مقالات أخرى

هل الاتّجار بالبشر عبودية؟

الدكتور حيدر بن عبد الرضا اللواتي

إن الكثير من المصادر التي تتناول قضية الاتّجار بالبشر تؤكد أن الاتّجار بالبشر هو شكل من أشكال العبودية الحديثة الذي يشمل النقل غير القانوني للأفراد، وبعض التقديرات العالمية تشير إلى أنَّ نحو 800 ألف رجل وامرأة وطفل يُتّجر بهم عبر الحدود الدولية كل عام من دول شرق آسيا وأفريقيا إلى الدول الغربية وأمريكا ومنطقة الخليج وغيرها، ناهيك عن الذين يُستغلون في قضايا الدعارة والعمل القسري والعبودية المنزلية، وغيرها من الأساليب الأخرى التي ينتهجها بعض المنتهكين، كما تشير بعض الإحصائيات العالمية إلى أن 71% من الأشخاص الذين يتعرضون للاتّجار بالبشر هم من النساء والفتيات؛ إذ تُتَّبع ضدهم وأهاليهم أساليب القهر والخوف والموت والتهديد؛ الأمر الذي يجعل الاتّجار بالبشر ثالث أكبر نشاط إجرامي ربحي بعد تهريب المخدرات والأسلحة في العالم.

كما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي مليون شخص تقريبًا يتعرضون للاتّجار بالبشر على مستوى العالم، وبما يتراوح ما بين 20000 إلى 50000 شخص يُتجر بهم إلى الولايات المتحدة وحدها، والتي تعد أحد أكبر الوجهات لضحايا تجارة الاتّجار بالجنس، وتقسم هيئات الأمم هذه القضية إلى ثلاث فئات، تشمل الاتّجار بالجنس، والاتّجار بالقوى العاملة، والاتّجار بالأعضاء، وعلى العموم، كلها تندرج ضمن الاتّجار بالبشر، الذي يقصد به تحريض شخص، ونقله بالقوة أو الاحتيال أو الإكراه عليه للانخراط في تجارة الجنس، أو إيواء شخص أو نقله أو الحصول عليه لخدمة العمل أو إزالة الأعضاء؛ أي نقله بصورة متعمدة من أجل استغلاله.

ونظرا لضخامة هذه القضية، فإن العديد من الدول المعنية في العالم -ومنها السلطنة- أصبحت تهتم بها؛ فجهود السلطنة واضحة في هذا الصدد؛ إذ تعمل على توعية الأفراد والمؤسسات بضرورة أخذ الحيطة والحذر؛ بحيث لا يقعون في المساءلة القانونية، كما تنظم الجهات المعنية -ومنها وزارة الخارجية وغرفة تجارة وصناعة عُمان، والاتحاد العام لعمّال سلطنة عمان، والادعاء العام، ومؤسسات حماية حقوق الإنسان، وغيرها- أنشطة وندوات تعريفية بموضوع الاتّجار بالبشر وأشكاله وأنواعه وسبل مكافحته، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المترتبة على هذه الظاهرة، فضلا عن دور المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني فى التصدي لها.

كما أن السلطنة -من خلال لجنتها الوطنية لمكافحة الاتّجار بالبشر- تعمل على تنظيم برامج توعوية وتدريبية لتعزيز قدرات العاملين على إنفاذ القانون، وتتابع كل ما يتعلق بهذا الشأن سواء في السلطنة وخارجها، فضلا عن ذلك، تفرض السلطنة عقوبات على المخالفين وفقًا لقانون مكافحة الاتّجار بالبشر، الصادر بالمرسوم (126/2008).

إن أساليب المتاجرة بالبشر عديدة؛ إذ تستخدم اليوم وسائل الاتصالات بالإنترنت، ووكالات التوظيف، ووسائل الإعلام، والاتصالات المحلية للوصول إلى الضحايا، فيما تقسم المنافع المرتبطة بهذه العمليات بين الوسطاء ومؤسسات النقل والتشغيل وغيرها من الذين يرتبطون في تسهيل تلك العمليات الإجرامية في مؤسسات السفر والتأشيرات والجوازات والسفارات وغيرها، ويُستخدم في هذه الحالات وثائق مزورة، في الوقت الذي لا يدرك فيه معظم الأشخاص بأنه يجري توظيفهم في مخطط للاتّجار.

وهناك عدة أسباب تدفع بعضهم للهروب من أوطانهم، والعمل في الخارج، منها الاضطهاد الديني أو العرقي، والخلافات السياسية، وندرة فرص العمل، والفقر، والحروب، والكوارث الطبيعية وغيرها، وكل كذلك من أجل أن يتمكن الفرد من رفع مستوى معيشته وأفراد عائلته؛ فالعولمة هي العامل الرئيسي في تضخم هذه القضية من خلال انفتاح الأسواق العالمية لنقل المهاجرين للعمل في دول الجذب؛ الأمر الذي يؤدي إلى نقل بعض الأشخاص غير الشرعيين في هذا الإطار؛ وبالتالي يؤدي ذلك إلى زيادة قدرات المنظمات الإجرامية على توسيع شبكاتها، وإنشاء طرق عبر وطنية تسهّل نقل المهاجرين الذين يتم استغلال بعضهم في الاستعباد الجنسي سواء من الذكور أو الإناث البالغين، وكذك الأطفال على حد سواء؛ إذ تشكّل هذه القضية نحو 58% من جميع أنشطة الاتّجار بالبشر الذي يشمل الدعارة القسرية، والعمل في المواد الإباحية، والحلقات الجنسية للأطفال، والمهن المرتبطة بالجنس، ويتم ذلك في ظل ظروف عمل شديدة الخطورة، وبأجور زهيدة أو بدون أجور، في حين يصبح بعض العاملين الصغار “أطفال شوارع”، ويتم استخدامهم في الدعارة أو السرقة أو التسول أو تجارة المخدرات، بجانب تهريب بعضهم للعمل في الخدمة العسكرية كجنود والخوض في القتال المسلح في سن مبكرة جدا.

ومن هذا المنطلق أصبحت قضية الاتّجار بالبشر مشكلة عالمية، تتطلب إدخال الحكومات والمنظمات الدولية، وإصدار التشريعات اللازمة للحدّ منها، ومقاضاة المخالفين لتلك التشريعات، وتوفير الحماية والمساعدة لضحايا ممن يُستغلون في الاتّجار بالبشر من خلال الملاحقات القضائية والحماية والوقاية لهم، ومعاقبة المتاجرين بهم.

——————————————

المصادر:

الاتّجار بالبشر، موقع وزارة الخارجية العمانية، مسقط، سلطنة عُمان.

https://www.fm.gov.om/policy-ar/human-trafficking-ar/?lang=ar

اللجنة الوطنية لمكافحة الاتّجار بالبشر، مسقط، سلطنة عُمان.  

.History and Society: Human Trafficking Crime

https://www.britannica.com/topic/human-trafficking

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى