قضية العدد

شركات التوظيف

رشيد العامري، رئيس قسم الإعلام، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

في خِضّم توجهات رؤية عُمان 2040، وما تضمنته من أولويات، منها سوق العمل والتشغيل والتوجه الإستراتيجي لهذه الأولوية لخلق سوق جاذب للكفاءات ومتفاعل ومواكب للتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية   والتقنية؛ أي ذي منظومة تشريعية  ذات كفاءة، تحقق مبدأ الفعالية،  وتحفز استيعاب القدرات الوطنية القادمة من مخرجات النظام التعليمي  داخليًّا، واستقطاب الكفاءات الفنية الماهرة من الخارج، وتطوير أساليب فنية خاصة  لتحسين الإطار الإداري والمؤسسي لإدارة سوق العمل؛ الأمر يتطلب تعزيز تشريعات سوق العمل وسياسات العمل المرنة بمشاركة القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وما واكب ذلك من تحولات متسارعة في تشريعات سوق العمل التي أتت تنفيذًا لما  تصبو إليه الرؤية.

لنتفاجأ أنه لا زال هناك ثغرات وقضايا لا بد من لفت الانتباه إليها، من ضمنها قضية شركات التوظيف التي أُثيرت في الآونة الأخيرة، وتم تداولها بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، ولاقت صدى واسعًا من قبل الرأي العام والمعنيين والمهتمين  بحل هذه القضية الشائكة.

وبالنظر إلى ما تقدم؛ تدور في الأذهان أسئلة متكررة عن شركات التوظيف، يبحث الكثير عن إجابتها، ولعل أبرزها ما شركات التوظيف أصلًا؟ وما وضعها في السلطنة؟ وما إطارها القانوني؟ وهل هناك حاجة فعلية لهذه الشركات بالسلطنة؟  هذا ما سنجيب عنه في الأسطر القادمة، إضافةً إلى ذلك سنستعرض مجموعة من الآراء ووجهات النظر حول الآثار السلبية للمارسات التي تقوم بها شركات التوظيف بالسلطنة، وعدد من المقترحات والحلول الرامية إلى حلحلة هذه القضية.

ما شركات التوظيف؟ وما وضعها في السلطنة؟

سعادة يونس بن علي المنذري، رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى يقول: شركات التوظيف عبارة عن طرف  ثانٍ بين الباحث عن عمل والجهة التي ترغب بالتعيين؛ بحيث يكون التوظيف من خلالها، وهي في الوقت ذاته مسؤولة عن إجراء الاختبارات اللازمة لتوظيف الباحث عن عمل، وفق المؤهلات العلمية التي تطلبها الجهات المختلفة، إضافةً إلى ذلك هناك شركات أخرى، توكِل إليها الحكومة استجلاب العمالة الوافدة للعمل في بعض الوظائف، مثل ما حدث في بعض كليات جامعة التقنية والعلوم التطبيقية مثلًا، التي كانت توظف الأكاديميين عن طريق هذه الشركات ومنهم  العمانيين؛ فخلق هذا الكثير من الإشكاليات؛ إذ أن هذه العقود  مؤقتة، والعمل بهذه الشركات غير مضمون؛ ولذا لاقت الكثير من الانتقادات خاصًة ممن توظفوا من خلال هذه الشركات.

ويوضح الدكتور أحمد بن عبد الكريم الهوتي، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان، ورئيس اللجنة الاقتصادية والدراسات والبحوث بالغرفة أن شركات التوظيف تقوم بجمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالباحثين عن عمل، والمؤسسات التي ترغب بالتوظيف (لديها فرص وظيفية)، وتعتمد في عملها على العرض والطلب، وتقوم بتوفير المتطلبات اللازمة من إجراء الاختبارات، والتأكد من المؤهلات العلمية، ومن ثم إجراء المقابلات، وعادةً هذه الأدوار -التي يفترض في الأصل أن تقوم بها بالموارد البشرية بالمؤسسة- لا ترغب بعض المؤسسات بالقطاعين العام والخاص في القيام بها؛ تجنبًا للتكلفة خاصةً في حال طلب موظفين من دول أخرى، وما يتطلب ذلك من الحاجة لفريق مختصّ، ينتقل إلى خارج البلد.

وقال نبهان بن أحمد البطاشي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال السلطنة في تصريحٍ له لجريدة الرؤية: تقوم شركات التوظيف على أساس تقديم خدمة معينة بمُقابل مالي، ويتعيّن أن تؤسَس هذه الشركات بالإجراءات التي نصت عليها القوانين الوطنية، وهو الأمر الذي يقودنا إلى أهمية مراجعة تلك القوانين بما يحفظ حق العامل في القطاع الخاص من أي شكل من أشكال الاستغلال الذي قد يُمارس ضده بموجب عقود العمل أو العقود التي تبرم بين شركات التوظيف مقدمة الخدمة، والجهات المستفيدة من تلك الخدمة، مضيفًا أنه يُمكن التكهّن بالسبب الرئيسي لاستعانة المؤسسات الحكومية بشركات التوظيف، وهو أنَّ هذه الجهات قد تكون بحاجة إلى خدمات معينة أو موظفين يقومون بتقديم هذه  الخدمات؛ فتتعاقد مع شركات توظيف لتوفر لها العدد الذي تحتاجه من الموظفين بمقابل مالي مُعيَّن دون أن يترتب على هذا الأمر استحداث وظائف أو درجات مالية، لا سيّما وأن هذا الأمر يحتاج إلى موافقات من جهات أخرى، وصرف علاوات دورية لهؤلاء الموظفين؛ لأنهم غير مُعينين بالجهة المستفيدة من الخدمة، ومنح ترقيات مالية أو وظيفية، ودفع مُساهمات في النظام التقاعدي للموظف، وصرف مكافآت سنوية أو تشجيعية أو أي مزايا أخرى بموجب القوانين واللوائح.

لا تستند على معايير واضحة

ويضيف أنور بن ناصر الإسحاقي، مهتم بشأن شركات التوظيف: هي شركات متخصصة وغير متخصصة، تعمل كوسيط ربحي بين جهة التوظيف الرئيسية والمتقدم لوظيفة ما، وبالرغم أنها  ظاهريًّا تتيح فرص وظيفية لشريحة كبيرة من العمانيين والوافدين، إلا أن بعضها قد تفتقر إلى التخصصية، وتميل إلى الربحية المفرطة التي لا تستند على معايير واضحة بل على حساب الموظف.

تستقطب العمالة الوافدة الرخيصة لزيادة الربح

ويعقّب سالم بن حميد الجهوري، نائب رئيس نقابة عمال شركة المها للسيراميك، قائلًا:  شركات التوظيف هي جهة مختصة تقوم بالبحث عن وظائف لمن يقدم لديها طلبًا لذلك، كما تقوم بالبحث عن موظفين للمؤسسات التي تطلب منها مقابل مبلغ من المال، يوازي التكلفة مع الفائدة، وتعتبر هي أسهل وسيلة لاستقطاب الكفاءات والعثور على الموظف المناسب، إلا أن شركات التوظيف في السلطنة قد اتخذت منحنى آخ، منحى ربحي بحت، وكذلك لم  تراعِ وجوب العمل على استقطاب عمالة وطنية لنفس المؤسسات بنفس التكلفة؛ بل كان جُل تركيزها على استقطاب العمالة الوافدة الرخيصة حتى تزيد من ربحها.

هدر لطاقات الشباب

وتضيف مروة بنت صالح السعدية، أمين سر نقابة عمال مؤسسة الأنصاري التجارية: تعمل شركات التوظيف على ملء العديد من الوظائف  الشاغرة؛ وذلك بإيجاد المرشح المناسب لها، وأخذ عمولة على ذلك، إلا أنها لم  تلقَ إقبالًا من المجتمع في الآونة الأخيرة؛ نتيجة الفرق الكبير بين هدفها الأساسي، والتوجهات التي تقوم بها منذ عِدة سنوات، وقد أثارت قضايا سماسرة التوظيف -كما يُعرفون- جدلًا كبيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا؛ بسبب الممارسات الخاطئة التي تقوم بها، مثل استقطاع ما يتجاوز 50% من راتب الموظف الأصلي، وعدم تسجيل العامل العماني في سجلات وزارة العمل والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، وحرمانه من جزء كبير من  مزاياه، وهذا بحد ذاته يعتبر فسادًا  إداريًّا وماليًّا، وهدرًا لطاقات الشباب.

قانونية شركات التوظيف

يتحدث المنذري في هذا الجانب موضحًا: لا تنشأ أي شركة إلا إذا كانت هناك مواد قانونية تسمح لها أن تمارس عملها بهذه الطريقة، واللوائح التنظيمية الداخلية في الجهات الحكومية كوزارة العمل هي من صرحت لهذه الشركات للقيام بعملها على هذا الأساس، ربما لسد بعض الثغرات في بعض التخصصات الغير متوفرة، وبعد ذلك اتجهت هذه الشركات مسلكًا آخر إذ أن عقود العمل التي أبرمتها لم تكن مرضية للباحثين عن عمل، وأعتقد أن الحكومة ارتأت أن وجود مثل هذه الشركات سيسهل عليها تعيين الموظفين ومتابعتهم والقيام بإجراءاتهم.

عددها قليل ومسجلة لدى وزارة العمل

وتختلف وجهة نظر الدكتور أحمد الهوتي في هذا الجانب مشيرًا إلى أن شركات التوظيف تقوم بتقديم خدمة مطلوبة ومرغوبة خاصةً لمؤسسات القطاع الخاص؛ لأنها في المقابل تستطيع من خلال هذه الشركات أن توفر مبالغ مالية، كانت ستصرف لموظفين وإدارات لتقوم بهذه الأدوار، مؤكدًا بأنه من الطبيعي أن نجد في السلطنة شركات  توظيف للعمانيين والوافدين سواءً، وعددها قليل ومسجلة لدى وزارة  العمل؛ وبالتالي من السهولة التحقق منها من قبل الوزارة، ومعرفة القائمين عليها، والإمكانيات التي تتوفر لديها.

مشروعية التعامل معها يعتمد على عملها في إطار القانون من عدمه!

وأشار نبهان البطاشي إلى أن مشروعية التعامل مع مثل هذه الشركات تعتمد على كونها تعمل في إطار القانون من عدمه، وأنَّ التعاقد معها جرى في إطار القانون من عدمه، ومن ثم فإنَّ الحديث عن مُراجعة القوانين المنظمة لعمل مثل هذه الشركات، وآلية التعامل معها سواءً من قبل الجهات الحكومية أو الخاصة هو السبيل الأنجع لتفادي وقوع العاملين بتلك الشركات تحت أي شكل من أشكال الاستغلال،  مضيفًا أنه ينبغي أن يقتصر دور شركات التوظيف -إن كان ثمة أهمية حقيقية لوجودها- على تقديم الدعم للمواطن الباحث عن عمل في الحصول على الوظيفة أو المهنة المناسبة  له.

لا يوجد قانون ينظم مزاولة نشاط شركات التوظيف

ويقول أنور الإسحاقي عن قانونية شركات التوظيف: لا يوجد قانون ينظم مزاولة نشاط شركات التوظيف سواءً تلك الشركات الوسيطة التي تتعاقد مع الحكومة،  والشركات الخدمية في القطاع الخاص، كأن يكون هناك نسبة ربحية معينة ومعقولة، تأخذها شركات التوظيف الوسيطة على سبيل المثال بين الحكومة والموظف دون المساس براتب الموظف، موضحًا بأن هذه الشركات تزاول عملها بصفة  قانونية؛ وذلك من خلال إسنادها بمناقصات معلنة، وهنا أقول يجب مراجعة بعض القوانين والتشريعات الخاصة بمزاولة عمل هذه الشركات، وخاصةً تلك التي تتعلق بالحقوق والواجبات المشتركة للأطراف بنوع من الإنصاف والعدل دون الإتجار بالقضية لمصالح معينة.

وتتحدث سميحة بنت حمد الحارثية، مساعد أمين الصندوق بنقابة عمال الشركة العمانية لخدمات  المياه والصرف الصحي، ورئيسة لجنة المرأة بالشركة عن الوضع القانوني لهذه الشركات: توجد صعوبة في تحديد  قوانين هذه الشركات وضوابطها؛  وذلك بسبب طبيعة عملها؛ إذ أن التواصل بينها وبين الباحث عن عمل يتم  إلكترونيًّا، والرقابة عليها في هذه الحالة تصبح شبه مستحيلة، وعلى غرار ذلك أيضًا لا يمكن أن نحرم أحقية أي من الجهات اتباع أي نظام تراه مناسبًا في اختيار موظفيها.

هل هناك حاجة فعلية لهذه الشركات؟

الحاجة إليها بمدى إنصافها لحقوق موظفيها

ويضيف الإسحاقي فيما إذا كانت هناك حاجة فعلية لمثل هذه الشركات من عدمه موضحًا: إن كان وجود شركات التوظيف من أجل هدف ربحي بحت فنحن لسنا بحاجة إليها، وفي المقابل إن كانت للتوظيف المقنن من حيث مراعاة حقوق الموظف وإنصافه بأقرانه وتحقيق تنمية حقيقة للموارد البشرية وتدريبها فهنا يكون لوجودها معنى وهدف.

الفترة الراهنة لا تحتمل

ولا يرى سالم الجهوري حاجة في هذه الفترة الحالية لمثل هذه الشركات لوجود أزمة حقيقية في شح الوظائف مقابل تكدس المخرجات من المؤسسات التعليمية بجميع تخصصاتها، وما إلى ذلك من التكلفة العالية بين قيمة العقد وما يصرف للموظف من راتب، مفضلًا الاستغناء عنها، والعمل على التوظيف المباشر.

حجم المؤسسات بالقطاعين لا يستدعي وجودها

وتقول الصحفية مريم بنت حميد البادية: من وجهة نظري، لا  أعتقد أننا بحاجة لشركات التوظيف إذا ما قارنا ذلك بحجم المؤسسات بالقطاعين العام والخاص في  السلطنة؛ فالمؤسسات  بما تمتلكه من موارد بشرية وإمكانيات قادرة على القيام بالأدوار التي تقوم بها شركات التوظيف، أضف إلى ذلك أن هذه الشركات خطت نحو اتجاه آخر بعكس ما أُنشأت من أجله؛ إذ تستأثر على جزء كبير من المرتبات الشهرية للموظفين الذين تقوم بتعيينهم، وهذا انتهاك صريح لحقوقهم ولمبدأ العدل والمساواة.

الحل ليس في الاستغناء عنها

 ولمروة السعدية رأي آخر في هذا الجانب إذ تقول: لا يمكننا أن نستغني بالكامل عن دور هذه الشركات من خلال التعاقد والتعيين المباشر، وإنما يمكننا فرض تشريعات وقوانين مفصلة وواضحة لا تحتمل التأويل على شركات التوظيف؛ بحيث نضمن حق العامل ضد هذه الممارسات الخاطئة التي يواجها، بالإضافة إلى توعية العاملين والباحثين عن دور هذه الشركات، وعن حقوقهم من خلال القوانين المعمول بها فالسلطنة.

ما الأسبباب التي ترغم السوق في التعامل معها؟

وتوضح سميحة الحارثية: لا بد من وجود شركات التوظيف لسد احتياج السوق المحلي بقاعدة بيانات عمانية خصوصًا في ظل  إستراتيجية التنوع الاقتصادي للسلطنة وتعمين كثير من الوظائف، مضيفةً أن السوق مرغم في بعض الأحيان للتعامل مع  هذه الشركات؛ بسبب عدم وجود كفاءات محلية في بعض التخصصات، وكذلك سرعة التوصل للمرشحين الذي يعد أمرًا بالغ الأهمية  في كثير من القطاعات الاقتصادية.

الآثار السلبية لشركات التوظيف

لا يوجد  تحرٍّ للتعاقدات وأهلية المتعاقد معهم

يقول المنذري: كانت لي زيارة في الفترة الأخيرة لإحدى كليات جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، ووجدت أن معظم الأكاديميين بها من الجنسية الهندية بل ومن منطقة واحدة، وهو ما يؤكد أنه لا يوجد  تحرٍّ لهذه التعاقدات وأهلية المتعاقد معهم، ومن جانب آخر تصرف الحكومة لكل أكاديمي ما يقارب ١٨٠٠ ريال والشركة تصرف لهم ٨٠٠ ريال أو ١٠٠٠ ريال ليذهب المبلغ المتبقي في جيب الشركة.

متى عُرِف السبب بطل العجب

ويضيف: عندما نأتي لفارق السعر بين ما تدفعه الحكومة من مناقصات  مليونية لشركات التوظيف، وبينما إذا تم تعيين مباشر من قبل الحكومة -من خلال وجود جهة مختصّة تُعنى بهذا الجانب- فلن يكلف هذه  مبالغًا طائلةً.

 ويقول الهوتي: لوحظ في الآونة الأخيرة وجود شكاوى من قبل العُمانيين والوافدين  الذين تعينوا من خلال شركات  التوظيف؛ بسبب أخذ شركات التوظيف نسبة كبيرة من مخصصاتهم المالية، وانتشرت القضية وأصبحت قضية رأي عام في فترةٍ ما، ولكن نستطيع القول بأن هذه القضية في طريقها  للانتهاء؛ لأن الأمر أصبح بيد المؤسسة التي قامت بتعيين الموظف، علاوةً على ذلك لجوء ممن تعرضوا لانتهاك حقوقهم للجهات المختصّة للتوصل إلى حل في هذا الجانب.

عدم المساواة

وأوضح  البطاشي: إنَّ دور شركات التوظيف ينتهي بحصول الباحث عن عمل على تلك الفرصة، أو تقديم دعمها للجهات المستفيدة من الخدمة  الحكومية والخاصة سواءً بالمساهمة في إجراء الاختبارات التحريرية أو المُقابلات الشخصية أو المفاضلة بين المترشحين   للوظيفة، أما أن يتعيّن الباحث عن عمل في شركة التوظيف، ثم تقوم هذه الأخيرة بتشغيله في الجهات المستفيدة بمقابل مالي، تتقاضاه من هذه الجهات، وتقوم بصرف جزء يسير من ذلك المُقابل على شكل  أجور؛ فهذا أمر يستوجب المراجعة؛ لأنه يترتب عليه إثراء هذه الشركات من وراء موظفيها دون سبب مقبول، موضحًا أنَّ هذا الأمر من شأنه أن يخلق لدى هؤلاء الموظفين شعورًا بعدم  المساواة؛  فتجد بعضهم يعمل ذات العمل الذي يعمل به الموظف المعيّن في الجهة التي جرى تشغيله فيها، إلا أن فارق الأجر والمزايا بينهما كبير، كما تشتكي عاملات النظافة في بعض المدارس من عدم التزام شركات النظافة بتسليم أجورهنّ خلال فترة الإجازات  المدرسية؛  الأمر الذي يشكل انتهاكًا لحقوقهن في استلام أجورهنّ شهريًّا طَوال فترة التعاقد، فضلًا عن  انعدام الرقابة أو ضعفها من قبل الجهات المستفيدة من وفاء شركات التوظيف بالتزاماتها التعاقدية تجاه أولئك الموظفين.

مخالفة صريحة للعدل والمساواة

ويرى أنور الإسحاقي أن وجود موظف يعمل بتعاقد مباشر مع الحكومة وبالدرجة المالية  الخاصة به وفقًا لمؤهلاته وخبراته، وآخر بنفس تلك المؤهلات والخبرات ونفس جهة العمل؛ ولكن بعقد -قد يتجدد سنويا في بعض شركات التوظيف الوسيطة- مخالفة صريحة للعدل والمساواة، لها تأثيرات جسيمة، تتمثل في الظلم الإنساني والمجتمعي القائم على سند من القول إن وجودها شرعي وقانوني.

اتّجار بالبشر

ويدلي الجهوري برأيه قائلًا: شركات التوظيف ذهبت إلى منحنى آخر، وهو منحى ربحي بحت خاصةً بعد إبرام تعاقدات بمبالغ طائلة، وصرف رواتب ضعيفة للموظفين مقارنه بقيمة العقد ورواتب أقرانهم ممن تعينوا مباشرةً بنفس المؤسسة، إضافةً إلى ذلك عدم وجود حوافز لهم، وعدم إمكانيتهم  من مطالبة الشركة  بتحسين أوضاعهم؛ الأمر الذي يتسبب بدوره في نشوء حالة من عدم الاستقرار الوظيفي لهم، وهذا ما جعل مفهوم الإتجار بالبشر يطول هذه الشركات من جراء هذه الممارسات.

فساد إداري ومالي

ويضيف الجهوري قائلا: من الممكن أن نصف أن ما تمارسه شركات التوظيف بالفساد الإداري والمالي، ولكن في بعض الأحيان قد يكون هناك خطأ في التطبيق؛ بحيث أن هذه الشركات تخرج عن الأهداف والغرض المشروع لها، وأعتقد أنه  قد حان الأوان لترك التعامل معها، وأن يتم التعيين المباشر في الجهات التي ترغب  بالتوظيف؛ فنحن بحاجة إلى استقرار أكبر عدد من العاملين.

أغلبها غير وطنية، وتدير أعمالها من الخارج

وتقول الحارثية: أغلب شركات التوظيف غير وطنية، وتدير أعمالها من الخارج عبر شبكات التواصل الاجتماعي وقنوات الاتصال الأخرى، مشيرةً إلى أن المحاولات الوطنية في هذا الجانب تكاد تنعدم باستثناء بعض المحاولات الأخيرة من قبل سواعد عُمانية تحاول إيجاد حلول رقمية مستحدثة لملء حاجة السوق في هذا  المجال، قد تم التصديق والموافقة على بعضها من قبل وزارة العمل لربط هذه الحلول بالقوائم لدى الوزارة؛ لتكون أحد روافد تسريع عملية توظيف المسرحين والباحثين عن العمل.

الحلول والمقترحات

التعيين المباشر للعُماني متى ما وُجِد

 ويقترح المنذري لحل هذه القضية أن يتم العمل على مسارين؛ المسار الأول متى ما وُجد العُماني الذي تتوفر لديه المهارات والكفاءة فهو الأولى بالتوظيف، ويكون تعيينه مباشرًا من قبل الجهة المعنية بالتوظيف بالجهات الحكومية أو بمؤسسات القطاع الخاص سواءً، أما بالنسبة للمسار الثاني فهو يتعلق بالوافدين؛ أي متى ما كانت هناك حاجة لوظائف وتخصصات لا يوجد من يشغلها من العُمانيين  حاليًّا فبالإمكان أن تكون هذه الشركات طرفًا في جلب هذه العمالة الوافدة.

ويتطرق المنذري حول جهود مجلس الشورى تجاه قضية شركات التوظيف قائلا: استضاف مجلس الشورى في الفترة الماضية ممثلًا بلجنتي التربية والبحث العلمي والشباب والموارد البشرية مجموعة من الشباب العُمانيين اللذين تم تعيينهم بواسطة شركات التوظيف، وتضمنت المناقشات العديد من المطالب والحقوق من ضمنها تثبيتهم بالعمل وتعيينهم المباشر في الحكومة دون وجود طرف آخر، ومن جانب آخر قدمت لجنة التربية والبحث العلمي دراسة متكاملة لهذه القضية ورُفِعت للحكومة، ونأمل أن يكون هناك حل جذري لممارسات شركة التوظيف خاصةً للعُمانيين.

وضع إطار قانوني لألية عملها

ويؤكد الدكتور أحمد الهوتي أهمية  التقاء الجهات المختصّة مع شركات التوظيف وتحديد إطار قانوني لآلية عملها، والضوابط والرسوم والأسلوب المتّبع في التوظيف، وهو ما سيؤدي إلى تنظيم العلاقة بين من يرغب أن يستند لهذه الشركات في التوظيف وشركات التوظيف، مع عدم إغفال  المراقبة والمتابعة للاتزام هذه الشركات، مشيرًا إلى أنه عندما تكون هذه الأمور منظمة وواضحة، ويُعرف بالضبط تكلفة الشركات في الجهد والعمل التي تقوم به، نستطيع بسهولة إيجاد حل للخروج من هذه القضية.

الإعلان عنها يسهل متابعتها

ويضيف الهوتي: من الضروري الإعلان عن ماهية شركات التوظيف بالسلطنة  وتوضيح مواقعها والأدوار التي تقوم بها والفرص التي توجد لديها؛ بحيث تكون معروفة إعلاميًّا، وكذلك يمكن للجهات المختصّة متابعتها في حال حدوث أي خطأ من قبلها.

التعين المباشر وإعداد دراسة شاملة لبحث جدواها

ويقترح نبهان البطاشي التعيين المباشر للذين تعينوا بواسطة شركات التوظيف في الجهات الحكومية أو الخاصة سواءً، وأن تجري الجهات المختصّة دراسة شاملة حول هذا  الموضوع؛  لبحث جدوى التعاقد مع هذه الشركات.

لا حل إلا بالتعيين المباشر والإحلال والتدريب

ويتفق أنور الإسحاقي مع الخطوات الجريئة التي قامت بها الجهات المختصّة تجاه شركات التوظيف، والتوجه السليم الذي ينبغي أن يكون بهدف الحفاظ على المال العام خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، مشيرًا إلى أنه لا يوجد حل عادل  ومنصف، يقبله الموظف، وتستفيد منه الحكومة أو الشركات الخاصة إلا بالتعيين المباشر والإحلال والتدريب لردع مبررات من قد يستفيد من ربح الشركات على حساب الدولة والمواطن.

وتوضح مروة السعدية: قد يرى البعض أن التعاقد والتعيين المباشر هو الحل الأنسب لمثل هذه القضايا العمالية، ولكن هذا الحل من وجهة نظري قد ينفع للفترة الحالية؛ نظرًا للظروف الراهنة، والمطالبات التي تسود فِكر العامل العماني، ولكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الشركات تابعة لمستثمرين، وأن هذا المستثمر هو مصدر التنوع والوفرة الاقتصادية لسوق العمل العماني والتي يجب أن نحافظ عليها.

مراجعة القوانين والتشريعات

ويكمل سالم الجهوري: الحل يكمن في مراجعة التشريعات والقوانين الخاصة بعمل هذه الشركات وتنظيمها؛ لكونها الأساس التي يمكن أن تؤطرها بحدود إنسانية أولًا، ومن ثم قانونية؛ حتى لا نقع في دائرة مغلقة تتفاقم فيها مشكلة التوظيف عوضًا عن حلها.

وسائل التقنية الحديثة من أجل تكلفة أقل

وتضيف سميحة الحارثية: كما هو معلوم بأن شركات التوظيف تطالب بمبالغ كبيرة في كثير من الأحيان مقابل خدماتها، وهنا تبرز أهمية استخدامها لوسائل التقنية الحديثة والبدائل الرقمية التي تُخفض من تكلفتها التشغيلية، وهذه بدوره ينصب في مصلحة تخفيض التكلفة المالية على الجهات المستفيدة منها في القطاعين العام والخاص، إضافةً إلى ذلك فإن وسائل التقنية الحديثة مثل التطبيقات يتم عن طريقها انتقاء المرشحين بشكل مدروس وعلمي، خارج دائرة الوساطة التي كثير ما نسمع عنها في سوق العمل.

تغيير الثقافة التقليدية في التوظيف واتباع المناهج العلمية المتطورة

وتختتم الحارثية: إذا أردنا أن نقلص هيمنة هذه الشركات على قطاع التوظيف أرى ضرورة وجود آلية صحيحة في التوظيف على المستوى الداخلي للشركات من خلال فرض معايير صارمة في عملية التوظيف، أما على مستوى سوق العمل فبلا شك أن توظيف الكفاءات في محلها الصحيح هو أحد أبرز الحلول التي تساهم في التقليل من هيمنة شركات التوظيف على قطاع التوظيف.

 تلخيصًا لما جاء في التحقيق يمكن أن نتوصل -من خلال آراء المشاركين- إلى بعض المقترحات والحلول التي تساهم في معالجة قضية شركات التوظيف وحلحلتها، نوضحها كالتالي:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى