تحديات تسريح القوى العاملة الوطنية
بدر بن سيف العوفي، محلل اقتصادي، غرفة تجارة وصناعة عُمان
تسعى العديد من الدول إلى زيادة حجم اقتصاداتها؛ بهدف توفير فرص العمل، وتحقيق الرفاه لمواطنيها، وفي سبيل ذلك تتخذ العديد من الإجراءات من خلال إيجاد بيئة تشريعية وإجرائية محفزة على الاستثمار بمختلف أشكاله، خاصة الاستثمار الأجنبي لتحقيق نقل التكنولوجيا وتوطينها، وتعزيز السيولة النقدية في البلاد خاصة من العملات الأجنبية، ولكن مع بدايات جائحة كورونا عانت الكثير من القطاعات الاقتصادية من تحديات جسيمة نتيجة للإجراءات الاحترازية، خاصة خلال فترة إغلاق الكثير من الأنشطة وتوقف الحركة السياحية وتعطل سلاسل الإمداد والتصدير للكثير من السلع والبضائع؛ الأمر الذي نتج عنه خسارة الكثير من الأعمال، وفقدان الكثير من الوظائف على مستوى العالم؛ فقد قدرت منظمة العمل الدولية بأن الجائحة قد تسببت في فقدان أكثر من 255 مليون وظيفة بدوام كامل خلال عام 2020 فقط، على الرغم من أن بعض الدول قد اتخذت العديد من الإجراءات التي تهدف إلى توفير تسهيلات وتقديم حوافز؛ ليتمكن القطاع الخاص قدر المستطاع من المحافظة على العاملين لديه، ومن ضمن هذه الحوافز تعزيز الطلب، وزيادة السيولة في الاقتصاد، من خلال زيادة الإنفاق ووقف سحب السيولة من الاقتصاد أو تخفيضها على الأقل من خلال تجميد تحصيل الرسوم والضرائب المفروضة على القطاع الخاص.
وقد اتخذت السلطنة العديد من الإجراءات الهادفة إلى تقليل التداعيات الاقتصادية للجائحة على القطاع الخاص، وتقليل حجم خسائره، والحفاظ على القوى العاملة الوطنية، إلا إن هذه الإجراءات اصطدمت ببدء تنفيذ خطة التوازن المالي التي تهدف إلى معالجة تحدي ارتفاع الدين العام، خاصة لما له من تأثير على التصنيف الائتماني للسلطنة؛ وذلك بالتزامن مع تردي وضع القطاع الخاص والاقتصادي الوطني بشكل عام من جراء تداعيات جائحة كورونا؛ الأمر الذي فاقم من الآثار السلبية على مؤسسات القطاع الخاص، ودفع السواد الأعظم منها إما إلى الإغلاق والخروج من السوق بشكل نهائي أو تقليص حجم الأعمال بشكل كبير، والذي نجم عنه تسريح عدد كبير من العمال العمانيين، وعودتهم إلى صفوف الباحثين عن عمل؛ إذ يشير التقرير الإحصائي الشهري لشهر يناير 2023، الصادر عن الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية إلى إن عدد المستفيدين النشطين من منفعة الأمان الوظيفي بلغ أكثر من 13 ألفا ، وهذا العدد يمثل فقط المسرحين العمانيين الذين تنطبق عليهم شروط استحقاق المنفعة؛ الأمر الذي يشكل ضغطا إضافيا على الاقتصاد الوطني وعلى صندوق الأمان الوظيفي، وما زالت هذه التأثيرات مستمرة، ويظهر ذلك جليا من خلال استمرار تسريح العمال العمانيين بأعداد كبيرة حتى الثلث الأول من العام الحالي 2023.
وتتشعب التأثيرات الناجمة عن خسارة الأعمال والوظائف في كثير من المجالات، وتنتج عنها الكثير من الصعوبات والتحديات والأزمات، وتتمثل في الجوانب التالية:
- الاقتصادية: خسارة لمصدر دخل العديد من الأفراد والأسر، وتحولهم لعناصر غير منتجة وغير فاعلة في الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى نقص في القوى الشرائية في الاقتصاد الوطني؛ الأمر الذي يفاقم الركود الاقتصادي.
- الاجتماعية: تزايد المشكلات الاجتماعية، منها الطلاق والعنف الأسري وتشتت الأبناء، وعدم الاستقرار الأسري.
- القانونية: تعرض المسرحين عن العمل لتداعيات قانونية، قد تصل للسجن، نتيجة عدم قدرتهم على الوفاء بسداد التزاماتهم المالية خاصة البنكية، على الرغم من وجود توصيات حكومية بتأجيل مثل هذه المطالبات القانونية، وإعادة هيكلة الديون؛ فالمشكلة الأساسية ما زالت قائمة لم تعالج، وتتمثل في عدم توفر فرصة عمل مناسبة للمسرحين.
- الصحية: يعاني الكثير من المسرحين، نتيجة عجزهم المفاجئ أمام أسرهم والمجتمع، لضغوطات تنعكس عليهم نفسيا، قد تتسبب في الإصابة بالاكتئاب وأمراض نفسية أخرى.
ومع جميع هذه المعطيات والتأثيرات السلبية نجد من المهم العمل على إيجاد حلول سريعة وعملية لمعالجة مشكلة المسرحين من خلال توسيع النشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتسهيل شروط الاستثمار وإجراءاته، وإحلال القوى العاملة الوطنية، وإعطاء الأولية في التعيين والتوظيف للكوادر المحلية المسرحة وذات الخبرة في مجالات العمل المطلوبة، ومن المهم كذلك تفعيل الحوار بين أطراف الإنتاج الثلاثة في إطار مناقشة مواضيع التسريح وأسبابها، والخروج بحلول عملية وواقعية سريعة تعالج هذه المشكلة المتفاقمة في ظل استمرار العوامل المسببة لها؛ وبالتالي لا بد من رصد هذه العوامل، ووضع برامج عمل تنفيذية لمعالجتها، بالإضافة إلى وضع برامج وقائية لأي أزمة اقتصادية أو صحية لتجنب آثارها على القوى العاملة المحلية، أو الحد منها على الأقل.