الواقع والطموحقضايا عمالية

حاضنات الأطفال… مطلب مُلح في يوميات الأمهات العاملات

إعداد: علياء الجردانية، اختصاصي إعلام أول، الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان

مع أول شعاع من أشعة الشمس، وبينما كانت تتهيأ ليوم عمل جديد، أغلقت حقيبتها على عجل، وودعت طفلتها على أمل أن تمر الساعات سريعًا، واتجهت نحو الباب، وبينما كانت طفلتها الرضيعة تُنظر إليها من زاوية النافذة، وتحدّق فيها بعينين واسعتين تحملان مزيجًا من الحيرة والتعلق، وكأنها تسأل: إلى أين تذهبين يا أمي؟ ولماذا تتركيني؟! تلتقط الأم أنفاسها بصعوبة، وتترك طفلتها بين يدي عاملة منزل لا تدري هل تستطيع التعامل مع بكاء الرضّع، أو التهدئة من روع طفلة تفتقد أمّها ساعات طويلة.

إنّ هذا المشهد ليس استثناءً، بل هو واقع تعيشه العديد من الأمهات العاملات بشكل يومي، خاصة في القطاع الخاص، حيث تمتد ساعات العمل إلى ثماني ساعات أو أكثر، دون توفر حضانات قريبة أو مرونة في مواعيد العمل، وبين متطلبات الوظيفة واحتياجات الأسرة، تعيش كثير من النساء صراعًا مريرًا لا يشعر به إلا من خاض تجربتهن، فقد أصبحت نظرات الأطفال في لحظة الوداع الصباحي رسائل صامتة تطرق أبواب الضمير المجتمعي، وتُذكّرنا بأن دعم المرأة العاملة لا يجب أن يتوقف عند النصوص والتشريعات القانونية، بل لا بد أن يمتد ليشمل مراعاة إنسانيتها واحتياجاتها أمومتها؛ إذ تعاني لتحقيق توازن صعب بين واجبها المهني ورسالتها الأسرية.

وفي هذا الصدد، تفتح مجلة سواعد نقابية ملف (حاضنات الأطفال في بيئة العمل) قضيةً إنسانية واجتماعية تمس شريحة واسعة من العاملات؛ مستعرضة في هذا الاستطلاع الصحفي آراء متنوعة وتجارب متباينة في هذه القضية التي تؤكد المسؤولية الأخلاقية لتطوير بيئة العمل بصورة تدعم الأم العاملة.

تقول إحدى العاملات في القطاع الخاص: تواجه النساء العاملات تحديات يومية في التوفيق بين أداء مهامهن الوظيفية ورعاية أطفالهن الصغار، ومن القصص التي تُروى ما يدمي القلب، قصص لأمهات يضطررن لترك أطفالهن بين أيدي العاملات المنزليات اللواتي يلجأن أحيانا لإعطائهم عقاقير منومة كي يخلدوا للنوم، أو يتركنهم في غرف مبردة كأنها ثلاجات حتى يظلوا هادئين ساعات طويلة، وهناك أطفال يقضون يومهم أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية، لتهدئتهم وتوفير وقت للراحة لهن!

إن كل هذه الممارسات، وإن بدت حلولًا مؤقتة، تنعكس على صحة الطفل النفسية والجسدية، فقد تسبب تأخرا في النطق وصعوبة في التواصل والتعلم، ومشكلات نفسية أخرى، لتبدأ العائلة بعدها رحلة طويلة مع جلسات العلاج والتقويم، وهنا تبرز أهمية وجود حضانات آمنة ومؤهلة داخل بيئات العمل، تضمن للأم الطمأنينة، وللطفل رعاية صحية وتربوية سليمة في السنوات الأول من عمره.

هالة الهنائية، أم عاملة في القطاع الخاص تقول: أعمل في القطاع الخاص، وتحديدًا في القطاع المصرفي، حيث نعمل ثماني ساعات متواصلة دون راحة، ونواجه العديد من التحديات المرتبطة بطبيعة العمل، كما أعمل أحيانًا على فترتين؛ إذ أبدأ عملي في الساعة التاسعة صباحًا وأعود إلى المنزل في الواحدة والنصف ظهرًا، ثم أعود مرة أخرى إلى العمل في الساعة الخامسة والنصف عصرًا حتى التاسعة والنصف ليلًا، وعند عودتي ظهرًا، أجد أطفالي نائمين، وعندما أرجع ليلًا أجدهم أيضًا نائمين، فليس لدي الوقت الكافي لقضاء وقت معهم.

وتكمل: وبالنظر إلى طبيعة عملنا، لا يمكن توفير حضانات داخل المكاتب؛ لأنها تكون أحيانًا داخل المراكز التجارية (المولات)، إلا أن وجود حضانات قريبة من مقر العمل وحده يمنح الأم شعورًا بالاطمئنان على أطفالها، بحيث تتمكن من مراودتهم بين الحين والآخر للاطمئنان عليهم.

منال السيابية، أم عاملة في القطاع الخاص تتحدث قائلة: نواجه نحن النساء العاملات في القطاع الخاص تحديات كبيرة في حياتنا اليومية؛ إذ نضطر أحيانًا إلى ترك الأطفال مع العاملة المنزلية، وأحيانًا أخرى نتركهم وحدهم بسبب طول ساعات العمل؛ وعليه نأمل أن يكون هناك قدر من المراعاة للأم العاملة التي تغادر منزلها في وقت مبكر ولا تعود إلا عند آخر النهار، وتعتبر هذه الفترة طويلة جدًا ومرهقة للأم وللأطفال وللعاملة أيضًا.

وتعبر بقولها: معاناتي في هذا الجانب كبيرة جدًا؛ فأنا شخصيًا أضطر أحيانًا إلى ترك أطفالي وحدهم، وقد تعرضت لمواقف صعبة؛ منها في إحدى المرات عدت إلى المنزل فوجدت أحد أطفالي يعاني من آثار حرق في ظهره نتيجة إهمال العاملة، وفي موقف آخر كانت العاملة في حالة من التذمر والانزعاج الشديد بسبب صراخ الأطفال طوال اليوم، ولا أنكر أنني أعيش في قلق دائم على أطفالي، واضطررت إلى تركيب كاميرات لمتابعة ما يحدث  في أثناء غيابي عن المنزل.

وتختم قائلة: كل ما نرجوه هو النظر بجدية إلى هذا الموضوع المهم وإيجاد حلول مناسبة له، سواء من خلال توفير حضانات قريبة من مقر العمل أو من خلال تقليص ساعات العمل؛ بحيث تنتهي فترة عمل المرأة العاملة في القطاع عند الساعة الثالثة ظهرًا على الأقل، لنتمكن من رعاية أطفالنا كما ينبغي.

أفراح الفارسية، رئيسة لجنة المرأة العاملة بنقابة عمال الشركة العمانية الهندية للسماد (أوميفكو)، تقول: يشكّل القلق والتوتر بشأن سلامة الأطفال ورعايتهم عاملًا يؤثر سلبًا في إنتاجية العاملات وتركيزهن في أثناء العمل، كما يرافق الأمهات شعور دائم بالذنب نتيجة اضطرارهن لترك أطفالهن في رعاية العاملات أو الحضانات الخارجية، فضلًا عن ذلك، فإن نقص التفاعل العاطفي الكافي مع الأطفال في بيئات تفتقر إلى الرعاية السليمة قد يؤثر سلبًا في نموهم النفسي والاجتماعي.

وتكمل: يُعدّ إنشاء حضانة للأطفال داخل مقر العمل خطوة إستراتيجية لدعم العاملات في تحقيق التوازن بين الحياة العملية والأسرية، كما يساهم في تعزيز شعورهن بالانتماء والولاء تجاه المؤسسة، وتكمن أهمية هذه المبادرة فيما يلي:

  • تحقيق التوازن: إذ تتيح للأمهات القدرة على التوفيق بين مسؤولياتهن الأسرية والتزاماتهن الوظيفية دون الحاجة إلى ترك العمل.
  • رفع مستوى الإنتاجية: إذ تشعر الأمهات بالاطمئنان لوجود أطفالهن بالقرب منهن؛ مما يساهم في زيادة تركيزهن وتحسين أدائهن المهني.
  • خفض التكاليف: من خلال تقليل الاعتماد على خدمات الرعاية الخارجية التي قد تكون مكلفة ماديا.

حمدة السعيدية، رئيسة لجنة المرأة العاملة بنقابة عمال شركة صحار العالمية لصناعة اليوريا والكيماويات، تقول: ثمة تحديات تواجهها الأم العاملة عند ترك أبنائها عند عاملة المنزل، مثل القلق المستمر وخوفها من عدم قدرة العاملة على رعاية طفلها بشكل صحيح أو تعرضه لسوء المعاملة، وكذلك انعدام الرقابة الكاملة على العاملة، ناهيك عن اختلاف ثقافتها؛ وبالتالي التأثير سلبا في تربية الطفل؛ ولهذا تظهر الحاجة لوجود حضانة للأطفال في بيئة العمل.

وتكمل معُبّرة…

منى عبد الهادي، مهندسة في القطاع الخاص، تتحدث عن أهمية وجود حاضنات في بيئات العمل بقولها: توفير حاضنات في بيئات العمل يعد أمرا ضروريا وليس من الكماليات؛ إذ تلعب دورا إيجابيا في حياة المرأة العاملة المهنية وحياتها الأسرية؛ وعلى سبيل المثال تساهم في خلق بيئة عمل مستقرة وتزيد من ولائها للمؤسسة؛ وبالتالي تساعدها على رفع مستوى إنتاجيتها.

وتكمل بقولها…

دلال الرئيسية، أمينة سر نقابة عمال كلية الخليج، تقول: إن وجود حضانة أطفال في بيئة العمل ليس مجرد مزية إضافية بل هو عنصر أساسي يعزز من استقرار المرأة النفسي، إذ يخفف من القلق المرتبط برعاية الأبناء.

وتسرد لنا التحديات التي تواجهها بقولها…

توضح الدكتورة إيمان الخطيب، متخصصة في علم النفس، قائلة: إن غياب الحضانة في بيئة العمل لا يُعد فقط تحديًا لوجستيًا، بل يمثل عبئًا نفسيًا كبيرًا على الأم العاملة، والقلق والتوتر يلازمان الأم طوال ساعات الدوام عندما لا تشعر بالأمان على طفلها، خصوصًا إذا كان في مكان بعيد أو غير موثوق.

وتضيف: إن هذا القلق لا ينعكس فقط على صحة المرأة النفسية، بل يمتد ليؤثر في تركيزها على أداء مهام عملها، ويُشعر الأمهات بالذنب والتقصير تجاه أطفالهن، وفي بيئات العمل التي تفتقر إلى دعم الأمومة، يصبح من الصعب على المرأة أن توازن بين دورها المهني ودورها الأسري؛ مما يرفع مستويات التوتر والإرهاق، وقد يؤدي إلى تكرار الغيابات، أو حتى تقديم الاستقالة في بعض الحالات.

وتستدرك قائلة: إن توفير الحضانة في مكان العمل يعد شكلا من أشكال الدعم النفسي للمرأة العاملة؛ فوجود الطفل بالقرب من الأم يمنحها الطمأنينة، ويخفف من شعورها بالذنب، ويعزز انتماءها وولاءها للمؤسسة؛ مما ينعكس إيجابًا على أدائها المهني، ويزيد من إنتاجيتها، بل ويفتح المجال أمام الأمهات للتطور المهني دون تضحية بواجبهن الأسري.

وتختتم بقولها: إنّ الاستثمار في حضانات العمل هو استثمار في راحة الأم العاملة واستقرارها؛ وبالتالي استقرار بيئة العمل ككل.

عائشة البلوشية، رئيسة لجنة المرأة بالنقابة العامة لقطاع الصناعة، تقول: موقف النقابات العمالية من توفير الحضانات في بيئة العمل موقف ثابت وصريح؛ فهناك قناعة تامة بأن وجود الحضانات يساهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار النفسي للعاملة؛ ولذلك تحرص النقابات دائمًا على إدراج هذا المطلب ضمن أولوياتها في الاجتماعات والمفاوضات، وتعتبره حقا أساسيا لضمان لتحقيق التوازن بين حياة المرأة المهنية والأسرية.

وتضيف البلوشية: ولا شك أن توفير حلول عملية لدعم العاملة نفسيًا سينعكس إيجابًا على مستوى الإنتاجية لعدة أسباب، منها وجود الأطفال في حضانة قريبة يمنح الأم العاملة راحة نفسية واطمئنانًا؛ ما يمكّنها من أداء عملها بكفاءة عالية، كذلك يقلل من معدلات تغيب العاملة بسبب واجباتها تجاه أطفالها؛ مما يعزز انتظام حضورها ويزيد من إنتاجيتها.

وتضيف: وبحسب علمي، حتى الآن لم تنجح أي نقابة في توفير بيئة حضانة متكاملة داخل مواقع العمل، غير أننا نتطلع في المستقبل القريب إلى سماع أخبار مبشرة وخطوات عملية نحو تحقيق هذا الهدف المنشود.

وتختم بقولها: إلى ممثلي النقابات العمالية الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية تحسين بيئة العمل وتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، نوجّه إليكم هذه الرسالة داعينكم إلى أن يكون إنشاء الحضانات داخل مقرات الشركات أو بالتعاون مع الجهات المختصة ضمن أولويات مطالبكم؛ إذ إنّ هذا الأمر سيكون له أثر بالغ في دعم العاملات وتمكينهن، وتوفير بيئة عمل أكثر إنسانية واستقرارًا للجميع.

المركز الوطني للإحصاء والمعلومات – مرصد المرأة العمانية، 2024

المركز الوطني للإحصاء والمعلومات – مرصد المرأة العمانية، 2024

أظهرت إحصائيات صادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عام 2024 أن 73% من النساء العمانيات العاملات خلال عام 2023 هن من متزوجات؛ الأمر الذي يستلزم تسليط الضوء بشكل أكبر على واقع تعيشه آلاف النساء في السلطنة…

هذه النسبة اللافتة  لا تعكس إقبال المرأة العُمانية المتزوجة على سوق العمل فحسب، بل أيضًا قدرتها على المساهمة في التنمية الاقتصادية مع المحافظة على دورها الأسري، غير أن هذا التوازن يظل محفوفًا بالتحديات، خصوصًا في ظل غياب بعض التسهيلات الأساسية في بيئة العمل، مثل وجود حضانات داخل المؤسسات والمنشآت.

يكشف الشكل الآتي التوزيع النسبي للنساء العُمانيات العاملات حسب القطاع لعام 2023 أن القطاع الخاص يستحوذ على النسبة الأكبر من القوى العاملة النسائية في السلطنة؛ مما يعكس حضورًا متزايدًا وفعّالًا للمرأة العُمانية في سوق العمل، ويُبرز هذا التنوّع المشاركة الفاعلة لعمل المرأة في القطاعين العام والخاص؛ ما يعكس مساهمتها في دعم مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عُمان، ويؤكد قدرتها على التكيف والعمل في مختلف البيئات المهنية.

يوضح الشكل التالي التوزيع العددي والنسبي للعُمانيات العاملات حسب أهم الأنشطة الاقتصادية لعام 2023، فالمجالات التي تتركز فيها مشاركة المرأة العمانية في سوق العمل.

يبرز هذا التوزيع تنوّع مجالات عمل المرأة العُمانية، مع ملاحظة أن النسبة الأكبر تتركز في أنشطة متنوعة خارج القطاعات الخمسة الرئيسية المذكورة.

إبراهيم بن عبد الله الغريبي، رئيس قسم المفاوضات والمنازعات العمالية بالاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان يتحدث قائلا: تُعد دور الحضانة مؤسسات مرخّصة تُعنى برعاية الأطفال في سن مبكرة، وقد نصّ قانون الطفل العُماني، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22/2014) على إنشائها بترخيص من وزارة التنمية الاجتماعية، محددا أهدافها النقاط التالية:

  • رعاية الطفل اجتماعيًا وتنمية مواهبه وقدراته.
  • تهيئته بدنيًا وثقافيًا وأخلاقيًا ونفسيًا وفقًا لقيم المجتمع والدين.
  • تعزيز وعي الأسر بأسس التنشئة السليمة.
  • تقوية الروابط بين الحضانة والأسرة.
  • إتاحة الترفيه والأنشطة التربوية للأطفال بما يتناسب مع أعمارهم.

ورغم أن القانون يكفل للطفل حقوقًا متعددة مدنية، وصحية، وتعليمية، واجتماعية، إلا أن واقع العديد من الأسر التي يعمل فيها الأبوان يفرض ضرورة توفير بدائل رعاية في أثناء ساعات العمل، وهو ما يسلّط الضوء على الحاجة إلى حضانات مؤسسية داخل بيئة العمل.

المركز الوطني للإحصاء والمعلومات – مرصد المرأة العمانية، 2024

رغم سماح القانون بإنشاء حضانات، إلا أن التشريعات الوطنية لا تُلزم مؤسسات القطاعين العام أو الخاص بإنشائها داخل المنشآت، وتنص المادة رقم (30) من قانون الطفل، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22/2014) على أن الدولة تُشجّع إنشاء الحضانات في الجهات التي ترى وزارة التنمية الاجتماعية أن عدد العاملات فيها يستدعي وجود دار حضانة، وتُقدَّم لها إعانات لتحقيق أهدافها، دون أن يكون ذلك إلزاميًا.

وهناك العديد من الدول التي أشارت تشريعاتها إلى توفير الحضانات، منها:

  • الأردن: وفقًا للمادة (72) من قانون العمل لعام 1996، يُلزم صاحب العمل الذي يُشغّل 20 عاملة متزوجة فأكثر، بتوفير مكان لرعاية أطفالهن الذين لا تتجاوز أعمارهم 4 سنوات، إذا بلغ عددهم 10 أطفال.
  • مصر: يجيز قانون الطفل (رقم 12 لعام 1996 وتعديله 126 لعام 2008) للمؤسسات إنشاء حضانات ويشجّع على ذلك، دون أن يكون ملزمًا.

وتدعم هذه التوجهات الدولية اتفاقية العمل الدولية رقم (156)، الخاصة بتكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة للعمال من الجنسين (العمال ذوو المسؤوليات العائلية)؛ إذ تدعو الاتفاقية إلى تهيئة بيئة العمل لتتماشى مع التزامات الأسرة، من خلال دعم خدمات رعاية الأطفال، مثل الحضانات.

بناءً على التوجهات الدولية والممارسات الناجحة، فإن البيئة القانونية في سلطنة عُمان مهيأة لتطوير تشريع ينظم إنشاء حضانات داخل مؤسسات العمل، لاسيما في ظل التوجهات الحكومية الداعمة، غير أن غياب الإلزام القانوني يضع المسؤولية على النقابات العمالية للضغط نحو إدراج هذا المطلب ضمن اتفاقيات العمل الجماعية؛ انطلاقًا من الحاجة لتوفير الدعم للأمهات العاملات وتحقيق التوازن بين واجبات العمل ومتطلبات الأسرة.

ولتنظيم إنشاء حضانات داخل بيئة العمل، يمكن مراعاة ما يلي:

  • تحديد حد أدنى لعدد العاملات، مثلا 20 عاملة.
  • تحديد سقف عمري للأطفال المستفيدين، مثلا 4 أعوام.
  • إمكانية الشراكة بين مؤسسات متجاورة لإنشاء حضانة مشتركة.
  • توفير بدائل مرنة،كالتعاقد مع حضانات خارجية مرخصة، قريبة من موقع العمل.

في ظل غياب نص قانوني يُلزم المؤسسات بإنشاء حضانات، يقع العبء على النقابات العمالية التي يمكن أن:

  • تُدرج المطلب ضمن اتفاقيات العمل الجماعية مع أصحاب العمل.
  • تستند إلى عدد العاملات وحاجة المنشأة لهذا النوع من الخدمات.
  • تُفاوض الإدارة على حلول مرنة، مثل توفير دعم مالي أو إنشاء حضانة داخلية.

وعلى الرغم من ذلك، لم تسجل الإحصائيات الرسمية للاتحاد العام لنقابات عمال سلطنة عمان أي اتفاقيات عمل جماعية تتضمن بند الحضانة خلال السنوات الماضية.

إلا أنّ هناك تجربة محلية ناجحة؛ إذ قامت الشركة العمانية للاتصالات بإنشاء حضانة داخلية لأبناء العاملين، كما بدأت إحدى النقابات في قطاع النفط والغاز مؤخرًا في التفاوض مع الإدارة لطلب إنشاء حضانة، وما زال الحوار قائمًا.

يلعب الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان دورا محوريا في دعم هذا المطلب، من خلال:

  • تقديم المشورة والدعم الفني للنقابات العمالية.
  • تأهيل القيادات النقابية وتدريبها على آليات التفاوض الفعّال.
  • تمثيل العمال في لجنة الحوار المشترك بين أطراف الإنتاج، وهي اللجنة المخولة بدراسة مقترحات تنظيم سوق العمل، ويمكن لممثلي الاتحاد في اللجنة اقتراح تعديل تشريعي ينص صراحة على تنظيم إنشاء الحاضنات في منشآت القطاع الخاص، سواء بشكل إلزامي أو عبر بدائل مرنة.

إن مطلب إنشاء حضانات داخل منشآت العمل لا تسوغه الحاجة الاجتماعية فحسب؛ بل تؤكده قوانين وتشريعات معمول بها في العديد من الدول عربيا وعالميا، ويمكن أن يشكل نقلة نوعية في دعم عمل المرأة والأسرة العمانية،ويُعد إدراجه ضمن اتفاقيات العمل الجماعية، ثم الدفع به إلى الحوار الاجتماعي والتشريع، خطوة عملية تتطلب تنسيقًا فعالًا بين النقابات، والاتحاد العام، ووزارة التنمية الاجتماعية.

سعت العديد من الدول إلى ابتكار نماذج داعمة للأم العاملة، من خلال توفير حضانات في مقار العمل أو تقديم دعم مالي للرعاية؛ بهدف خلق بيئة عمل أكثر توازنا وإنسانية.

وفيما يلي، نستعرض نماذج من تجارب دولية رائدة في هذا المجال، مثل الإمارات، والسعودية، والأردن، وألمانيا، التي خطت خطوات ملموسة لتوفير حاضنات في بيئة العمل وتقديم دعم للأمهات العاملات بطرق مختلفة، تعكس التزامًا فعليًا بتمكين المرأة وتعزيز استقرار الأسرة.

الإمارات: حضانات العمل نموذج رائد في تمكين الأم العاملة

تُعد تجربة دولة الإمارات في إنشاء الحضانات داخل المؤسسات الحكومية مثالاً يُحتذى به في دعم المرأة العاملة وتعزيز استقرارها الأسري والمهني؛ فمنذ صدور القانون الاتحادي، رقم (5) من عام 1983، ثم قرار مجلس الوزراء رقم (19) من عام 2006، وضعت الدولة منظومة تشريعية متكاملة تضمن للأمهات العاملات بيئة داعمة وآمنة لأطفالهن.

وقد أثمرت هذه الجهود في تأسيس أكثر من 170 حضانة في مختلف إمارات الدولة، تقدم خدمات تعليمية ورعائية مجانية داخل مقار العمل؛ مما يساهم في تخفيف الأعباء على الأم، ويمنحها الطمأنينة والاستقرار النفسي، كما انعكس ذلك إيجابًا على إنتاجية الموظفات ورضاهن الوظيفي، وشجع المزيد من النساء على الاستمرار في العمل والمشاركة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية.

المصدر:

https://sl1nk.com/HPDiO

السعودية: مبادرة (قرة) لتمكين المرأة العاملة

في خطوة لدعم تمكين المرأة وتعزيز استقرارها المهني، أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة (قرة) من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية، لتخفيف أعباء رعاية الأطفال عن الأمهات العاملات في القطاع الخاص.

وتقدم المبادرة دعمًا ماليًا يغطي حتى 50% من تكاليف تسجيل الأطفال في مراكز الضيافة المرخصة، بحد أقصى 1600 ريال سعودي شهريًا لكل طفل دون سن السادسة.

وتهدف هذه المبادرة إلى تمكين المرأة من الالتحاق بسوق العمل والاستمرار فيه، وهي مطمئنة على جودة الرعاية المقدمة لأطفالها؛ مما يعكس توجها حكوميا واضحا لتهيئة بيئة عمل أكثر ملاءمة للأسرة.

المصدر:

https://eservices.taqat.sa/Eservices_Individual/ProgramDetails.aspx?Id=12

الأردن: الحضانات المؤسسية تمكين للمرأة ودعم للأسرة

تُعد تجربة الأردن في إنشاء الحضانات المؤسسية خطوة متقدمة نحو تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في سوق العمل؛ فقد أطلق المجلس الوطني لشؤون الأسرة مشروعًا يوفر دعمًا ماليًا وفنيًا لإنشاء حضانات داخل مؤسسات كلا القطاعين العام والخاص؛ بهدف توفير بيئة آمنة لأطفال العاملات وتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأسرية.

وأسفر المشروع عن تأسيس عدد من الحضانات في محافظات متعددة، مع توفير التدريب للمربيات وتأمين الكادر المؤهل، كما تنص المادة (72) من قانون العمل الأردني، على حق العاملات في وجود حضانات في مكان العمل؛ ما يعكس التزامًا تشريعيًا بدعم المرأة العاملة.

وقد أثبتت هذه التجربة أثرها الإيجابي في تحسين أداء الموظفات، وتقليل معدل الغياب، وتعزيز الاستقرار النفسي للأسرة؛ مما يجعلها نموذجًا يمكن البناء عليه، لتوسيع مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

المصدر:

https://www.ammonnews.net/article/346076

ألمانيا: (المكتب-الحضانة) نموذج مرن يعزز توازن الأم العاملة

في ألمانيا، قدّمت بعض المؤسسات، مثل مؤسسة  دي دبليو الإعلامية، حلاً مبتكرًا لدعم الأمهات العاملات عبر تخصيص ما يُعرف بـ(المكتب-الحضانة)؛ وهو فضاء مرن يسمح للموظفات بإحضار أطفالهن إلى مقر العمل في حالات استثنائية، مثل غياب المربية أو إغلاق دور الحضانة.

ويمثل هذا النموذج بيئة عملية وآمنة تجمع بين رعاية الطفل وأداء المهام الوظيفية، لا سيما للأطفال دون العام الأول، وتؤكد الأمهات المستفيدات من هذه المبادرة أنها ساعدتهن في تخفيف القلق وتعزيز شعور الطمأنينة، مما ساهم في زيادة تركيزهن و رفع مستوى إنتاجيتهن خلال ساعات العمل.

ويمنح القانون الألماني للأمهات إجازة أمومة تمتد حتى عام مع الاحتفاظ بجزء كبير من الراتب، لكن العديد من الموظفات يخترن العودة التدريجية للعمل، ليشكل (المكتب-الحضانة) حلا مثاليا لمرحلة الانتقال.

المصدر:

https://www.hespress.com

لقد كشفت التجارب  المحلية والدولية أن وجود حضانات في بيئة العمل ليس خيارا ترفيا، بل استجابة حقيقية لحاجة اجتماعية وإنسانية تُلامس استقرار الأسرة وأمنها؛ فهي تُعد استثمارا حقيقيا في راحة الأم، وأمان الطفل، وإنتاجية المؤسسة.

وقد آن الأوان لأن نعيد النظر في بيئة العمل، لا بوصفها مكانًا للإنجاز والعمل فقط، بل بيئة داعمة لحياة متكاملة، تتسع لآمال المرأة وطموحاتها، دون أن يُنتزع منها حقها في الأمومة والاحتضان؛ فالأم العاملة لا تطالب بمزية إضافية، بل بحق أساسي وهو أن تكون قريبة من طفلها، وهي تساهم بكل كفاءة في بناء هذا الوطن.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى