الاحتراق الوظيفي يجتاح العاملين في القطاع الخاص
علياء الجردانية، اختصاصي إعلام أول، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
يكافح العامل من أجل كسب لقمة عيشه ساعياً لتلبية التزامات أسرته، وملتزماً بأداء واجباته تجاه عمله آملاً تحقيق استقراره الوظيفي، ولكن المطبات قد لا تخلوا من طريقه لتحقيق كافة أحلامه المرسومة في مخيلته، فقد يتصارع مع ظروفه الأسرية ثم يأتي لعمله فيتلقّى إساءةً من مديره المباشر أو تنمراً من قبل زملائه في العمل، ويظل صامداً رغم ما يواجه، وقد تأتي فترة يشعر فيها بالإحباط الشديد وعدم القدرة على الإبداع والإنتاجية في بيئة عمله، ويلجأ للانغماس في العمل اليومي دون تغيير أو تجديد، منتظراً أجره الشهري، وقد يصاحب ذلك بعض الأعراض المرضية نتيجة للحالة النفسية التي يمر بها مع إدراكه التام بأنها أمراض عادية جداً..
عزيزي العامل،،
انتبه .. فقد وقعت في فخ الاحتراق الوظيفي!
هل سبق وأن احترقت وظيفياً؟
لنتعرف أولاً على مفهوم هذا المصطلح الجديد في عالم مليء بالضغوطات العملية والاجتماعية والاقتصادية..
تعريف الاحتراق الوظيفي:
تُعرّف منظمة الصحة العالمية الاحتراق الوظيفي أو ما يسمى بالإنهاك المهني على أنه :” متلازمة يُصوَّر أنها تنجم عن إجهاد مزمن في مكان العمل لم يتكلّل تدبيره بالنجاح. ويتسم بثلاثة أبعاد هي التالية:
- شعور باستنفاد الطاقة أو استنزافها
- زيادة تباعد الفرد النفسي عن وظيفته أو شعوره بالسلبية أو التشاؤم فيما يتصل بها
- تدني الفعالية المهنية.
وقد تم إدراك الإنهاك المهني في المراجعة الحادية عشرة للتصنيف الدولي للأمراض باعتباره ظاهرة مهنية. وهو غير مصنف كاعتلال طبي.
المصدر: موقع منظمة الصحة العالمية
تعريفه وأسبابه
كما تعّرف د. الجوهرة بن روكان -صيدلية إكلينيكية وقائدة فريق “أنا أفهمك للصحة النفسية” بالسعودية- على أنه :” إجهاد جسدي وعقلي ونفسي بسبب الضغط المستمر في العمل لفترة من الزمن يشعر فيها العامل بضعف في الدافعية والإنتاجية، وبعضها لأسباب أخرى في حياة الشخص كعلاقاته الاجتماعية”.
أعراضه
وتتطرق الدكتورة إلى أعراض الاحتراق الوظيفي مشيرة إلى أن هناك أعراض جسدية ونفسية وسلوكية:
الأعراض الجسدية:
- التعب
- الصداع
- ألم في العضلات
- ضعف في المناعة
- تغير في النوم
- اضطرابات في المعدة
الأعراض النفسية:
- فقدان الاندفاع والإنتاجية
- الشعور بالفشل والإحباط
- عدم الرضا
- رؤية الأمور بشكل سلبي
الأعراض السلوكية:
- تأجيل العمل
- الانعزال
- إخراج مشاعر الغضب على الآخرين
إنه يزحف تدريجياً..
أيمن بدر كريم- كاتب ومؤلف سعودي- يتحدث حول الاحتراق الوظيفي ويؤكد على ضرورة الانتباه له نظراً لزحفه التدريجي في بيئات العمل مع صعوبة التعرّف على أعراضه رغم الإشارات البدنية والعقلية، كما أنه يختلف تماماً عن التوتر حيث يصل العامل فيه إلى الإنهاك البدني والاستنزاف الذهني، وهنا يستعرض لنا الأعراض:
- الأرق المزمن وتداعياته المزعجة من رداءة جودة النوم وفرط الإرهاق خلال النهار.
- والتأخّر في إنهاء الأعمال الوظيفية التي لم تكن تشكّل عبئاً
- تكرار التأخر والتغيب عن العمل
- كثرة النسيان وقلة التركيز
- تعكّر المزاج ونوبات الغضب
- الدخول في مرحلة الاكتئاب
- فقدان الشعور بالاستمتاع بمباهج الحياة
- طُغيان التشاؤم
- فقدان الثقة بالنفس
- اللجوء للعُزلة المَرضية
فضلاً عن أعراض عُضوية منها:
- الصّداع وخفقان القلب
- آلام الصدر وسوء الشهية للطعام
- اضطرابات الجهاز الهضمي
- نقصان الوزن
- تكرّر الإصابة بنزلات البرد أو الانفلونزا نتيجة ضعف نظام المناعة
أكثر الفئات تعرضاً للاحتراق الوظيفي
وجدان فوزان العتيبي -مساعد أخصائي نفسي- تخبرنا عن الفئات الأكثر تعرضاً للاحتراق الوظيفي بقولها:” إن الفئات التي تكون أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي هم من يبحثون عن “المثالية” في كافة أعمالهم، أو من يربطون رضا ذاتهم بإنجازاتهم في العمل، أو من يحاولون إرضاء الجميع، أو من يضغطون على أنفسهم في خدمة العمل أو في خدمة الآخرين، أو من يتطلب شغلهم جهداً ذهنياً ونفسياً أو ضغطاً مستمراً”.
وهنا يقدم لنا متعب الروقي وهو مستشار إداري مرخص من قبل وزارة التجارة السعودية مهتم بالاستراتيجية والتطوير الوظيفي- طرقاً للتغلب على هذه الأعراض:
- حاول أن تغيّر بعض الأمور في عملك حتى تعود للتوازن من جديد
- كتابة سيرتك الذاتية من جديد
- تقييم الخيارات المتاحة لك في أماكن عمل آخر، لأن هذا العمل يوضح لك أنك مطلوب ومرغوب في جهات أخرى مما يزيد مستوى الرضا الداخلي لديك وليس بالضرورة تغيير العمل فقط يكون لديك المعرفة.
- من الأفضل ممارسة الرياضة ووضع أهداف شخصية لك أو للعائلة وتحقيق بعض منها
- ممارسة أنشطة الاسترخاء بشكل عام
- القراءة حتى لو كانت صعبة عليك في البداية
- تغيير السلوك حتى تحصل على تغيير واضح في التفكير والجانب النفسي
جميعنا يعلم الضغوطات التي تتعرض لها المرأة العاملة في القطاع الخاص، نظراً لأدوارها المختلفة في المجتمع بدءاً بالتزاماتها الأسرية وانتهاءً بكونها عاملة في بيئة عمل قد لا يتوفر فيها الاستقرار الوظيفي، وهنا نتساءل هل تتعرض المرأة العاملة للاحتراق الوظيفي أكثر من الرجل؟
المرأة وتساؤلاتها
- لماذا عليّ الذهاب إلى العمل؟
- لماذا أصبحت انفعالية ولا أتحمل التعامل مع زملائي أو العملاء أو الزبائن؟
- لماذا أفتقر إلى الطاقة وعدم التركيز والرضا؟
- لماذا أصبحت أشعر بخيبة أمل تجاه عملي؟
- لماذا أصبحت أمرض بين الحين والآخر كالصداع غير المبرر أو اضطرابات المعدة أو الأمعاء أو شكاوى جسدية؟
- لماذا أشعر بالرغبة في تقديم الاستقالة من العمل؟
هكذا تفتتح خولة الهنائية-رئيسة لجنة المرأة بالاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان- حديثها بهذه التساؤلات التي قد تمر بها المرأة العاملة في القطاع الخاص وما تتعرض له من الضغط العصبي المرتبط بالعمل والإجهاد البدني والنفسي.
المرأة تتعرض للاحتراق الوظيفي أكثر من الرجل
وتشير الهنائية إلى أن ظاهرة الاحتراق الوظيفي قد ترتفع عند العاملات في القطاع الخاص، نظراً للحاجة الماسة للأجر الشهري وذلك لإعانة أسرتهن، وقد لا يمتلكن مؤهلات دراسية وخبرات عملية ما يجعلهن في ضغط كبير وخوف مستمر من فقدان وظائفهن.
وتشير خولة إلى أن تلك الأسباب قد تجعل العاملة هشة أمام أرباب العمل، ما ينتج الضغط عليهن بممارسات غير قانونية في ظل قلة المعرفة والوعي القانوني بحقوق المرأة، وتؤكد بأنه لابد للعاملات أن يثقفن أنفسهن في هذا الجانب حتى لا يقعن في استغلال من قبل أرباب العمل وممارسة التنمر والضغوطات التعسفية ضدهن.
القرار بيد العامل
ميادة الصباحية -عضو لجنة المرأة بنقابة عمال شركة حيا للمياه- تتحدث بقولها:” إن أغلب العمال الذين تعرضوا للكثير من المشاكل في العمل قد عانوا من الاحتراق الوظيفي بعدة أشكال، الأمر الذي أدى إلى تعقيد العمل، وبرأيي الشخصي فإن العامل هو من يقرر الانخراط في دوامة الاحتراق الوظيفي أم لا، فإنه إذا التفت إلى عمله واعتبره جزءاً منه، فإنه سيحظى بعمل يشرّفه قبل أن يشرّف الآخرين”.
فقدان الثقة
وتكمل:” تنتشر ظاهرة الاحتراق الوظيفي في بيئة العمل والتي من الممكن تصنيفها إلى الجانب النفسي والمعنوي والمادي، فالجانب النفسي أن تتلاشى لدى العامل الثقة في نفسه قبل عمله حيث يشعر بأنه غير مرغوب فيه، كما أن بعض العمال يسمحون للمديرين أن يفرضوا عليهم أوامر بدون إعطائهم نبذة عن العمل أو عن آلية العمل وبالتالي فإنهم يتعرضون للاحتراق الوظيفي حيث إنهم يؤدون مهام عملهم دون أن يسألوا لماذا وكيف ويجعلون أنفسهم عرضة لرتابة العمل”.
الغاية هي المال
وتقول:” من الناحية المادية فإن الجميع يعمل لأجل المال وهذا حق لكل عامل، ولكن أن يعمل العامل فقط لأجل المال بدون أن يشعر أن للعمل متعة في تحقيق حلمه أو تحقيق غاية في داخله من خلال تطوير نفسه وعمله وبلده، فإنه يحترق وظيفياً ويجعل العمل فقط للمال وليس لشيء آخر”.
وهنا نطرح سؤالاً: كيف يؤثر الاحتراق الوظيفي على إنتاجية العمال، خاصةً العاملين في القطاع الخاص، في ظل الظروف والضغوطات الداخلية ( الالتزامات الأسرية وبيئة العمل) والخارجية (الوضع الاقتصادي الراهن وتحديات سوق العمل) التي يتعرض لها العمال..(رأي الكاتب)
تأثير الاحتراق الوظيفي على إنتاجية العمال
ويتطرق المستشار متعب الروقي إلى مدى تأثير الاحتراق الوظيفي على إنتاجية العمال بقوله:” إن الاحتراق الوظيفي له تأثير قوي على الإنتاجية بمعنى آخر يجعلك تفقد مهاراتك ورغبتك الشخصية في عمل أي شيء، وتشعر بالضعف الشديد تجاه أي عمل موكل إليك، بحيث لا تستطيع إنجاز المهام الموكلة إليك، وقد يصيب رجال الأعمال كذلك ولكن بما أنهم مسؤولين عن أنفسهم فقد لا يلاحظ العمال إصابتهم بهذا الاحتراق لأنه قد يقوم بأخذ إجازة وقت ما يريد حتى يستطيع العودة من جديد”.
تكاثره في القطاع الخاص
ويكمل المستشار حديثه:” إن الأداء في القطاع الخاص مراقب أكثر من القطاع الحكومي، ولذلك عند حدوث أي عوارض من الاحتراق الوظيفي لدى العامل في القطاع الخاص يكون اكتشافها أسهل وأسرع من القطاع الحكومي وقد تؤدي إلى الاستغناء عنه”.
ويوضح أن الأمر قد يمتد إلى مشاكل في ظاهرها أنها مشاكل صحية، ويقول:” يترجم الجسم هذه الضغوطات إلى الآلام، لكن إذا أخذ العامل قسطاً من الراحة (إجازة) أو محاولة تغيير رتابة عمله فسوف يعلم أنها من أسباب الاحتراق الوظيفي، وهذا الرأي ليس طبياً أو تشخيصياً ولكنه ناتج من مشاهدات كثيرة حدثت لدى الكثير من الأشخاص بدون أن يكون هناك مسببات مرضية واضحة”.
انعدام الإنتاجية
رضوان الجلواح- مستشار موارد بشرية – يقول:”إذا وصل الموظف إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي بمعنى أنه لا يوجد تطوير من قبل المنظمة أو من نفسه فلن يكون هناك إنتاجية فاعلية”.
النسبة الأعلى في القطاع الحكومي
ويكمل:” إن لكل قطاع سلبيات وإيجابيات، ولكن أعتقد أن التطوير والإنتاجية في القطاع الخاص أفضل وأعلى من القطاع الحكومي، لذا نسبة الاحتراق الوظيفي في القطاع الحكومي أعلى ولا أقصد بأنه لا يوجد احتراق وظيفي في القطاع الخاص ولكن نسبته أقل من القطاع الحكومي”.
ولعلم النفس رأي آخر
وهنا دار الحوار بيننا وبين رحمة البلوشية وهي متخصصة في علم نفس التعليم والتدريب، وكان كالآتي:
كيف نفرق بين الأعراض الصحية والأعراض النفسية للاحتراق الوظيفي؟
بعض الأمراض الجسدية التي تصيب الإنسان تكون جذورها وأسبابها نفسية وضغوط كثيرة يمر بها الإنسان لفترات طويلة ومستمرة في حياته، وعلى سبيل المثال أمراض مثل القولون العصبي والقلب والضغط والسكري أسبابها في الغالب تكون نفسية، فوجود اضطرابات نفسية مع بعض العوامل البيولوجية والاجتماعية والنفسية والعصبية والوراثية تعتبر بيئة محفزة ونشطة للكثير من الأمراض، ومن الصعوبة أحياناً التفريق بين الأعراض والاضطرابات النفسية والجسدية، لأن كلاهما قد يؤثر في الآخر وللتأكد من تشخيص الحالة فالاختصاصي المعني بتشخيص هذه الحالات يمكن أن يؤكد نوع الإصابة أو الاعتلال من خلال العلامات والأعراض التي يشكو منها المصاب، ويمكن للمصاب أحياناً أن يُشخص نفسه ويكتشف إصابته من خلال تأثير الحالة التي يمر بها على حياته اليومية وسلوكه ومزاجه وشعوره.
هل الأعراض النفسية هي السبب في الأعراض الجسدية التي تُنتح احتراقاً وظيفياً؟
العلاقة بين مزاج الإنسان وصحته النفسية والجسدية علاقة طردية، وكلما كان الإنسان متوافقاً ومتوازناً نفسياً كان بعيداً عن الاعتلالات والأمراض الجسدية، فجسم الإنسان عبارة عن معمل كيميائي عالي التخصص يقوم بإنتاج وصنع الكثير من المركبات والهورمونات التي تعمل على هضم الدهون وإزالة السموم وإمداد الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة، وتسبب الاضطرابات النفسية التي تمر بالإنسان خللاً في إنتاج وفرز نسب ومستويات هذه الهرمونات والمركبات اللازمة لعمل كل الأعضاء الحيوية في الجسم، ويمكن بسبب هذا الخلل أن يصاب الإنسان بأمراض بدنية كثيرة منها القلب والسكر وأمراض الجهاز الهضمي والعصبي، والأمر نفسه يمكن أن ينطبق على الاحتراق الوظيفي، فالحالة النفسية والإنهاك الذهني المصاحب لمتلازمة الاحتراق الوظيفي يمكن أن تتسبب في إصابة الموظفين والعمال بالأمراض الجسدية الخطيرة.
صفي لنا الحالة النفسية التي يعيشها العامل في حال تعرضه للاحتراق الوظيفي؟
الاحتراق الوظيفي حالة حادة من الإجهاد والتعب الذهني والانفعالي تسبب التبلد والإحباط والسخط واللامبالاة تجاه العمل، ويعاني المصاب بمتلازمة الاحتراق الوظيفي من حالة عدم رضا ذاتي وعدم رضا وظيفي ويصاب الفرد بهذه المتلازمة بسبب عدم التوافق بين طبيعة الشخص وبين طبيعة بيئة العمل التي يعمل فيها، وكلما زاد هذا التباين زادت حدة الاحتراق الوظيفي.
يعاني الكثير من العمال تحديات في بيئة العمل بجانب الالتزامات الأسرية والتأثيرات الخارجية أيضاً بما فيها الوضع الاقتصادي، برأيك كيف يمكن للعامل أن يوازن بين هذه الجوانب حتى لا يتعرض للاحتراق الوظيفي؟
تختلف حدة الإصابة بمتلازمة الاحتراق الوظيفي من شخص لآخر وهذا يعود إلى مدى استعداد الفرد للإصابة عن طريق مجموعة من العوامل الفردية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وأيضاً وجود المساندة النفسية والاجتماعية التي يحصل عليها الفرد ممن حوله، وتخفيف حدة الإصابة بالاحتراق الوظيفي قد يكون عن طريق وعي الفرد بذاته وبضغوطه وقدرته على إدارة هذه الضغوط، ويعتمد كذلك على عوامل أخرى كالصلابة والمرونة النفسية التي يمتلكها الفرد وعلى مركز الضبط لديه، فالفرد الواعي بذاته وبضغوطه يمكن أن يزود نفسه بالوسائل والأساليب التي تعينه على تجاوز وتخفيف حالات الضغط التي يمر بها ويمكنه كذلك طلب الدعم والمساندة من الأصدقاء والمختصين.
هل أساس الاحتراق الوظيفي هو ضغط العمل أم أن هناك مسببات أخرى؟
الاحتراق الوظيفي حالة تصيب الإنسان بصورة تدريجية وليست فجائية، وهي نتاج تراكمات من الإرهاق والتعب مسببها الرئيسي الضغوط النفسية الكثيرة في مجال العمل، والتي يحاول الفرد لفترات طويلة أن يتجاوزها أو أن يتخلص منها ولكنه لا يستطيع ليصل في نهاية الأمر إلى حالة الاحتراق الوظيفي وتبدأ أعراض الحالة معه مبكراً على شكل قلق وإعياء وإرهاق وكره العمل والسخط على بيئة العمل وكل ما يتعلق بها.
ماهي أكثر الفئات تعرضاً للاحتراق الوظيفي؟
أكثر من يتعرض ويصاب بالاحتراق الوظيفي هم الأشخاص الذين يعملون في المهن والأعمال الإنسانية والذين تتطلب أعمالهم اتصالاً مباشراً ومستمراً مع الجمهور ومع العملاء . كما أن الأشخاص الذين لديهم حس عالٍ بالمسؤولية والاهتمام بالعمل هم الأكثر إصابة بهذه المتلازمة من غيرهم، وهم الذين يهتمون بتفاصيل عملهم ويتصفون بالمثالية والالتزام والانضباط أكثر، وبسبب محاولة هذه الفئة تحقيق المتوقع منهم في مجال عملهم وإخفاقهم في تحقيقه بالشكل الذي يسعون له فهم يصابون بالإحباط والارهاق والاحتراق الوظيفي أكثر من غيرهم. كما أن هناك تبايناً في مواجهة الضغوط والمشاكل التي تتعلق بالعمل ومن له قدرة أكثر على مواجهة وتحمل هذه الضغوط هم الأقل إصابة من غيرهم.
ماهي أبرز النصائح للعمال لتجنب الاحتراق الوظيفي وماهي الحلول؟
الحلول تكمن في الابتعاد المؤقت عن بيئة وجو الضغوطات النفسية التي تحيط بهم والابتعاد عن أجواء العمل، والتعرف أكثر على متلازمة الاحتراق الوظيفي حتى يتجنبوا الإصابة أو التخفيف من حدة الإصابة به، ويمكن أيضاً التدرب على بعض الوسائل والمعينات الفعالة التي تعين وتساعد على التعامل مع هذه الحالات مثل التأمل والاسترخاء وإدارة الوقت وتحديد الأدوار المناطة، والاتصال الفعّال والعمل بروح الفريق ومن المهم جداً أن يتلقى المصاب بهذه المتلازمة الدعم النفسي المناسب من المختصين والدعم الاجتماعي من المحيطين به .
ويجب على مؤسساتنا حتى تتجنب إصابة موظفيها بالاحتراق الوظيفي أن تهتم بموظفيها وبصحتهم وتوافقهم النفسي، وذلك بالتخلص من أنظمتها البيروقراطية والروتينية غير المحفزة، وأن تبتعد عن نمطية التعامل مع الموظفين وتضع الشخص المناسب في المكان المناسب حتى تكون أجواء العمل صحية مناسبة دون أن تشكل ضغطاً على أحد، وأن تنمي في الموظفين حب العمل والإنجاز والإبداع، وأن تقدم لهم الدعم النفسي والمعرفي المناسب في حال احتاجوا إليه.
هل من مبادرات تم اطلاقها على مستوى الخليج العربي للحد من ظاهرة الاحتراق الوظيفي؟
على حد علمي لا توجد مبادرات محلية أو حتى خليجية للحد من حالة الاحتراق الوظيفي، ولكن توجد مبادرات فردية بسيطة بين الفينة والأخرى من بعض المختصين كمحاضرات وورش عمل أو برامج تُعنى بإدارة الضغوط أو محتوى ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي أو بحوث ودراسات لبعض الأكاديميين والمختصين، كما تقوم بعض المؤسسات المعنية بالتوجيه والإرشاد الوظيفي بتقديم بعض البرامج التي تُعنى بهذه الحالة أحياناً وتثقف الناس وتعرفهم بمخاطر هذه الحالة وتأثيراتها على صحة الإنسان وحياته.
كلمة أخيرة:
في استطلاع قمت به في وسائل التواصل الاجتماعي حول مدى وعي الفرد وشعوره بأعراض الاحتراق النفسي جاءت نسبة من يظنون أنهم مصابون بالاحتراق الوظيفي 49% وهذا مؤشر يدل على وجود هذه المتلازمة بيننا بشكل كبير، وينبغي أن تولي مؤسساتنا جلّ اهتمامها بهذا الأمر، وتتخذ اللازم تجاه من يعاني من موظفيها بتوفير البيئة الصحية المحفزة وأتمنى كذلك أن تولي الجهات المعنية بالعمل والتوجيه والإرشاد النفسي اهتماماً أكبر بهذه الحالة، من خلال البرامج الإرشادية والنفسية الفاعلة للتخفيف من حدة الإصابة بهذه المتلازمة، كما أتمنى وجود مبادرات مجتمعية ومؤسسية مختلفة تتبنى توعية وتثقيف الناس بهذه المتلازمة وتأثيراتها.
وهنا نرفق لكم حلولاً لتفادي ظاهرة الاحتراق الوظيفي..
الحلول:
الاهتمام بالصحة المزاجية للعامل
ويتحدث أيمن كريم قائلاً:” لابد من الاهتمام بالصحة المزاجية للعامل، وتوفير الرعاية النفسية له بشكلٍ دوري، ومساعدته على إعادة اكتشاف نفسه وقدْراته الحقيقية وشغفه في الحياة، وتحقيق توازن الحياة الاجتماعية والترفيهية والعمَلية لديه، فضلاً عن تفعيل أدوار المُختصين والأطباء النفسيين في مقرات العمل، وتوفير الدعم المعرفي السّلوكي والعلاج الدوائي لمن يعاني من اضطرابات المزاج”.
لابد من توازن
د. الجوهرة تجد أنه لابد من التوازن بين بيئة العمل والالتزامات الأسرية والتغّلب على التأثيرات الخارجية حيث تقول:” لابد من الموازنة بين العمل والحياة الشخصية وتحديد وقت مخصص لكلاهما، بحيث لا يطغى جانب على آخر، ولا يجب على العامل إقصاء حق أي واحدة منها مقابل زيادة إنتاجية العمل”.
النقابة العمالية
وتشير ميّادة إلى أن للنقابة العمالية دور بارز في الحد من الاحتراق الوظيفي وذلك من خلال توعية العمال وتثقيفهم بخطورة الاحتراق وما يترتب عليه، وتقديم دورات في تعزيز الثقة بالنفس والاتصال والتواصل الفعال لجميع العاملين بالمنشأة، كذلك من خلال عمل استشارات للعاملين من مختلف الفئات، وتضيف:” يجب على أعضاء الجمعية العمومية مراجعة التقييم السنوي للموظفين ومتابعة عملهم للحد من الاحتراق الوظيفي وتطويرهم للخروج بأفكار من خارج الصندوق، بالإضافة إلى تعزيز العمل الجماعي وتمكين العاملين من التفاوض الفعال بينهم وبين أصحاب العمل، وأخيراً تعزيز الوعي بالحقوق والواجبات بين العاملين من خلال نشره بينهم بين الحين والآخر”.
المنشآت هي المسؤولة
أما الروقي فيحمّل المسؤولية على المنشآت قائلاً:” إن المنشأة أو المنظمة أو جهة التوظيف هي المسؤولة عن تفادي حالات الاحتراق الوظيفي، ويأتي ذلك من خلال التجديد الدائم في التدريب والمشاريع الجديدة بحيث يتم إشراك الموظفين في أكثر من عمل، لأن الروتين وعدم التشجيع تعتبر من مسببات الاحتراق الوظيفي ، ويجب أن تضع المنظمات استراتيجية واضحة لها ورؤية ورسالة وأهداف وطريقة تقييم عادلة، وكذلك طريقة واضحة للحصول على المناصب والترقيات، وكلما زاد وضوح المنظمة في أهدافها وإشراك العاملين فيها في تحقيق كل هذه الأهداف قل نسبة حدوث الاحتراق الوظيفي”.
دور لجنة المرأة العاملة بالاتحاد العام لعمال السلطنة
وتقول الهنائية:” لابد من إقامة ورش عمل لجميع المؤسسات في القطاع الخاص لتعريف العاملات بالاحتراق الوظيفي وتوعيتهن بوجودها وممارستها في الشركات، وتعريفهن بالآليات والتقنيات المتبعة للحد منها ومعالجتها بالتعاون مع الجهات ذات الصلة والإدارات”.
الاستماع لهم
ويتحدث الجلواح عن أبرز الحلول بقوله:” أبرز الحلول هي:
1- المحاولة في تطوير هذه الفئة إذا كان هناك فائدة مرجوة من خلال تطويرهم
2- سن برامج جديدة تطويرية عملية تدريبية بشكل مباشر أو غير مباشر في المنظمة
3- الجلوس معهم في فترات متقطعة والاستماع لهم ولمشاكلهم وإن كانت مشاكل شخصية
انطلق
ويختتم المستشار متعب قائلاً:” الاحتراق الوظيفي أمر واقعي وقد يحدث لأي شخص، وطالما أنك تعمل فعليك الاهتمام بتطوير نفسك والقراءة وحضور الدورات التدريبية، ومن المهم من وقت لآخر المشاركة في الأعمال التطوعية حتى تحافظ على القيمة المضافة لشخصيتك”.
غادر فوراً
ويوجه رضوان كلمته للعمال قائلاً:” ارحموا أنفسكم وإن كنتم تعتقدون بأنكم وصلتم إلى مرحلة الملل، غادروا المكان فوراً”.
وتقدم وجدان العتيبي نصائحاً للعمال:
- عدم أخذ العمل إلى المنزل والموازنة وترتيب الأولويات بين الحياة الشخصية والعمل.
- جرب التحدث إلى مشرفك أو مديرك عنما تمر به وشاركه اقتراحاتك ومن الممكن أن تتوصلوا لحل أفضل.
- أخذ استراحة قصيرة بين العمل وعدم العمل في وقت الاستراحة.
- يجب أن يكون لك وقت فراغ يومياً وممكن أن تستغله بممارسة هواياتك.
- الاعتناء بصحتك جسدياً عن طريق الرياضة وأخذ القسط الكافي من النوم والتغذية الجيدة، ونفسياً بالاسترخاء والتأمل وعمل اليقظة الذهنية (وهي التركيز على نفسك وأن تصبح واعيًا بما تحسه وتشعر به في اللحظة الحالية بدون تدخل).
- أخذ إجازة من العمل عند الحاجة إليها لتحافظ على صحتك النفسية ولتحافظ على إنتاجيتك في العمل.
- جرب تغيير رتابة عملك وحياتك وتجربة أشياء وطرق جديدة لكسره.
وختاماً كونك عاملاً في القطاع الخاص لا يعني أن تكّرس وقتك وجهدك في العمل فقط، وإنما لابد من أن توازن وأن تعطي كل ذي حقٍ حقه، فلنفسك وعائلتك وهواياتك عليك حق، فبعد هذا الاستطلاع الصحفي هل ستقع في الاحتراق الوظيفي مجدداً أم أنك ستتداركه قبل الوقوع في فخه؟