دور النقابات العمالية في الانتقال العادل
حاتم قطيش، كاتب أردني
طورت الحركة النقابية إطار مفهوم الانتقال العادل ليشمل مجموعة من التدخلات الاجتماعية اللازمة للحفاظ على حقوق العمال وتأمين مصادر رزقهم عند التحول إلى الاقتصادات المستدامة، ويأتي في مقدمتها مكافحة التغير المناخي وحماية التنوع البيولوجي، وقد جرى التصديق عليه دوليًا من قبل الحكومات في مختلف المجالات.
ويمكن القول أنه في عام 1992 بدأ العالم في الاعتراف بأهمية قضية التغير المناخي؛ فمنذ ذلك الحين تطور الاهتمام والتعاون بقضية المناخ على المستوى العالمي، وأدرك الجميع أنه مسؤول مسوؤلية تاريخية إزاء هذه القضية، خاصة أولئك الذين تضخمت ثرواتهم نتيجة الثورة الصناعية؛ مما عزز ذلك من زخم الأبحاث العلمية وعمليات الرصد والمتابعة والتقييم في هذا الشأن.
وقد تداعت جميع الأطراف لحشد الأموال اللازمة للحد والتكيف مع كل مظاهر التغيرات المناخية وإيجاد آليات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة من أجل العمل بشكل متزن وفعال .. لتخفيف الأسباب المؤدية للتغير المناخي؛ أي لتقليل الانبعاثات بكل الطرق الممكنة، بالإضافة إلى التكيف مع تبعات هذا التغير.
إن الاقتصاد النظيف يحتاج إلى معايير خاصة تنسجم مع الأهداف المناخية واتفاقيات التغير المناخي العالمية، والتي تتطلب إعادة هيكلة قطاعات بأكملها، كقطاع الطاقة والتصنيع والزراعة، والتي تضم ملايين العمال، وفي حين سيكون أصحاب العمل أقدر بالطبع على تحمل تكاليف الانتقال إلى طرق جديدة لإنتاج الثروة؛ سيتحمل العمال وأسرهم في المقابل النصيب الأكبر من تكاليف هذا الانتقال خلال فترات التغيير الهيكلي الاقتصادي.
وعندما نتحدث عن الانتقال العادل فإننا نتحدث عن إجراءات مستدامة تساعد العمال؛ بمعنى توحيد العدالة الاجتماعية والمناخية والامتثال لمطالب العمال العادلة، خاصة في الاقتصادات الناشئة والتي تطالب بحصتها من عائد التصنيع، ومن هنا يبرز دور النقابات العمالية التي تنظر إلى الانتقال العادل على أنه انتقال نحو اقتصاد مرن للمناخ ومنخفض الكربون، يزيد من فوائد العمل المناخي، مع تقليل المصاعب التي يواجهها العمال ومجتمعاتهم، والحث على استثمارات سليمة في القطاعات والتقنيات المنخفضة الانبعاثات والغنية بفرص العمل.
إن التشاور مع جميع المتأثرين بالاستثمارات في مختلف القطاعات يؤدي إلى احترام حقوق الإنسان وشروط العمل اللائق، كما يعزز من تكيف طرفي الإنتاج مع التغير المناخي من حيث تغيير منهجية العمل وتكريس العمل المرن وتغيير الصورة النمطية لأساليب العمل التقليدية والتي تضع أحيانا قيودا غير منطقية تتعلق بساعات العمل ومكان العمل أيضا.
إن النقابات العمالية الفاعلة المدركة لأهمية هذا الانتقال العادل -بصفتها المتحدث باسم العمال الذي يدافع عن حقوقهم ويسعى لتوفير بيئة عمل لائقة لهم- من المتوقع منها اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الممكنة للتقليل من آثار التغير المناخي وتوفير انتقال آمن للعمال، لا سيما أن العديد من أشكال العمل التقليدية الحالية ستختفي، ويحل محلها أشكال عمل جديدة مستحدثة سيفرضها مستقبل العمل، ومن جملة هذه التدابير والإجراءات التالي:
– رفع الوعي العمالي، خاصة فيما يتعلق بمستقبل العمل والتغير المناخي.
– حث الحكومات على المصادقة والالتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية البيئة والمناخ.
– التعاون مع جميع الأطراف المعنية لتخفيف آثار التغير المناخي.
– وضع الأولوية للطاقة المتجددة.
– الدعوة إلى التشجيع على الاستثمار في مجال البنى التحتية والمواصلات الأقل ضررا للبيئة.
– تنظيم حملة تضامن عالمية لحماية البيئة من أضرار التغير المناخي.
– حث الحكومات على تحمل مسؤولياتها لاعتماد نموذج تنموي، يضمن سياسات محددة لحماية البيئة، وخفض الانبعاث الحراري، وتطوير الطاقة المتجددة.
– تفعيل الحوار الاجتماعي مع الحكومات وأصحاب العمل لإطلاق برامج وسياسات وطنية لبناء القدرات على مواجهة آثار التغير المناخي، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.
– إدماج التربية البيئية في جميع مستويات التعليم الوطني، وتوجيه الإعلام للاهتمام بقضايا البيئة.