حوار عمل

التشريعات التي تراعي الحياة الأسرية تعزز بيئة عمل إيجابية وداعمة

المكرمة الدكتورة عهود بنت سعيد البلوشية، عضو مجلس الدولة

جاء قانون الحماية الاجتماعية متوازنا إلى حد كبير، ومع ذلك ينبغي النظر في مثل هذه المخاوف والعمل على ضمان تجاوزها دعما لهذه الفئة، وحتى لا يحجم الشباب العماني عن العمل لحسابهم الخاص، فضلا عن ذلك، استثناء العمانيين العاملين لحسابهم الخاص من الاستفادة من بعض المزايا يمكن أن يخلق فجوة بينهم وبين العاملين في قطاعات أخرى؛ مما قد يؤثر على إنتاجيتهم وأدائهم، وبشكل خاص على إقبال الشباب العماني على ريادة الأعمال؛ خوفا من عدم وجود شبكة أمان اجتماعية تحميهم في الحالات والظروف الاستثنائية التي قد تؤدي إلى تراجع أعمالهم، والتي قد تعرضهم إلى مخاطر مالية، ولكن استثناء العاملين لحسابهم الخاص من بعض المزايا والبدلات، مثل الأمان الوظيفي، وبدل الإجازات غير الاعتيادية، لا يعني حرمانهم من الحماية، بل عدم تكبدهم أعباء سداد الاشتراكات الشهرية لهذا النوع من الإجازات؛ إذ إن القانون ألزم جهة العمل بسداد تلك الاشتراكات؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تحمل هذه الفئة أعباء مالية لا تستطيع سدادها، وفي المقابل قد لا تستفيد من تلك البدلات؛ ومع ذلك فإنه من المناسب أيضا النظر في خلق سياسات مرنة، تتضمن خططا مخصصة تتناسب مع طبيعة عملهم لضمهم تحت مظلة الحماية الاجتماعية بشكل مبني على اشتراكات طوعية أو مخفضة تضمن حصولهم على مستوى من الأمان الاجتماعي.

إن التشريعات التي تعطي الوالدين إجازات لرعاية أبنائهم تساهم في دعم الأسرة بشكل متكامل، وتساعد على استقرارها، وتؤدي إلى تحقيق توازن أفضل بين الحياة المهنية والشخصية، وتعزز من مشاركة المرأة في سوق العمل؛ مما ينعكس إيجابًا على المجتمع ككل، وبشكل خاص فإنها تعزز مبدأ أن الرعاية مسؤولية مشتركة، وتساهم في بناء شراكة متوازنة بين الزوجين في الواجبات والأدوار الأسرية؛ مما يؤدي إلى تقليل الضغط الذي غالبًا ما تتحمله المرأة في رعاية الأسرة، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث العلمية تؤكد أن مشاركة الأب في رعاية الطفل تحسّن من الصحة النفسية والجسدية للطفل وتدعم الروابط العاطفية مع كلا الوالدين، كما أن مثل هذه التشريعات التي تراعي الحياة الشخصية للفرد وتدعم الحياة الأسرية تخلق بيئة عمل إيجابية وداعمة، تقلل من معدل ترك العمل بعد إنجاب الأطفال، وتبعث على زيادة الإنتاجية والرضا الوظيفي لدى المرأة بشكل خاص، كما تعزز من مشاركتها في سوق العمل على وجه العموم.

أرى أن موضوع التوسع في الإجازات مدفوعة الأجر للمرأة قضية معقدة تتعلق بالعدالة في سوق العمل؛ فهي تقدم دعمًا مهمًا للنساء والأمهات العاملات خلال ظروف مهمة في حياتهن؛ مما يعزز صحتهن النفسية والجسدية واستقرارهن الأسري بشكل عام، كما أنها تؤدي -على المدى الطويل- إلى تحسين الإنتاجية وتعزيز الولاء الوظيفي للمؤسسة، وفي الوقت ذاته، قد تسبب التشريعات التي تضمن إجازات مدفوعة مدةً طويلة في إحجام المؤسسات وخاصة في القطاع الخاص عن توظيف المرأة خشية من التكاليف المالية، وخشية أن يؤثر ذلك على الإنتاجية في العمل، كما أنها قد تؤثر سلبًا على فرص المرأة في الترقية، وقد تخلق تحيّزات سلبية قائمة على أساس النوع الاجتماعي بافتراض أن المرأة غير قادرة على الالتزام بالعمل على المدى الطويل، ومن ناحية أخرى، قد تؤدي أيضًا إلى خلق تحديات لدى المرأة بضرورة العمل بشكل أكبر لتعويض فترات الإجازة؛ مما يزيد من ضغط العمل عليها.

لذلك من المهم أن تعمل السياسات بشكل متوازن بحيث تشجع على إدماج النساء في سوق العمل، وتوفير الدعم اللازم في الوقت نفسه، ويتطلب ذلك تضافر الجهود بين مختلف الأطراف لضمان عدم التمييز ضد المرأة في سوق العمل، مما يساهم في خلق بيئات عمل أكثر شمولية وإنصافا من خلال وضع تشريعات داعمة للمرأة تحميها من التمييز بسبب استخدام حقها الذي منحها إياه القانون، ومن الأهمية بمكان تسليط الضوء على تأثير عمل المرأة على أسرتها ومجتمعها من خلال مشاركة البيانات والإحصاءات والدراسات التي تظهر الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، كما يمكن العمل على تقديم حوافز للمؤسسات التي تتبنى سياسات عادلة وبرامج داعمة للمرأة، والعمل على تطوير سياسات عمل مرنة كالعمل عن بُعد، وساعات العمل المرنة، مع أهمية الرصد والتحليل من خلال وضع آليات لمراقبة تطبيق القوانين والسياسات، وتقييم مدى تأثيرها على النساء في سوق العمل، واتخاذ إجراءات تصحيحية إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

تلعب النساء غير العمانيات دورا مهما في تعزيز الاقتصاد العماني من خلال تلبية احتياجات سوق العمل، وزيادة الإنتاجية والتنوع الثقافي، ونقل المهارات والخبرات المتنوعة التي بلا شك تثري بيئات العمل، وتشجع في الوقت ذاته على الإبداع والابتكار، كما أن قانون الحماية الاجتماعية، الذي أكد على حقوق المرأة غير العمانية ومساواتها بالمرأة العمانية في سوق العمل، يتوافق مع العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضمت إليه سلطنة عُمان بموجب المرسوم السلطاني رقم 46/2020، والذي أكد على حق المرأة في العمل وعدم التمييز بينها وبين غيرها، ورسالتي لها …أنتِ جزءٌ لا يتجزأ من مسيرة التنمية في عُمان، نقدر تضحياتك ومساهماتك ودورك في المجتمع ونعمل معا لمستقبل أجمل.

أقترح وضع سياسات مرنة ومتوازنة لسوق العمل في سلطنة عُمان من خلالها تستطيع المرأة المشاركة والعمل في منشآت القطاع الخاص، خاصةً عمل المرأة عن بعد في ظل التطور الرقمي، بحيث يخلق نوعًا من التوازن بين عمل المرأة ومسؤولياتها الاجتماعية، ويحقق أيضا الأهداف الأساسية والمشتركة لأطراف الإنتاج الثلاثة.

يأتي يوم المرأة ليؤكد تميزّ المرأة العمانية وأثرها في كل زوايا الحياة، وهو احتفاء بكِ وبطموحاتك وعزيمتك القوية للتغلب على التحديات وبإنجازاتك الملهمة… دورك مهم في إحداث التغيير، ورسم المستقبل لكِ ولمن حولك… كوني فخورة بما حققته ولا تترددي في السعي وراء أهدافك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى