الذكاء العاطفي في بيئة العمل
علياء الجردانية، اختصاصي إعلام أول، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
في عام 1990 كانت بداية إطلاق مصطلح الذكاء العاطفي، ومنذ ذلك الحين بدأ في التغلغل في الحياة الاجتماعية، واليوم سرعان ما انتشر هذا المصطلح في مختلف المجالات الحياتية الأخرى، ومن بينها عالم الأعمال.
ونظرًا؛ لأننا نعيش في عالم متسارع ومتنامٍ، اجتاز الذكاء العاطفي اليوم مختلف بيئات العمل، وقد أثمرت عن ذلك جوانب عدة، منها التواصل الفعّال بين العمال ومسؤوليهم، وتحسين بيئات العمل والحصول على نتائج إيجابية تصب في مصلحة الطرفين.
ففي عالم الأعمال ينساق معظم المديرين والموظفين إلى اتباع عواطفهم ومشاعرهم في حل بعض المشكلات أو اتخاذ بعض القرارات، وقد ينتج عن ذلك إما نتائج إيجابية أو سلبية.
فكيف سنطبق الذكاء العاطفي، ونستفيد منه في بيئة العمل لنجعلها آمنة ومستقرة ومنتجة.
دعونا الآن نسلط الضوء أكثر على هذا المصطلح، ونُجيب من خلال هذا الاستطلاع عن أسئلة عدة، أهمها:
- ماذا نعني بالذكاء العاطفي، وما أهميته؟ ولماذا نحتاجه في بيئة العمل؟
- ما مهارات الذكاء العاطفي، وكيف نكتسبها؟
- ما أهمية الذكاء العاطفي بالنسبة للقادة في بيئات العمل؟
- ما أهمية الذكاء العاطفي في اتخاذ القرارات وحل المشكلات؟
- كيف يساهم الذكاء العاطفي في تحسين الأداء الفردي؟
ما الذكاء العاطفي؟
كثيرًا ما يراود أذهاننا مصطلحات رنانة على الساحة بشكل دوري، من بينها مصطلح الذكاء العاطفي، فعند سماع هذا المصطلح قد يظن البعض أنه يتعلق بالحياة الاجتماعية فقط، ولكن في حقيقة الأمر أن هذا المصطلح قد دخل في عدة مجالات من بينها مجال الأعمال، وهنا نستعرض لكم تعريف هذا المصطلح بحسب المختصين في هذا المجال.
يُعّرف ناصر بن حمد المنيف، مستشار موارد بشرية سعودي، الذكاء العاطفي بقوله: في نظري الذكاء العاطفي هو القدرة والفهم والمهارة في إدارة العواطف والوعي، وهذا الأمر في الوقت الحالي أصبح قوي الحضور في إدارات الموارد البشرية على المستوى العالمي.
إن الذكاء العاطفي يُعنى بالاستخدام الذكي والأمثل لعواطفنا ومشاعرنا، وتوجيهها الاتجاه الصحيح حتى نستطيع من خلال ذلك الوصول لمستوى مريح من الاستقرار النفسي؛ مما ينعكس ذلك على الفرد نفسه والمحيطين من حوله، وبالتالي سيؤثر في نتائج مواقف الحياة المختلفة، مثلما أشار إليه عبد الكريم الخاطري، المختص في علم الاجتماع.
وتقول نجلاء الحميد، مدربة ومستشارة سعودية في مجال تطوير الأداء المهني: “هناك عدة تعاريف للذكاء العاطفي المرتبطة بالقدرة على معرفة نفسك جيدا، والتعامل مع مشاعرك بشكل ذكي، والتكيف المستمر معها، وعلى الصعيد الآخر هو القدرة على فهم مشاعر الآخرين، والتفاعل معهم بشكل جيد، وإقامة علاقات جيدة وبناءة معهم. وتكمل قائلة: إننا نحتاج الذكاء العاطفي في بيئة العمل للشعور بالتحفيز والرضا عن الأداء، وتقبل وجهة نظر الآخر، واحترام ثقافة الاختلاف والتنوع البشري”.
ما أهمية الذكاء العاطفي في بيئة العمل؟
لنتخيل معًا بيئة عمل تسودها الرتابة وقلة الإنتاجية، ناهيك عن انعدام التحفيز؛ وذلك بسبب غياب الذكاء العاطفي عنها، فماذا لو طبقناه في بيئات عملنا؟ وما أهميته؟ ولماذا نحتاجه ؟ لنقرأ سويًا الآراء التالية.
هنا يتحدث الخاطري بقوله: “تكمن أهمية الذكاء العاطفي في كونه وسيلة تسهل لنا إدراك ذواتنا، وإدارة مشاعرنا وفهم للآخرين، ومن ثم نتمكن من تعلم مهارات حتى نستطيع تغيير قناعات معينة لدينا ليصبح منظورنا للأمور واقعيا؛ وبالتالي هذا الأمر سيصبح عبارة عن مجموعة من المهارات الذكية جدًّا، المرتبطة بالمشاعر؛ فمن هنا تأتي أهمية تمكين العاملين في اكتساب مهارات الذكاء العاطفي المختلفة؛ حتى تحصل المؤسسات على أفضل النتائج والأهداف التي رسمت من أجلها المؤسسة، وينطبق ذلك أيضا على القيادات التنفيذية، علاوة على أن مهارات الذكاء العاطفي ستكون بمثابة الفاصل في اتخاذ القرارات وحل المشكلات الوارد حدوثها”.
ويتحدث المنيف بقوله: “إن الذكاء العاطفي مهم جدًّا في بيئة العمل؛ لكونه ينظم طريقة التعامل بين العمال ومديريهم وعملائهم، ولما له من تأثير إيجابي على إدارة الضغوط والنزاعات، وللوصول إلى أداء وظيفي متميز”.
هناك علاقة طردية بين الذكاء العاطفي والنجاح في بيئة العمل؛ فكلما كانت نسبة مهارات الذكاء العاطفي تمارس بشكل كبير كانت العلاقات داخل المؤسسات أكثر انسجامًا، وظهرت نتائج إيجابية، وقد يؤدي ذلك إلى ملامسة الاستقرار داخل منظور الأسرة والمجتمع والعكس صحيح بحسب ما تطرق له المنيف.
وتضيف د.ليلى السلامية، وهي ومدربة معتمدة في القيادة والتخطيط الإستراتيجي والتنمية البشرية: “إن الذكاء العاطفي متطلب أساسي في بيئة العمل؛ لأنه يركز على القدرات والمهارات والمشاعر الذاتية ومشاعر الآخرين، ويساهم في القدرة على التحكم في الأداء وتحفيز الآخرين، وأيضًا إدارة أفضل العلاقات مع الآخرين في بيئة العمل؛ فالذكاء العاطفي يشمل جانبين مهمين، الذكاء الشخصي وهو القدرة على إدارة المشاعر الشخصية في التعامل مع الذات والآخرين، والذكاء الاجتماعي وهو قدرة الآخرين على إدارة المشاعر الشخصية مع التعامل مع فئات وشخصيات وقرارات مختلفة في بيئة الحياة والمجتمع والعمل”.
وتكمن أهميته في الجوانب الآتية:
- التعاطف والتعامل وإدارة العلاقات مع الآخرين، خاصة فيما يتعلق مع المديرين والعمال؛ إذ سيمكنهم ذلك في إدارة العلاقات مع الآخرين، وتوجيههم، والتعرف على قدراتهم وطرق تفكيرهم ودوافعهم وسلوكياتهم وقدرتهم على السيطرة على مشاعرهم، وتحقيق بيئة آمنة على المستوى المهني والشخصي.
- يساعد الذكاء العاطفي على تقوية العلاقات الاجتماعية في بيئة العمل من خلال تعزيز الثقة بالنفس مع الآخرين، واحترامهم وتقدير مشاعرهم، والانصات والاستماع لآرائهم، والأخذ بها، وأيضًا تشجيعهم وتحفيزهم.
- تنمية الجدارات القيادية، وتشكيل فرق عمل عالية الأداء، والتي تعتبر من أهم معايير الأداء الوظيفي ومتطلباته، ولتحقيق ذلك لابد من وجود قياديين يمتلكون مهارات الذكاء العاطفي لقيادة مجموعات من الأفراد، وتحفيزهم، وإنجاز متطلبات العمل مع التركيز على الجوانب العاطفية، ومراعاة الفروقات والاختلافات الفردية بين أعضاء الفريق من أجل تحقيق إنجازات عمل عالية الأداء والعمل ضمن فريق عمل واحد، وهذا يتطلب الوعي العاطفي للتواصل الإيجابي مع جميع أعضاء الفريق لتحقيق التفوق والإنجاز في الأداء والعمل.
لماذا نحتاجه في بيئة العمل؟
ويضيف المستشار ناصر معبّرًا: “من خلال ما تعلمته من تجاربي وخبراتي في الإدارة التي امتدت إلى أكثر من ثلاثين سنة، ولما لاحظناه من التركيز في الفترات الأخيرة على الذكاء العاطفي في مجال العمل سواء كان العمل حكومي أو قطاع خاص فقد لمست عدة فوائد جميلة أذكرها على سبيل المثال لا الحصر : منها تحسين مستوى التعامل بين الموظفين؛ الأمر الذي نتج عنه مكان للعمل أكثر بهجة وهذا ما أكده علماء النفس والسلوك؛ إذ ذكر عالم السلوك دانيال في كتابه الذكاء العاطفي أن الذكاء العاطفي مفيد سواء كان داخل العمل أو خارجه ،كذلك نحتاجه في العمل لكونه محفزا للاستمتاع بالإنجاز”.
مهارات الذكاء العاطفي
ويكمل المستشار ناصر بقوله: “إن مهارات الذكاء العاطفي إذا اكتسبها كل من صاحب العمل والعامل فإن ذلك سيزيد من ذكائه العاطفي؛ وبالتالي سينعكس على نجاحه في بيئة العمل بل في الحياة بوجه عام”.
ومهارات الذكاء العاطفي هي:
- مهارة الوعي الذاتي.
- مهارة التحكم بالمشاعر.
- مهارة التحفيز الذاتي.
- مهارات إدراك مشاعر الآخرين.
- مهارات إدارة العلاقات.
- القدرة على التكيّف.
- إدراك الواقع.
- المرونة.
- حل المشكلات.
كيف يكتسب العمال وأصحاب العمل مهارات الذكاء العاطفي؟
لاكتساب هذه المهارات عليك أن:
- تراعي تصرفاتك، وتضبط انفعالاتك، وتعرف ما يحزنك وما يسعدك، وقبل هذا اعرِف من أنت؟ وكيف يراك الآخرون؟ وتعلم كيف تتعامل مع مشاعرك وعواطفك بالتحكم بها عند تفسيرك للمؤثرات التي تحدث من حولك وتتفاعل معها.
- تحاول ألا تندفع بانفعال يضغط عليك، ويعرقل تفكيرك، ويدفعك لتصرف قد تندم عليه، وقد تخسر علاقات كثيرة في محيط عملك؛ بسبب انسياقك وراء مشاعرك وانفعالاتك، كذلك لا تنتظر من يحفزك؛ لأنك إن فعلت ذلك سوف تظل طوال عمرك معتمدًا على غيرك.
- تبادر في مكافأة نفسك على ما أنجزت، وارسم طموحك، وانظر لما حولك دائما بنظرة إيجابية تساعدك على الوصول وتحقيق أهدافك، ولا تنس قراءة مشاعر الآخرين قراءة جيدة؛ كي تفهم وتستوعب هذه المشاعر وتعاطفك معها بعد ذلك.
- ألا تسخر ولا تقلل من مشاعر الآخرين، بل احترمها وتفهمها، حتى لو لم تقتنع بها، ونختم الإجابة عن هذا السؤال بالإشارة إلى ضرورة إدارتك للعلاقات مع الآخرين وفق طبيعة شخصياتهم، والتعامل مع كل شخص بأكثر من طريقة تناسبه لتصل بالعلاقة إلى أفضل حالاتها.
وتتحدث نجلاء أنه بإمكان العمال والمديرون اكتساب مهارات الذكاء العاطفي من خلال الفهم العميق والوعي بالذات، ثم تقبل الذات ومحبتها وتقديرها ومعرفة نقاط قوتها ووضع الأهداف والخطط الشخصية الذكية، والالتزام بها والتركيز عليها وتحمل مسؤولية الخيارات والقرارات المتبعة؛ وبالتالي يتمكن من التحكم في المشاعر والانفعالات وتقبل النقد البناء، والممارسة اليومية للمهارات القيادية والإنصات الفعال، والتعاطف مع الآخرين، وإبداء الاهتمام والتفاعل مع الآخرين.
ويقول الخاطري: “جزء من الذكاء العاطفي يتم اكتسابه خلال فترة التنشئة، ولكن هناك بعض المهارات التي تفرز نتائج ذات جودة عالية، يحتاج الأفراد سواء من أصحاب العمل أو العاملون لاكتسابها سواء من خلال تراكم الخبرات التي حدثت خلال نطاق من المواقف المتباينة أو بتعلم تلك الأساليب من خلال الممارسات العلمية المحكمة والتدرب عليها، مع الأخذ في الحسبان التحلي بالصبر والاستمرارية لضمان نتائج إيجابية؛ فمن هنا يجب أن يتم الالتفات بدرجة جيدة إلى تعزيز طاقات القوى البشرية العاملة، وتأمين أفضل السبل لها للاستقرار، وإبراز القدرات، وكذلك تخصيص مساحة مثالية لهم للتعبير عن ذواتهم، وتزويدهم بكل ما يكفل لهم الابداع والابتكار في العمل”.
هل أصبحت القيادة بالذكاء العاطفي مهمة في عصرنا هذا؟ ولماذا؟
هناك علاقة وطيدة بين مصطلح القادة وتمتعهم بمهارات الذكاء العاطفي، فمتى تحلى القائد والمدير بمهارات الذكاء العاطفي ساهم ذلك في الارتقاء بالعمال وتحسين بيئة عملهم، وهنا نتطرق إلى أهمية امتلاك القادة والمدرون واكتسابهم لمهارات الذكاء العاطفي.
وفي هذا الصدد يشارك د. محمد سيد حجاج، وهو خبير مصري في الإدارة الإستراتيجية بقوله: “مما لا شك فيه أن الأزمة الاقتصادية التي خلفتها فترة جائحةكورونا قد أثرت بشكل واضح على جميع المستويات الوظيفية من حيث الشعور بالأمان الوظيفي مع تزايد المخاوف من تسريح العمال، ومخاوف انخفاض الدخول، وتدهور الأوضاع الاقتصادية للمنظمات، وفي ظل هذه الأوضاع تظهر الحاجة إلى نوعية القادة الذين يظهرون مستوي عاليا من الذكاء العاطفي، ويحققون قدرا عاليا من الثبات أثناء الأزمات، علاوة على القدرة على بناء العلاقات مع الآخرين، وإدارتها لإيجاد أرضية مشتركة مع وجود الكفاءة مع جميع المستويات الإدارية، وضمان حقوق العمال”.
ويؤكد المستشار ناصر على أهمية القيادة بالذكاء العاطفي بحسب ما أظهرته نتائج الدراسات على المستوى العالمي من أن هناك اهتماما بالذكاء العاطفي سواء كان لفهم الذات أو إدارة الذات أو المهارات الاجتماعية أو الوعي الاجتماعي، وقد جاءت النتائج مرتفعة المستوى من وجهة نظر عينات الدراسة، والتي أوصت بالاهتمام أكثر بالذكاء العاطفي، وممارسته وإعطائه الأولوية في الأعمال الإدارية مع ضرورة تنمية قدرات المديرين ومهاراتهم والقادة بصفة عامة المناط بهم صنع القرارات الإستراتيجية، وما له من تأثير مهم وواضح على التطوير الذاتي للمدير ولصفاته القيادية من خلال ممارساتهم الدائمة للسلوك الإيجابي، والتي يمكن ملاحظتها وقياسها من خلال الزيادة في الإنتاج.
وتشير المستشارة نجلاء إلى أن الدراسات أثبتت أن 90% من أصحاب الأداء المتميز في بيئة العمل يتمتعون بذكاء عاطفي عالي المستوى؛ لذا يتعين تطوير الذكاء العاطفي، والاهتمام به، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الشخصية مع زيادة رغبة الفرد في التعلم للتمتع بحياة أفضل، والتعامل الجيد مع العثرات والتحديات التي قد يتعرض لها الإنسان في بيئة العمل.
وتقول: “إنّ القيادة بالذكاء العاطفي مهمة جدًّا؛ فالقائد يحتاج أن يضبط انفعالاته، ويأثر في الآخرين ويحفزهم ويتعاطف معهم، إضافة إلى دوره البارز في تعزيز العلاقات الإنسانية بإيجابية، والتفاعل داخل المنظمة ليقدموا أفضل بما بوسعهم بروح الفريق الواحد. وتضيف المستشارة نجلاء قائلة: إنّ الذكاء العاطفي يتحكم في طريقة تعامل الموظفين مع زملائهم في العمل، وكذلك علاقاتهم بمديريهم في بيئة العمل، كما يساهم الذكاء العاطفي في إدارة الضغوطات والنزاعات والأداء الوظيفي بشكل عام”.
ويشارك د.حمد الغافري، وهو متخصص في علم النفس التربوي والتعلم الذاتي قائلا: “إن القدرة على إتقان مهارات الذكاء العاطفي، مثل: كيفية التعبير عن العواطف، وإدارة المرء لمشاعره، والتعاطف مع الآخرين، وتحفيز الذات والآخرين، وممارسة مجموعة واسعة من المهارات الاجتماعية؛ تُعد وسائل ضرورية ليكون القائد فاعلا، بل إذ هذا المسألة ليست مجرد اختيار شخصي أو تنمية لمهارات فردية فحسب، بل يجب أن تكون مهارات الذكاء العاطفي مطلبًا مهمًا للقادة مثلها مثل المهارات الفنية، فبمجرد توافر المهارات القيادية والإدارية لدى المدير لا يضمن بالضرورة فاعليته في المؤسسة، فمستوى الذكاء العاطفي له دور مؤثر في تحقيق التميز في القيادة بالذات عندما تتلاشى الفروق في المهارات الفنية بين شاغلي الوظائف القيادية، وأن هذا التأثير يمثل أضعاف تأثير المهارات الفنية والفكرية على مستوى أداء الفرد”.
أبرز الصفات والمهارات التي يجب أن تتوافر لدى المديرين في بيئات العمل:
- الوعي الذاتي الإداري.
- الفعالية الذاتية في إدارة العلاقات.
- العمل الجماعي.
كيف يساهم الذكاء العاطفي في اتخاذ القرارات؟
كثيرًا ما تؤثر العواطف والمشاعر على اتخاذ القرارات في بيئة العمل، والتي قد تحتمل الصواب وقد تحتمل الخطأ، وهنا قد يذهب العمال ضحية لاتخاذ قرارات غير مدروسة، تتحكم فيها المشاعر من الدرجة الأولى، فهنا نتساءل كيف يساهم الذكاء العاطفي في اتخاذ قرارات صائبة تصب في مصلحة العمال وترضي الأطراف (العمال والمديرين وأصحاب العمل)؟
ويقول د.الغافري في هذا الجانب أن الذكاء العاطفي يمكّن القادة من ضبط مشاعرهم الأكثر دقةً ومساعدةً في اتخاذ القرارات الصعبة. كما أن الذكاء العاطفي يؤثر على كيفية استخدام الأفراد للعواطف لتسهيل التفكير أو تنظيم العواطف للتركيز على المعلومات المهمة؛ لذلك يمكن التنبؤ بمهارات اتخاذ القرار من خلال مكونات الذكاء العاطفي؛ إذ إن الذكاء العاطفي يساهم بفاعلية في كفاءة العمليات الذهنية، وأبرزها اتخاذ القرار، والتحفيز الفكري، والتأثير المثالي، وتحسين مستوى الأداء لديهم، وله تأثير في الولاء التنظيمي سواء لدى الأفراد أو القادة. كما أن للذكاء العاطفي تأثيرًا على جودة اتخاذ القرارات؛ إذ إن الذكاء ا لعاطفي يساعد على التفكير الهادف في تحديد المشكلة موضوع القرار، وتحديد الحلول الممكنة حاليًا ومستقبليًا بأقل تكلفة في الوقت والجهد، وبأفضل كفاءة وعائد إيجابي.
ويضيف د.حمد الغافري حول اتخاذ القرارات الصائبة بقوله: اتخاذ القرارات الصائبة داخل أي منظمة لا يتأتى إلا من خلال توظيف وتعليم كفاءات الذكاء العاطفي؛ إذ إن الذكاء العاطفي له تأثير إيجابي على الالتزام التنظيمي والمواطنة التنظيمية.
وهنا يشير د. حجاج إلى أن القرارات الإستراتيجية تحدد مستقبل المنظمة؛ إذ ترتبط القرارات بالمدى الطويل في المستقبل؛ وبالتالي يكون تأثيرها كبيرا على مدى نجاح المنظمة أو فشلها من خلال قدرتها على الاستمرار، والمنافسة مما يجعلها تلعب دورًا مهمًا في تحديد مصير المنظمة ومكانتها بين المنظمات الأخرى، ويساهم الذكاء العاطفي للقادة بشكل كبير في اتخاذ القرار، خاصة في أوقات الأزمات؛ إذ يساهم في تنظيم مشاعر متخذ القرار في السيطرة على انفعالاته، فضلاً عن قراءة المشاعر من حوله من حيث القدرة على إدراك الذات، وإدراك طموحات الآخرين ومخاوفهم.
وتضيف د.ليلى قائلة: “في ضوء الظروف والتطورات الحديثة في بيئة العمل الحالية والتطلعات المستقبلية، يعتبر إدارة العلاقات والمشاعر بين الأفراد حاجة ملحة في بيئة العمل، ولا بد أن يتقنها العمال من أجل القدرة على الإنجاز والتميز في الأداء؛ نظرًا للاختلاف في وجهات النظر والبيئة الاجتماعية للأفراد؛ فتبرز أهمية اتخاذ القرارات المبنية على العاطفة أو التفكير من خلال اتخاذ القرارات الحكيمة باستبعاد المشاعر تجاه الآخرين أو مراعاة مشاعر الآخرين في إدارة العمل، وهنا يتطلب من الآخرين بمختلف توجهاتهم ومناصبهم أولًا التركيز على عملية اتخاذ القرارات، بما تقتضي من وضوح في التفكير، وفهم لمشاعر الآخرين؛ فإذا كانت القرارات مبنية على العاطفة أو مبنية على إلى قرارات تعسفية فسيكون لها تأثير على أداء الموظفين بالعمل”.
اتخاذ القرار أهم نشاط يمارسه المديرون
ويكمل د.حجاج قائلًا: “هناك مقولة شهيرة في عالم الأعمال اليوم، وهي كلما نما الذكاء العاطفي للمديرين نمت قدرته القيادية؛ إذ إن الوظيفة الأساسية للإدارة هي اتخاذ القرار، وتضاهي المنظمات الناجحة في أدائها بالمقارنة مع غيرها في كونها تتخذ قرارات أفضل وأسرع وأكمل، وتشكل عملية اتخاذ القرار أهم نشاط يمارسه المديرون في كافة المنظمات وعلى مختلف المستويات، ويلاحظ أن اتخاذ القرار أحد مهام المدير الرئيسية، والقرارات ذات الأهمية التي يتأثر بها كافة أقسام المنظمة، وأداء القرار ونتائجه هي التي تحدد طبيعة المدير الفعال ومدى قدرته على تحمل المسؤولية في إدارة المنظمة. وهذا لا يعني بخس أعمال بقية العاملين في المنظمة، بل إن عملية اتخاذ القرار بذاتها توجه وتنسق العلاقات المتكاملة والتجميعية لهذه الفعاليات”.
ويكمل عبد الكريم قائلا: “اتخاذ القرارات بالمنطق هو أفضل الأساليب الممكنة حتى نخرج بمحصلة نهائية كفيلة بضمان استمرار الاستثمار؛ فالمورد البشري بحاجة إلى موارد اخرى تكمله؛ والمنطق يتوازى مع منهجية الذكاء العاطفي؛ فأي قرار يصنع تحت الغموض وعدم المصداقية، ولا يأخذ الجانب العاطفي بعين الاعتبار لا بد أن يؤدي إلى أخطاء فادحة المتضرر الأول فيها القوى العاملة البشرية التي هي أساس التنمية والاستثمار”.
أهمية الذكاء العاطفي في حل المشكلات
ويشير عبد الكريم إلى أهمية الذكاء العاطفي في حل المشكلات بقوله: “لا يمكن حل أي مشكلة في بيئة العمل بدون النظر للأساليب الحديثة في حل المشكلات، والتي لها اعتبار أساسي لجانب المشاعر والأخذ بالمشورة واحترام عقول العمال الذين يفكرون من أجل المؤسسة؛ فرب العمل يجب عليه أن يكون على مستوى عالٍ جدًّا من الإدراك وفهم الآخرين، وإلا سيقع في العديد من الأخطاء المتكررة، وسيكون العمال الضحية في ذلك؛ فمثلًا الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا لم يتعامل مع منظومة تطوير آلية برمجيات جهاز الهاتف عبر اللمس رغم أنه وجد الكثير من المقترحات العقلانية من قبل فريق العمل لتطوير المنظومة؛ باعتبار أن هناك مشكلة قادمة، وهي أن الشركات الأخرى ما زالت في طريقها لتطوير منظوماتهم في عالم تقنيات الهاتف؛ مما أدى إلى خسارة الشركة واستقالته، وبالتالي تم تسريح العديد من موظفي الشركة”.
ويقول د.حمد: “تؤثر العواطف والحالات المزاجية على قدرة الفرد على حل المشكلات بطرق عديدة؛ إذ تؤثر الحالة العاطفية الإيجابية على تنظيم الذاكرة، والتفكير فوق المعرفي بطريقة يتم فيها دمج المعلومات بشكل أكثر كفاءة وفعالية. كما أن العواطف تحفز الفرد على التركيز على نفسه أو على قضية معينة، وتكون العواطف تحفيزية أو ملهمة؛ مما يسمح للأفراد بتولي المهام الفكرية المعقدة وحلها”.
ويضيف: “الذكاء العاطفي له تأثير إيجابي على إنجاز العمل، ويُعد متغيرًا وسيطًا في العلاقة بين ضغط العمل وإنجازه؛ فالأفراد الذين لديهم ذكاء عاطفي مرتفع أقدر على تخفيف أو تحويل التأثيرات السلبية الكامنة المتعلقة بضغط العمل، واستثمارها في إنجاز العمل المطلوب منهم، على عكس منخفضي الذكاء العاطفي، كما أنه يؤثر على الطريقة التي يتفاعل به الموظفون مع زملائهم، والإستراتيجيات التي يستخدمونها لإدارة الصراع والتوتر، والأداء الوظيفي الإجمالي”.
علاقة الذكاء العاطفي بتحسين الأداء الفردي
ويضيف د.حمد قائلا: “يلعب الذكاء العاطفي دورًا حيويًّا في كل منظمة؛ إذ يحسّن الأداء الفردي والتنظيمي، وله دور مهم في نوع العمل الذي ينتجه الموظف، والعلاقة التي يتمتع بها في المؤسسة، وأن عواطف الفرد تؤثر في أدائه التنظيمي”.
الأداء التنظيمي يعتمد على أربعة عوامل، هي:
- الذكاء العاطفي 31 %
- الرضا الوظيفي27%
- العوامل البيئية22%
- السلوك التنظيمي 20 %
المصدر: وجد ديشوال، 2016
ويكمل د. حمد: “وتحتاج الإدارة إلى تطوير مهارات الذكاء العاطفي لتحسين أداء الموظفين وإنتاجية المنظمة؛ فالموظفون الذين يتمتعون بكفاءات عالية في الذكاء العاطفي يتمتعون بأداء وظيفي أفضل من الموظفين ذوي الكفاءات المنخفضة في الذكاء العاطفي، ويلعب القائد دورًا رئيسيًا في التطوير التنظيمي، كلما كان يتمتع بكفاءات ذكاء عاطفي عال”.
ويساهم الذكاء العاطفي بشكل إيجابي في العديد من جوانب الأداء في مكان العمل، والموظفون الذين يتسمون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي يتمتعون بمرتبة أعلى في المؤسسة، ويحصلون على زيادات في رواتب الجدارة أكثر من الموظفين الذين يتسمون بمستويات أقل من الذكاء العاطفي، كما يحصل الموظفون ذوو الذكاء العاطفي العالي أيضًا على تقييمات أفضل من الأقران والمشرف من حيث التيسير بين الأشخاص، والتسامح مع الإجهاد، وإمكانات القيادة من أولئك الذين لديهم ذكاء عاطفي أقل، ومهارات الذكاء العاطفي تتماشى جيدًا في إطار تحقيق أهداف المنظمة، وتؤدي في النهاية إلى الرضا الوظيفي بحسب ما تطرق له د.حمد”.
ويختم قائلًا: “خلاصة القول إن للذكاء العاطفي دورًا كبيرًا في تحقيق الفعالية التنظيمية؛ لأن العواطف جزء لا يتجزأ من الحياة التنظيمية، وأن الذكاء العاطفي عامل أساسي في النجاح التنظيمي”.
بعدما أجبنا عن الأسئلة التي راودت أذهاننا، أما آن الأوان أن نطبق الذكاء العاطفي في بيئات أعمالنا؟ حتى ننعم ببيئات عمل منتجة وآمنة ومستقرة؟