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟

يقول عامر العزري، مدير دائرة الشؤون القانونية بالاتحاد العام للعمال: أن الإشكال التشريعي المتعلق بتأسيس عمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لنقابات عمالية هو إشكال غير مباشر؛ إذ لا يوجد مانع قانوني من قيامهم بتأسيس نقابات عمالية، لكن لأن كثيرًا من هذه المؤسسات لا يستوفي عدد العمال بها العدد الأدنى لتأسيس النقابات المحدد بالقرار الوزاري رقم 500/2018 بشأن تشكيل وتسجيل وعمل النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عمان بخمسة وعشرين عاملًا، وقد يصل بعضها هذا العدد أو يتجاوزه، إلا أن العدد المطلوب هو عدد المؤسسين الراغبين في تأسيس نقابة عمالية، وليس عدد عمال المؤسسة  بالكامل؛ إذ يصادف ألا يكون لدى بعض هؤلاء العمال رغبة في الانضمام لنقابة عمالية، لا سيّما وأن العمل النقابي يقوم على حرية الانضمام  والانسحاب؛ ويشير العزري إلى أنه حتى بالنسبة للعمال الذين لا توجد لديهم نقابة عمالية، تمثلهم وتدافع عنهم، فيجوز للعمال اختيار خمسة منهم لتمثيلهم في مفاوضة جماعية مع صاحب العمل؛ وذلك استنادًا إلى القرار الوزاري رقم 294/2006 بشأن تنظيم المفاوضة الجماعية والإضراب السلمي والإغلاق وتعديلاته.

سألنا العزري لو أُجيز التنظيم النقابي لهذه المؤسسات، ما الدور المهم الذي يقوم به في مسألة الحماية الاجتماعية والقانونية فأجاب: من شأن ذلكخلق حوار وشراكة بين العامل وصاحب العمل بما يحقق المصلحة المشتركة للطرفين، إضافةً إلى كون ممثلي النقابات العمالية يشركون في الأنشطة والبرامج التدريبية التي ينفذها الاتحاد العام لعمال السلطنة؛ الأمر الذي يجعلهم على معرفة ودراية بالحقوق والواجبات وعلى قدرة على تحسين بيئة العمل وظروفها بالمؤسسة، وهو ما ينعكس بدوره على أوضاع العاملين بها، ومن ثم فإن التنظيم النقابي داخل هذه ستكون له انعكاساته الإيجابية على المؤسسة والعاملين بها على السواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى