خطط مستقبلية لمواجهة تأثير أزمة كورونا على العاملين وأصحاب المؤسسات والمهن المتضررين
د. بدرية بنت ناصر الوهيبية
كاتبة في المجالات الاجتماعية والثقافية
تصدت السلطنة لأزمة تفشي فيروس كورونا (COVID-19 ) مثلها في ذلك مثل جميع الدول المتضررة، فاتخذت قرارات صريحة وعاجلة لاحتواء الجائحة، ومع استمرار ارتفاع العدد الإجمالي لحالات الإصابة، فإن هناك حالات تتعافى بشكل يومي، و قد تسبب فيروس كورونا (كوفيد–19) في تفعيل أعلى مستويات الاستجابة والإنذار من الأمراض المعدية في السلطنة، ومواجهة الكوارث وضمان السلامة، كما أُنشئت نقاط التحكم والسيطرة في جميع المحافظات، وفرض الحظر الصحي لبعض الولايات التي ثبت تفشي الجائحة بها، كتدبير لمكافحتها والحد من انتشارها، وتكثيف البرامج والحملات الإعلامية المختصة في مواجهة الجائحة لإبقاء المجتمع على اطلاع بآخر التطورات والمستجدات.
وتيقنت السلطنة بفضل القيادة الحكيمة لمولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم– حفظه الله – أن استمرار انتشار الفيروس وعدم السيطرة عليه سوف يؤدي إلى خسارة كثير من الشركات والمؤسسات الخاصة أعمالهم، وبالتالي فقد العمالة وتسريح الموظفين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وفقد أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأصحاب الحرف مصدر رزقهم، كما أنّ كثيرًا من العاملين العُمانيين والوافدين فقدوا أعمالهم اليومية، وخاصةً من كان يعمل منهم في المجالات التجميلية ومنها الحلاقة والصالونات النسائية وغيرهم، وجميع هذه العوامل ستؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الأمن والاستقرار الأسري والمجتمعي، وزيادة معدلات الانحراف والجريمة كالسرقة وغير ذلك، ما لم يتم تداركها واتخاذ التدابير المناسبة لمعالجتها.
ويعد القطاع السياحي من أكثر القطاعات الاقتصادية المتأثرة عالمياً، فصناعة السفر والسياحة إحدى قطاعات الاقتصاد التي تعتمد عليها معظم دول العالم في ناتجها المحلي السنوي، خصوصاً أنه يسهم بأكثر من 12% من إجمالي الناتج العالمي سنوياً، ويبلغ حجم القطاع السياحي من الاقتصاد العالمي سنوياً –و فق الأرقام الرسمية – قرابة 8.5 تريليون دولار، وقد تبلغ خسائر سوق السياحة العالمية تريليون دولار هذا العام، وهناك نحو 50 مليون وظيفة قد تغلق جراء انتشار هذا الوباء عالمياً بحسب ما ذكرته شبكة “بي بي سي” البريطانية، وبسبب الإجراءات المتخذة للحد من تفشي كورونا توقف 70% من قطاع السياحة وفق ما ذكره تقرير وكالة الأناضول، وكان قد بلغ مجمل الوظائف في صناعة السياحة نحو 319 مليون وظيفة، أي نحو 10% من مجمل الوظائف العالمية في 2018م حسب ما ذكره التقرير، وتوقعت منظمة السياحة العالمية أن يتراجع عدد السياح في العالم بنسبة 20 إلى 30% في العام 2020 بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، وتوقعت الأمم المتحدة سابقاً أن يبلغ التراجع 1 إلى 3% مقارنة بالعام 2019.
وبالنسبة لسلطنة عُمان فإن القيمة المضافة للقطاع السياحي بلغت 912 مليون ريال بنهاية عام 2018، مقارنة بنحو 728 مليون ريال عُماني في عام 2017 بنسبة نمو سنوي 25 بالمائة، وحسب ما نقلته وكالة الأنباء العمانية أنّ القطاع السياحي بالسلطنة ساهم بنسبة 2.9 بالمائة في الناتج الإجمالي المحلي بنهاية عام 2018 مقارنة بنسبة 2.6 بالمائة في العام 2017، وشهدت سلطنة عُمان انخفاضاً ملحوظاً بمعدل الحجوزات والتدفق السياحي جراء التدابير الاحترازية للحد من تفشي الجائحة والإسهام في السيطرة على منحنى تفشي هذا المرض والحد من انتشاره، وهذا يعني الحد من التنقلات وتخفيض كل أشكال المُخالطة بما في ذلك السفر.
ومن الإجراءات والتدابير الاحترازية المتعلقة بالسفر والسياحة التي أصدرتها اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد–۱۹): تعليق جميع رحلات الطيران الداخلية والدولية من مطارات السلطنة وإليها، وقصر دخول السلطنة من جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية على العُمانيين فقط، ووقف خروج العُمانيين إلى خارج السلطنة، اعتباراً من 18 مارس 2020، وتم تعليق أعمال سيارات الأجرة والمواصلات في بعض الولايات المتأثرة، وتعليق الرحلات السياحية وإغلاق الأماكن والمرافق السياحية وإرسال توعية للسائحين بالعودة إلى بلدانهم حفاظاً على سلامتهم، ولذلك تأثرت مجالات مختلفة في القطاع السياحي منها: شركات الطيران والسياحة والفنادق والمطاعم ومعدلات الضرائب والعائدات من التأشيرات السياحية والمطارات والمنافذ والمتاحف وسيارات الأجرة والمواصلات والأماكن السياحية والخدمات اللوجستية، فضلا عن تأثر العاملين في هذه القطاعات الذين توقفت أعمالهم جراء هذه الأزمة.
وللتقليل من أثر تداعيات الجائحة تم اتخاذ حزمة من تدابير الحماية الاجتماعية الناجعة وبفضلها أصبحت السلطنة تعد نموذجاً يحتذى به عالمياً في مكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد، حسبما أفادت به منظمة الصحة العالمية مؤخراً ، وإشادة بنك النقد الدولي للإجراءات التي اتبعتها السلطنة لمواجهة تداعيات كورونا وانخفاض أسعار النفط، حيث أعدت السلطنة آليات وخطط واضحة للتعامل مع المتضررين مادياً واجتماعياً من الأزمة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل مكافحة الجائحة ودعم المتضررين، وشملت الحزمة التي أقرتها اللجنة العليا عدداً من الالتزامات من القطاع الخاص تجاه القوى العاملة العُمانية وغير العُمانية، ومن بين هذه الإجراءات: الاتفاق بين مؤسسات وشركات القطاع الخاص والعاملين بها فيما يتعلق بسداد أجورهم، ويحق للمؤسسات وشركات القطاع الخاص المتأثرة تقديم الإجازات السنوية مدفوعة الأجر للعاملين لديهم في القطاعات التي تم إغلاقها، وحث المؤسسات والشركات المتأثرة على ترحيل القوى العاملة غير العُمانية نهائياً، وعلاوة على ذلك أعلنت بعض البنوك مراعاتها لتأثيرات الأوضاع الحالية خاصة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ وتأجيل سداد أقساطهم من القروض سواء أكانوا من الأفراد أم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
بالإضافة إلى ذلك فإن السلطنة حالياً تعمل على تفعيل صندوق الأمان الوظيفي ودعمه مالياً وفنياً وإدارياً، وهو أحد أهم المشروعات التي يجري العمل على تنفيذها، وقد جاء بتوجيهات سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – ،وقد تم تمويله من لدن جلالته في بداية تأسيسه ب 10 ملايين ريال عُماني، ويعكس ذلك مدى الحرص السامي على رعاية المواطن في القطاع الخاص؛ نتيجةً لما يمر به هذا القطاع من تحديات ومصاعب أضرت بالعديد من المواطنين، الذين تعرضوا لعمليات تسريح وخفض الرواتب.
ولمراعاة أحوال المتضررين اجتماعياً تم توزيع المسؤوليات على الجهات الحكومية فيما يتعلق بالوقاية والاحتواء والعلاج، والاستجابة الفعلية لمتطلبات العلاج والحجر الصحي، وإغاثة المتضررين ومنهم ذوي الدخل المحدود والوافدين وأصحاب المهن الصغيرة، وتوفير المؤن والمستلزمات الضرورية لهم بالتعاون مع الجمعيات الخيرية وجمعيات المرأة العُمانية ولجان التنمية الاجتماعية بكل ولاية.
ومن حيث تأهيل الوضع بعد كورونا بسبب ما أحدثه من آثار اجتماعية واقتصادية، وفقد الكثير من العاملين وظائفهم جراء الأزمة لجأت بعض الدول إلى وضع آليات لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعية وخطط مستقبلية لحماية بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأصحاب الحرف والمهن الصغيرة، وفئة ذوي الدخل المحدود المتضررين، حسب بيان ذكرته الصحيفة الرقمية (Business Insider)، وذلك عن طريق تقديم مساعدات مباشرة للمواطنين، بما في ذلك الإعانات الشهرية أو دفع أجور العمال من أجل تجنب تسريحهم.
ونذكر هنا مجموعة من النماذج العالمية التي ذكرتها الصحيفة، فمثلاً : ستقدم ماليزيا إعانات نقدية مباشرة للعاملين في بعض الصناعات التي تضررت بسبب أزمة “كورونا“، ويشمل هذا القرار سائقي الحافلات وسيارات الأجرة والمرشدين السياحيين والعاملين في القطاع الطبي.
وتخطط الحكومة البريطانية لدفع ما يصل إلى 90% من أجور العمال، ويمكن للشركات الحصول على هذه الأموال بأثر رجعي، وأن تعيد توظيف العمال الذين تم تسريحهم، كما قدمت الحكومة منحاً نقدية مجانية للشركات الصغيرة.
وتعتزم كوريا الجنوبية تغطية 70% أو أكثر من أجور العمال، وقد يحصل بعض العمال المستقلين والعاملين بدوام جزئي على هذه المساعدة، وقدمت مختلف مناطق بلجيكا مدفوعات مباشرة، وقررت بروكسل دفع دخل بديل خلال شهري مارس وأبريل للعمال المستقلين الذين توقفت أعمالهم أو تعطلت لمدة سبعة أيام على الأقل.
وسوف تمنح الولايات المتحدة الأمريكية الأفراد المتضررين شيكات بقيمة 1.200 ألف دولار، وتعتزم جميع الولايات الألمانية وعددها 16 ولاية تقديم مدفوعات للشركات الصغيرة والعمال المستقلين، وقد حصل 150 ألف عامل في برلين على مساعدات مباشرة. أمّا هولندا فقد أعلنت بأنه يمكن للشركات التي تتوقع خسارة 20% على الأقل من إيراداتها أن تتقدم بطلب للحصول على تمويل من الحكومة، وسوف تدفع الحكومة ما يصل إلى 90% من رواتب العمال خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، بشرط ألا تسرح هذه الشركات العمال خلال هذه الفترة.
ومن خلال قراءة واقع الأضرار التي تعرضت لها السلطنة جراء مواجهة الأزمة، نجد أن هناك فرصاً إيجابية قد تخرج من رحم المصاعب والتحديات، وبالإمكان أن تستشرف من خلالها السلطنة خططاً مستقبلية للتخفيف من وطأة الآثار الاقتصادية والاجتماعية ومعالجتها، ويقتضي أن تتضمن مجموعة من الآليات من بينها الآتي :
– العمل على تطوير منظومة شبكات الأمان الاجتماعية من خلال إيجاد تشريعات منظمة لتسريح العاملين في حالة الأزمات والكوارث لحمايتهم وتخفيف الأضرار عليهم، ودعمهم مادياً من خلال تخصيص مدفوعات مباشرة لمن تأثرت أعمالهم بشكل كبير من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب المهن والحرف البسيطة والمرشدين السياحيين وسائقي الأجرة والمواصلات المتضررين والعاملين المتضررين من ذوي الدخل المحدود، والاستفادة من التجارب الدولية العالمية في معالجة تلك الفئات المتضررة مادياً، وإيجاد آليات عاجلة لتوظيف الباحثين عن عمل مكان القوى العاملة الوافدة المرحلة جراء الأزمة.
– ضرورة الإسراع في تفعيل صندوق الأمان الوظيفي ودعمه مادياً من قبل الشركات الكبرى، وتوظيف المسؤولية الاجتماعية من قبل القطاع الخاص لمعالجة أضرار الأزمة وحماية العاملين في شركات القطاع الخاص المتضررة وتوظيف الباحثين عن عمل مكان القوى العاملة الوافدة المرحلة.
–أهمية تعزيز بيئة الأعمال، والتدريب على رأس العمل والتشغيل عن بعد من خلال إيجاد تشريعات منظمة للعمل عن بعد، وإيجاد ضوابط قانونية وإدارية لها، لما له من دور في زيادة الإنتاجية وتخفيف التكاليف التشغيلية للدوائر الحكومية والقطاعات الخاصة.
– تحقيق الاكتفاء الذاتي وتشغيل الموارد البشرية الوطنية من خلال التركيز على التنويع الاقتصادي والصناعي وما يترتب عليه من إيجاد فرص عمل للمواطنين في تخصصات مختلفة، وإيجاد فرص استثمارية مختلفة، وتقديم تسهيلات إجرائية وإعفاءات ضريبية لمن يتقدم لإنشاء مصانع واستثمارات وطنية، وخاصة في مجال التصنيع الغذائي وتطوير التقنيات الطبية والعلاجية وتطوير مجالات القطاع السياحي.
– تعزيز الابتكارات الشبابية واستثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنشاء المنصات الإلكترونية المؤهلة لاستيعاب خدمات القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة واستثمارها، والتسويق وأداء الأعمال والتعليم والتدريب وتفعيل المؤتمرات والمعارض عن بعد، ما يضمن استمرار إنتاج المؤسسات والشركات الخاصة وعدم فقد العاملين لوظائفهم وأعمالهم الخاصة.