عهد جديد من العمل النقابي العربي المشترك
شاهر سعد، رئيس الاتحاد العربي للنقابات
إننا بصدد عهد جديد من العمل النقابي، سيطبق فيه ما أوصى به النقابيون العرب في المؤتمر العام الثالث للاتحاد العربي للنقابات، الذي عقد في مدينة وهران الجزائرية، خلال الفترة 13 – 14 سبتمبر 2022، تحت عنوان (الحوار الاجتماعي: طريقنا نحو التعافي الاقتصادي وإعادة البناء)؛ بمشاركة 200 مندوب نقابي من مختلف الدول العربية وممثلين عن منظمات دولية وهيئات اقتصادية واجتماعية وطنية.
وغني عن التذكير بأن هذا المؤتمر عُقد تحت ضغط الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية القاهرة التي تكدر عيش المواطن العربي في الفترة الراهنة؛ بسبب تراجع أسواق العمل العربية؛ لا سيما لدى الدول التي شهدت اضطرابات سياسية؛ مما أدى لتوسيع دوائر الفقر، ومن ثم الجوع والهجرة والنزوح داخل الأوطان وخارجها، وتأثير كل ذلك على حقوق النساء بشكل عام، والعاملات منهم بشكل خاص، اللائي أجبرن هنّ وأطفالهن على مغادرة منازلهن بشكل عنيف، وما تركه ذلك من آثار سلبية على حياتهن، وعلى حقوقهن الإنسانية، وعلى الحياة الكريمة والآمنة التي تتطلع إليها المرأة العربية.
لهذا؛ صادق المؤتمر على خطّة العمل المستقبلية للاتحاد العربي للنقابات التي تضمّنت 25 مبادرة من أجل تعزيز العمل النقابي في المنطقة العربية، منبثقة من توصيات الدّورة التاسعة للمجلس العام للاتحاد التي عُقدت في ديسمبر 2021، ومن بينها مبادرات (تأسيس منتدى المساواة لشؤون المرأة والشباب والمهاجرين، وإتمام مشروع طوق لمكافحة العنف ضد المرأة، وتأسيس اتحاد المتقاعدين العرب، وتعميم تجربة مركز دعم العمّال المهاجرين)، وزيادة تعميق فاعلية سياسات التصدي للعنف الممارس على النساء في عالم العمل في الوطن العربي، وكذا نظم العدالة والمساواة في الأجور والرواتب، وتعميق مقاصد العمل اللائق لجميع العمال والعاملات، ووضع حد لهجرة العمال المهرة والشباب من أوطانهم إلى المجهول؛ بسبب اشتداد خناق الفقر والحرمان والبطالة حول أعناقهم وضياع مستقبلهم.
وكذلك حث الحكومات العربية على بذل المزيد من الجهد للمساهمة الفعالة في الإجراءات العالمية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وتخفيض ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ لما لذلك من أثر كبير في تدمير الأراضي الزراعية، وبالتالي زيادة أعداد الفاقدين للعمل والأمن الغذائي، واتساع نطاق موجات الجفاف والحرائق، وندرة المياه وارتفاع منسوب مياه البحر، والفيضانات والعواصف، والتراجع في التنوع البيولوجي؛ مما يهدد سلامة المنتج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.
وخاصة إذا ما علمنا، أن بعض الدول العربية ستكون من أوائل المتضررين من هذه الظاهرة خلال السنوات المقبلة، كمصر والجزائر وتونس، وليبيا التي أضحت من أكثر دول العالم جفافًا حسب تقرير (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية)، بعد تراجع منسوب مياهها الجوفية، وزيادة الضغط على النهر الصناعي، الذي يوفر نحو 60 % من المياه العذبة المستخدمة في ليبيا.
وكذلك التصدي لظاهرة تشغيل الأطفال وصرفهم عن مدارسهم، في ضوء التقارير المقلقة حول استغلال الأطفال في الوطن العربي، والمتاجرة بهم في ظل تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ ارتفع عدد الأشخاص المسخرين للعمل قسرا وقهرا في مجالات التّصنيع والبناء والزّراعة والعمل المنزلي؛ وهذا يشمل الاتّجار بهم جنسيًّا، بدءًا من الزواج القسري وصولًا إلى تشغيلهم في الدعارة ومن ثم المتاجرة بأعضائهم.
لهذا؛ فإن الاتحاد العربي للنقابات، قرر القيام بدوره الذي يجب أن يقوم به إزاء كل هذه التحديات؛ إذ لا يمكن الرضوخ لها، أو مواصلة السكوت عنها؛ إذ هو نوع من أنواع المشاركة في الجرم، ولحماية حقوق الإنسان الأساسية من الانتهاك لا بد من جهد قومي مشترك وصادق؛ لأنه ليس بمقدور طرف ما التصدي لتلك المعضلات بشكل فردي، ونحن نرى بأن النقابات العمالية، وجمهور العمال والعاملات يجب أن يتصدروا كل مبادرة نافعة للأمة، قد تساهم في انتشالها من وحل المشكلات المعيقة لتقدمها، أو المعرقلة لإنفاذ خطط التنمية المنشودة؛ وفي هذا السياق دُعيت الحكومات العربية لتفعيل تدابيرها الإجرائية المكرسة لتطويق هذا الخطر، وتحديث التشريعات التي تجعل من الإجراءات القضائية والقانونية أكثر مرونة وفاعلية.
كما أكد مؤتمر الاتحاد العربي للنقابات على دعمه الكامل لكفاح الشعب العربي الفلسطيني لنيل كامل حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة على كامل الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وأظهر تضامنه الصادق مع الطبقة الفلسطينية العاملة، التي تواجه تعسف المحتل الإسرائيلي وبطشه بصبر وصمود قل نظيره في التاريخ، وجدد الاتحاد العربي للنقابات سعيه للعمل لدى المحافل الدولية والعربية كافة، من أجل دعم عمال فلسطين، وحمايتهم من قسوة السياسات والإجراءات التمييزية الإسرائيلية، التي تحاصر العمال وتعيق حركتهم، وتسمح بملاحقتهم ومطاردتهم العسكرية الدامية، أثناء محاولاتهم الوصول إلى أماكن أعمالهم؛ مما تسبب بقتل العشرات منهم وجرحهم واعتقالهم.
كما قرر إطلاق حملة تضامن نقابية دولية واسعة النطاق لنصرة العمال الفلسطينيين لرفع الظلم عنهم، وتوفير الحماية لهم، وإلزام دولة الاحتلال الإسرائيلية بما يجب إلزامها به من اتفاقيات وعهود، سبق للعالم أن ضبط ونظّم العلاقة فيها بين الدولة القائمة بالاحتلال والشعب الخاضع لاحتلالها العسكري القاهر.
وهو تعهد قد قطعه الاتحاد العربي للنقابات على نفسه، لوضع حد للإفلات الإسرائيلي المستمر من المساءلة، وإخضاعها لسلطان القانون الدولي، كغيرها من المخالفين، الذين ينالون الجزاء المناسب نظير ما يقومون من اعتداء على سلطان القانون الدولي وهيبته.