محطات قانونية

الآثار الاقتصادية والعمالية الناتجة عن جائحة كورونا والمعالجات الإجرائية والتشريعية

سليّم الهنائي، باحث قانوني بالاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

يسعى الاتحاد العام لعمال السلطنة بالتعاون مع أطراف الإنتاج الأخرى إلى خلق بيئات عمل آمنة وملائمة للعاملين في جميع القطاعات والأنشطة التجارية من خلال المساهمة في سن التشريعات العمالية، وحث العمال وتوعيتهم بالحقوق والواجبات تجاه مؤسساتهم، وتمثيلهم أمام المنظمات الدولية والإقليمية؛ لنقل التجارب والاستفادة منها لخدمة سوق العمل.

وكما يعلم الجميع فإن السلطنة ودول العالم جميعها واجهت أزمة غير مسبوقة في الاقتصاد والأعمال نتيجة للآثار التي ترتبت على انتشار وباء كورونا؛ مما أدى إلى إفلاس مجموعة كبيرة من الشركات العاملة في السلطنة وإغلاقها خلال الفترة من مارس إلى نهاية نوفمبر والتي وصل عددها 1057 شركة عاملة في القطاع الخاص، وتسريح جميع العاملين فيها؛ وذلك حسب البيانات المنشورة.

إضافة إلى ذلك فإن الجائحة تسببت في انخفاض نسبي في أعداد النقابات المشكلة مقارنة بالفترة نفسها خلال العام الفائت نتيجة لعزوف العمال عن تشكيل نقابات عمالية جديدة أو إعادة تشكيل الهيئات الإدارية للنقابات القائمة؛ بسبب مخاوفهم من بعض القرارات التعسفية المتخذة من قبل إدارات الشركات، وتعطيلها لمبدأ الحوار والمفاوضة.

ولأجل التقليل من نسبة الخسائر المترتبة على ذلك اتخذت السلطنة عدة سياسات وتدابير للتقليل من تأثيرها على سياسات التشغيل أهمها:

أولا: قرارات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فايروس كورونا والتي أصدرت حزمة من التسهيلات للشركات والمؤسسات المتضررة العاملة في القطاع الخاص، كتأجيل دفع القروض البنكية للعاملين فيها لأكثر من 6 أشهر، وعدم إنهاء خدمات القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، والإعفاء من الغرامات المترتبة على انتهاء تراخيص العمل للقوى العاملة غير العمانية حتى نهاية شهر ديسمبر من عام 2020، وتقليل نسبة حضور الموظفين والعاملين إلى مقرات عملهم لتفادي تفاقم آثار الأزمة، بالإضافة إلى التسهيلات الأخرى التي تضمن استمرار الأعمال وعدم تضرر العاملين بالآثار المترتبة عن جائحة كورونا.

ثانيا: شُكلت لجنة وطنية لمعالجة أوضاع القوى العاملة المنهية خدماتهم والمشكلة بالقرار الوزاري رقم (124 / 2020) بمشاركة الاتحاد العام للعمال وأطراف الإنتاج الأخرى، والتي يتم من خلالها تلقي البلاغات ودراستها والبحث عن الحلول الملائمة لها.

ثالثا: دفع الاتحاد العام بتفعيل المقترح الخاص بإنشاء نظام الأمان الوظيفي منذ مدة ليست بالقصيرة؛ وذلك لتوفير الحماية الاجتماعية للمنهية  خدماتهم؛ إذ بدأ الصندوق بتقديم المنافع للمستحقين بنهاية شهر نوفمبر الماضي، وخلال الجائحة استمر الاتحاد بتقديم الدعم اللازم للعمال المتضررين من خلال توجيههم بالإجراءات الواجب اتباعها للاستفادة من المنفعة واسترداد حقوقهم، وتقديم المشورة والدعم القانوني أمام الجهات القضائية.

رابعا: استمر الاتحاد بتقديم الورش والدورات التدريبية والتثقيفية للأعضاء المنتسبين خلال فترة الجائحة باستخدام التقنيات الحديثة، وتوعيتهم بحقوقهم والتزاماتهم.

وتجدر الإشارة إلى أن قانون العمل والقرارات الوزارية المنظمة لم تتضمن في بنودها الإجراءات والمعالجات القانونية لأوضاع الشركات والعاملين فيها في حالات الطوارئ والكوارث والأوبئة؛ مما نتج عنه الكثير من الإشكاليات والتحديات، كإنهاء خدمات مجموعة كبيرة من العمال وخصم وتأخير صرف الأجور وعدم التزام بعضها بالإجراءات الاحترازية خلال فترات العمل، ولما للموضوع من أهمية بالغة ولضمان استقرار قطاع الأعمال؛ فإنه من المهم إعادة النظر في القوانين والقرارات واللوائح المنظمة لسوق العمل وإضافة النصوص المنظمة لعلاقة العمل خلال الظروف القاهرة.

باستثناء بعض القواعد العامة الواردة في قانون المعاملات المدنية، والتي فرقت بين إمكانية تنفيذ الالتزام من استحالة تنفيذه؛ ففي الحالة الأولى نصت المادة (159) “إذا كان تنفيذ الالتزام مرهقًا على المدين فإنه يرد إلى الحد المعقول الذي يستطيع من خلاله القيام بواجباته تجاه الطرف الآخر”؛ أي أنه لا يمتنع عن تنفيذه  امتناعًا كليًّا، أما في حالة الاستحالة فإن المواد أرقام (172 و173) من ذات القانون فرقت في حال إذا ما كانت الاستحالة جزئية أو كلية؛ ففي الاستحالة الكلية ينقضي الالتزام وينفسخ العقد من تلقاء نفسه، وفي الاستحالة الجزئية فإنه ينقضي فقط الجزء الذي يستحيل تنفيذه.

 وتكييفًا لذلك على عقد العمل فإن علاقة العمل تنتهي في حال كان تنفيذ الالتزام مستحيلاً على أحد أطراف العلاقة أو كليهما كوفاة العامل أو إغلاق المنشأة وتصفيتها؛ فينقضي العقد من تلقاء نفسه في كلتا الحالتين، أما في حالة الحوادث الاستثنائية العامة والتي لم يكن في الوسع توقعها أثناء توقيع عقد العمل، وأصبح تنفيذ الالتزام مرهقًا على أحد الأطراف، واحتمالية خسارتهم خسارة فادحة، فإنه يجوز أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول الذي يستطيع من خلاله الطرفين الحفاظ على علاقة العمل ، كتقليل ساعات العمل أو تخفيض نسبة معقولة من الأجور أو تخفيض بعض الامتيازات التي كانت تمنح للعاملين، على أن يلتزم الأطراف بتنفيذ التزاماتهم المتفق عليها بعد استقرار الأوضاع وعودة العلاقة إلى ما كانت عليها قبل وقوع الحالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى