مركز صنّاع عُمان يعمل على دعم أفكار المبتكرين والمبدعين والصناعيين في السلطنة
الدكتور حيدر بن عبد الرضا اللواتي، كاتب في الشؤون الاقتصادية
يلعب مركز صنّاع عمان بمجمع الابتكار مسقط اليوم دورًا رائدًا في دعم أفكار المبتكرين والمبدعين، ويسهّل لهم الحياة العملية؛ لتحفيزهم في تقديم ما لديهم من إبداعات في مختلف الحقول الصناعية والاقتصادية.
المهندس هلال بن ناصر الشبلي، مدير عام مركز صنّاع عمان تحدث عن تفاصيل هذا المركز في جلسة خاصة، عقدت بمجلس الخنجي المرئي مؤخرًا بحضور عدد من رجال الأعمال والمهتمين؛ إذ تناول في محاضرته عددًا من المحاور التي تهم هذا المركز قائلا: المركز عبارة عن مبادرة، تمت بين مجلس البحث العلمي والهيئة العامة للتخصيص والشراكة في نهاية عام 2019، وعلى إثره تم تأسيس مركز الأعمال، ويقع المركز بمجمع الابتكار مسقط، وهو يتبع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وقد تم إسناد تشغيله إلى شركة عمانية صغيرة ومتوسطة؛ ويهدف المركز إلى تطوير البحوث والتشجيع على الابتكار، وتعزيز القطاع الأكاديمي وربطه مع مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المحلي والعالمي؛ ويحتوي على عدد من الأجهزة الحديثة والأدوات اللازمة التي تساعد مرتاديه في عملية التصميم والإنتاج، وتتيح لهم فرص تحويل الأفكار والابتكارات إلى نماذج حيّة، ومن ثم تحويلها صناعيّا؛ بحيث يتم ذلك من خلال تشغيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بجانب الإسراع في نقل الابتكارات، وبناء القدرات، ومن ثم تطوير أساليب التسويق، وتوفير فرص العمل.
ويرى المهندس هلال أن هذا المركز من خلال منظومته القائمة يساعد في عملية دعم عملية التعليم، وتمكين التصنيع، وتأسيس العلاقة والشراكة بين طلبة الجامعات والقطاعات الصناعية والتجارية من خلال القيام بالأمور الفنية التي تتعلق بالتصاميم وتطوير المنتجات، وخلق فئة الصناع والمبتكرين، مشيرًا إلى أن المركز يستقبل جميع الفئات من الأعمار، ومراحل التعليم المختلفة، موضحًا أن الابتكار يعتبر طريقة جديدة في الإدارة الحديثة، ويدخل في الكثير من القطاعات الإنتاجية.
وخلال الزيارة الميدانية التي قام بها بعض رجال الأعمال والمهتمين شاهدوا الآلات والمعدات التي يوفرها المركز بجانب الحاضنات والمساحات الأخرى لعرض الابتكارات، وتخزين المواد الخام، وتوفير شبكة التواصل مع المستثمرين والمستفيدين من الخدمات.
إن هدف المركز هو إنشاء شركات فاعلة بين المستثمرين من ذوي الخبرة والشركات الناشئة والمبتكرين بما يمكّنه الابتكار من تحقيق مزيد لريادة الأعمال، ويسرّع من ظهور شركات ناشئة، وأمّا رائد الأعمال فعليه البحث عن الإمكانات المالية والإدارية بجانب سعيه في تعزيز جانب البحث والتطوير وعمليات الإنتاج؛ ومن خلال ذلك يمكن تكوين شراكة مستدامة متكافئة بين الخبرة الإدارية ورأس المال والمعرفة والمهارات كما يؤكد عليها المهندس هلال موضحًا أن هناك اليوم تعاونًا مع بعض الجامعات الحكومية والخاصة لتطوير مشاريع ومنتجات تعزز القيمة المحلية المضافة، وتساهم في توفير فرص عمل نوعية للمبتكرين.
ومن أجل الاستفادة من مختلف شرائح المجتمع فإنّ المركز يفكّر حاليا في استثمار خبرات المتقاعدين ذوي الخبرة في مختلف التخصصات؛ إذ أنّ المشاريع الناجحة تحتاج إلى خبرات هؤلاء الأشخاص، ويمكن للخريجيين الجدد من خلال شركاتهم الناشئة الاستفادة والعمل مع فئة المتقاعدين؛ فالأعمال التجارية والصناعية تمر بالكثير من الإجراءات الإدارية المالية والفنية التي يجب الإحاطة بها، ويمكن لرائد العمل الجديد أن يطلّع على هذه الإجراءات من خلال الخبرات الميدانية مع رواد الأعمال والمتقاعدين وكل من لديه شغف الابتكار؛ فالمهم في هذا الموضوع هو ضرورة إيجاد علاقة بين المبتكرين ورجال الأعمال والمستثمرين للدخول في المشاريع الابتكارية، والاستثمار بها من الناحية المالية؛ نتيجة لقلة القدرات المالية لدى المبتكرين.
إن فئة الشباب التي التقينا بها تعتبر من المبتكرين الطامحين الذين يتميزون في اختراعاتهم وابداعاتهم، ويعمل المركز على تحفيزهم في معرفة المزيد عن ثقافة ريادة الأعمال في مجال البحث والابتكار، وتنمية الأعمال من خلال برنامج حاضنات الأعمال الذي يضمّ العديد من تلك الابتكارات، إضافة إلى توفير منصة للاقتصاد القائم على المعرفة، بجانب تشجيع المنتجات والمشاريع القائمة على البحث والتطوير.
وما شهدناه أثناء الزيارة يفُوق توقعات الزائرين؛ فلم يكن من المتوقع أن يصل الابتكار والاختراع لدى الشاب العماني إلى هذه الدرجة من الوعي والتقنية لإنتاج أجهزة تتعلق بقطاعات اقتصادية، هدفها زيادة كميات المنتجات الزراعية والمائية والسمكية، وأساليب الزيادة عبر مراحل مختلفة، إضافة إلى ابتكار أجهزة استشعار عن بُعد لحركة الناس والدواب والكائنات الأخرى، والتي من خلالها يمكن إنقاذ حياة هؤلاء البشر والدواب على الطرق السريعة، وفضًلا عن ذلك يوجد هناك أيضا شباب يعملون في ابتكار أدوات في مجال النفط وحركة السفن واستخدامات الحديد والمعادن والأخشاب وأوراق الشجر وجذوعها وجذورها، وفي مجال إنتاج الأغذية وفي أعمال تعود بالمنافع على المجتمع العماني، وتسرّع من العملية الصناعية في البلاد مستقبلا.
ومن خلال الحديث معهم علمنا بأن ما ينقص هؤلاء الأشخاص المبتكرين هو الشراكة مع المستثمرين العمانيين من حيث تمويل هذه المشاريع على أرض الواقع؛ إذ أنّ معظمهم طلاب ويأتون من جامعة السلطان قابوس والجامعات والكليات الحكومية والخاصة، وبعض المؤسسات العلمية الأخرى، وأن معظمهم يعتبرون من فئة الباحثين عن عمل في تخصصات مختلفة؛ وبالتالي فإن هؤلاء الشباب بحاجة إلى من يقوم بتمويل هذه المشاريع الابتكارية واستكمال خطواتها؛ فبعض هذه المشاريع تنقصها دراسات جدوى للتعرف على احتياجاتها الإدارية المالية والفنية والإنتاجية وغيرها من الأمور الأخرى، بينما المبتكرات الأخرى تتطلب وجود مستثمرين ورجال أعمال للمشاركة في تمويل هذه المشاريع ماديّا لترى النور؛ الأمر الذي يتطلب تسليط ضوء أكبر على هذه المشاريع الابتكارية وعلى هؤلاء المبتكرين؛ لإيصال الرسالة للجهات المعنية للوقوف على كل صغيرة وكبيرة.
هولاء الشباب يعلمون جيدًا أن هناك العديد من المؤسسات التي يمكن أن تأخذ بأيديهم لتحقيق المزيد من الابتكار في عملهم اليومي؛ كوزارة التعليم العالي والبحث العلميوالابتكار، ووزارة التجارة والصناعة، والمناطق الصناعية، وغرفة تجارة وصناعة عمان، وبنك التنمية العماني، ومؤسسات أخرى يُمكن أن تنظر في احتياجاتهم من حيث الشراكة والتمويل والإنتاج، بجانب مؤسسات القطاع الخاص والشركات والبنوك التي لديها برامج تمويل مشاريع، تقع ضمن المسؤولية الاجتماعية. كما يأمل هؤلاء المبتكرون أن تقوم وسائل الإعلام المختلفة بتسليط المزيد من الضوء على ابتكاراتهم ومنتجاتهم؛ من خلال إعداد تقارير يُمكن أن تحدث نقلة ابتكارية وفكرية وثقافية وإنتاجية في المجتمع العماني خلال المرحلة المقبلة.
اليوم هناك شغف لدى هؤلاء المبتكرين لمعرفة المزيد عن الأمور التي ترتبط بالصناعة في السلطنة، وهذا يمكن تحقيقه من خلال تنظيم زيارات ميدانية لهم للشركات الصناعية القائمة في المناطق الصناعية بالرسيل وغيرها؛ ليقفوا على المستجدات التي شهدتها الصناعة في البلاد، وبما يمكن إضافته في المرحلة المقبلة.
وأخيرًا نقول إنَّ مركز صناع عمان والعاملين به يعملون على تهيئة الحاضنات للتركيز على مشاريع العلوم والتقنية التي تهدف لتبني الأعمال الريادية المحلية والدولية في السلطنة؛ فهو يعمل من جانبه على تحقيق عدد من الأهداف تشمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والمبتكرين أنفسهم، والباحثين عن عمل، وطلاب الجامعات والكليات، إضافة إلى الموهوبين من الأفراد أو المجموعات، كما يهتم أيضا بتقديم عدد من الخدمات منها: الدعم الفني، وتوفير ورش التصنيع والنمذجة، إضافة إلى تقديم الإرشاد والتوجيه في مجال الأعمال، والتدريب؛ وتبقى هناك مسؤولية اجتماعية تقع على المؤسسات الأخرى في المجتمع؛ بهدف تحقيق آمال هؤلاء الفتية المبتكرين من حيث إيجاد الشراكة معهم والأخذ بيدهم؛ لترى أعمالهم وابتكاراتهم النور، وهذا أكبر تحدّ يواجهه المبتكرون في الوقت الحالي.