عمال المنصات
روان بنت ناصر الرشيدية، باحثة قانونية، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
يشهد العالم اليوم تحولات جذرية في ظل الثورة الصناعية التي تغلغلت في مختلف مجالات الحياة بشكل عميق ومؤثر، ولعل أهمها المجال الاقتصادي؛ إذ ظهر نمط جديد من فرص العمل، يتيح حرية أكبر للعمال في تحديد ساعات العمل ونوعية الأعمال التي يقومون بها، وقد لاقى رواجًا واستحسانا لدى بعض الباحثين عن عمل في سلطنة عُمان، وجدوا في هذه المنصات فرصة تتيح لهم توفير مختلف الخدمات لشريحة كبيرة من العملاء في مختلف أنحاء السلطنة والعالم، وتؤمن لهم مصدر دخل يعينهم على تحمل أعباء الحياة.
يقوم عمال المنصات اليوم بتوفير مختلف الخدمات كتوصيل الطلبات والترجمة وغيرها الكثير من الخدمات التي يقوم بها في العادة موظفون بدوام كامل أو جزئي، وعلى الرغم من ذلك لا تصنف هذه الفئة من العمال ضمن العاملين في القطاع الخاص ولا ينطبق عليهم قانون العمل، ويعود ذلك لطبيعة العقود التي تربطهم بهذه المنصات، والتي تصنف هؤلاء العمال في معظم الدول -ومنها سلطنة عُمان- ضمن فئة العاملين لحسابهم الخاص، وتعد ساعات العمل المرنة وحرية تنفيذ العمل مكانا وزمانا أهم ما يتمتع به عمال المنصات، ولكنها في المقابل تعد السبب الأساسي لمعظم التحديات التي يواجها عمال المنصات اليوم، ولعل أبرز هذه التحديات هو الاستقرار الوظيفي؛ إذ إن نظام العمل التقليدي يربط طرفي الإنتاج بعلاقة تعاقدية ينظمها كل من قانون العمل الصادر بمرسوم السلطاني رقم 2023/53 وقانون الحماية الاجتماعية الصادر بمرسوم السلطاني رقم 2023/52 اللذان يشملان الحقوق الأساسية للعمال، كالإجازات المدفوعة الأجر، وغيرها من الحقوق التي توفر للعامل حماية خلال قيامه بعمله، ومن أهم الأشكال المنبثقة من هذه الحماية هو حق الصحة والسلامة المهنية التي توفر حماية للعامل من إصابات العمل.
أم عبد الله تعمل في إحدى المنصات المحلية التي تقدم خدمات نقل للركاب في السلطنة، تقوم بلا كلل أو ملل بتقديم خدماتها من الصباح حتى المساء، على مدار الأسبوع بلا انقطاع، لتجني قوت يومها وتعيل أسرتها؛ إذ يعتمد دخل عمال المنصات بشكل تام على عدد المرات التي يقدمون فيها الخدمة، ولا يحصلون على أجر ثابت؛ ففي اليوم الذي يتوقف فيه السائق عن تقديم خدمة نقل الركاب لا يحصل على دخل، وأم عبد الله -حالها كحال بقية الأمهات العاملات- تجد نفسها في بعض الأحيان غير قادرة على تقديم خدماتها لظروف صحية تمر بها شخصيا أو يمر بها أحد أبنائها الأربعة، إلا إنها تجلس أمام عجلة القيادة للقيام بعدة رحلات من الصباح حتى المساء لتستطيع أن توفر احتياجات أسرتها الأساسية وتسديد فواتير الماء والكهرباء وغيرها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، معرضة نفسها لمخاطر القيادة في الطرقات.
إن الأجر الذي تحصل عليه أم عبد الله لقاء الخدمة يعد زهيدًا، يغطي أساسيات الحياة فقط، ويعتمد بشكل كبير على معدل الطلب في مختلف أيام العام، وفي حالة تعرض أم عبد الله لحادث سير أو تعطل مركبتها فإن دخل أم عبد الله يتوقف تمامًا؛ إذ إن الشركة المالكة للمنصة لا توفر خدمات صيانة للمركبات، حتى وإن تعرضت المركبة لحادث في أثناء القيام بالخدمة، كما أنها لا تؤمّن على السائق الذي قد يتعرض لإصابة العمل أثناء توفير الخدمة لعملاء المنصة، لذلك تعاني أم عبد الله من ضغط نفسي وقلق مستمرين لتوفير لقمة العيش.
أم عبد الله تمثل حالة واحدة من بين عدد كبير من العمال حول العالم، انخرطوا في عمل المنصات بحثًا عن مصدر رزق في ظل شح الفرص الوظيفية، وبذلك نجدهم يعانون من عدم الاستقرار الوظيفي والحرمان من التطور المهني في بعض الأحيان مقابل أن يحصلوا على ما يلبون به حاجاتهم المعيشية، ويعيلون به أسرهم في ظل غياب القوانين التي تنظم هذا القطاع الاقتصادي المستحدث.
ولعل استحداث فرع تأمين إصابات العمل والأمراض المهنية في قانون الحماية الاجتماعية الجديد الصادر بمرسوم سلطاني رقم 2023/52 من أهم التطورات التشريعية التي تخص فئة عمال المنصات في سلطنة عُمان، والتي أضافت طبقة حماية إضافية للعمال العاملين لحسابهم الخاص عامة وعمال المنصات تحديدًا؛ إذ شملت المادة (87) من القانون تأمين إصابات العمل والأمراض المهنية لفئة العاملين على حسابهم الخاص في السلطنة؛ الأمر الذي يضيف حماية جديدة لم تكن موجودة في القانون السابق، وبذلك تجد أم عبد الله ما يواسيها في قانون الحماية الاجتماعية الجديد، ويحمي سلامتها وصحتها من مخاطر العمل في الطرقات هي وجميع العاملين في المنصات الذين تقتضي طبيعة عملهم عدد ساعات تفوق ساعات العاملين في الوظائف التقليدية.
وتظل قضية عمال المنصات حديث الساحة في معظم الدول، ولا زال عمال المنصات يناضلون للحصول على حقوق مماثلة للعاملين في القطاع الخاص من خلال الاعتراف بوجود عنصر التبعية في علاقة العمل بين عمال المنصات والمنصات ذاتها، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تحدده هذه المنصات من شروط وأحكام تنظم سير العمل، والخدمات التي يقدمها العمال.