انضمام السلطنة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يعد خطوة مهمة في مجال الارتقاء بحقوق الإنسان، وتعزيز مسيرة السلطنة في مجال التنمية الشاملة
سعادة الشيخ خليفة بن علي الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدبلوماسية
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية يشهد الانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان الدولية والإقليمية تزايدا ملحوظا، منها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يعد معاهدة دولية تلزم أطرافها العمل من أجل منح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد اعتمد هذا العهد الدولي -بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة- 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16ديسمبر1966.
ومن يقرأ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سيجد بداخله نصوص مواد عديدة حول الحقوق المختلفة الاقتصادية، منها والاجتماعية والثقافية المحمية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، وكذلك يتضمن مدى الحماية التي يجب على الدولة أن تؤمنها لهذه الحقوق.
وقد تمكنت الأمم المتحدة من خلال هذا العهد ومن خلال العديد من الاتفاقيات الدولية الأخرى أن توفر الحماية الدولية التشريعية لحقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على جملة مهمة من الحقوق، منها ما يتعلق بالشعوب، ومنها ما يتعلق بالأفراد؛ فالحقوق المتعلقة بالشعوب، منها حق تقرير المصير، وسعيها لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحق الشعوب في التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية؛ أما الحقوق المتعلقة بالأفراد فقد أقر العهد حق الأفراد في العمل وشروط عمل منصفة والحق في تكوين النقابات وغيرها.
ويتكون هذا العهد من ديباجة وإحدى وثلاثين مادة موزعة على خمسة أجزاء، ويتضح من خلال هذه الديباجة الهدف الأساس الذي تسعى الدول الأعضاء إلى تحقيقه من خلال هذا العهد، وهذا الهدف هو تحقيق الحرية والعدل والسلام في العالم.
لقد حرصت سلطنة عُمان منذ قيام النهضة المباركة للسلطان الراحل -طيب الله ثراه- على نسج سياسة خارجية حكيمة ومتوازنة تحرص على احترام القوانين والمواثيق الدولة، وهي مستمرة في ظل النهضة المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله ورعاه- على مد جسور التعاون مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، ومن هنا جاء انضمام السلطنة مؤخرًا إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ وذلك بموجب المرسوم السلطاني رقم (46/2020) الذي أصدره حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بتاريخ 7 إبريل 2020، ويعد ذلك خطوة مهمة في مجال الارتقاء بحقوق الإنسان، وتعزيز مسيرة السلطنة في مجال التنمية الشاملة بكافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ونظرًا لكون وثيقة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إحدى الوثائق الأساسية للشرعية الدولية لحقوق الإنسان؛ تكون السلطنة بانضمامها إلى هذا العهد قد صادقت أو انضمت إلى التسعة الأهم من المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
وبانضمام السلطنة للعهد المذكور أصبحت ملتزمة بتنفيذ العهد الدولي وفقًا للمادة (26) من اتفاقية “فيينا” لقانون المعاهدات لسنة 1946، وأسوةً بالعديد من دول العالم تحفّظت السلطنة على البندين المتعلقين بحق تكوين النقابات، وحق الإضراب بالنسبة إلى الموظفين في الوحدات الحكومية؛ لأن السلطنة أرادت بتحفظها هذا استبعاد الأثر القانوني المترتب على أحكام معينة لا تتوافق وقوانينها الوطنية، ووفقًا للمادة (19) من اتفاقية “فيينا” المشار إليها فإن للدول الحق في التحفظ على بعض المواد والبنود في المعاهدات الدولية.
ووفقًا لهذا العهد على الدول أن تلتزم ضمن جملة أمور أخرى بما يلي:
- احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الامتناع الذاتي عن ارتكاب أي انتهاك لهذه الحقوق).
- حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (منع أطراف ثالثة من انتهاك هذه الحقوق).
- الوفاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (اتخاذ التدابير اللازمة لإعمال هذه الحقوق عن طريق الاجراءات التشريعية والإدارية، واعتماد الميزانية وغيرها).
- طلب المساعدة والتعاون الدوليين وتوفيرهما في مجال إعمال هذه الحقوق.
وقد أوجدت سلطنة عمُان آليات وأنشأت كيانات خاصة للإيفاء بالتزاماتها الدولية في المعاهدات والاتفاقيات التي صادقت عليها أو انضمت إليها، وعلى رأس هذه الكيانات اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان، كما شكلت لجان أخرى كاللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر، واللجنة العُمانية للقانون الدولي الإنساني، ولجنة متابعة تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، ولجنة حقوق الطفل.