اتفاقية العمل البحري 2006
نبهان بن أحمد البطاشي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
بخطًا متسارعة وعزيمة متجددة نشهد جميعًا النجاحات التي تقدمها مختلف قطاعات النقل واللوجستيات في السلطنة، والتي من بينها تعاظم نشاط صناعة النقل البحري الذي حبا الله عُمان، وعرفت به منذ الأزل؛ إذ لم تكن تلك النجاحات وليدة الصدفة، وإنما حُققت بجهود طموحة وشراكة وثيقة بين القطاعين الحكومي والخاص، يعول عليها في دعم الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر دخله، وتوفير فرص عمل لأبناء هذا الوطن المعطاء.
إن مهمة تحقيق التوازن بين ازدهار رؤوس الأموال ورفاه العاملين في قطاع النقل البحري ليس بالأمر اليسير؛ لكونه قطاعًا عالميًّا مترابط المصالح، وبيئة عمل ذات طابع خاص، تختلف جملةً وتفصيلًا عن بقية القطاعات. وبغية للاستمرار في تنظيم هذا القطاع أتت الخطوة المباركة التي أمضت عليها حكومة السلطنة في العهد الميمون لجلالة السلطان هيثم بن طارق (حفظه الله وسدد خطاه) بانضمام السلطنة إلى اتفاقية العمل البحري لعام ٢٠٠٦ -بما تتجسد فيه من معايير لمتطلبات العمل اللائق للبحارة، ومحددات لمسؤوليات طرفي الإنتاج (ملاك السفن والبحارة) على متن السفن، باختلاف وجهاتها وأجناس العاملين فيها- إلا تأكيدًا على ضرورة استدامة هذا القطاع بما تحققت فيه من منجزات على الصعيدين الوطني والدولي.
ونظرًا لاستمرار تربع قطاع النقل البحري في قائمة سلاسل التوريد العالمي، ولما لهذا القطاع من طبيعة خاصة، قد يُستثنى العاملون فيه مما توفره قوانين العمل الوطنية من حماية ورعاية، فإن جدية التكامل بين المؤسسات المعنية لتحديث التشريعات والقوانين البحرية ومواءمتها، إلى جانب تطوير الأدوات الرقابية والتفتيشية -بما يتناسب مع أفضل الممارسات والاتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية، التي تكفل حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، وإلغاء كافة أشكال التمييز والعمال الجبري، وما يقابلها من اتفاقيات دولية ترعاها المنظمة البحرية الدولية- لمطلب أساسي وغاية سامية، تساهم في استقرار علاقات العمل، وتوفير الحياة اللائقة للعاملين على متن السفن، وخصوصًا في ظل أزمة جائحة كورونا التي أدت إلى توقف بعض قطاعات النقل، وزيادة الضغط على قطاع النقل البحري العالمي.
إذ أنه من خلال تتبعنا لقضايا قطاع العمل البحري والتقارير الصادرة عن المنظمات العمالية الدولية المعنية بقطاع النقل البحري يتضح تزايد المخالفات المتعلقة بتجاوز نُظم العمل، والمساس بالحقوق الأساسية للبحارة بما فيها الاخلال بالاتفاقيات الجماعية، وعدم سداد الأجور المستحقة، والإخلال بمعاير العمل الدولية، ومعايير السلامة والصحة المهنية، وساعات العمل، وعدم تمكين البحارة من العودة الآمنة إلى أوطانهم، وبالتأكيد فإن أزمة كورونا قد زادت من فرصة تكرار مثل هذه التجاوزات.
إن من مقتضيات بلوغ مقاصد هذا الميثاق العالمي أهمية تعزيز أواصر الحوار مع المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية الراعية لحقوق البحارة؛ الأمر الذي يسّر لنا سعينا لإجراء جملةٍ من المباحثات مع روّاد هذا القطاع، شملت التباحث حول اتفاقية الاتحاد الدولي لعمال النقل بشأن سفن أعلام المواءمة، التي من شأنها تحسين شروط عمل البحارة على متن السفن العمانية التي لا تحمل علم السلطنة، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي لعمال النقل، تهدف إلى تنمية قدرات عدد من النقابيين في مجال السلامة والصحة المهنية والجوانب التفتيشية في قطاع النقل البحري.
كما أننا قد وضعنا ضمن أولوياتنا وخططنا العمل على مضاعفة الجهود الرامية إلى تعزيز التمثيل النقابي، وتشكيل اتحاد عمالي قطاعي، تجتمع تحت مظلته كافة نقابات عمال قطاع النقل البحري، وسنعمل على توفير احتياجات منتسبيه من توعية قانونية وتدريب نقابي تخصصي، مستعينين بأفضل الخبرات والممارسات الدولية، نراعي فيها متطلبات هذا القطاع، متطلعين من خلالها لخلق قيادات نقابية، تأخذ على عاتقها النهوض بالقطاع، وترعى مصالح العاملين فيه، مستنيرة بمناهج الحوار والتفاوض من أجل حياة لائقة للبحارة على متن السفن، تشمل الأجور العادلة، والضمان الاجتماعي، والعناية الطبية والسلامة المهنية.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نعرب عن تقديرنا وشكرنا لكافة الجهود والجهات الوطنية التي سُخرت في سبيل انضمام السلطنة لميثاق البحارة العالمي، الذي نأمل أن يكون له بالغ الأثر في جعل هذا القطاع أكثر استدامةً واستقرارًا وجذبًا للعمل، ومساهمة في خطط تنويع مصادر الدخل الوطنية.