مقالات أخرى

استثمار أجوف بلا عمل لائق

بكر الأمير، صحفي وإعلامي أردني متخصص بقضايا العمال

“وزارة العمل ليست بِجيب أحد”، هذه العبارة كانت على لسان وزير العمل، ووزير الدولة لشؤون الاستثمار الأردني، في لقاء جمعه بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات عمال الأردن نهاية العام الماضي، وحضره رؤساء النقابات العمالية المنضوية تحت مظلة الاتحاد.

كان حديث الوزير في معرض رده على مداخلة أحد رؤساء النقابات العمالية بشأن الاستثمار وفرص العمل التي يولدها، وكان مُراد الوزير حينها أن الحكومة ممثلة بوزارة العمل لا يمكن أن تنحاز للمستثمر إذا هضم حقوق العمال، أو تجاوز على التشريعات التي تحميها وتكفلها،  وأن الحكومة تدرك مهمتها المتمثلة بتحقيق التوازن، وحفظ حقوق معادلة الإنتاج من عمل وأصحاب عمل.

بعد انقضاء اللقاء تحدثت  بشكل مستفيض مع رئيس النقابة الذي أثار القضية، كان الرجل يتحدث بحرقة شديدة بشأن شكوى عمالية، تقدمت بها النقابة للوزارة، تتعلق بأحد المستثمرين في قطاع الخدمات الطبية، قد أدمن انتهاك حقوق العاملين لديه، ولا يحسب حسابًا لوزارة العمل أو مفتشيها، وكان يردد  دائما أمام ممثلي العمال: أن الوزارة في جيبه ولا جدوى من تقديم الشكاوى لها، وبالطبع ستكون الحجة التي يتسلح  بها أنه مستثمر، ويساهم بالتنمية الاقتصادية في البلد، واستثماره يخلق فرص عمل تساهم بالتقليل من مستويات البطالة المرتفعة!

هل هذا هو الاستثمار الذي نريد؟ وهل هو السبيل  حقًّا للتنمية الاقتصادية المنشودة، وتوفير فرص العمل اللائق ومحاربة البطالة؟ هل يعمل هذا النوع من الاستثمار على توفير الأمن المعيشي والاجتماعي والنهوض بالاقتصاد الوطني؟ هل يستطيع تحريك عجلة التنمية الاقتصادية وزيادة مستويات النمو الاقتصادي؟

جميعها أسئلة مشروعة، تحمل في طيّاتها الإجابة، وتحتاج إلى وقفة صادقة، لا سيما في غمرة الحديث عن الاستثمار، وأهميته بالنهوض بالاقتصاد الوطني، ودوره في توليد فرص عمل أمام الباحثين والمتعطلين عن العمل، وقفة من خلالها نستمع لوجهة نظر عمالية من منظمات العمال والمؤسسات ذات الاهتمام، ومراكز الدراسات والأبحاث المعنية بقطاع العمل والعمال.

الحالة التي تحدث عنها رئيس النقابة، واحدة من بين حالات عديدة، تكررت في منشآت اقتصادية وفي قطاعات عمالية مختلفة ضمن مشاريع استثمارية محلية، كانت أم أجنبية، جميعها تؤكد أن ثمة  تراخ في تطبيق معايير العمل اللائق، وحقوق العامل الأساسية على حساب استثمارات، يفترض أن الهدف الرئيس منها رفد الاقتصاد، وتوليد فرص عمل جديدة.

 إن تشجيع الاستثمار، وتوفير البيئة الاستثمارية الحاضنة له، وإزالة التحديات التي تواجهه والعقبات التي تعترض طريقه يجب ألا تكون على حساب العمال، وحقوقهم الأساسية، المكفولة بالتشريعات الوطنية، والمُصانة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية.  

فبغير ذلك نحن نتحدث عن تنمية اقتصادية مشوهة، يخلقها استثمار أجوف، يحقق عوائد لأصحابه، ويرى في العمال وسيلة لذلك.  

وثمة فكرة أساسية يجب أن تكون حاضرة عند صانع القرار وراسم السياسات؛ بأن فرص العمل التي نريد للاستثمار أن يولدها، يجب أن تكون لائقة،؛ حتى نرى تنمية اقتصادية تنعكس نتائجها الإيجابية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعمال، والمواطنين عموما.

ما نريده… عمل لائق، تتوفر فيه جميع المعايير التي نصت عليها اتفاقيات منظمة العمل الدولية من شأنه أن يكفل الحقوق العمالية من حيث الأجر وبيئة العمل، وظروفه، وعناصر الأمن والكرامة الإنسانية، والمساوة، وعدم التمييز، والحماية الاجتماعية، ومتطلبات الصحة والسلامة المهنية، إلى غير ذلك من المعايير.

وليس  عبثًا حين رُبط الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة 2030 بين تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، وتوفير العمل اللائق للجميع، إذ أن الأخيرة ما هي إلا نتيجة حتمية للأولى؛ وهذا ما يجب أن يكون بعين اعتبار الحكومات، وهي تعمل على تعزيز الاستثمار، وهو أيضًا ما يحب أن تراقبه منظمات العمال  من خلال رصد الاختلالات التي تشهدها بيئة العمل في إطار أية استثمارات، يُروج لها بأنها تساهم برفد الاقتصاد الوطني، ولكنها تكون على حساب حقوق العمال وشروط العمل اللائق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى