مساحة دولية

التوظيف العادل ضمان للعمل اللائق

د. محمد المعايطة، منسق الاتحاد العربي للنقابات

من المهم التأكيد على أن التوظيف العادل هو قضية عمالية رئيسية؛ لكونه يشكل خطوة حاسمة في تأمين العمل اللائق؛ وعليه فإنه ينبغي للحكومات أن تحمي حقوق العمال، وينبغي كذلك لأرباب العمل أن يحترموا تلك الحقوق في سلاسل التوريد العالمية، وعلى أية حال فحقوق العمال متساوية في عملية التوظيف بصرف النظر هل العملية تجري داخل الحدود الوطنية أو عبرها.

وإذ تمثل النقابات العمالية المدافع الأساسي عن حقوق العمال ومصالحهم، وبصفتها منظمات دائمة وموثوقة وديمقراطية ومستقلة ومسؤولة عن حماية حقوق العمال؛ فهي تلعب دورًا حاسما في الرصد وبناء القدرات والتأثير على السياسات ذات الصلة بمختلف شؤون العمال، ومنها أنشطة مكافحة التوظيف غير العادل، وعلاقته بالاتّجار والعمل الجبري؛ وذلك من خلال  استيعابها للمتطلبات والقضايا التي يواجهها العمال أثناء عملية التوظيف، كما تلعب النقابات العمالية دورًا مهمًا في تعزيز عوامل التوظيف العادل الإيجابية، وفي المقابل المساهمة في الحد من عوامله السلبية، ويشمل ذلك حماية العمال المهاجرين من أية عواقب سلبية للهجرة غير العادلة، وغيرها من ممارسات التوظيف غير العادلة.

ولضمان التوظيف العادل؛ ينبغي أن يكون للنقابات العمالية مشاركة فعالة في الحوار الاجتماعي والمناقشات الثلاثية التي تؤثر على التشريعات والسياسات الوطنية ذات الصلة بالتوظيف العادل والهجرة العادلة، وأما على أرض الواقع وفي ميدان العمل، فعلى النقابات العمالية أن تسعى إلى خلق الوعي لدى العمال، وتوفير الحماية القانونية لهم، وتحديد أحدث الانتهاكات والإبلاغ عنها.

تقوم نظرية التوظيف العادل على أربعة محاور، هي:

        ١- مشاركة المعلومات المتعلقة بالإجراءات الدولية والوطنية للتوظيف.

        ٢- صياغة القوانين والسياسات التي تدعم التوظيف العادل، وتعديلها.

        ٣- تفعيل الممارسات الضامنة للعدالة في التوظيف.

        ٤- تمكين العمال وحمايتهم.

الركيزة الأولى في ذلك هو تعزيز مبدأ الحوار الاجتماعي؛ فهو من شأنه النهوض بمعايير العمل اللائق، والمبادئ والحقوق الأساسية في العمل، واستحداث المزيد من الفرص لتحقيق العمل الآمن واللائق للرجال والنساء على حد سواء، وتعزيز تغطية الحماية الاجتماعية وفعاليتها للجميع، ويتعين على النقابات العمالية أن تدرج قضايا التوظيف في الحوار الاجتماعي أو المفاوضات الجماعية، وأن تزيد الوعي بالواقع العملي فيما يخص البحث عن وظيفة في الخارج، وأن توفر معلومات شفافة يسهل الوصول إليها حول خيارات التوظيف وحقوقه. 

أما الركيزة الثانية فهي العمل على ترسيخ مبدأ التنظيم النقابي  لدى العمال؛ وذلك من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من معايير العمل اللائق؛ إذ تلعب مشاركة العمال المهاجرين في منظمات العمال دورا مهما في دعم حقوق العمال المهاجرين الناشطين، الذين يجلبون في الغالب حياة ونشاطا جديدين في الحركة النقابية؛ مما يعزز الروح المعنوية للجميع، فضلا عن زيادة ثقة العمال المهاجرين في الاعتراف بأن لهم حقوقا، ومعرفة الخطوات التي يجب اتخاذها في حال وقوع حالات استغلال أو سوء معاملة.

لا شك  أن العمال المهاجرين يمثلون جزءًا من القوى العاملة في العالم؛ وبالتالي فإن للنقابات العمالية دورًا رئيسيًا في حماية حقوقهم وتعزيزها؛ إذ تتمتع باستيعاب كامل للاحتياجات والتحديات التي يواجهها العمال المهاجرون خلال عملية التوظيف الناجمة عن سياسات الهجرة غير العادلة وممارساتها، كما للنقابات النقابية دور مهم في التوعية ضد الاتّجار بالبشر، والعمل الجبري، فضلا عن دورها في تشجيع التوظيف العادل والحوار الاجتماعي من خلال الآليات الثنائية والثلاثية والمفاوضات الجماعية.

 وبناءً على ما تقدم فقد خرج الاتحاد العربي للنقابات بتوصيات عدة في شأن التوظيف العادل، قد أفصح عنها في أكثر من مناسبة، ولكننا نعتقد أن التوصيات الأبرز التي يعول عليها لتحقيق التوظيف العادل هي التشريعات والممارسات القائمة عليها في كل من دول  المنشأ والمقصد على حد سواء.

أولا: تهيئة ظروف السوق للتوظيف الأخلاقي عبر ضمان دفع أرباب العمل التكلفة الكاملة لتوظيف العمال المهاجرين، وفرض عقوبات على المخالفين؛ ولتحقيق هذا الهدف ينبغي حظر دفع رسوم الاستقدام والتكاليف الأخرى ذات الصلة، كما هي محددة من قبل  منظمة العمل الدولية، من قبل العمال المهاجرين إلى أي مقصد، وتشمل أي أطراف ثالثة قد تكون موجودة خارج البلاد، كما ينبغي التأكد من أن القوانين تحمّل أرباب العمل وشركات التوظيف في بلد المقصد المسؤولية القانونية عن أفعال الأطراف الثالثة، سواء في بلد المقصد أو المنشأ أو البلد الثالث في عملية التوظيف، كما ينبغي أيضا مطالبة أرباب العمل ببذل العناية الواجبة في سلاسل التوريد الخاصة بالتوظيف؛ لضمان عدم فرض رسوم استقدام على العمال، وإعادة المال لأي عامل قد دفع رسومًا لوظيفته.

ثانيا: تعزيز سوق عمل أكثر عدلًا لجميع العمال، عبر تطبيق تدابير ميسّرة للسماح للعمال بنقل أصحاب العمل دون الحصول على أذونات خاصة؛ ولتحقيق هذا الهدف ينبغي إزالة القيود القانونية المفروضة على العمال الوافدين الذين يغيرون أرباب عملهم قبل انتهاء عقودهم، وتشمل أي مطلب للحصول على إذن من رب العمل الحالي، فضلا عن  تسهيل الإجراءات الخاصة بتغيير الوظائف داخل الدولة، وسن تدابير قانونية تضمن حماية العمال من تعسف أرباب العمل، وتشمل إعادتهم إلى الوطن في أثناء قيامهم بذلك.

ثالثا: ضمان عدم تمييز القوانين والممارسات ضد العمال المهاجرين، أو بين فئاتهم في الوصول إلى الحماية الأساسية للعمال؛ ولتحقيق هذا الهدف ينبغي التأكد من أن جميع العمال -بصرف النظر عن جنسيتهم أو حالتهم الهجرية أو قطاعهم الاقتصادي- مشمولون بقوانين العمل الأساسية، كما ينبغي ضمان أن جميع العمال -بصرف النظر عن جنسيتهم أو حالتهم الهجرية أو قطاعهم الاقتصادي- قادرون على الوصول إلى آليات تظلّم فعالة.

 إزالة الحوافز التي تدفع جهات التوظيف نحو ممارسات غير أخلاقية، وخاصة بشأن الرسوم غير القانونية، والتعامل مع شركات التوظيف الخاصة؛ ولتحقيق هذا الهدف ينبغي التأكد من اعتماد تعريف منظمة العمل الدولية لرسوم الاستقدام والتكاليف ذات الصلة؛ والتأكد من عدم دفع العمال أي رسوم استقدام أو تكاليف ذات صلة، والتأكد من أن العمال المحتملين على علم بذلك؛ وذلك بالتنسيق مع دول المقصد الرئيسية، وحيثما كان ذلك ممكنًا مع دول المنشأ الأخرى.

أولا: اعتماد عمليات تظلم ومعالجة، تراعي اختلال توازن القوى بين أرباب العمل ووكالات التوظيف من جهة والعمال المهاجرين من جهة أخرى.

ثانيا: إجراء تقييم لتنفيذ حقوق العمال المهاجرين عبر أنشطة التوظيف، والحد من الاحتيال والإساءة؛

ولتحقيق هذا الهدف في حالة وجود آليات للتوظيف الحكومي؛ ينبغي إجراء تقييمات مستقلة تدرس فعاليتها في ضمان التوظيف العادل والأخلاقي ومقارنة أدائها بنماذج التوظيف في القطاع الخاص، وفي حال وجود دليل على وجود فوائد لنتائج العمال سيكون من المفيد النظر في توسيع نطاق هذه العمليات الحكومية لجعلها أكثر جاذبية للعمال وأرباب العمل.

ثالثا: التأكد من أن المنظمات العمالية -ومنها النقابات العمالية- قادرة على المشاركة في مراجعة التشريعات الخاصة بالعمال المهاجرين، وتطويرها، وفي آليات المراجعة والرقابة المتعلقة بالاتفاقيات الثنائية،  فضلا عن التأكد من تكليف البعثات الدبلوماسية بحماية أي عامل مهاجر في دولة المقصد إذا تعرّض لأي تعسف؛ نتيجة للتنظيم العمالي.

رابعا: تعديل القانون لحظر التمييز على أساس العضوية في نقابة أو الأنشطة النقابية، وضمان حق المفاوضة الجماعية بما يتماشى مع معايير العمل الدولية

خامسا: إزالة جميع القيود القانونية التي تمنع العمال المهاجرين من الإضراب، وحظر الإجراءات التعسفية ضدّ أي شخص يمارس هذا الحق أو أي إجراء آخر؛ بغية لتعزيز حقوق العمال المهاجرين سلميًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى