ربط العلاوة الدورية بجدارة العامل يعزز من بيئة العمل والإنتاجية بمنشآت القطاع الخاص


سعادة الشيخ فيصل بن عبد الله الرواس
رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان
إنّ غرفة تجارة وصناعة عُمان تؤكد على أهمية بناء سوق عمل عصري يقوم على الإنتاجية والعدالة؛ ولذلك فهي تتعاون مع المؤسسات والجهات الأخرى لتحقيق التوازن بين حقوق العامل واستدامة المؤسسة وتنافسية الاقتصاد العُماني، ومن هذا المنطلق ترى الغرفة أن القرار الوزاري القاضي بربط العلاوة الدورية بجدارة العامل يمثل خطوة مهمة في مسيرة تطوير سوق العمل العماني إذا أُحسن تطبيقه ضمن منظومة متكاملة من السياسات الداعمة للمؤسسات والعمال على حد سواء؛ الأمر الذي يمكن أن يكون داعما للجهود الوطنية الرامية إلى تحسين بيئة العمل وتحسين الإنتاجية وتهيئة بيئة اقتصادية أكثر جذبا للاستثمارات النوعية.
الأثر المتوقع لقرار تحديد الحد الأدنى للعلاوة الدورية على إنتاجية العامل في القطاع الخاص
إنّ ربط العلاوات الدورية بنتائج التقييم السنوي هو توجه اقتصادي متقدم قائم على مبدأ الأجر مقابل الأداء، وهو مُطبّق في أكثر الاقتصادات تنافسية حول العالم، وفي سلطنة عمان نتوقع أن يكون لهذا الربط العديد من الآثار الاقتصادية الإيجابية، على رأسها تحسن الأداء الفردي؛ فعندما يشعر العامل أن جهوده تنعكس مباشرة على دخله السنوي، تزداد دافعيته للعمل بكفاءة أعلى؛ الأمر الذي يصب في مصلحة كفاءة المؤسسة ككل؛ إذ إنّ المؤسسات ستتجه إلى بناء أنظمة تقييم موضوعية وإدارة موارد بشرية أكثر احترافية، وهو ما يقلل الهدر ويزيد الإنتاجية التشغيلية.
ومن ناحية تحسن جودة الخدمات والمنتجات فإن الإنتاجية لا تعني الكمية فحسب، بل الجودة أيضا، وهذا ينعكس على تنافسية القطاع الخاص العماني في السوقين المحلي والخارجي، لكننا نود الإشارة أن هذه النتائج لكي تتحقق بصورة مكتملة فإن القرار بحاجة إلى برامج تُعنى بالتدريب المستمر وتحسين بيئة العمل والارتقاء بأدوات إدارة الأداء، لضمان قياس عادل وموحد للأداء.
قدرة المؤسسات على الاستدامة والوفاء بالالتزامات المالية
إن الغرفة تدرك أن التحديات تختلف بحسب حجم المنشأة وطبيعة نشاطها؛ فالمؤسسات الكبيرة قادرة في حدود معينة على استيعاب الزيادات السنوية ضمن ميزانياتها التشغيلية، أما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فقد تواجه ضغوطا أكبر، بحكم هوامش الربح المحدودة وتقلبات الطلب.
ومن هنا جاءت المادة الرابعة من القرار، التي تتيح تخفيض العلاوة عند وجود مسوغ اقتصادي، وبعد موافقة اللجنة المختصة سعيا لتحقيق توازن يحفظ استمرارية المؤسسة ويحمي الوظائف في الوقت نفسه.
وندعو أن يكون استخدام هذا المسار محكوما بمعايير واضحة وشفافة، وأن يكون خيارا أخيرا لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى، وبعد تقديم خطة معالجة مالية؛ فمن الناحية الاقتصادية فإن الحفاظ على المؤسسة واستمراريتها يمثل مصلحة وطنية؛ لأنه يحمي فرص العمل ويحافظ على استقرار السوق.
تحديد حد أدنى مضمون للعلاوة السنوية سيخلق استقرارا ماليا للعامل؛ مما يعزز ثقته بسوق العمل ويقلل دوران الأيدي العاملة، وهو عنصر مهم لرفع الإنتاجية
استقطاب الاستثمارات النوعية وتوفير وظائف لائقة للعمانيين
إنّ تعزيز القدرة الجاذبة للاقتصاد العُماني يتطلب بيئة عمل متطورة ونظام أجور عادلا وشفافا؛ إذ تتجه الاستثمارات الأجنبية المباشرة عالميا نحو البيئات التي تتوافر فيها معايير حوكمة عالية ووضوح في أنظمة سوق العمل؛ ولذلك فإن القرار الجديد يساعد على رفع مستوى الاحترافية في المؤسسات، وتحسين جودة القوى العاملة العمانية، وخلق بيئة عمل تتماشى مع معايير المستثمرين العالميين.
فضلا عن ذلك، فاستقطاب الاستثمار النوعي يحتاج أيضا إلى حوافز صناعية وتكنولوجية للقطاعات المنتجة، وتبسيط الإجراءات، وتقليل تكاليف دخول السوق، وبرامج وطنية لنقل المعرفة والتدريب المؤسسي؛ وتوفير وظائف لائقة ومنتجة لا يعتمد فقط على الأجور، بل على بناء منظومة اقتصادية عالية الكفاءة وهو ما تعمل عليه الغرفة بالشراكة مع الجهات الحكومية.
القدرة الشرائية للعاملين، وأثرها على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
إن تحسين القدرة الشرائية للعاملين هو في حقيقته محرّك اقتصادي داخلي يخلق دورة إيجابية في السوق؛ إذ ارتفاع الدخل يوجد زيادة في الطلب على السلع والخدمات؛ مما يقود إلى نمو المبيعات في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي التوسع في التشغيل والاستثمار؛ فتحديد حد أدنى مضمون للعلاوة السنوية سيخلق استقرارا ماليا للعامل؛ مما يعزز ثقته بسوق العمل ويقلل دوران الأيدي العاملة، وهو عنصر مهم لرفع الإنتاجية، خاصة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ لذلك من المهم مراعاة الظروف والقدرة الاقتصادية والمالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عند تطبيق هذا القرار؛ وذلك لتجنب إغلاقها وخروجها من السوق.
ومع ذلك، فإننا ندرك أن بعض المؤسسات قد تحتاج إلى دعم مرحلي، وهنا نقترح برامج تمويل منخفض الكلفة للمؤسسات التي تلتزم برفع الإنتاجية، ودعم حكومي لخطط التحول الرقمي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتقليل التكاليف التشغيلية وتوفير برامج تطوير إداري لتلك المؤسسات تمكنها من تطبيق أنظمة تقييم أداء فعالة.
تقديم الحكومة حوافز لمؤسسات القطاع الخاص
إن من المهم منح حوافز ومزايا حكومية مدروسة لتشجيع المؤسسات على رفع مستويات الأجور فوق الحدود الدنيا؛ بحيث تكون هذه الحوافز مشروطة بقياس أثر واضح، مثل زيادة التوظيف، أو تحسن الإنتاجية، أو تدريب الكوادر الوطنية، وتكون أيضا مؤقتة وغير مكلفة على المالية العامة، من خلال استخدام آليات، مثل الإعفاءات الضريبية الجزئية، والحوافز الائتمانية، أو دعم برامج تطوير الموارد البشرية، على أن تكون أيضا موجهة للقطاعات الإستراتيجية ذات الأثر الاقتصادي الأكبر، خاصة في القطاعات المعول عليها لتحقيق التنويع الاقتصادي وفق رؤية عُمان 2040؛ فهذه الحوافز ستعزز تنافسية سوق العمل العماني، وستجعل قرارات رفع الأجور جزءا من إستراتيجية مؤسسية طويلة الأمد.
رسالة للمؤسسات التي قد تلجأ إلى تقليص علاوات كانت تمنحها سابقا
إن من المهم أن تؤمن مؤسسات القطاع الخاص أن العوائد الطويلة المدى للاستثمار في قوة العمل أعلى بكثير من التوفير القصير المدى؛ فالاكتفاء بالحد الأدنى للعلاوات الدورية من دون سبب اقتصادي واضح قد يؤدي إلى فقد الكفاءات، وارتفاع معدل دوران الأيدي العاملة، وزيادة تكاليف الاستبدال والتدريب، وانخفاض جودة الخدمة، وانعكاسها السلبي على سمعة المؤسسة؛ وبالتالي فلا بد من اعتماد منطق الشراكة والاستثمار في رأس المال البشري؛ باعتباره أساسا لتعزيز الربحية على المدى البعيد.

التجارب الدولية تظهر أن المؤسسات التي تشرك العمال في أنظمة التقييم، تحقق نزاعات أقل وإنتاجية أعلى وولاء وظيفيا أكبر
أهمية مشاركة النقابات العمالية في إعداد وتقييم أنظمة الأداء
إن من المهم النظر في مشاركة ممثلي النقابات العمالية باعتبارها طرفا رئيسيا في أطراف الإنتاج الثلاثة في وضع معايير الأداء ومراقبة تطبيقها والمشاركة في لجان التظلمات، الأمر الذي يضمن الشفافية والعدالة والمصداقية، ويعزز الثقة بين أطراف الإنتاج؛ فالتجارب الدولية تظهر أن المؤسسات التي تشرك العمال في أنظمة التقييم، تحقق نزاعات أقل وإنتاجية أعلى وولاء وظيفيا أكبر؛ وبالتالي فيُفضل اعتماد لجان تقييم ثلاثية، تضم ممثلي العمال، والإدارة، وخبيرا مستقلا عند الحاجة.
ونؤكد أن نجاح هذا القرار يعتمد على الشراكة الحقيقية بين أطراف الإنتاج، وعلى التزام الجميع بإنشاء بيئة عمل، تحفّز الأداء، وتكافئ الجدارة، وتدعم النمو الاقتصادي.




