هل تؤثر أجندة العمال على أجندة وسائل الإعلام العُمانية
علياء الجردانية، اختصاصي إعلام أول، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
يقاس تميز المجتمعات اليوم بمستوى الوعي الاجتماعي الذي يتمتع به أفراد المجتمع، وذلك من خلال طريقة فهمهم ومدى استيعابهم للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تبثها وسائل الإعلام، ناهيك عن مدى تفاعلهم وتعاملهم مع هذه القضايا ومشاركتهم الفعالة في مجتمعاتهم، فلوسائل الإعلام اليوم دور مهم في تشكيل الوعي المجتمعي لمختلف شرائح المجتمع؛ فلديها القدرة على توجيه الأفراد نحو قضايا معينة دون أخرى، فلا يقتصر دورها اليوم في نشر المعلومات والأخبار، وإنما يتجاوز إلى التأثير على وعي الأفراد بالقضايا والأحداث التي تحيط بمجتمعاتهم، فتعمل على لفت انتباه هؤلاء الأفراد لتلك القضايا وتوجيه أفكارهم وتشكيل اتجاهاتهم.
فلا يخفى على أحد اليوم التأثير الذي تحدثه وسائل الإعلام على الجمهور المتلقي لرسائلها الإعلامية؛ فهي تقوم بترتيب أولويات القضايا التي ترغب في أن يفكر بها الجمهور ويكوّن صورة ذهنية عنها، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على دور أجندة الجمهور في التأثير على أجندة وسائل الإعلام العُمانية.
دور الإعلام الجديد في تغطية القضايا العمالية
في ظل التطور الهائل للتكنولوجيا والزخم المعلوماتي، اتجهت وسائل الإعلام التقليدية نحو استخدام الإعلام الجديد والاستفادة من التقنيات الحديثة؛ فهي بكل تأكيد لها خصائص تختلف عن خصائص الإعلام التقليدي، من أبرزها السهولة في إيصال المعلومات بمختلف الوسائط المتعددة (نص، وصورة، وصوت، مقطع مرئي)؛ فقد ساهم الإعلام الجديد في تشكيل الوعي المجتمعي وإدراكه لما يحدث من حوله.
وإذا ما وازنّا بين الإعلام الجديد والتقليدي في تناول القضايا الاجتماعية والاقتصادية نجد أن الإعلام التقليدي يتناولها بشكل خجول وطفيف، بينما يقوم الإعلام الجديد بالبحث وقراءة ما وراء الخبر؛ الأمر الذي يساهم في بناء الرأي العام وتشكيله تجاه قضية ما.
كما أن للجمهور دورا في إنتاج المحتوى الإعلامي من خلال طرح الأفكار ونشر المقالات والآراء والحوارات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ومنها منصة أكس؛ إذ استطاع الإعلام الجديد لفت انتباه الإعلام التقليدي، خاصة في القضايا المطروحة التي لاقت تفاعلًا من قبل الرأي العام والاستعانة بها كمحتوى تنشره في وسائلها المختلفة.
وللحديث حول مفهوم وضع الأجندة فهي تعتبر إحدى نظريات الإعلام المهمة، وتعّرف نظرية وضع الأولويات أو الأجندة بأن وسائل الإعلام تطرح بشكل مستمر قضايا معينة للفت انتباه الجمهور واهتمامه نحوها، لتجعل تلك القضايا ضمن أولوياتها وتتصدر قائمة الأخبار وتجعلها محل اهتمام المجتمع، باختصار تقوم بتقدير أهمية الأحداث والقضايا للجمهور، كما يقول برنارد كوهين: “إن الصحافة يمكن ألّا تنجح كثيرًا في أن تقول للناس بماذا يفكرون، ولكنها تنجح إلى حد كبير في أن تحدد للقراء الأشياء التي يفكرون فيها”. (1)
كما تعّرف نظرية بناء الأجندة أيضًا على أنها عملية تقوم بها وسائل الإعلام عن طريق وضع قضية معينة ضمن أولويات الجمهور وأجندته والتي قد تستغرق وقتًا طويلًا وتمر بمراحل وخطوات عديدة، كما إن لوسائل الإعلام تأثيرا على الجمهور من خلال استعراضها للقضايا واستخدامها للكلمات الافتتاحية، وتفاعل الأشخاص المؤثرين لتلك القضايا والتي قد تدفع الجمهور للاهتمام بها. (2)
مدى تأثير أجندة وسائل الإعلام على أجندة جمهور العمال
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد تلك التعاريف هو هل تؤثر أجندة وسائل الإعلام على أجندة العمال؟ أم العكس هو الصحيح؟
ففي دراسة علمية أعدها محمد عبد الحميد، يقول: “الصحف ووسائل الإعلام تقوم بتنظيم عرض المواد الإخبارية والقضايا والموضوعات في ترتيب يشير إلى أهمية هذه المواد بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور، وهي تفرض وجود اتفاق وارتباط إيجابي بين ترتيب أجندة وسائل الإعلام وترتيب أجندة الجمهور للاهتمام بالقضايا والموضوعات المطروحة، وما إذا كانت هذه العلاقة السلبية صورة من صور تأثير وسائل الإعلام ودورها في تشكيل الحقائق الاجتماعية للجمهور”. (3)
وبحسب دراسة أعدتها نجية العبرية حول دور وسائل الإعلام المحلية في تشكيل الوعي بالقضايا الاجتماعية في المجتمع العُماني، أكدت الدراسة على أن وسائل الإعلام تقوم بتنظيم عرض المواد الإخبارية والقضايا والموضوعات في ترتيب يشير إلى أهمية هذه المواد بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور من خلال تركيزها على القضايا الاجتماعية، مثل الباحثين عن عمل والتي تهم شريحة كبيرة من المجتمع. (4)
ويتبّين مما سبق أن لوسائل الإعلام دورًا مهما في بناء أجندة العمال وتوجيه اهتماماتهم نحو قضايا دون أخرى، وللحديث عن وسائل الإعلام العُمانية ومدى تأثيرها على بناء اهتمامات الجمهور عامة والعمال خاصة، فمن الممكن أن نقول أن لها دورًا بارزًا في بناء أجندة العمال؛ وذلك من خلال تشكيل الرأي العام حيال قانون أو قضية ما، وخير دليل على ذلك إصدار قانون الحماية الاجتماعية؛ فقد استبشر العمال بإصدار القانون المذكور بالمرسوم السلطاني رقم (52/2023) ونظام صندوق الحماية الاجتماعية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (50/2023) وصندوق تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (51/2023)؛ إذ قامت وسائل الإعلام بوضع هذه القوانين ضمن أجندتها الإعلامية واستمرت في بث المعلومات عنها ونشر مختلف الأخبار والتقارير والاستطلاعات الصحفية حولها، كما أُشرك الإعلاميون وناشطو التواصل الاجتماعي للتفاعل معه وتوعية المجتمع بها، وقد استطاعت وسائل الإعلام العُمانية الحكومية والخاصة أن تجعل موضوع الحماية الاجتماعية في محل اهتمام الجمهور عامة والعمال خاصة.
فقد تطرق قانون الحماية الاجتماعية لبنود تهم العمال، منها الأمان الوظيفي وإصابات العمل والأمراض المهنية وإجازات الأمومة والإجازات المرضية والإجازات غير الاعتيادية والمنافع والمعاشات، وقد كانت استجابة العمال للقانون الجديد إيجابية؛ لكونه يخدم شريحة كبيرة منهم.
كما تلا ذلك إصدار قانون العمل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53/2023)، الذي اتجهت وسائل الإعلام للترويج عنه بشكل إيجابي وربطه بتطلعات رؤية عُمان 2040 من خلال ما تضمنه من بنود تتعلق بمرونة سوق العمل، منها العمل عن بعد، وسعيه نحو استقطاب الكفاءات الوطنية الماهرة، وقد اشتمل القانون على بنود تتعلق ببعض الإجازات التي لم يشملها القانون السابق، وهي الإجازات المتعلقة بالأبوة وتمديد رصيد إجازة الوضع واستحداث إجازة مرافق مريض وكذلك الإجازات المرضية والاعتيادية، كما راعى القانون أوضاع المرأة العاملة ونظّم ظروف عملها.
وجميع تلك القوانين كانت وما زالت محل اهتمام العمال، فلا ننكر أن العمال كانوا ينتظرون تلك القوانين بشغف، كما لا ننكر أن لديهم تحفظ إزاء بعض البنود التي لا تصب في مصلحتهم، وبعضهم الآخر قد استبشر بما جاءت به تلك القوانين.
هل تؤثر أجندة العمال على أجندة وسائل الإعلام؟
ومن جانب آخر، تؤكد دراسات علمية أخرى تأثير أجندة الجمهور على أجندة وسائل الإعلام، خاصة في ظل وجود منصات التواصل الاجتماعي؛ إذ قامت وسائل الإعلام بالاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي لمعرفة ما يدور في أذهان الجماهير، وتناول مختلف قضاياه وهمومه، فالدور المحوري للإعلام هو أن يكون صوتا لمن لا صوت له.
فقد خلصت دراسة -أجريت بشأن مدى اعتماد القائم بالاتصال على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار- أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت مصدرًا مهمًا من مصادر الأخبار المحلية وقضاياها أو على الأقل مؤثرًا ومصدرًا لكثير من الأفكار والموضوعات المحلية، وأن نسبة 97% من القائمين بالاتصال يرون أن إشارة الموضوع بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يعطي أولوية في النشر، ويرجع ذلك لعدة أسباب من وجهة نظرهم، من أهمها أن منصات التواصل الاجتماعي باتت مهمة ومؤثرة بشكل قوي على الرأي العام، ولا يمكن تجاهلها؛ إذ اتجهت الدراسة إلى استنتاج أنه كلما زاد اهتمام منصات التواصل الاجتماعي بالأخبار والقضايا المحلية زاد اهتمام القائم بالاتصال بها؛ فقد أصبحت اهتمامات الجمهور تؤثر في صناع القرار والقائمين على الاتصال. (5)فقد خلصت دراسة -أجريت بشأن مدى اعتماد القائم بالاتصال على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار-
وخير مثال على ذلك، هو ما نشاهده ونراه من حَراك نقابي في قضايا التسريح وتضامن النقابات العمالية حيال ذلك؛ فعندما تقوم إحدى الشركات بتسريح العمال نجد أن عمالها ينشرون قضيتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي وقد تتصدر هذه القضية المشهد على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة منصة أكس، وتصبح قضية رأي عام، وتتسارع وسائل الإعلام الخاصة إلى تسليط الضوء على تلك القضية؛ فهنا تلعب وسائل الإعلام الخاصة في السلطنة دورًا هامًا في تغطية قضايا العمال المسرحين والباحثين عن عمل، ونستنتج من ذلك أن أجندة العمال قد أثرت على أجندة وسائل الإعلام الخاصة، وأصبحت قضاياهم محل اهتمام تلك الوسائل، فقد حقق العمال بذلك أهدافهم في إيصال اهتماماتهم وهمومهم القائمين بالاتصال في وسائل الإعلام العُمانية الخاصة.
ومن جانب الآخر، وكما يقال أن الإعلام سلاح ذو حدين، وهنا وجب تحذير العمال من عدم التشهير بشركاتهم إذا سدت أمامهم جميع السبل بعد خوضهم سلسلة من الحوارات والمفاوضات مع إدارات شركاتهم، وألّا تأخذهم العاطفة في التسرع بنشر قضيتهم؛ إذ يجب أن يكونوا على اطلاع على القوانين الوطنية المتعلقة بقانون المطبوعات والنشر وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون الجزاء العُماني، فجميعها قوانين يرتبط بعضها ببعض؛ وذلك لحماية أنفسهم مما قد يترتب عليه تبعات قانونية.
ختاما
ومن وجهة نظري لا تزال القضايا التي تؤرق العمال لم تحظَ باهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام العُمانية خاصة الحكومية منها؛ فهناك الكثير من القضايا الشائكة التي لم تضعها وسائل الإعلام الحكومية ضمن أولوياتها، ومنها قضايا الباحثين عن العمل والمسرحين عن العمل، على الرغم من نشر العمال لتلك القضايا بشكل مستمر عبر منصات التواصل الاجتماعي وإظهار معاناتهم في القطاع الخاص.
ومن جانب آخر، استطاع العمال التأثير على أجندة وسائل الإعلام العُمانية الخاصة؛ وذلك من خلال نشرهم للمضامين الإعلامية المراد توصيلها لحل قضاياهم وإنصافهم، ومن ثم توجيه الرأي العام حيالها، واتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل الجهات المعنية.
وعليه، فقد أصبح لوسائل الإعلام الجديدة دور مهم في إيصال قضايا العمال ورسائلهم للجهات المعنية، وهم بذلك يلفتون نظر وسائل الإعلام لتصبح تلك القضايا محل اهتمام وسائل الإعلام؛ وبالتالي تقوم هذه الوسائل بتحديد محتواها بناءً على اهتمامات الجمهور عامة والعمال خاصة، وهنا تكمن أهمية الوعي بالنسبة للعمال في استخدام وسائل الإعلام بطريقة إيجابية لصالحهم من خلال حل مشكلاتهم والحد من التحديات التي يواجهونها وجعل بيئات عملهم بيئات آمنة ومستقرة تساهم في بناء هذا الوطن المعطاء وتحقيق رؤية عُمان 2040 بشكل خاص.
————————————————–
المراجع:
- دور مواقع التواصل الاجتماعي في بناء أجندة القائم بالاتصال في الصحف المصرية بالنسبة للأخبار والقضايا المحلية (2015): المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، مركز بحوث الرأي العام، كلية الإعلام، جامعة القاهرة.
- نصر، حسني (2015): نظريات الإعلام. دار الكتاب الجامعي، العين، الإمارات العربية المتحدة.
- عبدالحميد، محمد (2015): نظريات الإعلام واتجاهات التأثير. عالم الكتب، القاهرة.
- العبرية، نجية (2020): دور وسائل الإعلام المحلية في تشكيل الوعي بالقضايا الاجتماعية في المجتمع العُماني. جامعة السلطان قابوس، سلطنة عُمان.
- أحمد، جمال (2003): بناء الأجندة الإخبارية في الصحف المصرية اليومية. المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، مصر.
الغانمي، مثنى محمد (2019): دور المعالجة الإعلامية للأزمات المحلية في الفضائيات العراقية ببناء أجندة الجمهور. جامعة ميسان، بغداد، العراق.
الشيخ، عدلات (2015): دور الصحف الإلكترونية الفلسطينية في ترتيب الأولويات نحو القضايا الاقتصادية المحلية. الجامعة الإسلامية بغزة، فلسطين.