ما بعد التقاعد
وضحاء بنت عبد الله السعيدية، تنفيذي إعلام، الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية
أتحدث هنا كما لو أنني امرأة متقاعدة، أكملت السنوات المحددة التي تمكنني من التقاعد… أتخيل الشعور وما يصاحب الشعور من سعادة، وما يصاحب السعادة من اطمئنان ورضا لمرحلة انتهت من عمري، ولخدمة أضع لها بصمتي، أديتها كما يجب، وإن لم تكن كما أحببت أن تكون، وما يصاحب كل رضا من ضمير حي يعاتب حين يخطئ، ويفرح حين ينتج….
هو الجمال الذي أعيشه يوميا بداخلي طَوال سنوات الخدمة التي انتقلت فيها بين القطاعين الخاص والعام…وما ينتظرني من سنوات أصفها بالجميلة هي الأخرى في انتظاري…
كل شغفي أن أكون سعيدة، وأيًّا كانت سعادتي التي أقدرها بنفسي فقط، وأتحكم فيها بنفسي فقط…
لست من الملتزمين كليا ولا من التعيسين كليا، محظوظة أن أعيش ما بينهما من شعور، وممتنة لكل لحظة قضيتها بالإيجاب أو السلب… هي مرحلة جميلة، ولكن ما زلت أشعر أنها لم تكن المرحلة التي أرغب بها دائمًا…. فدائمًا ينتابني شعور الحرية المرتبطة بالعمل، وليس شعور الحرية كما يُصوّرَهُ بعضهم… الحرية من العمل أن أعمل ما أحب، وأن أقاتل من أجل ما أحب، وأن أحقق ما أريده أنا فعلاً، لا أن أتبعَ إجراءات وقوانين لا تمثلني، ولكنني مضطرة لاتباعها؛ لأكون عند حسن ظنهم وليس عند حسن ظن بي…
التقاعد بالنسبة لي الذهاب لحياة يومية جميلة أنا أريدها بشدة؛ فالتقاعد للمرأة كما يُخيل لي هو ليس التقاعد من العمل، بل التقاعد من الحياة بأكملها، وهذه إرادة الله متى شاء ذلك، وبما أن الله وهب لي عمرًا مديدًا، وصحة وعافية، وذرية صالحة، وعائلة يسودها الاطمئنان والعافية، هنا فقط أستشعر فضل الله علي بهذه النعم، ومن ضمنها نعمة التقاعد، ثم أتجه إلى خطتي الإستراتيجية بعد الانتهاء من الروتين اليومي؛ أي العمل الذي يتكرر كل يوم، وإن كان هو خدمة للوطن، وتسابق للتقدم والتطور شخصيًّا ومؤسسيًّا، ولا أنكر ذلك بالفعل؛ فالبناء بمستوياته حاضر، والتطور والمخاطر التي تخلق منك شخصًا قويًّا هو بطبيعته حاضرٌ أيضًا.
أن أعرف ماذا في إستراتيجية حياتي بعد التقاعد من العمل المهم جدًا؛ فتنظرني الحرية المحملة بالشغف، والطموح وما يتبعه من صفات، فأجد القائمة مازالت طويلة أمامي لتحقيق ما أحب عمله فعلًا، سواء على مستوى العائلة أو تربية الأبناء أو تعلم المهارات التي تصقلني ذهنيًّا وجسديًّا، كما أن لدي قائمة مهارات بحاجة إلى تفعيل أكثر وأكبر، لأصقلها يوميًا؛ فتعرفني وأعرفها أكثر، ثم أستأذنها لأقوم بتطويرها أكثر فأكثر لتصبح ملازمة لي، وتصبح مصدري الآخر الذي سأبني عليه بعضًا من الطموح والشغف الآخر سواء لي أم لعائلتي أم لمن هم سيكتبون في طريقنا لننال منهم الأجر والثواب، ثم الرحمة والمغفرة من رب العالمين.
هنا فقط مازلت أعيش الخيال، لست متقاعدة حقًّا، وتنتظرني سنوات طويلة، وإني أسميها لسنوات عجاف، لأنني أراها كثيرة، وليست بالإنتاجية التي أحسبها فعلًا، وإن ظلت على ما هي عليه فلن تكون أفضل كما أقرأ مسارها، ولكنني أحاول تغيير مسارها؛ لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا…ما أعرفه فقط أنني متلهفة فعلًا لمرحلة التقاعد، وأتمنى أن تتاح لي اليوم قبل غد، وكلنا أمل في القانون الجديد للتقاعد؛ ليكون نافذة التغيير للأفضل، وإن لم يكن تقاعدًا، بل مسارًا أفضل عن السابق، ورفاهية اجتماعية كما يجب أن تكون؛ لأن حقيقة الرفاهية كبيرة، وتدرج قائمتها طويلة، ولكن الثمار في بعض منها حُصِدَ؛ فلا شيء مستحيل مع العمل والأمل والتوكل. فيظل قلبي مغمورًا بالرضا، والشكر على كل لحظة شعرت فيها بالامتنان؛ لأن حياتي تحت تدبير الله؛ فاللهم قدر لنا الخير، وأنعم به علينا.