مقالات أخرى

بيئة العمل… تجاوزات ومطالبات

خمسة عشر  عامًا قضاها “س” من الأيدي العاملة الوطنية بإحدى شركات النفط في جنوب  السلطنة؛ لم يشهد خلالها  زيارة من قبل الجهات المعنية إلا نادرا، أيًّا كان هدفها، مع العلم بوجود مديرية عامة بوزارة العمل تُعنى بالرعاية العمالية تتضمن عدة دوائر تتفرع أعمالها بين توعية العاملين بالمنشآت الخاصة بأحكام قانون العمل، ومتابعة القضايا العمالية الفردية والجماعية التي يتقدم بها أصحاب الأعمال  والعاملون في منشآت القطاع الخاص والسعي نحو تسويتها وغيرها.

وأثناء حديثي مع “س” حول العمل بالقطاع الخاص أوضح أن هناك بعض التجاوزات التي تصدر من قبل بعض الشركات في حق  عمالها، وبالتحديد في بعض بنود قانون العمل المتعلقة بالإجازات والأجور، ومن بين أمثلة التجاوزات ببعض الشركات عدم التزام بعض  العاملين بطبيعة أعمالهم ومجال  تخصصهم؛ فعلى سبيل المثال موظف في مجال الصحة والسلامة يتدخل في اختصاصات إدارة الموارد البشرية ويدقق في حضور وانصراف العاملين بالمؤسسة، وخصم الرواتب بدون سابق إنذار،  وأيضًا احتساب أيام الإجازة في حالات الوفاة من الحالات الخاصة، وفي بعض الشركات يتم احتسابها من الحالات الطارئة، والاقتصاص من مرتب علاوة طبيعة العمل في حالة الإجازة الطارئة، وهو ما ينافي نص قانون العمل على أنه يحق للعامل في إجازة طارئة بأجر شامل لمدة ستة أيام طوال السنة لمواجهة أي ظرف طارئ، ويصدر بتنظيم الإجازة الطارئة للعاملين قرار من الوزير، ولا يجوز للعامل التنازل عن إجازته.

إن مؤسسات القطاعين العام والخاص تقوم  أساسًا على إنتاجية موظفيها، ومن بين الأساسيات التي تساهم في رفع كفاءة الإنتاجية تهيئة بيئة عمل محفزة للأفراد، والتي تتضمن التواصل المستمر مع الموظفين، وتحفيز الأفكار الجديدة والعمل الجاد، والأهم من ذلك وجود قانون  يساهم في توفير بيئة عمل مناسبة بالقطاع الخاص، وضمان استقرار الكوادر الوطنية فيها واستمرارها، ورفع نسب التعمين بالقطاع، وحسب توصيات منظمة الصحة العالمية لتوفير بيئة عمل صحية فإنه ينبغي  للمؤسسة فهم احتياجات الموظفين وتوفير مصادر دعم لهم وإعلامهم أنه يمكن أن يحصلوا على المساعدة، وإشراكهم في صنع القرار، وتوفير برامج التطوير الوظيفي، والتعرف على مساهمات الموظفين ومكافأتهم.

في المقابل أفادت منظمة الصحة العالمية أنّ بيئة العمل السلبية والتي قد تشمل عدم وجود سياسات صحية وسياسات سلامة كافية، وضعف التواصل مع الإدارة، ومشاركة قليلة للموظف في عملية صنع القرار، وتحكم قليل من قبل الموظف في بيئة عمله، وعدم وجود دعم ملائم للموظفين، وساعات عمل غير مرنة، وعدم وجود واجبات ومهمات واضحة للموظفين، وعدم ملاءمة تكليفات العمل لمهارات الموظف، ووجود مهام كثيرة تثقل كاهل الموظف، قد تؤدي إلى مشاكل جسدية وعقلية، وأن الاكتئاب والقلق لهما تأثير اقتصادي كبير، وتقدر خسائرهما عالميًّا؛ نتيجة تقليل الإنتاجية بمليار دولار  سنويًّا.

وعليه فإن من أهم متطلبات المرحلة المقبلة تكثيف الزيارات الميدانية من قبل الجهات  المعنية؛ للاطلاع على أحوال ومتطلبات الكوادر الوطنية في مواقع العمل، وتوفير منشورات توعوية قانونية للموظفين، ويتطلب من المؤسسات توفير بيئة عمل سليمة لموظفيها، الأمر الذي ينعكس  إيجابًا في صالح المؤسسة والموظفين معًا، كما أن بعض العاملين في الشركات النفطية – ممن يبعد مقر إقامتهم عن مكان عملهم أكثر من 800 كم – يطالبون بتوفير مأكل ومشرب في حافلات النقل، وعدم احتساب يومي الذهاب والإياب من العمل من رصيد الإجازة  الاعتيادية؛ إذ يقضي الموظف أغلب وقته خلال هذين اليومين في الطريق.

كما أوصت الكثير من الندوات والدراسات المحلية والإقليمية والدولية على أهمية تفعيل الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج الثلاثة “الحكومة، وأصحاب العمل، والعمال”، والعمل على رفع مستوى تأهيل وتدريب ممثلي أطراف الإنتاج “النقابات العمالية ومجلس إدارات الشركات” على المفاوضات، وإكسابهم أو صقل مهارات التفاوض والحوار  لديهم؛ باعتبارها إحدى الوسائل المهمة للوصول إلى حلول مناسبة ومتفق عليها لأهم الخلافات التي قد تنشأ في بيئة العمل.

ماجد بن عبد الله الهطالي

محرر صحفي بقسم الاقتصاد والسياحة

جريدة عُمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى