عاملات نظافة يستنجدن: شركاتنا تنتهك حقوقنا، وتستقطع أجورنا
علياء الجردانية، اختصاصي إعلامي أول، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان
تمارس بعض منشآت القطاع الخاص في السلطنة انتهاكات مشينة ضد بعض عاملات النظافة، وتتمرد في تطبيق القوانين والتشريعات، رغم أن قانون العمل واللوائح المنظمة له قد كفل الحق في حماية حقوقهن، ورعاية مصالحهن، وتوفير بيئات عمل ملتزمة بمعايير السلامة والصحة المهنية؛ فنلاحظ أن بعض العاملات يعملن في أوضاع كارثية، خاصة عاملات النظافة في مختلف المنشآت (الجامعات والمساجد والمجمعات السكنية والشركات)، ممن يتقاضين الحد الأدنى من الأجور بحسب ما نص عليه قانون العمل العُماني (325) ريالا؛ إذ يعملن في بيئات عمل لا توفر لهن وسائل الحماية من خطر الأمراض المزمنة المترتبة على حمل الأعمال الشاقة، فيا ترى من المسؤول عن هذه المعضلة؟ وما الجهة المعنية التي لابد أن تقف ضد هذه الانتهاكات؟ وهل لأصحاب العمل يد في ذلك؟
مجلة سواعد نقابية سلطت الضوء على هذه القضية فكان التحقيق الصحفي التالي:
الحد الأدنى للأجور
بحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات (بنهاية مايو 2023)، أغلب المواطنين العاملين في القطاع الخاص يتقاضون أجرا شهريا يتراوح بين 325 إلى أقل من 500 ريال شهريا، أي ما نسبته 44.93 % من إجمالي عدد العمانيين العاملين في القطاع الخاص؛ إذ إن 72 ألفا و560 عاملا يتقاضون أجرا شهريا من 325 إلى أقل من 400 ريال، و49 ألفا و993 عاملا يتقاضون أجرا شهريا بين 400 إلى أقل من 500 ريال.
تعاني هؤلاء النساء من مشكلات اقتصادية واجتماعية ونفسية، خاصة وأن أغلبهن من كبار السن، تضطرهن الحاجة إلى توفير لقمة عيش كريمة لأسرتهن، فمنهن الأرامل والمطلقات، ومنهن من يكابدن ظروف مادية صعبة في ظل غلاء مستلزمات المعيشة الأساسية؛ فيقبلن أي وظيفة؛ لكونهن لا يحملن مؤهلات علمية، ولا يملكن المعرفة بحقوقهن وواجباتهن وشروط العمل وظروفه القانونية.
التضخم وارتفاع الأسعار
وتشير البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن قطاع مجموعة المواد الغذائية قد تصدرت أعلى نسبة ارتفاع في أسعار المجموعات الرئيسية؛ إذ بلغت 6 % في شهر مايو 2023.
- الزيوت والدهون بنسبة 5.78 %
- اللحوم بنسبة 2.47 %
- الفواكه بنسبة 1.17 %
- المشروبات غير الكحولية بنسبة 4.39 %
- الخبز والحبوب بنسبة 3.09 %
- الحليب والجبن والبيض بنسبة 9.55 %
- السكر والمربى والعسل والحلويات بنسبة 3.72 %
- المواد الغذائية الأخرى بنسبة 3.75 %
- الأسماك والأغذية البحرية بنسبة 4.62 %
- الخضروات بنسبة 7 %
انتهاكات أصحاب العمل
كيف سيكون انعكاس هذه الإحصائية على أرض الواقع، ومن هؤلاء النساء المتضررات كاملة، وهي امرأة أربعينية، تعمل عاملة نظافة في إحدى المدارس الحكومية الواقعة بمحافظة الداخلية منذ 7 أعوام بأجر شهري قدره 325 ريالا، وبعد خصم نظام التأمينات يتبقى 303 ريالا، تعيل هي وزوجها الذي يعمل سائق حافلة مدرسة، أسرة مكونة من 5 أطفال. تقول كاملة في هذا الصدد: لولا الحاجة والبحث عن لقمة عيش لما اضطررت أن أعمل في هذه الوظيفة؛ إذ أعاني أنا وزميلاتي كثيرًا من ممارسات صاحب العمل؛ فهو يستقطع 3 ريالات شهريا بعد خصم نظام التأمينات، فنستلم (300) ريال، وفي إجازة الفصل الدراسي الأول يستقطع من أجورنا 100 ريال، رغم كونها إجازة رسمية.
ومن الجانب الآخر، وعلى الرغم من أن الشركة قد وقعت على عقد مع جهات معنية بقطاع التعليم لمدة عامين إلا إنها تقوم بتوقيع العقود مع العاملات في مطلع الفصل الدراسي الأول، ومن ثم تنهي خدماتهن بعد انتهاء الفصل الدراسي الثاني مباشرة؛ وبالتالي لا تصرف أجورهن في الإجازة الصيفية، ويتكرر الأمر كل عام دون رقيب أو حسيب!
الإجازات المرضية والسنوية والطارئة
وتقول كاملة: كنت في إجازة مرضية مدة شهرين، وقد تطلب الأمر الحصول على بديل لتغطية العمل بالاستعانة بعاملة أخرى على أن تعطى أجري الشهري بدلا مني؛ إذ لا يمنحنا صاحب العمل إجازات مرضية، ويقوم باحتساب أيام التغيب لأي سبب طبي باعتبارها إجازة طارئة لا يجوز أن تتجاوز مدة 5 أيام، وإذا زادت على هذه المدة، توقف رب العمل عن صرف الأجر، واستبدل بالعاملة المريضة عاملة أخرى، وكذلك بالنسبة للعاملات اللاتي لديهن إجازات وضع لا يصرف لهن أجور، كما لا يصرف لنا علاوات دورية، ولا يحق لنا أخذ إجازات سنوية.
السلامة والصحة المهنية
تعاني كاملة من انزلاق ظهر مزمن (ديسك) بسبب حمل الأثقال؛ فالمدرسة مكونة من ثلاثة طوابق وتقوم بأداء عملها هي وزميلات بعمرها؛ فيواجهن ضغطا كبيرا في عملهن الذي يتطلب أعمالا شاقة من التنظيف وحمل الأثقال كالطاولات والكراسي؛ فلا يستطعن إكمال عملهن في أوقات العمل الرسمية، ويضطررن إلى إكمال بقية الأعمال في الإجازة الأسبوعية، وتضيف كاملة: من كثرة ضغوطات العمل أُغمي عليّ ذات مرة في ساحة المدرسة، فسارعت المدرسة التواصل مع هيئة الدفاع المدني والإسعاف، وعند إيصالي للمشفى كانت دقات قلبي سريعة وضغط دمي مرتفعا جدا؛ بسبب ضغط العمل الذي نتعرض له كل يوم خلال 5 أعوام، دون توفر عامل يساعدنا على الأقل في حمل الأثقال، وبعد مطالبات عديدة وظفت الشركة عاملا جديدا قبل شهر.
فضلا عن حالة كاملة، قد وثقنا حالات أخرى مشابهة في القطاع الخدمي نفسه، منها تعرض إحدى العاملات لارتفاع ضغط الدم وارتفاع دقات القلب؛ بسبب ضغط العمل.
وبحسب اللائحة التنظيمية لتدابير السلامة والصحة المهنية في المنشآت الخاضعة لقانون العمل الصادرة بالقرار الوزاري رقم (286/ 2008)، الفصل الثالث المتعلق بحماية النساء، المادة رقم (28) والتي تنص “على صاحب العمل الالتزام بعدم تشغيل النساء في أية ظروف أو بشروط عمل تؤدي إلى التعرض لمواد أو عوامل أو ظروف أو ممارسات مهنية لا تتوافق وقدرات المرأة الفيزيولوجية”.
وضمن اشتراطات أماكن العمل، فقد ألزمت اللائحة التنظيمية هذه صاحب العمل أن يتخذ الوسائل اللازمة لتوفير الحماية الكافية لسلامة العمال أثناء وجودهم في أماكن العمل، من بينها عدم نقل المواد يدويا بين محطات العمل المختلفة، على أن يجري استخدام أرفف أو حوامل تخزين متحركة أو أسطوانات دوارة أو سيور ناقلة أو أية وسائل أخرى مناسبة، فإذا اقتضت طبيعة العمل غير ذلك يجب أن تكون المنصة التي تنقل المواد منها أو إليها ذات ارتفاع يحول دون انحناء الجزء العلوي لجسم العامل.
وهنا تقول كاملة: لدي تواصل مع أكثر من 100 عاملة يعملن في القطاع نفسه ويشاركن المعاناة نفسها، وقد قمنا بتوجيه رسالة عبر تطبيق واتساب، مفادها الاستغاثة بسلطان البلاد والسيدة الجليلة لإيجاد حل جذري لهذه المعضلة، ولا زلنا نستغيث ونستنجد، علّنا نجد من يأخذ بيدنا إلى بر الأمان.
وتضيف كاملة: إن هذه الشركات الخدمية التي تعمل في مجال التنظيف تتفق فيما بينها ضدنا نحن العاملات؛ فتقوم بتنفيذ ممارسات متشابهة دون رقابة أو فرض عقوبات على مخالفاتها؛ إذ قمنا بتقديم شكاوى لعدة جهات، ولكن دون أي تجاوب مع الأسف.
اتحاد عمال السلطنة يتحدث
وفي هذا الصدد يقول يوسف البوسعيدي، رئيس قسم الشؤون القانونية والمنازعات العمالية:يتلقى الاتحاد العام بشكل مستمر العديد من الشكاوى الفردية والجماعية من قبل القوى العاملة الوطنية بمختلف محافظات السلطنة العاملين في شركات خدمات النظافة، التي تُسند إليها عقود أعمال النظافة من قبل وزارة التربية والتعليم، وانطلاقا من دور الاتحاد العام وأهدافه المتمثلة في رعاية مصالح العاملين، والدفاع عن حقوقهم المقررة قانونا، والعمل على تحسين شروط العمل وظروفه؛ مما ينعكس إيجابًا على أوضاع العمال المادية والاجتماعية، قام الاتحاد العام في الفترات السابقة بمتابعة هذه القضية ومناقشتها مع الجهات المختصة من أجل إيجاد حلول جذرية للمشكلات التي يعاني منها العاملون في هذه الشركات، والتي تتلخص في عدم التزام تلك الشركات بدفع المستحقات المقررة لهم، وتشغيلهم في ظروف غير ملائمة.
وعند متابعة هذه القضية تبين لنا التالي:
- عدم التزام بعض الشركات بدفع العلاوات الدورية للعاملين منذ تاريخ التحاقهم بالعمل، بالمخالفة للقرار الوزاري رقم (541/2013) بشأن استحقاق العمال العمانيين في منشآت القطاع الخاص للعلاوة الدورية.
- تقوم بعض الشركات بحرمان العاملين من أجورهم الشهرية طَوال فترات الإجازات والعطل الصيفية.
- عدم تمتع العاملين بالإجازة السنوية المقررة وفقا للمادة رقم (61) من قانون العمل.
- عدم التزام الشركات بتعويض العاملين عن أيام الإجازات الرسمية والعطل، بالمخالفة لنص المادة (65) من قانون العمل.
- عدم التزام الشركات بصرف الأجور في الميعاد المحدد قانونا، بالمخالفة لنص الفقرة الثالثة من المادة رقم (51) من قانون العمل، وقد تصل مدة التأخير في صرف أجور القوى العاملة الوافدة إلى عدة أشهر.
- عدم التزام بعض الشركات بتسجيل العاملين لدى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، بالمخالفة لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية والذي يلزم الشركات المسجلة لدى التأمينات الاجتماعية بضرورة تسجيل العاملين لدى الهيئة، كما أن بعض الشركات تقوم باقتطاع مقدار 7% من أجر العامل الشامل رغم عدم تسجيلها للعامل لدى الهيئة.
أصحاب العمل يعقبون
س.ب وهو صاحب عمل في القطاع الخدمي يقول: إن وزارة التربية والتعليم تقوم بالبحث عن الشركات التي تقدم خدمات التنظيف بأقل الأسعار، والتي عادة ما نملكها نحن أصحاب عمل في مؤسسات صغيرة؛ فطبيعة العقد يمتد مدة عامين، ولكن لا يحتسب أجور للعاملات في الإجازات ما بين الفصول والإجازات الصيفية، بمعنى أننا نقوم بتوقيع العاملات على عقد العمل في بداية العام الدراسي الأول ومن ثم ننهي خدماتهن في آخر فصل دراسي.
ويؤكد س.ب أن هناك انتهاكات تمارس ضد هؤلاء العاملات قائلا: تحدثنا كثيرًا عن هذه المسألة وقد طالبنا الوزارة بصرف الأجور في الإجازات السنوية والإجازات الأخرى لهؤلاء النساء اللاتي لولا الحاجة لما قبلن العمل في وظائف دنيا، مثل التنظيف وغيرها، ولكن لم يستجب لمطالبنا، فنحن أصحاب العمل لا نأخذ فوائد كثيرة من هذه العقود، وفي بعض الأحيان نضطر إلى الدفع من جيوبنا حتى نسدد أجور العاملات خاصة في إجازة الفصل الدراسي الأول، وهي 8 أيام؛ إذ تُستقطع 100 ريال عن العاملات؛ بسبب احتساب الأجر باليومية، وكذلك نقوم بسداد مبلغ التأمينات الاجتماعية لذلك الشهر.
صرف العلاوات الدورية
ويضيف س.ب: لا نقوم بصرف العلاوات الدورية للنساء العاملات؛ لأن الأجور المسندة إلينا تشمل 8 أشهر فقط بحسب العقد المبرم، رغم أن العقد الذي جرى التوقيع عليه مدته عامان، لكن تصرف لنا الأجور بحسب الأشهر الدراسية (الفصل الدراسي الأول والثاني) دون احتساب الإجازات ما بين الفصول والإجازات السنوية.
طريقة التعاطي مع أنواع الإجازات
ويتطرق س.ب إلى الإجازات السنوية والإجازات الطارئة والمرضية وإجازة الوضع بقوله: عند مواجهة النساء لمثل هذه الظروف فإننا نسعى إلى أن نجد بديلا يحل محل العاملة، وتتقاسم العاملتان في بعض الأحيان الأجر بينهما، وفي بعض الأحيان يعطى الأجر كاملًا للعاملة البديلة؛ فنحن نضطر إلى فعل هذا؛ إذ إن الأجر يحتسب باليومية، ونحن مطالبون بتقديم الخدمة أيا كانت الظروف.
ويختم قائلا: الأمر خارج عن إرادتنا، ولو في وسعنا لما بخلنا على أخواتنا العاملات، ولكن طبيعة العقد تفرض علينا هذه الممارسات، وليس في يدنا حل لهذه المعضلة رغم مطالباتنا المستمرة بتحسين أوضاع النساء العاملات.
التأخر في صرف الأجور
من جهة أخرى يقول أ.ك وهو صاحب عمل أيضًا: كثيرًا ما تتأخر علينا الوزارة في صرف مبالغ العقد المبرم بيننا وبينها، ويتطلب الأمر أن نصرف أجور العاملات من جيبنا إلى حين صرف مبالغنا من قبل الوزارة، والتي عادة ما تأخذ فترة طويلة تمتد أربعة أشهر؛ فنحن أصحاب العمل مطالبون أن نصرف الأموال من جيوبنا بما فيها المبالغ لتوفير أدوات التنظيف.
المطالبة برفع الحد الأدنى للأجور
وقد اضطر أ.ك إلى عدم تجديد العقود مع الوزارة؛ بسبب الظروف التي عانى منها كثيرا، والتي اضطرته إلى الاتجاه لقطاعات أخرى ويناشد قائلًا: نرجو أن تُرفع أجور العاملات في المدارس من 325 ريالًا إلى 400 ريال؛ إذ إن هناك شركات كثيرة قد رفعت من الحد الأدنى للأجور لمساندة هؤلاء العاملات في ظل الظروف الصعبة وطبيعة العمل الشاقة أيضا.
في الختام
نأمل من الجهات المختصة ممثلة بوزارة التربية والتعليم أن تجد حلولًا لهذه المعضلة، وأن تسعى جاهدة لحفظ حقوق هؤلاء العاملات من خلال إعطائهن أبسط حقوقهن التي أقرها قانون العمل، وهي:
- صرف الأجور في الإجازات الصيفية، وإجازة منتصف الفصل الدراسي.
- صرف العلاوات الدورية في بداية كل سنة جديدة.
- منح جميع الإجازات المقررة قانونا (الإجازة السنوية، والإجازة الطارئة، وإجازة الوضع، والإجازة المرضية، والإجازات الخاصة).
- التقليل من العمل الشاق، والعمل في ظروف عمل صحية، خالية من المخاطر بحسب اللائحة التنظيمية للسلامة والصحة المهنية.
- أن يكون عقد العمل مستمرا مدة عامين، وألا يُحتسب الأجر باليومية.
- رفع الحد الأدنى للأجور في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
وعلى أصحاب العمل أيضًا:
- تسجيل العاملات في نظام التأمينات الاجتماعية لضمان حقوقهن عند التقاعد.
- إعطاء العاملات أجورهن بالكامل، وعدم استقطاعها لأسباب غير مقنعة.
- توفير معدات تسهّل على العاملات القيام بأعمالهن بكل سهولة ويسر.
لولا الحاجة للقمة العيش لما اضطرت هؤلاء النساء للعمل في هذه الوظائف؛ فاتقوا الله فيهن!