الواقع والطموحقضايا عمالية

هل للنقابات العمالية دور في تحقيق رؤية عمان 2040؟

علياء الجردانية، اختصاصي إعلام أول، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

تلبية للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد  -طيب الله ثراه- في إعداد رؤية مستقبلية لعُمان، يتشارك في إعدادها كافة فئات المجتمع؛ لرسم ملامح مستقبل عُمان كما أرادها المغفور له، وامتدادًا للنهضة المتجددة التي يرعاها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق  -حفظه الله ورعاه- التي تسعى جاهدة  لتحقيق  رؤية عُمان 2040 بحذافيرها، ويجدر الذكر أنّ رؤية عُمان 2040 قد ركزت على ثلاثة محاور رئيسية، هي (الإنسان والمجتمع) و(الاقتصاد والتنمية) و(الحوكمة والأداء المؤسسي)، وقد انبثقت من كل محور محاور عدة، تساهم في تحقيق الأهداف المنشودة.

ولا يختلف اثنان على الدور الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني اليوم، بما فيها النقابات العمالية والدور الذي تلعبه خاصةً في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم -ونقصد هنا أزمة  كورونا- والذي يتجسد دورها الجوهري في تعزيز مبدأ الحوار الاجتماعي، وإيجاد الحلول لإرضاء الأطراف المتضررة، والوقوف في المقام الأول في صف العمال، كما لا يخفى على الجميع تفاقم القضايا العمالية إثر هذه الأزمة، وما نتج عنها من إنهاء خدمات العمال (التسريح)، والتأخر في صرف الأجور، وغيرها؛ الأمر الذي يضع العمال في قلق مستمر في سبيل البحث عن لقمة العيش، وتوفير العيش الكريم لهم ولأسرهم.

 وسنتطرق في هذا الاستطلاع إلى أهمية النقابات العمالية ودورها في مواءمة أهدافها مع أهداف رؤية عُمان 2040؛ وذلك من خلال تحقيق الحماية والعدالة الاجتماعية للعمال، وكذلك توفير بيئة عمل جاذبة ومستقطبة للعمال، وزيادة إنتاجيتهم، وأثر ذلك على تحقيق الرؤية مستقبلًا من خلال التركيز على البندين التاليين:

  • الرفاه والحماية الاجتماعية.
  • سوق العمل والتشغيل.

التشكيل النقابي في السلطنة

في البداية نتطرق إلى موضوع التشكيل النقابي في السلطنة كما جاء على لسان خليفة الحوسني، رئيس قسم الأنشطة والبرامج بالاتحاد العام للعمال بقوله: نظرًا للتحولات العالمية التي شهِدتها علاقات العمل، والتي أدت إلى أن تسعى الدول إلى تبني نهج جديد، يرتكز على خلق التوازن بين طرفي الإنتاج (صاحب العمل والعامل)، بما يكفل العدالة والإنصاف والتنمية، وصولًا إلى آفاق رحبة من الاستقرار، بما في ذلك إيلاء العناية الفائقة بالتنظيم القانوني النقابي؛ عليه فقد اتبعت السلطنة سياسة التدرج في تأسيس العمل النقابي تبعًا للتطور التشريعي في مجال الحقوق والحريات النقابية الذي شهده قانون العمل العُماني والقرارات الوزارية المنفذة له، ورجوعًا للقرار الوزاري رقم (500/2018) المتعلق بنظام تشكيل وعمل وتسجيل النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان الذي يعد بمثابة دستور العمل النقابي في السلطنة، نجد أنه قرر عددًا من الحقوق للنقابات العمالية بما فيها الدفاع عن حقوق العمال، وتحسين حالتهم المادية والاجتماعية، وتمثيلهم في جميع الأمور المتعلقة بشؤونهم، بالإضافة إلى رفع مستواهم المهني والثقافي.

فلسفة رؤية عُمان 2040

من جانبه يحدثنا مبارك الحمداني، وهو باحث في الدراسات الاجتماعية عن فلسفة الرؤية  قائلا: على مستوى السلطنة لا يمكن فصل الحديث عن الفلسفة التي تحاول رؤية عُمان 2040 تحقيقها على مستوى ثقافات العمل ومستوى الإنتاجية من ناحية، وعلى مستوى الحاجة إلى تعزيز مساهمة الأفراد في أسواق العمل بفاعلية القطاع الخاص على وجه التحديد؛ عن أهداف هذه الرؤية؛ ذلك أن أهداف هذه الرؤية في فلسفتها إنما هي بحاجة أيضًا إلى المقومات الداعمة التي تضمن سهولة الانتقال وسلاسته لتبني هذه  الثقافة، وما النقابات العمالية سوى أحد هذه المقومات التي ينتظر لها المزيد من التمكين على المستوى التشريعي وعلى مستوى  تغيير براديغم التفكير(النموذج الفكري) إزاءها فيما يتعلق بمحورية عملها في أسواق الشغل من ناحية وفي العمل المدني ككل.

الحماية الاجتماعية

تُعّرف حمدة الشامسية، مدير عام سابق بالهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في تصريح سابق لها في مجلة سواعد نقابية الحماية الاجتماعية قائلة: الحماية الاجتماعية هي جملة من الإجراءات والسياسات والبرامج، المعنية بالمجتمع، والمهتمة برفاهية الإنسان؛ للحد من الفقر عبر تعزيز كفاءة العمل، ودفع المواطنين نحو استغلال قدراتهم وكفاءتهم وإدارة المخاطر التي قد يتعرضون لها، كما أنها تعتبر قيمة من قيم التضامن المؤثرة في بناء الوطن المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف والمواثيق الدولية، لذلك فهي مرتبة عليا من مراتب التكافل الاجتماعي.

وتكمل في تصريحها:بات أمر الحماية الاجتماعية يؤرق العاملين في القطاع الخاص في ظل ازدياد أعداد المسرحين من العمل، وكثرة القضايا العمالية المتعلقة  بتأخير الأجور وتخفيضها؛ وبالتالي   عدم وجود بيئات عمل محفزة وجاذبة للقوى العاملة الوطنية، وقد أتت الرؤية لتضع الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية ضمن أولوياتها في توفير حياة كريمة للعاملين وتغطية المجتمع بشبكة أمان اجتماعية فاعلة ومستدامة وعادلة.

العدالة الاجتماعية

ويتطرق رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام للعمال في إحدى كلماته في مجلة سواعد نقابية  قائلًا: مع التوجه الوطني الرامي لتحسين بيئة العمل في القطاع الخاص بالسلطنة، بات تكريس قيم العدالة الاجتماعية ومرتكزاتها أمرًا بالغ الأهمية من أجل خلق بيئة عمل مستقطبة للقوى العاملة الوطنية من خلال المساواة في الحقوق والواجبات بين العاملين في القطاعين الخاص والعام، وتطوير نظام ضمان اجتماعي متين، وقادر على توفير الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص على المدى الطويل وفق أسس، تكفل تكافؤ الفرص، وتضمن لهم الاستقرار.

تحقيق العدالة الاجتماعية

ويكمل لقمان بن حمود الراشدي، نائب رئيس نقابة عمال أوكسيدنتال عُمان قائلًا: إن وجود نظام تقييم عادل، وأهداف واضحة لكل عامل أو موظف، يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، وما يترتب عليه من مكافآت نظير الإنجاز والجودة، وهذا ما تحرص عليه النقابات العمالية من خلال إيجاد نظام يسمح للعامل ورب العمل لمناقشة الأهداف المرجوة وإنجازها بالتوافق مع إدارة  العمل.

تحقيق أجندة العمل اللائق

ويتحدث مبارك الحمداني  قائلًا: إن الحديث عن الدور المنتظر للنقابات العمالية على مستوى الأجندة الوطنية لا يمكن فصله اليوم عن الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة، والمتصل بمسألة تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام والعمالة وتوفير العمل اللائق  للجميع؛ ذلك أن المسألة لم تعد اليوم متصلة بمجرد توفير فرص العمل أو المراوحة في سياسات التشغيل وحدها كمدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية من ناحية والرفاه الاجتماعي من ناحية أخرى، وإنما أصبحت المسألة متصلة بالسعي لأن تكون منظومة العمل لائقة وفق عدة اشتراطات، ولا شك بأن دور النقابات العمالية أصبحت عنصرًا أساسيًّا في تحقيقها وتكاملها، ويمكن العودة إلى أجندة برنامج العمل اللائق التي انتهجتها منظمة العمل الدولية؛ فهي ترتكز على عدة أبعاد، منها:

  • فرص العمل المنتجة، والمدرة للدخل العادل.
  • تحقيق السلامة في بيئات العمل.
  • توفير منظومات متكاملة للحماية الاجتماعية للعاملين  وأسرهم.
  • ضمان آفاق أفضل للتنمية الشخصية والمهنية في بيئات العمل.
  • تحقيق الاندماج الاجتماعي.
  • حرية العاملين في التعبير عن مخاوفهم.
  • المشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم.
  • تكافؤ الفرص  والمساواة في المعاملة للجميع على حد سواء.

 تلك هي مداخل رئيسية، تحقق في عمومها الدور المنتظر للنقابات العمالية اليوم في تحقيق أجندة العمل اللائق، وهي بلا شك تمثل التزامًا دوليًّا  يتحتم على كافة دول العالم.

سوق العمل والتشغيل

أولت الرؤية أهمية لسوق العمل والتشغيل من خلال توفير بيئة عمل، محفزة وجاذبة للقوى العاملة الوطنية، ومواكبة لكافة التطورات الديمغرافية والاقتصادية والمعرفية التقنية؛ لإيجاد قطاع خاص ممكّن، قادر على قيادة اقتصاد تنافسي، ومن هنا يمكن القول بأن للنقابات العمالية دورًا في تفعيل جوانب عدة في بيئات العمل؛ حتى تجعلها بيئات آمنة ومستقرة؛ وذلك من خلال البنود التالية:

تفعيل لائحة نظام العمل بمنشآت القطاع الخاص

ويكمن دورها هنا في المشاركة بإعداد لوائح العمل وتطويرها في منشآت القطاع الخاص، وأهمية تلك اللوائح في تعزيز إنتاجية العامل؛ إذ نصت المادة (28) من قانون العمل (باب عقد العمل): على صاحب العمل في حالة استخدام خمسة عشر  عاملًا فأكثر أن يضع في مكان ظاهر من منشأته لائحة بنظام العمل بعد اعتمادها من  الوزارة، ويجب أن تتضمن هذه اللائحة قواعد تنظيم العمل في المنشأة وحقوق وواجبات كل من العامل وصاحب العمل، والقواعد المنظمة لعلاقة العامل بزملائه ورؤسائه، وأحكام ترقية العامل، وتحديد فئات الأجور، والعلاوات، والبدلات بجميع أنواعها، ومواعيد ومكان  دفعها، وعلى صاحب العمل إجراء التعديلات التي تطلبها الوزارة على اللائحة المشار إليها تنفيذًا لما يصدر من قوانين أو لوائح أو قرارات.

كما يترتب على دور النقابات تفعيل لائحة أخلاقيات العمل؛ لما لها من أثر على زيادة الإنتاجية، بحسب ما تطرق لها سليم الهنائي، باحث قانوني بالاتحاد العام لعمال سلطنة  عُمان،  ومن الممكن استعراض بعض أخلاقيات العامل وصاحب العمل كالآتي:

أخلاقيات العامل:

  •  الإخلاص: التفاني في تأدية العمل، وبذل قصارى جهده في إنجازه بالشكل المطلوب، سواء أكان صاحب العمل مشرفًا على قيامه بالعمل أم لا، وأن يؤديه على أكمل وجه وبعناية.
  • النزاهة: اتصاف العامل بالصدق والموضوعية أثناء تعاملاته فيما بينه وبين الزبائن والعملاء ومع صاحب العمل.
  • التحلي بالقيم الجيدة والأخلاق الحسنة.

أخلاقيات صاحب العمل:

  • الشفافية من خلال إطلاع العمال على التقارير المالية للمؤسسة والأرباح المحققة.
  • إشراك العامل في صنع القرارات، ووضع الإستراتيجيات العامة.
  • الالتزام باشتراطات السلامة والصحة المهنية، وتوفير بيئة عمل آمنة للعمال.
  • تقديم المساعدات للمجتمع المحيط الذي توجد فيه المنشأة (المسؤولية الاجتماعية).

إشراك العمال في صنع القرارات

 يقول خالد الندابي، عضو في نقابة عمال شركة أوكسيدنتال  عُمان: إن إشراك العمال في صنع القرارات يترتب عليه شعور العامل بأنه جزء من منظومة، وأن وظيفته أكبر من مجرد مصدر دخل  له؛ فيحرص على مصلحتها وعلى ممتلكاتها وأدواتها؛ فهو شعور يجب  ألّا يستصغر  وألّا يستهان به، كما أن إشراك العمال في صنع القرار من شأنه أن يُقّرب الصورة لصاحب العمل، ويجعلها أكثر وضوحًا، ويترتب على ذلك قرارات أقرب إلى  الصواب.

تعزيز أُطر الترقيات

ويتطرق الندابي إلى موضوع تعزيز أطر الترقيات موضحا: إن أعضاء النقابات العمالية هم عمال المؤسسة بأكملها وبجميع أقسامها، ولا شك أن التواصل بين أفرادها أيسر من تواصل العامل مع إدارة  الشركة؛ ولهذا فإن الهيئة الإدارية للنقابة أكثر  اطلاعًا على التفاصيل الدقيقة لأغلب الوظائف، وباستطاعتها تقديم بيانات وشروط دقيقة لمتطلبات الترقيات في كل وظيفة وفي كل قسم، وهو أمر غائب عن أغلب المؤسسات في السلطنة؛ إذ أن شروط الترقيات عند أصحاب العمل تعتبر شروط عامة  جدًّا؛ وهي بالتالي مبهمة وضبابية في غالب  الأحيان.

تعزيز روح المبادرة والابتكار

وتضيف إيمان فضل، وهي عضو في إحدى النقابات العمالية قائلة: إن وجود النقابات العمالية  يساهم في إعطاء العمال فرصة للتعبير عن آرائهم ومناقشتهم في جميع ما يخدم مصلحتهم؛ وبالتالي باستطاعة العمال حينها أن يفكروا بحلول عملية ترضي الطرفين، والتفكير بالحلول يحتاج إلى الابتكار والتفكير الإبداعي الذي يساهم في تحسين بيئة العمل؛ وبالتالي الإنتاجية.  

خلق بيئة عمل جاذبة

وتكمل إيمان متحدثة: تعتبر النقابات العمالية همزة وصل ما بين إدارة الشركة والعمال بمختلف مستوياتهم وفئاتهم؛ فهناك نوع من الحوار الأخوي، يكون بين النقابة وإدارة الشركة والعمال؛ فبوجود هذا الحوار، ووجود طريقة سلسة وسهلة لنقل رغبات العمال وأحلامهم في تطوير بيئة العمل إلى الإدارة ومناقشتها يشعر العامل بأنه جزءٌ من منظومة العمل، كما أنه يساعد إدارة الشركة في التطوير بما يتناسب مع احتياجات العمال؛ لأن بعض الاحتياجات قد تكون غير ظاهرة أو واضحة للإدارة لحين إقدام العمال بطرحها عن طريق النقابة العمالية، والتي تمثلهم بطريقة حيادية  ومنظمة؛ فقد لمسنا لنقابات عمالية عدة دورها في هذا الأمر، والذي يكمن في الارتقاء ببيئة العمل؛ وبالتالي تحسين بيئات العمل في القطاع الخاص؛ مما يساهم لاحقًا في جذب القوى العاملة الوطنية واستقطابها.

دور العامل ومساهمته في الإنتاجية

من جانبه يحدثنا الحوسني عن دور العامل ومساهمته في الإنتاجية  قائلًا: إن العامل في المؤسسة يساهم في تحقيق كفاية إنتاجية، ومن خلاله أيضًا يمكن للمؤسسة أن تدخل في التنافس مع المؤسسات أخرى؛ وبذلك فإن الاهتمام بالعمال، وفتح مجال لهم للمشاركة في اتخاذ القرارات وصياغة السياسات العامة من خلال ممثليهم يؤدي إلى تحسن الإنتاجية، ورفع الأداء، وتحفيز الطاقات لدى العمال؛ فالفرد قادر على أن يُبدع شيئًا جديدًا ويساهم في إيجاد حلول مبتكرة لتحديات قد تعترض المؤسسة، إضافةً إلى تغيير القيم الوظيفة لدى العمال؛ إذ يتطلعون إلى التقدير والمشاركة في صنع القرارات التي تتعلق  بهم؛ عليه من المناسب تعديل القوانين والتشريعات الناظمة للعمل النقابي لخلق ثقة متبادلة بين طرفي علاقة العمل، كما أن إعداد الفرد ليكون عضوًا فاعلًا في مجتمعه يتطلب قيام مؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمالية على وجه التحديد بدورٍ رئيسي في التوعية، وهنا نشير لرؤية عُمان 2040، وذلك لن يتحقق إلا إذا امتلكت القيادات النقابية درجة عالية من التمكين التشريعي، يمكّنها من العمل، واستيعاب التحولات الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز مفهوم  المشاركة.

الرفاهية

ويتحدث لقمان الراشدي  قائلًا: وجدت النقابات العمالية لتسهيل التواصل بين العمال ورب العمل فيما يتعلق بحقوق العمال وضمان إنجاز مهام العمل بما يحفظ حق الطرفين،  فضلا عن ذلك فالنقابة العمالية تلعب دور المطور والاستشاري فيما يتعلق برفاهية العمال، وضمان جودة العمل في حدود القوانين التشغيلية، وما يمكن أن يفوق الحد الأدنى في القانون فيما يتعلق  بالرفاهية.

 دور النقابات في تحقيق رؤية عُمان 2040

ويتحدث الحوسني قائلا: إن المتابع للعمل النقابي في السلطنة يجد أنه متفرِّد بامتياز، وجدير أن يكون أنموذجًا، يستفاد منه على المستويين الإقليمي والدولي، كما تشير المعطيات والبيانات الإحصائية المتوافرة لدى الاتحاد العام إلى وجود زيادة في حجم النشاط الذي تلعبه النقابات العمالية داخل المؤسسات التي تمثلها، والذي انعكس بدوره على الإنتاج والتغلّب على العديد من التحديات التي كانت موجودة، وتؤثر سلبًا على جودة  الإنتاج؛ وفي ظل جائحة كورنا كان للعمل النقابي دور متميّز في التصدي لحالات التسريح الجماعي، وعدم صرف الأجور أو التأخر في صرفها، وتحقيق تسوياتٍ عادلة، تتماهى مع العدالة الاجتماعية التي ينشدها الجميع، كما إن وجود النقابات العمالية في مؤسسات القطاع الخاص يساهم في توافر عدد من المعطيات الإيجابية ذات المردود المشترك بين طرفي علاقة العمل، يُجسِّد ما تضمنته رؤية عُمان 2040، من بينها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. بيئة عمل آمنة وخالية من المخاطر.
  2. رفع المستوى الثقافي والفني والمهني والصحي للعمال وتعزيز قيم العمل.
  3. وجود اتفاقيات عمل جماعية بين النقابات وإدارات الشركات من خلال تكريس مفهوم الحوار والتفاوض.
  4. مستوى عادل من الأجور والمكافئات مقارنة مع حجم المنشأة.
  5. تطبيق أحكام وضمانات أكثر فائدة من تلك المنصوص عليها في قانون العمل واللوائح والقرارات الوزارية المنفذة له.
  6. المشاركة في رسم سياسة الشركة من خلال المقترحات والمناقشات التي تجريها النقابة.
  7. مناشط اجتماعية، تحفز على العمل.
  8. الحصول على خطة تدريبية سنوية، تشمل جميع العمال في مختلف الأقسام.
  9. تقليص النفقات المالية والإدارية.
  10. بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه النقابة  العمالية  في تدريب العمال أهمية العمل المشترك، والتضامن، وممارسة الديمقراطية من خلال الحوار والتفاعل والالتزام بقرارات أغلبية جمعيتها العمومية.

 أولوية الرفاه والحماية الاجتماعية

ويتحدث مبارك الحمداني بقوله عن دور  النقابات العمالية: فالحديث عن دور النقابات العمالية المرجو في رؤية عُمان 2040 يتسق مع هدفين إستراتيجيين تضمنتهما أولوية الرفاه والحماية الاجتماعية، وهما الهدف المتصل  بشراكة فاعلة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني في مجالات التنمية  الاجتماعية، والهدف المتصل بمجتمع مدني ممكن، ومشارك بفاعلية في التنمية المستدامة، وإطار تنظيمي فاعل، ومحفز لعمل  مؤسساته.

حوار بنّاء بين الحكومات وأرباب العمل

 ويواصل الحمداني قائلا: وبالتالي فإن هذه النقابات في تقديرنا ينتظر منها إن تؤسس لبنات حوار بناء بين الحكومات بوصفها مشرعة ومنظمة لأسواق العمل وبين أرباب العمل، والمعنيين بشأن التخطيط الاقتصادي والاجتماعي في تعزيز القناعة بأهمية النقابات الحماية، وضمان تحقيق حرية تشكيلها، وممارسة أدوارها لما فيه الصالح العام من ناحية، وتحقيق أجندة العمل اللائق من ناحية أخرى.

تعديل التشريعات

ويكمل الحمداني قائًلا: وهذا يتأتى بالضرورة من خلال منطلق التشريع؛ فالحاجة إلى تعديل قانون الجمعيات الأهلية ليكون   قانونًا جامعًا للعمل المدني والمبادرات المجتمعية، ويخفف القيود البيروقراطية، ويسهل الإجراءات التنظيمية، بما فيها إجراءات إشهار النقابات العمالية، والضوابط الموضوعة لممارسة أنشطتها وأدوارها المهنية، ومن ثم فإن الدور المتطلب من هذه النقابات العمالية وضع أطر إستراتيجية لعملها، وتعزيز التفاعل والحوار فيما بينها أولا؛ لتبني التوجهات   إلاستراتيجية فيما يتعلق بممارسة أدوارها، وهذه التوجهات   إلاستراتيجية ينبغي أن تكون منطلقة من أجندة العمل اللائق، وممثلة في أبعاده الأربعة، وهي، كما حددتها منظمة العمل الدولية:

– استحداث فرص العمل.

– توسيع نطاق الحماية الاجتماعية.

– تعزيز الحوار الاجتماعي.

– ضمان احترام الحقوق في العمل.

خلق حوار اجتماعي مع أصحاب المصلحة

 ويضيف الحمداني قائلًا: ومن ثم فإن من الأدوار المرجوة من هذه النقابات العمالية كذلك هو الانخراط في خلق حوار اجتماعي مع أصحاب المصلحة يفضي ليس فقط  لتلبية أصوات مختلفة، وإنما إلى تقديم البدائل على مستوى سياسات الأجور، وسياسات الأمان الوظيفي، وتوسيع قاعدة الحماية الاجتماعية للعمال، وتحسين ظروف الصحة والسلامة في بيئات العمل، وتحديد الالتزامات العامة وجدولة الحوار بين أرباب العمل والعمال.

تعزيز الوعي بأولويات العمل النقابي

 ويضيف الحمداني موضحًا: وعلى هذه النقابات العمالية دور مأمول في خلق الوسائط التي  تساهم في إدماج العمل في رسم السياسات الوطنية الكلية بوجع عام، والسياسات المتصلة بأسواق العمل والتشغيل، وبرامج التنمية الاجتماعية والحماية الاجتماعية على وجه الخصوص، وضمان تحقيق صوتهم ضمن خارطة تلك السياسات، ودورها كذلك في التنفيذ والتقييم ومتابعة التنفيذ والتغذية  المرتدة كما أن هناك دور مرجو دورًا مرجًّوا من هذه النقابات العمالية في تعزيز الوعي بأولويات العمل النقابي عبر الاتفاقيات الدولية  المنظمة له، والقوانين المحلية المحددة لممارساته، فضلا عن   الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات المهنية  العامة.

أربعة استراتيجات إستراتيجات أساسية

 ويستكمل الحمداني حديثه قائلًا: ويمكن للنقابات العمالية أن تؤدي كل تلك الأدوار عبر أربعة   إستراتيجيات أساسية استباقية، والتنبؤ لقراءة مستقبل العمل والعمال، وهذا يتأتى من خلال تفعيل الدراسات والأبحاث والتقصيات المتعلقة بمجالات شغلها والمؤسسات التي تنطوي تحت  لوائها مراقبتها وعملها  النقابي، ويمكن كذلك تطبيق    إستراتيجية بناء القدرات النقابية عبر تتبع أفضل الممارسات، والتعاون مع المؤسسات الرائدة في هذا المجال حول العالم، وكذلك عن طريق   خلق حوار لاستجلاب أنجع التطبيقات في العمل النقابي بما يتسق مع الإطار القانوني المحلي  المنظم.

العمل مع الشركاء

 ويختتم الحمداني حيثه قائلًا: أمام هذه النقابات العمالية فرصة للعمل مع الشركاء على خلق منصات حوار مستديمة، لا موسمية، وأن يكونوا جزء  فاعلًا من اللجان  والمؤسسات التي تنشط في مجال العمل اللائق، وما يتصل به من قضايا، مع ضمان تنويع الأصوات والأخذ بكافة الرؤى في المحيط  العمالي، ومن الممكن أن تلجأ إلى إستراتيجية كسب الدعم الإعلامي عبر تفعيل إعلامها وتواصلها الداخلي أولًا، وخلق العلاقات الإعلامية مع وسائل الإعلام سواء الجماهيرية والجديدة؛ لضمان التأييد وكسب الشرعية المجتمعية لممارسة  أنشطتها، ولا يمكن الشروع في كل ذلك في تقديرنا  دون وجود إرادة سياسية حقيقية لتمكين هذه التكوينات المدنية، وإحقاق ثقافة العمل المدني  أولًا، والإيمان به، بما في ذلك توفير القوامات الداعمة، والمساحة الرحبة للممارسة، والإيمان بقيمة الشراكة المجتمعية باعتبارها مدخلًا لتصميم السياسات المثلى، واتخاذ القرارات الصواب أو أكثرها قابلية للصواب.

دور الاتحاد العام للعمال

 ويتحدث الحوسني عن دور الاتحاد العام بقوله: يشارك الاتحاد العام جنبًا إلى جنب مع بقية أطراف الإنتاج في اللجان الوطنية كعضوٍ أساسي؛ بهدف تمثيل العمال في كل ما يختص بهم، وقد  ساهم تمثيل الاتحاد للعمال في اللجان والمجالس إلى تعديل العديد من القوانين والأنظمة الخاصة بقطاع العمل بما يضمن للعامل بيئة عمل مناسبة، كما أن الاتحاد العام يبدي رأيه في هذه المجالس واللجان بكل شفافية، وبدون أي عقبات تحول دون ذلك،  وينقل كافة الملاحظات التي يتعامل معها ميدانيًا، والتي ترد إليه عبر التقارير الدورية للاتحادات والنقابات العمالية،  وتتمحور هذه الملاحظات حول تقليص الفوارق والمزايا؛ وفي المجمل فبيئة العمل بالقطاع الخاص تتطلب مجموعةً من التحسينات؛ حتى تكون جاذبةً للباحثين عن عمل، من أهمها تعديل التشريعات المنظمة للعمل في القطاع الخاص بما يضمن تقليص التباين بين العاملين به مع العاملين بالقطاع الحكومي في الحقوق والواجبات، كالأجور والحوافز  والمزايا والإجازات بمختلف أنواعها وساعات العمل وأنظمة الترقيات والتدابير الاحترازية لمواجهة الفصل التعسفي، وتعزيز تدابير السلامة والصحة المهنية، وإنشاء المحاكم العمالية  التخصصية.

الحوار البنّاء مع أصحاب العمل

وأشار رئيس الاتحاد العام للعمال أشار في إحدى كلماته قائلًا: إن تحقيق رؤية عمان 2040 يعتمد بشكل أساسي، ليس فقط على تعزيز البيئة الاستثمارية، بل بالتوازي على تطوير تشريعات العمل، بما يتواكب مع المعايير الدولية، ويضمن حق العمال في التنظيم والحوار البناء مع أصحاب  العمل؛ وذلك من خلال أدوات مؤسسية للحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية، وهي شروط تساعد في تعزيز الاستقرار الاجتماعي، وتضمن مصالح جميع  الأطراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى