مقالات أخرى

التفرغ لممارسة العمل النقابي بين التشريع والتطبيق العملي

 العمل النقابي هو من الأعمال التطوعية التي يسعى فيها العمال الذين يسخّرون وقتهم وجهدهم؛ لتحقيق بيئة عمل آمنة ومستقرة من خلال الحوار والتفاوض حول شروط العمل وظروفه لما هو أفضل مما يقرّه القانون.

يؤدي أعضاء مجلس إدارة الاتحاد العام وأعضاء الهيئات الإدارية للاتحادات العمالية والنقابات العمالية مهامهم النقابية بالإضافة لأدائهم لعملهم المهني، إلا أنه قد يقتضي الأمر أحيانًا لتحقيق أهداف المنظمة النقابية، ورعاية مصالح أعضائها – أن يتفرغ عضو أو أكثر من أعضاء مجلس الإدارة أو أعضاء الهيئة الإدارية؛ للقيام بالنشاط النقابي؛ لتحقيق أهداف المنظمة النقابية، ورعاية مصالح العاملين، وذلك بارتباط العضو المتفرغ ووجوده الدائم بمواقع العمل، وتخصيصه لكل الوقت والجهد في السعي إلى حل مشكلات العمل النقابي وقضاياه ، ولكن يجب ألا يؤثر التفرغ للنشاط النقابي على الوضع المهني للعضو المتفرغ سواء من الناحية المالية أو الأدبية، فالعامل المتفرغ يعتبرأثناء فترة التفرغ بأنه يؤدي عمله بالفعل؛ وعلى ذلك فالتفرغ النقابي يعني تفرغ بعض القيادات النقابية للعمل النقابي مع إعفائها من العمل المأجور، وذلك دون أن يتأثر وضعها المهني في المشروع الذي تعمل فيه.

 العمل النقابي هو خدمة إنسانية لمصلحة عامة، تتحقق لمن يعملون في المنشأة التي تتشكل فيها نقابات عمالية هدفها رعاية مصالح والدفاع عن حقوق العمال، يعتبر التفرغ لممارسة العمل النقابي من الامتيازات التي تتميز فيه السلطنة كون أنه لم تنص التشريعات العمالية في أغلب الدول على إلزاميته، فأغلب التشريعات المقارنة تترك مسألة التفرغ بالاتفاق بين النقابي والمؤسسة، فمنذ أول تشريع منظم للعمل النقابي في السلطنة والصادر بالقرارات الوزارية المنظمة لتنظيم وتشكيل النقابات والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان، بداية من اللجان التمثيلية والصادر تنظيمها بالقرار الوزاري رقم (135/2004) بشأن قواعد تشكيل وعمل اللجان التمثيلية في المنشآت، والقرار الوزاري رقم (136/2004) بشأن قواعد تشكيل وعمل اللجنة التمثيلية الرئيسية، وبتعديل قانون العمل رقم (35/2003) بالمرسوم السلطاني رقم (74/2006) الباب التاسع منه، والذي أوجد حق تشكيل النقابات العمالية، وجاء القرار الوزاري رقم (24/2007) بشأن نظام تشكيل وعمل وتسجيل النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان لتنظيم العمل النقابي في السلطنة، وما تلاه من تعديلات على القرار؛ فلم يصدر تشريع في أي من التشريعات السابقة ما يلزم المنشأة بتفريغ العامل لممارسة العمل النقابي، وقد جرى العمل على التوصل إلى اتفاق بشأن تفريغ النقابيين بين الاتحاد العام لعمال السلطنة وأصحاب العمل إضافةً إلى ما يقوم به بعض النقابيين من حوار ومفاوضة للوصول لاتفاق حول آلية وشروط التفرغ للعمل النقابي، إلا أن القرار الوزاري رقم (500/2018) بشأن تشكيل وعمل وتسجيل النقابات والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان أقر هذا الحق للعضو النقابي من خلال ما نصت عليه المادة رقم (57) من ذات القرار بإلزامية تفريغ العمال لممارسة العمل النقابي في سلطنة عُمان، وللحديث عن هذا الحق لا بد من التعرف على ماهية التفريغ لممارسة العمل النقابي، فبالرجوع لنص المادة (57) من القرار (500/2018) نجد أن آلية التفريغ تختلف حسب عدد أعضاء الجمعية العمومية لكل نقابة عمالية وهو ما سوف يسعى من أجله النقابيون؛ لتعزيز الانتساب للنقابات العمالية التي تهدف للاستفادة من هذه المزية حتى تتمكن من وضع أهم القرارات التي تخدم العمال في المنشأة، ونصت المادة رقم (57) من القرار على الآتي: “يلتزم صاحب العمل بتسهيل عمل النقابات والاتحادات العمالية، والاتحاد العام؛ وعليه فـي سبيل تحقيق ذلك، تفريغ أعضاء هيئاتها الإدارية أو هيئة المكتب بحسب الأحوال، وذلك على النحو الآتي:

أولا: تفريغ أعضاء الهيئة الإدارية للنقابات العمالية:

1- يفرغ من العمل أحد أعضاء الهيئة الإدارية للنقابة العمالية ممن تختاره الهيئة الإدارية؛ لأداء العمل النقابي يوم عمل واحد كل الأسبوعين، وبأجر شامل، وذلك في المنشآت التي يكون عدد أعضاء الجمعية العمومية فـيها أقل من (100) مئة عضو.

2- يفرغ من العمل أحد أعضاء الهيئة الإدارية للنقابة العمالية ممن تختاره الهيئة الإدارية؛ لأداء العمل النقابي يوم عمل في الأسبوع، وبأجر شامل، وذلك فـي المنشآت التي يكون عدد أعضاء الجمعية العمومية فـيها من (100) مئة عضو حتى (300) ثلاثمئة عضو.

3- يفرغ من العمل أحد أعضاء الهيئة الإدارية للنقابة العمالية ممن تختاره الهيئة الإدارية؛ لأداء العمل النقابي تفريغًا تامًّا من العمل، وبأجر شامل، فـي المنشآت التي يزيد عدد أعضاء الجمعية العمومية فـيها عن (300) ثلاثمئة عضو.

ثانيا: يفرغ من العمل رئيس الاتحاد العمالي وعضوان (2) من أعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد العمالي، تختارهم الهيئة؛ لأداء العمل النقابي تفريغا تاما عن العمل، وبأجر شامل.

ثالثا: يفرغ رئيس وأعضاء هيئة المكتب الإداري للاتحاد العام تفريغًا تامًّا، وبأجر شامل.

وفـي جميع الأحوال، يحتفظ العضو النقابي المفرغ من العمل لأداء العمل النقابي بكافة حقوقه فـي الترقيات والعلاوات الدورية، ويستثنى المفرغون تفريغًا تامًّا من شرط تقييم الأداء المشار إليه فـي القرارات الوزارية المنظمة لنظام صرف العلاوة الدورية، والترقيات فـي منشآت القطاع الخاص، وتحسب مدة تفرغهم من العمل لأداء العمل النقابي ضمن مدة خدمتهم الفعلية.

فمن خلال استقراء النص نجد أن آلية التفرغ عن العمل المتعاقد عليه؛ لممارسة العمل النقابي تختلف بحسب عدد أعضاء الجمعية العمومية، فكلما زاد عدد أعضاء الجمعية العمومية زادت عدد أيام التفريغ بدءًا من يوم واحد من كل أسبوعين وحتى التفرغ التام والكامل، وبأجر شامل، وأيضا تختلف آلية التفريغ بين النقابات العمالية والاتحادات العمالية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان.

ويعتبر هذا الحق من الحقوق التي أقرها القانون للعاملين، والذين يرغبون في ممارسة حقهم النقابي الذي أقره المشرع لهم ليتمكنوا من تحقيق الأهداف التي نظمها المشرع في أحكام العمل النقابي في السلطنة.

وبالمقارنة مع مملكة البحرين، نجد أن قانون التفرغ بالبحرين يتمتع فيه أعضاء مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بالتفرغ الكامل، ويحق لرئيس النقابات ونائبه في الشركات التي يبلغ أعضاؤها (1000) فأكثر بالتفرغ الكامل، كما يحق لرئيس النقابة في الشركات التي يبلغ أعضاؤها (300) حتى (999) بالتفرغ الكامل، وما دون ذلك من عدد الأعضاء في النقابات أي من (50) إلى (299) يكون التفرغ جزئيًّا؛ بمعنى أن يمنح يومين من كل أسبوع.

الأنشطة التي تمارس من قبل النقابيين هي التي تبين الحاجة للاستفادة من التفرغ، كما أنه من خلال الممارسة منذ صدور القرار هناك من أصحاب العمل غير ملتزمين بتطبيق أحكام القرار فيما يتعلق بالتفرغ لممارسة العمل النقابي الأمر الذي يعتبر مخالفة لأحكام قانون العمل والقرارات الوزارية المنفذة لأحكامه، والمؤثمة بنص المادة (124) من قانون العمل رقم (35/2003) والتي تنص: “فيما عدا العقوبات المقررة للمخالفات المنصوص عليها في المواد السابقة، يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون واللوائح والقرارات المنفذة له بغرامة لا تقل عن (500) خمسمئة ريال عُماني، ولا تزيد على (1000) ألف ريال عُماني، وإبعاد مرتكب المخالفة من غير العُمانيين على نفقة الطرف المشغل، وحرمانه من دخول السلطنة”، ويقوم الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان بمتابعة النقابات العمالية والاتحادات العمالية وتقديم الدعم اللازم حول هذه المخالفات، واتخاذ الاجراءات اللازمة بالتعاون مع وزارة القوى العاملة؛ لتصحيح المخالفات المرتكبة، وتعتبر وزارة القوى العاملة الجهة المختصة بمتابعة أصحاب العمل بتطبيق أحكام قانون العمل والقرارات الوزارية المنفذة لأحكامه، ورصد المخالفات المرتكبة من قبلهم، وتطبيق العقوبات لغير الملتزمين بأحكام القرار الوزاري فيما يتعلق بالتفرغ لممارسة العمل النقابي، والتي تبدأ بإنذاره بالالتزام بأحكام القرار، وفي حالة عدم التزامه بالقرار يتم إحالة المخالفة للادعاء العام؛ لمباشرة تطبيق العقوبة على المخالفة المرتكبة.

كما أن هناك العديد من أصحاب العمل الذين باشروا تطبيق أحكام المادة رقم (57) من القرار الوزاري (500/2018) بدون تدخل أي جهة أخرى، وكما كان قبل صدور القرار هناك من يقوم بتفريغ الأعضاء النقابين وذلك بالاتفاق بين الأطراف وفق للآليات وحسب حاجة الأعضاء النقابين للتفريغ، وما يقدمه أصحاب العمل من تسهيلات للنقابات العمالية التي يرون فيها ضرورة وجود النقابات العمالية واستمرارها، نظرًا لما تحققه النقابات العمالية من استقرار للعاملين وضمان استمرار مهنهم وزيادة إنتاجيتهم في المنشآت التي يعملون فيها.

ويجدر بالأعضاء النقابين الاستفادة من هذا الحق الذي أقره المشرع لهم الاستفادة المثلى، والسعي في تطبيقه بطريقة صحيحة وإيجابية؛ لتحقق الأهداف التي رسمها المشرع في هذا الحق، وتحقق الغاية المنشودة من استغلاله، ويكون أحد الأسباب التي تدعم النقابيين في ممارسة عملهم وتقدم لهم التسهيلات التي يمكن تحقيقها من وجود الحق، كما يجب على النقابين الذين تنطبق عليهم الشروط للاستفادة من حق التفريغ الاستخدام الصحيح، وعدم استغلال التفريغ في غير الأغراض التي وضعت من أجله؛ فكلما استخدم الحق بطريقة صحيحة وجدت النتائج الإيجابية التي تحقق المصلحة المشتركة لأطراف العلاقة العمالية.

 إبراهيم بن عبد الله الغريبي

رئيس قسم التشكيل والانتساب

الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى