أهمية الاستثمار في الاقتصاد المبني على المعرفة في سلطنة عُمان
الدكتورة شريفة بنت حمود الحارثية، المديرة العامة للبحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار
انطلاقًا من أهداف رؤية عُمان 2040 لتأسيس الاقتصاد المبني على المعرفة الذي يشكل أحد أهم دعائم التنويع الاقتصادي المتكامل لسلطنة عُمان؛ فإنه يتبين أهمية الاستثمار في المنظومة الوطنية للابتكار التي تعتبر المحرك الرئيسي لبناء اقتصاد وطني منافس مبني على المعرفة.
والمتخصص في مجال المنظومات الوطنية للابتكار وفق المعايير الدولية يجد أن التعليم بأنواعه كافة، سواء التعليم المدرسي أو التعليم العالي بشقيه الأكاديمي، والتقني والمهني، بالإضافة الى البحث العلمي والتطوير، يعد أحد الركائز الرئيسية لهذه المنظومة، ويظهر هذا جليًّا في مؤشر الابتكار العالمي في محور الرأسمال البشري والبحث العلمي، والتي تعتبر مدخلات لمنظومة الابتكار، بالإضافة إلى البنى الأساسية واللوجستية والرقمية، والمقصود بمدخلات الابتكار هي مقدار الاستثمارات الوطنية في هذه الركائز من أجل تعظيم مخرجات الابتكار، والمتمثلة في تأسيس شركات ناشئة يقودها الابتكار تساهم في رفد الاقتصاد الوطني وتعزز إجمالي الناتج المحلي، وتولد فرص عمل متجددة للشباب، ومن جهة أخرى تنسجم هذه الركائز مع التوجهات العالمية لتأسيس اقتصاد مبني على المعرفة في تركز الاستثمارات على: التعليم، والابتكار، والبنى الرقمية ( KBE Index).
إلا أن تفعيل المنظومة الوطنية للابتكار بالشكل الذي سيمكنها من المساهمة في بناء الاقتصاد المبني على المعرفة لا يتأتى إلا بتكامل الأدوار بين مؤسسات الدولة المختلفة من القطاعات الحكومية، والخاصة، والصناعية، والأكاديمية، ومؤسسات المجتمع المدني.
إن سلطنة عُمان، وهي تتقدم بثبات نحو المستقبل لتعزيز موقعها ضمن مصاف الدول المتقدمة تقف اليوم على أرضية صلبة من خلال الدعم السياسي، المتمثل في خطابات صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، أعزّه الله، وكذلك من خلال التوجهات السامية، الواردة وفق المرسوم السلطاني رقم (6/2021) الفصل الرابع، باب المبادئ الثقافية المادة (١٦) من النظام الأساسي للدولة، والذي أكّد بما لا يدع مجالا للشك أن متطلبات المرحلة المقبلة لنهضة عُمان المتجددة تحتم علينا الاستثمار في البحث العلمي والابتكار، والنهوض بالبحث العلمي والتطوير ودعم المبتكرين والمبدعين خاصة في مؤسسات التعليم العالي التي تعتبر منبع المعرفة، ومنشأ رواد الأعمال المبتكرين من الشباب العماني من الجنسين؛ إذ نص على (تكفل الدولة حرية البحث العلمي، والعمل على تشجيع مؤسساته، ورعاية الباحثين، والمبتكرين، كما تكفل سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي في نهضة البحث العلمي، وتكفل الدولة حرية الإبداع الفكري، ورعاية المبدعين، وتشجع على النهوض بالفنون والآداب) (المرسوم السلطاني 6/2021).
ولتوضيح دور المؤسسات التعليمية في تعزيز الابتكار المعتمد على البحث العلمي والتطوير وانعكاسه لاحقًا على بيئات العمل، وحتى تستطيع مؤسسات التعليم العالي القيام بدورها الرائد في تأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار الذي بدوره ينعكس إيجابا على بيئات العمل، وتعزيز أداء مؤسسات الدولة المختلفة من خلال تقديم خدمات ذكية وسريعة وفاعلة بواسطة توظيف المبادرات الابتكارية والإبداعية في بيئة العمل من جهة، وتوليد فرص عمل متجددة للشباب من جهة أخرى، فلا بد من توفير الممكنات الأساسية لهذا الدور، والمتمثلة في انتهاج سياسات التعليم الريادي من أجل غرس مهارات ريادة الأعمال وتأسيسها لدى الطلبة، بالإضافة إلى توفير الموازنات الفاعلة للبحث العلمي والابتكار من خلال زيادة الإنفاق على البحث العلمي والابتكار بواسطة بناء روابط وشراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص لتوفير الحد الأدنى من التمويل الفاعل؛ إذ أنه وحسب المعايير الدولية لليونسكو تستطيع الدول أن تحصد الأثر الفعلي للاستثمار في البحث العلمي عند إنفاق ما نسبته (1%) من إجمالي ناتجها المحلي على أنشطة البحث والتطوير، بالإضافة إلى توفير التشريعات المرنة والذكية من أجل تعظيم مخرجات البحث العلمي والابتكار، وتوفير الحوافز التشجيعية للباحثين والعلماء والمبتكرين لمزيد من الأنشطة البحثية والابتكارية، بالإضافة إلى تقديم حوافز لمؤسسات القطاع الخاص من أجل المساهمة في أنشطة البحث والتطوير.
ومن الاستثمارات التي لا تقل أهمية عن تنظيم الإنفاق من أجل تفعيل المنظومة الوطنية للابتكار هو تمكين البيئة الابتكارية المحفزة، مثل مجمع الابتكار مسقط، والمنصة الرقمية الوطنية للابتكار (عمان تبتكر)، ومراكز البحث والتطوير بالشراكة بين القطاعات الأكاديمية وشركات القطاع الخاص العملاقة، ومراكز الابتكار ونقل وتوطين التقانة، والتشريعات المرنة، والموارد البشرية ذات الكفاءة العالية، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجال البحث العلمي والتطوير، وتقديم حوافز تنافسية للنخبة من العلماء والمبتكرين حول العالم للقدوم إلى سلطنة عُمان من أجل نقل وتوطين المعرفة والتقانة من خلال التواصل المباشر مع العلماء والمبتكرين العمانيين.
ولا يفوتنا هنا أن نركز على أهمية الابتعاث للشباب العماني، الذي يعتبر استثمارًا آخر من أجل تأسيس الاقتصاد المبني على المعرفة للانخراط في الأوساط البحثية والابتكار، مثل المناطق العلمية العالمية، وهي على سبيل المثال لا الحصر، (سيلكون فالي) في الولايات المتحدة، أو المدن الذكية في كوريا الجنوبية، وغيرها من الأوساط المنتجة للشركات العالمية التي يقودها الابتكار.
إن تفعيل المنظومة الوطنية للابتكار يتطلب تكامل الأدوار بين جميع الفاعلين الرئيسيين فيها، وهم: منتجي المعرفة والحلول المعرفية، وداعمي المعرفة ماليا وتقنيا ومعرفيا، ومستخدمي المعرفة من القطاع الصناعي والقطاع الخاص.