قرار تحديد الحد الأدنى للعلاوة الدورية يرسخ ثقافة الأداء والإنجاز ويحفز على إيجاد بيئة عمل تنافسية قائمة على الجدارة

سعادة الدكتور ناصر بن راشد المعولي، وكيل وزارة الاقتصاد
يمثّل تطوير بيئة العمل في القطاع الخاص أحد المحاور الرئيسة لتحقيق أهداف رؤية عُمان 2040، لا سيما فيما يتصل بتمكين القوى العاملة العمانية، وتعزيز جاذبية سوق العمل؛ وفي هذا السياق، يأتي قرار تحديد الحد الأدنى للعلاوة الدورية، وربطها بالأداء المهني كأحد القرارات الداعمة لمسار التطورات الاقتصادية والتنموية.
وصدور هذا القرار في هذه المرحلة ليس مجرد إجراء إداري تقليدي، بل هو عنصر محوري في توجيه مسارات التنمية الوطنية؛ إذ يتم العمل وَفق منظومة متكاملة تضع رؤية عُمان 2040 كإطار محوري إستراتيجي، والخطة الخمسية العاشرة كخارطة طريق تنفيذية؛ فقرار تحديد الحد الأدنى للعلاوة الدورية، وربطها بالأداء المهني مبني على بيانات ومعطيات دقيقة يراعي متطلبات أطراف الإنتاج الثلاثة واحتياجاتها، ويهدُف القرار إلى تحقيق أهداف واضحة تضمن تعزيز الإنتاجية والاستدامة، وتحفز النمو، وتلبي تطلعات العامل في جميع القطاعات الاقتصادية المختلفة.
كما تحرص الحكومة على أن تكون قراراتها داعمة بشكل مباشر لخلق فرص عمل مستدامة، وتمكن الكفاءات الوطنية، وتعزز دور القطاع الخاص كشريك رئيسي في التنمية؛ إذ إنّ دعم بيئة الأعمال وتوفير الحوافز المناسبة يساهمان في تحفيز الاستثمار ورفع معدلات التوظيف.
العلاوة الدورية: تعزز للإنتاجية والتميّز المهني
إنّ قرار تحديد الحد الأدنى للعلاوة الدورية في القطاع الخاص، وربطها بأداء العامل يمثل نقلةً نوعية في تطوير بيئة العمل وتعزيز كفاءة الموارد البشرية في سلطنة عُمان؛ إذ يُعد هذا الربط خطوةً تنظيمية متقدمة لترسيخ ثقافة الأداء والإنجاز، من خلال تحفيز العاملين على رفع كفاءتهم وتطوير مهاراتهم المهنية، بما ينعكس إيجابا على مستويات الإنتاجية داخل مؤسسات القطاع الخاص.
ونتوقع أن يساهم هذا القرار في إيجاد بيئة عمل تنافسية قائمة على الجدارة؛ إذ تُمنح العلاوة بناءً على معايير تقييم واضحة وشفافة، ما يعزز مبدأ العدالة التحفيزية، ويكافئ المجتهدين على أساس الأداء الفعلي.
فضلا عن ذلك؛ فالقرار يدعم جهود الحكومة لتعزيز الاستقرار الوظيفي والاحتفاظ بالكفاءات الوطنية، ويُعد رافدًا مهمًا لتحسين جاذبية القطاع الخاص للقوى العاملة العُمانية.
وعلى الرغم من ذلك، تتوقف فاعلية هذا القرار على مدى قدرة المؤسسات على تطبيق نظم تقييم مهنية وموضوعية مبنية على مؤشرات أداء قابلة للقياس، لضمان عدالة التطبيق وتحقيق الأثر المرجو على مستوى الإنتاجية وجودة بيئة العمل.
توازن بين حقوق العامل واستدامة الأعمال
إن قرار تحديد الحد الأدنى للعلاوة الدورية في القطاع الخاص يوازن بين ضمان حقوق العمال وتعزيز استدامة المؤسسات؛ فمن جهة، يساهم في تحسين مستويات الأجور وتحفيز العاملين؛ مما يعزز الاستقرار الوظيفي والانتماء المؤسسي، ويدعم الأداء والإنتاجية؛ الأمر الذي ينعكس إيجابًا على نمو الأعمال وربحيتها، ويُعزز قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه جميع أصحاب المصلحة؛ ومن جهة أخرى، يراعي القرار التحديات التي قد تواجهها بعض المؤسسات، لا سيما الصغيرة والمتوسطة، نتيجة احتمالية ارتفاع التكاليف التشغيلية، وهنا تأتي أهمية المادة الرابعة، التي تتيح -وَفق ضوابط قانونية ورقابية- إمكانية تخفيض العلاوة عند تحقق ظروف اقتصادية مبررة، تؤثر على استدامة المنشأة، بعد موافقة اللجنة المختصة؛ وعليه نؤكد أن القرار يوفر إطارًا تشريعيًا مرنًا ومتوازنًا، يحمي حقوق العاملين ويضمن استمرارية المؤسسات، بما يعزز استقرار سوق العمل ويخدم أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة.
تعزيز بيئة الاستثمار وتحفيز سوق العمل الوطني
في إطار دعم الجهود الوطنية لاستقطاب الاستثمارات النوعية، يعد قرار تحديد الحد الأدنى للعلاوة الدورية وربطها بأداء العامل، خطوةً تنظيمية تعزز من نضج بيئة العمل في سلطنة عُمان، وتُظهر مدى تطور التشريعات بما يواكب تطلعات المستثمرين، ويُلبي احتياجات القطاعات الاقتصادية من الكفاءات الوطنية المؤهلة.
أما على صعيد تعزيز ثقة المستثمرين الإقليميين والدوليين بسوق العمل العُماني، فهذا القرار يعكس نضج التشريعات الوطنية، ويبعث برسالة طمأنة للمستثمرين الإقليميين والدوليين، مفادها بأن سوق العمل العُماني منظم، ويتمتع بإطار قانوني واضح يوازن بين حماية حقوق العاملين واستدامة المؤسسات، وهو ما يُعد من الركائز الأساسية لجذب الاستثمار الأجنبي في الأسواق الناشئة.
كما يدعم القرار توجه الحكومة نحو تعميق دور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، عبر توفير وظائف نوعية للمواطنين ترتبط بالإنتاجية وتحفز الأداء؛ مما يعزز من استقرار سوق العمل، ويحد من معدلات دوران القوى العاملة، ويرفع من مستوى الشفافية والحوكمة في العلاقة بين العامل وصاحب العمل.
ونؤكد أن تهيئة سوق العمل بهذه الصورة تشكّل رافعة تنموية تُساهم في استقطاب الاستثمارات المنتِجة، وتُعزز من مساهمة القطاع الخاص في التنمية، بما يتماشى مع تطلعات رؤية عُمان 2040 نحو تنمية مستدامة واقتصاد متنوع بقيادة الكفاءات الوطنية.
تحسين القدرة الشرائية للعاملين في مؤسسات القطاع الخاص
يساهم القرار في تحسين القدرة الشرائية للعاملين في القطاع الخاص من خلال ضمان زيادة سنوية منتظمة في الأجور، وبما يعزز الاستقرار المالي للعاملين على الرغم من استقرار معدلات التضخم في سلطنة عُمان، والتي تقل عن 1% خلال العامين 2023-2024، إلا أنّ الزيادة السنوية على أجور العاملين ستكون ذات أثر إيجابي حقيقي على القدرة الشرائية للعاملين، والتي ستنعكس إيجابا على دورة الدخل والاستهلاك داخل الاقتصاد المحلي؛ وذلك من خلال زيادة الدخل المتاح للعاملين، والذي سيعمل على تنشيط الطلب المحلي على السلع والخدمات وتحسين مستويات المعيشة.
كما أن الأثر يمتد ليشمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد بدرجة كبيرة على السوق المحلية؛ إذ يؤدي ارتفاع القدرة الشرائية للعاملين إلى زيادة إنفاقهم على المنتجات والخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات، مما يزيد من مبيعاتها وأرباحها ويحفّزها على التوسع، ويعزز من قدرتها على الاستدامة، كما أن القرار يخلق بيئة عمل أكثر تنافسية داخل مؤسسات القطاع الخاص من خلال التمييز الإيجابي لصالح أصحاب الأداء المرتفع، وهو ما يعزز ثقافة الجدارة، ويحفز الكفاءات الوطنية على التطور المهني والاستقرار الوظيفي؛ الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال تحسين أداء الموارد البشرية واستقرارها؛ وعليه فإن القرار لا يقتصر أثره على العامل الفرد فقط، من خلال تحسين القدرة الشرائية ومستويات المعيشة، بل يمتد ليعزز الحركة الاقتصادية، بما ينعكس على نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
بين دعم الأجور واستدامة الاقتصاد: دور الحوافز الحكومية
إنَّ تحفيز القطاع الخاص لرفع نسبة الزيادة السنوية للأجور بما يفوق الحد الأدنى المقرر وَفق القدرات المالية لكل مؤسسة يمثل خطوةً إيجابية تصب في تحسين مستويات المعيشة والقدرة الشرائية للعاملين، وتُعزز من جاذبية سوق العمل المحلي عبر استقطاب الكفاءات الوطنية وتحقيق الاستقرار المهني.
وتعمل الحكومة بالفعل على تقديم حزم متنوعة من الحوافز للقطاع الخاص، لا سيما للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، منها تخصيص ما لا يقل عن 10% من المناقصـــات والمشتريات الحكومية لهذه المؤسسات، وحصر المشتريات الحكومية التي تقل عـن 25 ألف ريال عماني لهذه المؤسسات، وتخصيص برامج تمويلية لهذه المؤسسات بسقف تمويلي يصـل إلى 500 ألف ريال عماني لحاملي بطاقة ريادة الأعمال دون أي ضمانات ورهونات.
كما أن تقديم حوافز إضافية لتشجيع رفع الأجور يتطلب النظر بعناية إلى مبدأ التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي، وضمان الاستدامة المالية للمؤسسات الخاصة؛ بحيث تُصمم هذه الحوافز في إطار سياسات مدروسة لا تُشكل عبئًا على المالية العامة، بل تعزز الأثر الاقتصادي بشكل مستدام.
وختاما نؤكد على أهمية تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومواءمة التشريعات والسياسات مع متطلبات التنمية المستدامة وسوق العمل المتجدد، ويمثل قرار العلاوة الدورية خطوة في مسار بناء بيئة عمل عادلة ومحفّزة، تستند إلى الكفاءة والإنجاز، وتساهم في رفع الإنتاجية وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، ومع استمرار الجهود الوطنية، نُعول على التزام مؤسسات القطاع الخاص بروح المبادرة والمسؤولية، بما يعزز من تنافسية الاقتصاد العُماني ويصنع أثرًا ملموسًا.




