الطبقة العاملة وتحديات الجوائح
د. فاضل البدراني (*)
وصفت كورونا بالجائحة التي لا رحمة لها للجميع، كبيراً كان أو صغير، غني أو فقير، مسؤولاً أو مواطن بسيط، وبالرغم من كل ذلك فإن للأزمات والجوائح ضحايا، فأول ضحاياها من أفراد المجتمع الذين يوصفون في الأدبيات الفكرية والاجتماعية، القوى العاملة المنتجة والفاعلة في الجوانب التنموية “طبقة العمال“.
والعمال في المنظور الاجتماعي والاقتصادي والتنموي يمثلون العمود الفقري في بناء الدولة والمجتمع، وعلى سواعدهم تُبنى المؤسسات وتتحقق الأرباح وتزدهر الشعوب، وهم الأكثر تضحية بأرواحهم وصحتهم من باقي شرائح المجتمع حتى راح البعض من يسميهم ” تنور الخبز” حين يحترق بالنار حتى يأكل خبزه الآخرون، لكن لمجرد أن تتعرض البلدان لأزمة مالية أو كوارث طبيعية أو حروب فالمصانع والمعامل والورش الشغيلة تتوقف، وأول الغيث يحدث هو قرار تسريح العاملين عن مصانعهم وأعمالهم، وقد تدفع لهم نصف أجورهم وبعضها لا تدفع على أمل عودة عملهم بعد عودة الحياة دون مواربة لواقع حياة أسر هذه الطبقة العاملة ومتطلبات حياتها وحاجاتها .
ففي أزمة وباء كوفيد 19، البشرية جمعاء تعرضت للخسارة والخوف والهلع، وتوقفت أعمال المصانع والمشاريع وبرامج الناس اليومية والطويلة جراء فرض الحجر الصحي الذي اتخذته منظمة الصحة العالمية على صعيد دول العالم منذ مارس 2020م، لكن الخاسر بالدرجة الأساس هم شريحة العمال، فهم يعيشون على قوت يومهم، ولمجرد توقف سواعدهم عن العمل فالفقر أخذ يداهم منازلهم، وهو الواقع المأساوي الذي يعيشه كل عمال العالم، ومنهم العمال العرب، وقد احتفل عمال العالم في الأول من مايو / آيار 2020 بين أسرهم فقراء ينتظرون اللحظة التي تعلن الجهات الصحية عالمياً برفع الحظر للعودة لميدان العمل وبناء الحياة بسواعدهم بشكل أجمل وأفضل، حتى استحقوا خطابًا من الجميع، فكم أنت عنصر فاعل أيها العامل في بناء المجتمع ؟ .
وفي مناسبة عيد العمال العالمي حذرت الأمم المتحدة من أن كوفيد 19 يهدد حياة 1,25 مليار عامل في العالم في أسوأ حال منذ الحرب العالمية الثانية، وأن التدابير المتخذة عالمياً للحد من تفشي كورونا ستخفض في الفصل الثاني من عام 2020 ساعات العمل عالمياً بنسبة 6.7%.وبحسب المؤشرات التي حددتها المنظمة الدولية فإن 81% من القوى العاملة في العالم المقدّرة بـ3.3 مليارات شخص تأثرت حياتهم كثيراً، مع العلم أن نحو 190 مليون شخص باتوا عاطلين عن العمل في عام 2019 قبل بدء الجائحة، وهذه واحدة من المؤشرات التي تجعل النظرة لأزمة كورونا على أنها قضية مفتعلة ذات أبعاد اقتصادية يسوقها النظام الرأسمالي الليبرالي الجديد، وعلى الصعيد العربي فإن حقوق العمال لم تكن مصانة في أغلب البلدان، فالطبقة العاملة هي بلا التزامات حكومية معلنة لتأمين احتياجاتهم بالسوق غير المنظم، وبعضها ترك الأمر للتكافل الاجتماعي عبر الجمعيات الخيرية، وفي بلدان أخرى تم تسريح العاملين حتى أن المنظمات الدولية الراعية لحقوق العمال بدأت تتخوف من عمليات التسريح لأعداد كبيرة من جنسيات خارجية، وبطبيعة الحال فإن أزمة (كوفيد19) جعلت المنظمات الراعية لحقوق الطبقة العاملة أم رؤية جديدة تستدعي ضمان حقوق أفرادها وأن يكون ذلك وفق التزامات قانونية تتدخل فيها مؤسسات الدول لضمان ذلك.
حتى تعرف من هي الطبقة العاملة؛ انظر إلى أعلى البنايات والعمارات، إلى أجمل البيوت إلى أرقى الفنادق، إلى أجمل التحف، إلى أجمل ديكور في مكتبك أو مكاتب الآخرين، إلى نظافة الشوارع وأرصفتها، إلى الأسواق التي تتبضع منها، إلى من يأتي لمنزلك بالطعام ومن يعمله، إلى الإنسان الوحيد الذي ينتخي لك بالمساعدة لك ولغيرك، وهناك الكثير منهم، أليس كل هؤلاء من الطبقة العاملة التي تستحق من الجميع منحها استحقاقها لتنعم الحياة وتزدهر وينمو المجتمع لأن جله من هؤلاء المضحين العاملين ؟
(*) أستاذ الإعلام الدولي بالجامعة العراقية
Faidel.albadrani@gmail.com