توطين الوظائف في القطاع الخاص
نبهان بن أحمد البطاشي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
مع إطلالة العيد الوطني الحادي والخمسين المجيد في ظل النهضة المتجددة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- لا يسعنا إلا أن نقف تحية إجلال وتقدير للجهود الوطنية، الرامية إلى نقل عُمان إلى مصاف الدول المتقدمة ضمن رؤية حكيمة، قائمة على مجموعة من الثوابت والمرتكزات، قد جعلت من قطاع سوق العمل والتشغيل إحدى أولوياتها الرئيسية، وبأهداف واضحة تنشد الوصول لسوق عمل جاذب للكفاءات، ومواكب للمتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية والتقنية، وبما يحفز من قدرة سوق العمل في استيعاب الموارد البشرية والكفاءات الوطنية من مخرجات التعليم المختلفة في القطاعات الاقتصادية والأنشطة المختلفة، وصولًا إلى الغاية الأسمى نحو جعل القطاع الخاص -على وجه التحديد- المشغل الرئيسي للقوى العاملة الوطنية.
إن من تجليات الاهتمام بمِلف تشغيل الباحثين عن عمل ترأس جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- اجتماعات اللجنة الاشرافية للبرنامج الوطني للتشغيل، واطلاعه على أهم التحديات التي تواجه مِلف تشغيل الباحثين عن عمل، واستعراض جلالته لخطط البرنامج، ومنهجية عمله، وأهم مستهدفاته، وتوجيهاته السامية بضرورة تعاضد الجهات الحكومية والخاصة، ومساندتها للبرنامج الوطني للتشغيل، ووضع الخطط والبرامج لتشغيل أبناء الوطن، وتوفير فرص العمل المستدامة، بما يتسق مع رؤية عُمان 2040 2040؛ الأمر الذي يعد باعثًا للأمل نحو التغيير الجذري في المنظومة الإدارية والإجرائية، المتعلقة بمِلف الباحثين عن عمل.
إن تنوع التحديات المتصلة ببيئة العمل بالقطاع الخاص نتيجة متغيرات العمل وأنماطه، والتحولات الاقتصادية، ومحدودية فاعلية إنفاذ القوانين، وعدم التجانس بين الخطط الاقتصادية والاجتماعية، وتنامي أعداد الباحثين عن عمل لا سيما ما يطلق عليه دوليًّا (البطالة طويلة الأمد)، وضعف أرضية الحماية الاجتماعية، وهياكل الحوار الاجتماعي، ما هي إلا نتائج لطبيعة تركيبة البيئة التنظيمية لسوق العمل على المستوى الوطني، مضافًا إليها التحديات المتعلقة بالمنافسة بين المواطنين والأجانب حول شغل فرص العمل الشاغرة.
لذا بات من الضروري أن تراعي السياسات الاقتصادية، وخطط التوازن المالي والبرامج الاستثمارية قضية الباحثين عن عمل، ووضعها أولوية قصوى، والتأكيد على مسؤولية الدولة في تأمين بيئة مشجعة للاستثمار، واستدامة الاقتصاد، وتطوير الأنظمة التعليمية بمختلف تقسيماتها، وتعزيز الحوار الثلاثي بين أطراف الإنتاج حول الخطط والإستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالتشغيل وبيئات العمل، وتحديث التشريعات العمالية لتواكب متطلبات العمال، وأصحاب العمل، وتقليص الفجوات بين أنظمة العمل الحكومية والخاصة، مع تمكين الشباب العماني للعمل في المجالات القيادية بمؤسسات القطاع الخاص، وتوسيع نطاق البرامج القائمة حاليًّا؛ باعتبارها مطلبا وطنيا، وعاملا مساهما في رفع مستويات دخل الفرد العماني وتوطين الوظائف.
وباعتبار أن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية دائمة التغيير كان لا بد من وجود نظام فاعل للحماية الاجتماعية، لا يشمل فقط تغطية معاشات التقاعد، وتعويض إصابات العمل، وإنما يمتد ليشمل مجموعة من المخاطر، لعل أبرزها تأمين الدخل وقت الأزمات، وإعانة الباحثين عن عمل من خلال التفعيل الأمثل للقرارات المنظمة، وإحكام تغطيتها لأكبر شريحة ممكنة من المستفيدين المحتملين، مع نظام فاعل لقياس الحد الأدنى للأجور، وبما يفي بالمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية للفرد، يرافق ذلك وجود شبكات فاعلة للمجتمع المدني للمساهمة في تعزيز أرضية الحماية، وتناسق الجهود الوطنية والخاصة في هذا المجال.
ومع استمرار تأثيرات جائحة كورونا، وما ألقته من ظلال على آلاف العاملين بالقطاع الخاص خلال العامين 2020- 2021، من حيث خفض الأجور، وإنهاء الخدمات، وتأثير ذلك على زيادة نسبة الباحثين عن عمل في السلطنة، فإن زيادة الانفاق على قطاعات الحماية الاجتماعية، ودعم مبادرات التشغيل، وتسريع وتيرة مراجعة القوانين المتصلة بسوق العمل أضحى أحد الأوليات التي يجب تبنيها خلال المرحلة الحالية والقادمة؛ وذلك لكبح ارتفاع نسبة الباحثين عن عمل على المدى الطويل، والتقليل من الاعتمادية على القوى العاملة الأجنبية؛ وباعتبار أن برامج الدعم الحكومي وقت الطوارئ والأزمات أداة ناجحة في منع ازدياد تفاقم الأزمة واستمراها، أو تفادي أزمات ذات تأثير أشد على الاقتصاد.
وفي الختام لا يسعنا إلا التقدم بخالص الشكر والتقدير لكافة الجهات التي تعمل على تنفيذ الخطط الرامية إلى توطين الوظائف، وخلق الفرص الجديدة للتوظيف، وإلى المساهمات الفاعلة للاتحادات القطاعية والنقابات العمالية في دعم هذه المسيرة، سائلين المولى -جلت قدرته- أن يعيد مناسبة العيد الوطني على عاهل البلاد المفدى -أبقاه الله- وجميع أبناء الوطن بالخير واليمن والبركات.