الواقع والطموحقضايا عمالية

إجازة الأمومة… كيف تعزز من إنتاجية المرأة في بيئة العمل؟

إعداد: علياء الجردانية، اختصاصي إعلام أول، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

تعد سلطنة عُمان من أوائل دول المنطقة التي تمنح المرأة إجازة أمومة مدتها ( 98 يومًا)، وذلك بموجب صدور قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53/ 2023) وقانون الحماية الاجتماعية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (52/ 2023)، وهي خطوة تعكس حرص السلطنة على الالتزام بتوفير بيئة عمل داعمة للأمهات العاملات، كما تعد إنجازا نوعيا في سياق تعزيز المساواة بين الجنسين في سوق العمل، وضمان حماية حقوق النساء في بيئة العمل.

ستتناول مجلة سواعد نقابية في الأسطر القادمة موضوع إجازة الأمومة من خلال طرح السؤال التالي:

كيف تساهم إجازة الأمومة في زيادة إنتاجية المرأة في بيئة العمل؟

أقر قانونا الحماية الاجتماعية والعمل الصادران بالمرسومين السلطانيين رقمي (52/ 2023) و(53/ 2023) منح المرأة العاملة (98) يوما إجازة أمومة لتغطية فترة ما قبل الولادة وبعدها؛ إذ تُمنح  الإجازة خلال فترة ما قبل الولادة بناءً على توصية من الجهة الطبية المختصة، على ألّا تتجاوز مدتها (14) يومًا، فضلا عن ذلك، يمنح الأب إجازة أبوة للأب لدعم الأسرة في هذه المرحلة، مدتها (7) أيام، على ألا يتجاوز عمر الطفل المولود حيا (98) يوما.

الدكتورة ميا بنت هديب الحبسية، أستاذة مساعدة بكلية البيان، تؤكد أن مسؤولية المرأة الأساسية في المجتمع تكمن في دورها أمًّا ومربية للأجيال، وأن استقرار الأسرة يعتمد على توازن الأدوار التي تضطلع بها المرأة، وأوضحت أن أي تقصير أو تقويض لمسؤوليتها في رعاية الأسرة، والتي تُعد جوهر الحياة المجتمعية، سيترك آثارًا عميقة على المجتمع بأسره، فضلا عن ذلك تؤكد الحبسية أن الوطن لا يمكن أن يستغني عن كفاءات المرأة ومساهماتها في شتى المجالات؛ فقيام المرأة بدوريها الاجتماعي والمهني سيساهم بلا شك في وضع التشريعات والإجراءات التي تمكّنها من أداء دورها المجتمعي والوطني على أكمل وجه.

تُمنح المرأة العاملة إجازة مدفوعة الأجر، مدتها 98 يومًا.

  • يحق للمرأة العاملة طلب إجازة إضافية، مدتها 98 يومًا بدون أجر، ويسدد فرع تأمين إجازات الأمومة إجمالي الاشتراكات للمؤمن عليها وجهة العمل طوال فترة الإجازة لفرع تأمين كبار السن والعجز والوفاة وفرع تأمين الأمان الوظيفي، ويجوز أن تتوزع هذه الإجازة بين الأبوين المؤمن عليهما.
  • يجوز للمرأة العاملة أخذ (14) يومًا من إجازة الأمومة قبل الولادة.
  • يُمنح الأب إجازة أبوة، مدتها (7) أيام خلال فترة إجازة الأمومة، على ألا يزيد عمر الطفل المولود على (98) يوما.
  • تُمنح الأم -في حال احتضان طفل محروم من أسرته الطبيعية- إجازة مماثلة لإجازة الأمومة المقررة للمرأة العاملة، بشرط ألا يتجاوز عمر الطفل 3 أشهر، على ألا تتجاوز مدة هذه الإجازة (٩٨) يوما من تاريخ ميلاد الطفل.
  • في حالة وفاة الطفل بعد الأسبوع 25 من الحمل، يحق للمرأة الحصول على إجازة أمومة مدتها 98 يومًا.
  • في حال انتقال المرأة من جهة عمل إلى أخرى، يحق لها استكمال إجازة الأمومة.
  • في حالة إنهاء خدمة المؤمن عليها، تحتفظ بحقها في الاستفادة من إجازة الأمومة شريطة استحقاقها لبدل تأمين الأمان الوظيفي.
  • عند وفاة الأم، تنتقل إجازة الأمومة إلى الأب.

كما أضافت الحبسية قائلة أن إجازة الأمومة تلعب دورا حاسما في حياة المرأة، ليس فقط على الصعيد الاجتماعي، بل أيضًا على المستويين النفسي والمهني؛ إذ توفّر هذه الإجازة للمرأة العاملة حالة من الاستقرار العاطفي، وتُمكّنها من تنظيم شؤون الأسرة، مما يتيح لها مجالا لزيادة كفاءتها وإنتاجيتها في العمل، وأكدت الدكتورة ميا أن الوقت المستقطع من العمل خلال إجازة الأمومة -إذا ما قُدرت أهميته- سيعود بالنفع الكبير على المدى القصير على الإنتاجية، وعلى المدى الطويل على استقرار المجتمع؛ ما سيكون له تأثير إيجابي يشمل جميع قطاعات التنمية.

وفي هذا السياق، شددت الحبسية على أهمية وجود منظومة قوانين وتسهيلات شاملة، تأخذ بعين الاعتبار وضع المرأة الاجتماعي ودروها المحوري؛ بهدف تعزيز الإنتاجية وتحقيق مجتمع مستقر ومزدهر.

وتشير الدكتورة خديجة الشحية، رئيسة لجنة الصحفيات العُمانيات إلى أن إجازة الأمومة تُعد من أهم الحقوق التي ينبغي أن تتمتع بها المرأة العاملة؛ إذ تتيح لها فرصة البقاء مع طفلها لتقديم الرعاية اللازمة في هذه الفترة المهمة، فضلا عن ذلك، تمكّن هذه الإجازة الأم من أداء دورها الأسري دون شعور بالتقصير في أداء واجبها تجهاه طفلها؛ مما يعزز من شعورها بالرضا تجاه بيئة عمله، وعند عودتها إلى العمل، سينعكس هذا الرضا إيجابًا على أدائها؛ إذ تصبح أكثر قدرة على الإنتاج والإبداع، مما يساهم في تعزيز كفاءتها المهنية.

وتشير الدكتورة بدرية الوهيبية، مديرة مركز المعلومات والبحوث بمجلس الدولة، إلى أن توفير بيئة عمل صحية، ملائمة ومحفزة للعاملين بشكل عام، يُعد من أهم عوامل زيادة الإنتاجية، حسب ما أوضحته الدراسات العلمية في هذا المجال، فمراعاة جوانب المرأة العاملة الاجتماعية والنفسية يُعد من أشكال التحفيز المعنوي والمادي لها، مما يزيد من قدرتها على العطاء والإنتاجية، خاصة عندما تطمئن على صحة طفلها من خلال تقديم الرعاية الكافية له في مرحلة ولادته وتنشئته الأولى، فضلا عن ذلك، فاستقرار أوضاعها الصحية سيؤدي إلى تقليل المشكلات الصحية بعد الولادة، وبالتالي تقليل التغيّب والإجازات المرضية، والتي قد تؤثر سلبًا على سير العمل وإنتاجيته، كما أن إجازة الأمومة تساهم في تحقيق الاستقرار النفسي للأم والطفل، وتضمن حياة كريمة ومستقرة للأسرة؛ مما ينعكس إيجابيًا على قدرة المرأة العاملة، ويزيد من إنتاجيتها ويعزز من قدراتها الجسدية والمهنية، وبلا شك، كل هذه العوامل، التي من شأنها توفير كل سبل الراحة والأمان الوظيفي والعدالة الاجتماعية، ستعزز من ولاء المرأة العاملة الوظيفي، ويحفزها للاندماج بشكل أكبر في بيئة العمل.

وتوضح الوهيبية أن إصدار إجازة الأمومة يُعد نقلة نوعية في الخدمات المقدمة لرعاية الأمومة والطفولة في سلطنة عُمان؛ إذ تتمتع هذه التشريعات بالمرونة وتحفز أطراف الإنتاج وتحقق نتائج إيجابية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع والمرأة سواء، كما تعزز من جودة حياة الإنسان، وتساهم في بناء شخصيته المتوازنة بجوانبها الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية، مع الاهتمام به منذ ولادته حتى يصبح مواطنا فاعلا ومنتجا في مجتمعه.

بحسب آخر إحصائية نشرتها وكالة الأنباء العُمانية، الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات (يونيو 2024)، إليك التالي:

100.450 ألفامرأة عاملة في القطاع العام
119.593 ألفامرأة عاملة في القطاع الخاص
21.064 ألفامرأة عاملة في القطاع العائلي
997امرأة عاملة في القطاع الأهلي

الدكتور رجب العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية بمجلس الدولة، يسلط الضوء على التحولات الإيجابية في مسار إجازة الأمومة قائلا: “من منظور التحولات الإيجابية الحاصلة في مسار إجازة الأمومة كمدخل للتغيير ومنطلق للتصحيح وإعادة إنتاج الممارسة المرتبطة بها على واقع المهام وطبيعة العمل، لتصبح  أحد المعززات الإيجابية للأم العاملة في تحقيق أمرين، أولهما الاستمرار في تعزيز دور المرأة الأمومي في ظل تحقق الصحة والأمان النفسي والمادي والاستقرار الزواجي، وثانيهما الاستمرار في المحافظة على درجة استحقاقات الدور الوظيفي والمهني للمرأة العاملة؛ لينصبّ تركيزها على أداء مهام عملها، بذلك تتلاشى عندها فكرة التقاعد أو الاستقالة؛ بسبب الشعور بالإحباط نتيجة غياب الحافز والجاهزية النفسية لتقبل المهام، خاصة لدى المرأة التي تقتضي طبيعة عملها القيام بمهام صعبة، كالعاملات في المؤسسات العسكرية أو شركات الإنتاج أو الأعمال المرتبطة بالمراجعين في المؤسسات”.

ويضيف العويسي قائلا: “تمثل إجازة الأمومة في توقيتها نموذجا عمليا لإنتاجية التحول، وأحد الهواجس التي تشعر خلالها الأم العاملة بشيء من عدم الارتياح  والقلق في ترك ابنها في المنزل مع الأسرة أو العاملة، وهي فترة حرجة يحتاج فيها الطفل إلى أمه، كما أن الأم بحاجة إلى أن تكون بجانب طفلها لتقوم بأساسيات الرعاية التي يحتاجها من  رضاعة وتغذية واحتواء وغيرها من أشكال الرعاية؛ الأمر الذي سيكون له مردوده الإيجابي على القناعات الفكرية للمرأة العاملة، لتجد بأن  مهام عملها لم تعقها عن ممارسة دورها الأمومي، ولم يعد هاجسا يشعرها بعدم الارتياح بسبب عدم قيامها بدور الأمومة على الوجه الواجب؛ لذلك نعتقد بأن حسم قانون العمل لهذا الأمر جاء في إطار تصحيح بعض الممارسات الخاطئة، وقراءة عميقة للتحديات والمعطيات التي ارتبطت بغياب هذا الأمر في القانون السابق، وانعكس ذلك على أداء المرأة العاملة، وعلى قناعة أصحاب العمل في تشغيل المرأة، التي باتت تتركها مسؤولياتها العملية الأسرية في حالة من الصراع والضغوطات؛ إذ تضطر المرأة الأم العاملة في كثير من الأحيان إلى طلب إجازة بدون راتب أو دمج إجازتها السنوية مع إجازة الأمومة؛ الأمر الذي يسبب للمنشأة الكثير من الإشكاليات لعدم قدرتها على الاستغناء عن العاملة نفسها مدة طويلة، وعدم وجود بديل لها.

ويختم العويسي بقوله: “نرى في إجازة الأمومة بوضعها الجديد ميزة تنافسية تصنع استحقاقات قادمة للمرأة العاملة وبيئة العمل في الوقت نفسه، وفرصة للاستقرار الأسري والاجتماعي بما تمنحه للمرأة العاملة من مجال أوسع للعناية بطفلها، وهو ما سينعكس إيجابا على إنتاجيتها وأدائها في العمل بعد انتهاء إجازة الأمومة؛ إذ تُقبل على عملها وهي في مستوى جيد من الرضا الذي يحملها على مزيد من الالتزام والإخلاص والمهنية والولاء الوظيفي والحس المهني”.

منى الخضورية، مديرة شؤون الموظفين بمجمع أل تي للتركيبات الصناعية، تقول: “لقد كانت منشأتنا سبّاقة في تطبيق إجازة الأمومة الجديدة قبل إقرارها رسميًا؛ مما يعكس التزامنا العميق بدعم حقوق العاملات وتعزيز بيئة عمل متوازنة ومشجعة.

وتثبت الخضورية مدى مساهمة إجازة الأمومة في زيادة إنتاجية المرأة بقولها: “إن إجازة الأمومة ليست مجرد حق قانوني، بل تمثل فرصة لتعزيز صحة العاملات ورفاهيتهن، وقد أظهرت إحدى العاملان التي استفادت من هذه الإجازة نتائج إيجابية ملموسة؛ إذ عادت إلى العمل بنشاط وحيوية، وأظهرت مستوى عاليا من الالتزام وأداءً متميزًا في مهامها الوظيفية، هذه التجربة تعكس بوضوح التأثير الإيجابي لإجازة الأمومة على الأداء العام للمنشأة”.

وتختم بقولها: “نحن فخورون بتوفير هذا الدعم للنساء العاملات، ونتطلع إلى مواصلة تحسين بيئة العمل لتكون أكثر استجابة وملاءمة لاحتياجاتهن، بما يضمن لهن التوازن بين حياتهن المهنية والشخصية، ويعزز من إنتاجيتهن وكفاءتهن في العمل”.

مريم البلوشية، أمين الصندوق بنقابة عمال مجمع أل تي للتركيبات الصناعية، تشاركنا قائلة: “تُعَدُّ إجازة الأمومة عنصرًا أساسيًا في تعزيز إنتاجية المرأة في بيئة العمل؛ إذ توفر للأمهات الوقت الكافي بعد الولادة للتعافي ورعاية أطفالهن؛ مما يُساعدهن على العودة إلى العمل في حالة نفسية وجسدية أفضل”.

وتضيف مريم قائلة: “في مجمع أل تي للتركيبات الصناعية، كنا من المنشآت الرائدة التي طبقت إجازة الأمومة قبل إصدار قانون العمل، وقد حرصنا على توفير بيئة عمل تدعم الأسرة، إذ تتيح هذه الإجازة للعاملات فترة كافية من الراحة بعد الولادة”.

وتكمل مريم قائلة: “لقد ساهمت هذه الخطوة في تعزيز إنتاجية العاملات؛ إذ شعرن بالدعم والراحة؛ مما كان له أثر إيجابي على أدائهن واستقرارهن النفسي، نحن نؤمن بأن استثمارنا في صحة العاملات وراحتهن هو استثمار في مستقبل المنشأة، ونسعى دائمًا لتقديم المزيد من المبادرات التي تعزز رفاهية العاملات لدينا”.

وتختم بقولها: “تساعد إجازة الأمومة أيضًا في تقليل الضغوط النفسية الناتجة عن العمل، مما يُعزز القدرة على التركيز والإنتاجية عند العودة إلى العمل”.

في ختام هذا الاستطلاع، يتبين لنا أن إجازة الأمومة تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز إنتاجية المرأة في بيئة العمل؛ إذ أظهرت الآراء المتنوعة أن هذه الإجازة تساهم في تحسين صحة المرأة النفسية والجسدية، مما يؤدي إلى زيادة كفاءتها وفاعليتها عند العودة إلى عملها، وإن دعم المؤسسات والمنشآت لهذا الحق يعد استثمارًا مهمًا في تمكين المرأة، ويعزز من تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والعائلية؛ لذا فإن إجازة الأمومة ليست مجرد حق، بل هي عنصر حيوي لتحقيق النجاح والاستدامة في بيئات العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى