محطات قانونية

الشخصية الاعتبارية للنقابات والاتحادات العمالية

إبراهيم بن عبد الله الغريبي، رئيس قسم التشكيل والانتساب بالاتحاد العام لعمال السلطنة

أجاز المشرع العماني حق العمال في أن يشكلوا فيما بينهم نقابات عمالية، تهدف إلى رعاية مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، وتحسين حالتهم المادية والاجتماعية، وتمثيلهم في جميع الأمور المتعلقة بشؤونهم المادة (108) من قانون العمل.

وقد أكدت مختلف أحكام الاتفاقيات والمواثيق الدولية على ذلك؛ منها على سبيل المثال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (20) التي نصت على أنه: لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية  ما. والمادة (23) التي نصت على: لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. أما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقد جاء في المادة  (8) منه: تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفي الانضمام إلى النقابة التي يختارها، دون قيد سوى قواعد المنظمة المعنية على قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية  وحمايتها. وتضيف الفقرة (ب) منها: حق النقابات في إنشاء اتحادات أو اتحادات أخلاقية قومية، وحق هذه الاتحادات في تكوين منظمات نقابية دولية أو الانضمام  إليها. أما في الفقرة  (ج) فقد نصت على: حق للنقابات في ممارسة نشاطها بحرية دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع  ديمقراطي؛ لصيانة الأمن القومي،أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين  وحرياتهم. كما جاء في المادة  (22) من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية: لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية  مصالحه. أما الاتفاقية (87) المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي؛ فقد نصت في المادة (2) منها على أن: للعمال وأصحاب العمل، دون تمييز من أي نوع، الحق في إنشاء ما يختارونه بأنفسهم من منظمات، دون أن يرتهن ذلك بغير قواعد المنظمة المعنية،  ولهم الحق في الانضمام إلى تلك المنظمات، وذلك دون ترخيص  مسبق. أما المادة (3) منها فقد تضمنت حق المنظمات العمالية وأصحاب العمل في وضع دساتيرها وأنظمتها، وانتخاب ممثليها في حرية تامة، وتنظيم إدارتها ووجوه نشاطها وصياغة برامجها، وقد تطرقت في الفقرة الثانية إلى منع السلطات العامة من أي تدخل من شأنه أن يحد من هذه الحقوق أو يحول دون ممارستها  المشروعة، ونجد أن السلطنة أقرت بالحق النقابي في العديد من الأحكام والنصوص القانونية؛ إذ نجده اختار مصطلح الحق النقابي على غرار المواثيق الدولية التي سمتها بالحرية النقابية، وتضمن النظام الأساسي للدولة في المادة رقم (40) منه على: (حرية تكوين الجمعيات مكفولة …..) قد أقر نظريًّا بالحرية النقابية، وذلك يمنح العمال حق تأسيس نقابات مستقلة، تمثلهم بطريقة ديمقراطية وتدافع عن حقوقهم.

تتمتع النقابة العمالية بالشخصية الاعتبارية المستقلة الكاملة، وهو ما أقرته المادة (110) من قانون العمل العماني رقم (35/2003): ‫تتمتع النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عمان بالشخصية الاعتبارية المستقلة؛ وذلك من تاريخ التسجيل لدى الوزارة، ولها الحق في ممارسة نشاطها بحرية كاملة بدون تدخل في شؤونها أو التأثير  عليها. وهو أمر بالغ الأهمية؛ لأنها لن تستطيع مباشرة مهامها بحرية إذا لم تتمكن من اكتساب أهليتها المدنية في إطار معقول وطبيعي من القواعد القانونية، ويترتب على الاعتراف للنقابة بالشخصية الاعتبارية القانونية تمتعها بالحقوق الشخصية، وهي:

أولا: الاسم

من حق كل نقابة أن تحمل اسما يختاره أعضاؤها المؤسسون وقت تكوينها، وينص على ذلك في النظام التأسيسي لكل نقابة عمالية، ويتضمن هذا الاسم عادة اسم المنشآة التي يعمل فيها الأعضاء المؤسسون، وهذا ما نص عليه المشرع العماني في المادة  (10) من القرار الوزاري رقم 500/2018 بشأن نظام وتسجيل وعمل النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عمان، والتي تنص على أن: يكون للنقابة العمالية نظام تأسيسي، يتضمن الأحكام الأساسية لتنظيم عملها، وعلى الأخص ما يأتي:

  1. اسم النقابة وعنوانها وممثلها القانوني.

ثانيا: الموطن

 يحدد النظام الأساسي موطن النقابة، ويتعين بالمكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها، وهو بمثابة المقر الدائم الذي تمارس فيه النقابة مختلف أنشطتها، ويجري فيه انعقاد مجلس إدارتها وجمعيتها العمومية، وهو ما سماه المشرع العماني (عنوان النقابة العمالية).

ثالثا: الأهلية

 يترتب على ثبوت الشخصية الاعتبارية القانونية للنقابة العمالية الاعتراف لها بأهلية الوجوب؛ أي الصلاحية لكسب الحقوق وتحمل الالتزامات، ولكنها أهلية مقيدة بمبدأ  التخصص؛ أي أن الحقوق التي تتمتع بها النقابة العمالية تقتصر على القدر اللازم لتحقيق الغرض الذي نشأت من أجله، ومن  ثم تتمتع النقابة العمالية بأهلية التعاقد، وأهلية التملك وأهلية التقاضي، فإن التنظيم النقابي يكسب الأهلية وفقا للآتي:

  أ/ أهلية التقاضي

 وفقًا لنص المادة  (8) من القرار الوزاري 500/2018، والتي تنص على أنه: يترتب على تسجيل النقابة العمالية تمتعها بالشخصية الاعتبارية المستقلة، ويكون لها حق التقاضي للدفاع عن حقوقها ومصالحها والحقوق الجماعية والفردية لأعضائها الناشئة عن علاقة العمل، والاطلاع على لوائح العمل فـي المنشأة، والتي تكفل حقوق ومصالح أعضائها.

وفـي جميع الأحوال، يكون حق التقاضي والدفاع عن الحقوق الفردية للعمال بناء على طلب كتابي من عضو النقابة.

ومن هنا يمكن القول بأن التنظيمات النقابية تستطيع مباشرة أي دعوى قضائية تتعلق باعتبارها شخصًا قانونيًّا له حق إنشاء علاقات مع أشخاص قانونية أخرى، أو إذا تعلق الأمر بمصالح أحد أعضائها الفردية أو الجماعية أو المساس بمصالح المهنة الممثلة رغم اختلاف موقعها: مدعى أو مدعي  عليه؛ فنستخلص من مجمل هذا القول أن للنقابة أهلية  تقاضٍ مزدوجة، وبذلك سنتطرق إليها على النحو التالي: التقاضي لحماية مصالحها الخاصة: بما أن النقابة تتمتع بالشخصية القانونية، يمكن للنقابة حق رفع مختلف الدعاوى أمام مختلف الجهات القضائية دفاعا عن مصالحها الخاصة، كالنزاعات الناشئة بينها وبين كيانات نقابية أخرى أو الإدارة أو أشخاص معنوية أخرى وحتى بين أعضائها.

 إذا كانت التنظيمات النقابية مدعيًّا ففي نفس الوقت يمكن أن تكون مدعى  عليها؛ وذلك عندما تسبب ضررًا للغير فعليها جبر الضرر وفقا للقانون المدني، ويمكن التنفيذ عليها وفقا لقانون الإجراءات المدنية والتجارية، المنظّمة النقابية عن الأفعال غير الشرعية التي ترتكبها فهنا الأعضاء ليسوا مسؤولين عن دفع الديون المترتبة في ذمة المنظمة التي ينتمون إليها رغم تمتعهم بصفة قانونية مستقلة عنها.

التقاضي لحماية المصالح المعنوية، منصوص قانونا أنه من شروط التقاضي، ووفقا لقانون الإجراءات المدنية والتجارية  يجب أن تتوفر الصفة والمصلحة لرفع دعوى، وثار جدل حول إمكانية المنظمة النقابية من رفع دعوى لمصلحة أفرادها، ويكون حق التقاضي والدفاع عن الحقوق الفردية للعمال بناء على طلب كتابي من عضو النقابة.

بالإضافة إلى أن المشرع وضع استثناء للقاعدة العامة فيمكن مباشرة  الدعاوى الناشئة عن عدم تنفيذ الالتزامات المتعاقد عليها في الاتفاقيات  الجماعية لمصلحة أعضائها؛ أي الدعاوى المدنية، كالتعويض للعمال من جراء عدم تنفيذ الاتفاقية المبرمة أو التسريح من أجل المصلحة الاقتصادية.

ب/أهلية التعاقد:

 للنقابة الحق في إبرام العقود اللازمة لتحقيق أهدافها انطلاقا من إبرام أي عقد أو اتفاقية أو اتفاق له علاقة بتمثيل العمال أمام السلطات العامة.

ومن أهم العقود التي تبرمها النقابة عقود العمل المشتركة، أو ما يسمى باتفاقيات العمل الجماعية التي يجري إبرامها مع أصحاب الأعمال، بشرط عرضها على الجمعية العمومية للنقابة للحصول على موافقة أغلبية الأعضاء عليها.

فحق التفاوض الجماعي وتمثيل العمال في إبرام الاتفاقيات الجماعية للعمال بكل حرية واستقلالية ومساواة في المراكز التفاوضية مع صاحب  العمل يعبر من بين إفرازات ونتائج الحق النقابي.

ج/أهلية التملك:

 اقتناء أملاك منقولة أو عقارية مجانا أو بمقابل لممارسة النشاط النقابي المنصوص عليه في القرار الوزاري (500/2018) والنظام التأسيسي؛ شريطة عدم الدخول في مضاربات مالية أو في أوجه استثمار غير آمنة، أو تتعارض مع أهدافها أو أغراضها.

والتنظيمات النقابية أيا كانت نقابة عمالية أو اتحاد عمالي قطاعي أو الاتحاد العام متى ما باشرت أعمالا ذات خاصية تجارية بصفة تبعية تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة، ولا يؤدي ذلك إلى ذوبان المنظمات الدولية التي يتشكل منها هذا الاتحاد، بل تحتفظ كل منها بشخصيتها الاعتبارية المستقلة عن شخصية الاتحاد الداخلة فيه، ويترتب عن ذلك استقلال في النشاط القانوني، وعدم زوال الشخصية القانونية للنقابات التي لا تنظم للاتحاد أو تنسحب منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى