المؤتمر الرابع للاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
نبهان بن أحمد البطاشي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
يأتي المؤتمر الرابع للاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان كحلقة متقدمة في سلسلة متراكمة، انطلقت منذ سنوات بمجموعة من المراسيم والتشريعات، أرساها جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، بإرادة تعكس الاهتمام الذي يحظى به القطاع الخاص، والعاملون به، وما تتطلبه التطورات الاقتصادية من مواكبة معايير العمل الدولية، وعلى رأسها الحق في التنظيم النقابي، والمفاوضة الجماعية، التي تضمن الخيار التشاركي والتوافقي؛ من أجل تحقيق التنمية والرفاه المنشودين، وهو النهج الذي يقوده اليوم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، حفظ الله ورعاه، بإدارة سياسية يميزها الوعي بأن التضامن الوطني الذي يرعى مصالح جميع الفئات الاجتماعية هو الضامن لمستقبل أفضل يؤهلنا لتجاوز شتى التحديات.
لقد كانت للأزمات التي اجتاحت العالم خلال الأعوام الأخيرة – في ظل الاقتصاد المعولم – تأثيرات واضحة على جميع بلدان العالم، كان أشدها جائحة كورونا التي تلتها أزمات أخرى، أجهزت على عدد من مؤسسات الإنتاج، وساهمت في رفع الضرائب، ورفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، وتراجع القوة الشرائية لفئات كثيرة من شعوب العالم.
ولقد كان للاتحاد العام مشاركة فاعلة وواعية مع الشركاء الاجتماعيين في البحث عن حلول ناجحة لتطويق الأزمات الاقتصادية في السلطنة، ضمانا لديمومة المؤسسات المهددة وحمايتها، وحفاظا على فرص العمل فيها، ففي بعض الحالات قبلنا بتخفيض الأجور بمقابل خفض ساعات العمل، كإجراء اضطراري مؤقت؛ تجنبا لإغلاق تلك المؤسسات وتفاقم حالات إنهاء خدمات العمال، كما قبلنا بتغيير بعض المهن في بعض الأعمال التي تأثرت بفعل الأزمات، وتأهيل العاملين بها في مهن أخرى، لا تقل أهمية عن المهن التي كانوا يعملون بها.
إن المكاسب التي حققها الاتحاد العام خلال المرحلة المنصرمة لم تكن إلا ثمرة المفاوضات مع بقية أطراف الإنتاج التي قادتها القيادات النقابية باقتدار؛ إذ تمكنت من استيعاب آليات المفاوضات الجماعية وتقنياتها، والإلمام بتشريعات العمل العربية والدولية ومعاييرها، والقوانين المحلية والإجراءات التي أفضت إلى احتواء آلاف الحالات من التسريح الفردي والجماعي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الإجراءات التي اتخذها الاتحاد العام، بالتعاون مع شركائه الاجتماعيين، لن تكون كافية مع تداعيات الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة على أوضاع العاملين بالقطاع الخاص، خاصة في ظل اتخاذ بعض المنشآت لتلك التداعيات ذريعة لتقليص عدد العمال؛ الأمر الذي يحتم على جميع الشركاء الاجتماعيين تكثيف الجهود لتحسين السياسات والتشريعات الرامية لحماية العمال، وخلق فرص عمل دائمة، وتوفير بيئة عمل آمنة ومستقرة، فضلا عن تقديم الدعم اللازم للمنشآت المتضررة، بما يضمن استمراريتها، وذلك كله لا يتأتى إلا بتضافر جهود جميع الجهات المعنية.
لقد ركز الاتحاد العام خلال المرحلة المنصرمة على مناقشة مشروع قانون العمل الجديد، وقانون منظومة الحماية الاجتماعية، ونظام الأمان الوظيفي، فضلا عن تطوير التشريعات الضامنة لحقوق العمال غير العمانيين، ونأمل أن تتميز المرحلة القادمة من عمر الاتحاد العام بوضع الإطار التنظيمي والتشريعي للعلاقات العمالية، الذي يحقق المصلحة المشتركة لأطراف الإنتاج.
لقد آمن الاتحاد العام بأن المعرفة هي أول خطوة في سبيل التأثير على أرض الواقع، فأرسينا داخل مؤسستنا، -بدعم من شركائنا المحليين والدوليين- منظومة تدريب، اخترنا محاورها بناء على ما تقتضيه الحركة النقابية من مهام؛ فعملنا على تطويرها من خلال برنامج تدريب المدربين، الذي لعب فيه هؤلاء المدربون دورا أساسيا في تثقيف أعضاء التنظيمات النقابية المختلفة في مجالات، أهمها الانتساب، والحوار الاجتماعي، والتنظيم النقابي، ودوره في بناء مجتمع يتحقق فيه التوازن بين النمو الاقتصادي واحترام الحقوق الأساسية للعمال، وفي ظل سعينا للارتقاء باختصاصات الاتحاد وكوادره من أجل تفعيل دوره في معالجة كافة القضايا، عملنا على تطوير الهيكلة من خلال تشكيل اتحادات قطاعية تخصصية، يقع على عاتقها الإحاطة الكاملة بأوضاع العاملين فيها، كما عملنا على إثراء تجارب أعضائها والاستفادة من خبراتهم من خلال بناء شراكة مع اتحادات عالمية في عدد من النشاطات، وبهدف تحسين بيئة العمل الداخلية في الاتحاد وتعزيز خدماته؛ قمنا بتفعيل نظام التحول الإلكتروني الشامل، والعمل على اعتماد نظام للحوكمة، وتعزيز التدقيق الداخلي.
إن نجاحنا في احتواء تداعيات جائحة كورونا على سوق العمل يمثل بالنسبة لنا جميعا رصيدا يعزز إرادة جميع أطراف الإنتاج، لدعم الخيار التشاركي في مواجهة التحديات القادمة التي تهدد ما حققه الإنسان من مكاسب؛ وعليه ليس أمامنا سوى خيار التوافق من أجل حماية مؤسساتنا باعتبارها النواة الأولى لتطوير الإنتاج والانتعاش الاقتصادي، وسبيلنا في كل ذلك هو أن تتشارك جميع الأطراف في تحمل المسؤولية وتقديم التضحيات، ساعين لتحقيق هدفنا الأسمى، ألا وهو الأمن الاجتماعي، الذي يشكل ركنا أساسيا لتوفير مناخ ملائم لإصلاحات أخرى باتت ضرورية.
إن الأمن الاجتماعي الذي من شروطه الأساسية احترام الحق في التنظيم وممارسة العمل النقابي، يحظى بقدر من الاحترام من قبل عدد من أصحاب العمل الذين أدركوا أن الحوار مع ممثلي العمال يساعد على الإسراع في فض ما يحدث من شتى النزاعات، وفي المقابل هناك بعض أصحاب العمل ممن يعرقل ممارسة الحق في حرية التنظيم النقابي، بآليات تصل أحيانا إلى حد التعسف.
إن المسار الإصلاحي الذي بات حتميا، يستوجب الوعي بضرورة إشراك جميع مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها النقابات العمالية، وأصحاب العمل، والحكومة، في بيئة سليمة خالية من المصالح الفئوية، تحكمها سلطة القانون، وتقودها بوصلة المصلحة الوطنية المشتركة، وعلى قدر من الصلابة في مواجهة شتى التقلبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم اليوم من حولنا.
لقد حرص الاتحاد العام طيلة الأعوام المنصرمة، على التأسيس لمبدأ التضامن النقابي بين عمال المنشأة الواحدة، وبين القطاع الواحد، كما عملنا على تعزيز موقعنا في حركة التضامن النقابي العربي والدولي، نتأثر باتجاهاتها، ونؤثر في قراراتها في كل ما يستجد في الساحة العمالية من قضايا.
وقد نجحنا بفضل قياداتنا النقابية المؤهلة في الدفاع عن حقوق العمال الاقتصادية والاجتماعية، وفرض احترام المنظمات العمالية الشقيقة والصديقة، ملتزمين من أجل التضامن لمستقبل أفضل، والعمل بواقعية في طرح القضايا ومعالجتها مع شركائنا الاجتماعيين، طامحين على الدوام إلى الرقي بأوضاع العمال المادية والمعنوية بكل ما نملك من وسائل وقدرات.
ختاما، نتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى جميع شركائنا الاجتماعيين وجميع مؤسسات القطاع الخاصة الداعمة للعمل النقابي، آملين مزيدا من التقدم والرخاء لوطننا العزيز، تحت قيادة رائد نهضتنا المتجددة، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، حفظه الله ورعاه.