الإنهاك الوظيفي … ذاك الاضطراب المنسي
د. أحمد ثابت هلال إبراهيم، أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس
هل تشعر بخيبة أمل تجاه عملك، وافتقارك إلى الرضا حيال العمل، أو أن صبرك قد نفد مع الزملاء والعملاء، وأصبحت عصبيًا مع زملائك في العمل، وتشعر بأنك قد كرهت العمل وأصبحت انفعاليا، وأنك تفتقر إلى الطاقة اللازمة للإنتاج في العمل، وتجد صعوبة في الذهاب لمكان العمل، وإذا ذهبت تواجه صعوبات في بدء العمل، بل وأحيانا تشعر أنك تجاهد نفسك للذهاب إلى العمل، ونمت لديك عقلية الهروب من العمل، وتشعر بفراغ من الداخل، وأصبحت مهووسا بمشكلات العمل أو الحياة، وتكونت لديك نظرة متشائمة عن العمل والحياة، وأحيانا تشعر بالسخرية أو عدم الاهتمام بالعمل مع الشعور بعدم الكفاءة الوظيفية؟…..إذا شعرت بكل هذه الأمور أو بعضها، مع بعض الأعراض الجسدية كالشعور بصعوبة في التركيز، والنسيان، أو تغير عادات نومك، مع وجود صداع غير مبرر أو اضطراب في المعدة دون داعٍ؛ فأنت الآن تعاني من الإنهاك الوظيفي أو ما أطلق عليه متلازمة الاحتراق النفسي.
دعنا نبدأ القصة من البداية، في عام 1974 أشار عالم النفس الأمريكي الأصل الألماني المولد هربرت فرودنبرغر في كتابه (الاحتراق النفسي) أنه يمر على الفرد وقت يشعر فيه بغياب الدافع أو الحافز تجاه الأشياء كرد فعل طبيعي عن ضغوط العمل الطويل أو المزمن، ومنذ صدور كتابه هذا توالت الكتابات والدراسات التي تتناول مفهوم الإنهاك الوظيفي في بيئة العمل، وعرف الإنهاك الوظيفي بكونه حالة من الإرهاق البدني والنفسي تتضمن إحساسا بتراجع الإنتاجية وفقدان الهوية الشخصية، وهو حالة نفسية تصيب العامل تؤدي به إلى فقدان الرغبة في العمل، ينتج عنها انخفاض في مستوى الإنتاجية، وتتمثل أعراضها في ثلاثة أشكال رئيسية: إنهاك جسدي وانفعالي وعقلي، ومن الجدير بالذكر أن الإنهاك الوظيفي قد اُعتبر ظاهرة مرتبطة بالعمل، ولا يتم تصنيفها على أنها حالة طبية، وقد قد تم تضمينها في المراجعة الحادية عشرة للتصنيف الدولي للأمراض، وهي أوثق المراجع العلمية الحديثة المعنية بالاضطرابات العقلية والنفسية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
هذا ويحدث الإنهاك الوظيفي ليس لمجرد العمل لساعات طويلة أو القيام بالعديد من المهام، على الرغم من أن كليهما يلعب دورًا في حدوث الإنهاك، ولكنه يحدث عندما تكون المهام المطلوبة من الموظف لا تتناسب مع الإمكانيات المتوفرة له، أو عندما لا يمتلك الموظف صلاحيات كافية لإنجاز المهام المطلوبة منه، بالإضافة إلى نقص التحفيز وعدم مكافأة الموظف على الإبداع ماديا أو معنويا، وكذلك عندما يفتقر الشخص إلى الدعم، أو بسبب الظلم الذي يتعرض له الموظف، وكذلك حالة الصراع بين ما يؤمن به الموظف من قيم وبين قيم المؤسسة التي يعمل فيها، وقد يكون الإنهاك الوظيفي نتيجة عدم سيطرة الموظف على قائمة المهام الوظيفية المنوطة به.
ولعل السؤال الملح الآن هو كيف أتخلص من كل هذا؟ أخي الموظف… إذا شعرت يوما بالإنهاك الوظيفي إليك بعض النصائح التي قد تساعدك في التخلص منه: عندما يكون لديك الكثير من المسؤوليات المتضاربة، فإن مجرد قول “لا” للمهام الجديدة يعد طريقة مهمة -وإن كانت صعبة- لتقليل عبء العمل، كذلك ستساعدك جدولة المهام المطلوبة منك، وكذلك جدولة فترات الراحة، وممارسة الرياضة، وتخصيص أوقات لفترات الراحة المنتظمة، وتقليل المهام المتعددة في الحفاظ على توازنك والتقليل من شعورك بالإنهاك الوظيفي، وقد يكون التحدث عن مخاوفك مع الزملاء أو الرؤساء أو أحد الأشخاص المقربين أمر فعال، حاول إعادة هيكلة بيئة عملك لمعالجة الإنهاك الوظيفي، ومن المهم أن تمارس عادات الرعاية الذاتية، حاول قطع الاتصال مع جو العمل في حال العودة للمنزل، وابتعد عن الهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني وشبكات التواصل المرتبطة بالعمل لفترات قصيرة عند عودتك للمنزل طالما شعرت بالإنهاك الوظيفي، ركز على هواياتك خارج ساعات العمل، تناول الطعام بشكل كاف وصحي، ولا تعمل بمعدة فارغة، وأعد ترتيب أولوياتك، وحاول أن تبحث عن نظام دعم واستعن به؛ فكثيرا ما نكون بحاجة إلى شخص نطلب منه المساعدة في أوقات الشدة، وإذا كان بإمكانك أن تطلب من رئيسك التقليل من مسؤولياتك أو منحك إجازة ربما تكون هذه فرصة للتخلص من الإنهاك الوظيفي، وأخيرا تذكر أن ترك الوظيفة ليس حلا، وليس الخيار الوحيد، وفكر بإيجابية، وانتبه إلى الطريقة التي تتحدث بها مع نفسك وعن نفسك؛ فقد تكون كل هذه الوسائل أو بعضها مناسبة في استعادة الإحساس بالذات وتخفيف التوتر؛ وبالتالي التخلص من الإنهاك الوظيفي.