الحد الأدنى للأجر
المحامي سيف بن راشد الهنائي
تمهيد
إن فئة العمال من أوسع فئات المجتمع انتشارًا، وأكثرها عددًا، وأمسها حاجة إلى الحماية؛ باعتبارها الطرف الضعيف في علاقة العمل، ويعتبر الأجر على رأس التزامات صاحب العمل الجوهرية، وأحد أهم العناصر الأساسية في عقد العمل؛ إذ أنه يكفل للعامل وأفراد أسرته حياة كريمة، لذا تسعى جميع التشريعات إلى مد الأجر بنظام حماية دقيق لاعتبارات اجتماعية وإنسانية واقتصادية، ومن مظاهر هذه الحماية وضع حد أدنى للأجور.
وقد نصت المادة (15) من النظام الأساسي للدولة رقم 6/2021 على “العمل حق وشرف، ولكل مواطن ممارسة العمل الذي يختاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرا إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، ولمدة محددة، وبمقابل عادل، وتسن الدولة القوانين التي تحمي العامل، وصاحب العمل، وتنظم العلاقة بينهما، وتوفر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية” .
والأَجْرُ كما جاء على لسان العرب لابن منظور هـو: الجزاء على العمل، والجمـع أُجور والإجارَة: من أجر يأْجرُ، وهو ما أعطيت من أَجْر في عمل، والأَجْر: الثواب([1])، وفي كتاب العيـن([2]) الأجْرُ: جزاءُ العَمَل. أَجَر يُأجُرُ، مأجور. والأجيرُ: المستأجُر. والإجارةُ : ما أعطيت من أجْرِ في عَمَل، وجاء في المعجم الوسيط ([3])، الإجارة: الأجْرة على العمل ـ عَقْد يَرِد على المَنَافع بعوض. والأجْرُ : عوَض العمل والانتفاع. والأجر اصطلاحًا “كل ما يدخل في ذمـة العامل مقابل العمل الـذي يؤديه تنفيذًا لعقـد العمـل، وذلك أيًّا كان الاسم الذي يطلق عليه، وأيًّا كانت الطريقة التي يحتسب بمقتضاها([4])، وعّرفه جانب آخر من الفقهاء بأنه” المقابل للعمل الذي يؤديه العامل لرب العمل”([5]). وعـرفـت الفقـرة (12) من المادة الأولى من قانون العمـل العُماني الأجـر الأساسي بأنه” المقابل المتفق عليه بين العامل وصاحب العمل نقدًا، والثابت في عقد العمل مضافًا إليه العلاوة الدورية”، وعرفت الفقرة (13) من نفس المادة الأجـر الشامـل بأنه “الأجر الأساسي مضافًا إليه جميع العلاوات الأخرى التي تُقر للعامـل لقاء عمله”.
والحد الأدنى للأجور هو ” المستوى الذي لا يجوز أن ينخفض عنه أجر العامل في المهنة التي يعمل فيها” ([6])
أولاً : التطور التاريخي لنظام الحد الأدنى للأجور في السلطنة:
الأصل أن يترك تحديد الحد الأدنى للأجور لمحض إرادة المتعاقدين، فالأجر هو مقابل العمل ويتحدد وفقًا لما يتفق عليه طرفا العقد وهذا ما يقضي به سلطان الإرادة([7])، ولكن تطبيق هذا المبدأ له مساوئ كثيرة؛ لاختلاف المركز الاقتصادي بين طرفي العقد، فصاحب العمل له حرية تحديد الأجر، أما العامل فهو يضطر للقبول في معظم الحالات ولو لم يكن الأجر عادلًا بالنسبة له([8])، وقد وضع المشرع العُماني قاعدة تحديد الأجور في المادة (53) من قانون العمل العُماني رقم (34) لسنة 1973م ـ الملغي ـ والمادة (50) من قانون العمل الحالي رقم (35) لسنة 2003؛ إذ نصت على “يضع مجلس الوزراء الحد الأدنى للأجور وفقًا لما تقتضيه الظروف الاقتصادية وله أن يضع حدًّا أدنى لأجور فئة بذاتها من العمال الشاغلين لوظائف أو مهن تقتضي ظروف أو طبيعة العمل بها هذا التحديد، ويصدر بالحد الأدنى للأجور قرار من الوزير”.
وقد شهدت الأجور بالقطاع الخاص في السلطنة تعديلات كثيرة على مراحل زمنية متعددة، وقد جاء تدخل المشرع العُماني بفرض حد أدنى للأجور مبكرًا؛ إذ كانت أولى خطوات المشرع في هذا الشأن بعد سنة من صدور قانون العمل العُماني رقم (34) لسنة 1973م الملغي؛ إذ بدأت السلطنة تدخلها في تحديد الأجور بالقرار الوزاري رقم 9 لسنة 1974م، وقد فرض القرار في مادته الخامسة حدًّا أدنى للأجور؛ إذ نص على ” يكون الحد الأدنى للرواتب الأساسية للعمال المعينين قبل صدور هذا القرار والذين يعينون بعد صـدوره 1.200 ر.ع في اليوم أو 36 ريالًا في الشهر” .
بعد مرور ست سنوات صدر القرار الوزاري رقم (13) لسنة 1979م، ورفع القرار مقدار الحد الأدنى للأجور من ريال ومائتين إلى ريالين للعمال الذين يتقاضون أجرهم باليوم، ومن 36 ريالًا إلى 60 ريالًا للعمال الذين يتقاضون أجرهم بالشهر، وكان هذا القرار خاصًّا بالعمال غير المهنيين؛ إذ نص في مادته الأولى على”يكون الحد الأدنى للأجر الأساسي للعمال غير المهنيين 60 ريالًا شهريًّا لمن يتقاضون أجورهم على أساس شهري أو ريالين يوميًّا لمن يتقاضون أجورهم على أساس يومي “ثم واصل المشرع سياسته التدخلية في رفع الحد الأدنى للأجور بصدور القرار الوزاري رقم (87) لعام 1989م، وقد تقدم المشرع خطوة أخرى في هذا الشأن؛ إذ فرق القرار بين خريجي الثانوية العامة أو ما يعادلها ومعاهد التدريب المهني وبين غير خريجي الثانوية العامة أو ما يعادلها ومعاهد التدريب المهني في الحد الأدنى للأجور؛ إذ نص فـي مادته الأولى على “يكون الحد الأدنى لأجور العاملين العُمانيين في القطاع الخاص من خريجي الثانوية العامة أو ما يعادلها ومعاهد التدريب المهني مبلــغ 150 ريالًا بالإضافة إلى علاوة سكن قدرها 25 ريالًا، وعلاوة انتقال قدرها 25 ريالًا في حالة عدم توفرها على حساب صاحب العمل”.
ونص في مادته الثانية “يكون الحد الأدنى لأجور العاملين العُمانيين في القطاع الخاص من غير خريجي الثانوية العامة أو ما يعادلها ومعاهد التدريب المهني مبلغ (80) ريالًا بالإضافة إلى علاوة سكن قدرها (10) ريالات، وعلاوة انتقال قدرها (10) ريالات في حالة عدم توفرهما على حساب صاحب العمل، وأن يكون للعمال حق الاختيار بين السكن أو النقل على نفقة صاحب العمل أو الحصول على العلاوتين المقررتين” .
وبعد مرور عشر سنوات صدر القرار الوزاري رقم (222) لسنة 1998م، وبموجب هذا القرار أصبح الحد الأدنى للأجور مئة ريال؛ إذ نص في مادته الأولى على أنه “يكون الحد الأدنى لأجور العمال العُمانيين في القطاع الخاص مئة ريال عُماني شهريًّا “.
كما نص في مادته الثانية “على كل صاحب عمل أن يوفر لعماله سكنًا، ووسيلة انتقال في الحالات التي تقتضيها ظروف العمل، وفي الأحوال الأخرى يصرف لكل عامل مقابل ذلك عشرين ريالًا عمانيًّا شهريًّا”.
ثم صدر القرار الوزاري رقم (16) لسنة 2007م، ورفع القرار مقدار الحد الأدنى للأجور من مئة ريال إلى مئة وعشرين ريالًا؛ إذ نصت مادته الأولى على “يكون الحد الأدنى للأجر الأساسي للقوى العاملة العُمانية في القطاع الخاص مائة وعشرين ريالًا عمانيًّا شهريًّا “، ونص في مادته الثانية “على كل صاحب عمل أن يوفر لعماله سكنا ووسيلة انتقال في الحالات التي تقتضيها ظروف العمل، وفي الأحوال الأخرى يصرف لكل عامل مقابل ذلك عشرين ريالًا عمانيًّا شهريًّا “.
في عام 2011 صدر القرار الوزاري رقم 77/2011 ونص بأن يكون الحد الأدنى لأجر القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص 200 ريال عُماني بحيث يكون 180 ريالًا عمانيًّا أجراً أساسياً و20 ريالًا عمانيًّا علاوة.
في العام 2013م أصدر وزير القوى العاملة قرارًا يقضي برفع الحد الأنى لأجور العُمانيين في القطاع الخاص إلى 325 ريالًا عمانيًّا موزعة كالآتي 225 ريالًا أجرًا أساسيًّا و100 ريال علاوات.
أخيرًا وفي عام 2020م أصدر وكيل وزارة العمل تعميما بشأن عدم ربط المؤهلات بالأجور، وإلغاء الحد الأدنى للأجور المرتبط بالشهادة والاكتفاء بالحد الأدنى للأجر والبالغ 325 ريال عُماني بغض النظر عن شهادة العامل.
2/ مدى ملاءمة القرارات الصادرة بتحديد الحد الأدنى للأجور مع الوضع الاقتصادي في السلطنة.
ربما كان الحد الأدنى الذي حدده القرار الوزاري رقم (9) لعام 1974م مناسبًا في ذلك الوقت؛ إذ كانت المعيشة بسيطة في السلطنة وتعتبر (36) ريالاً ذات قيمة شرائية مناسبة في ذلك الوقت، ولكن يؤخذ على القرار أنه لم يفرق بين العمال المهنيين والعمال غير المهنيين، ولم يراع العمال الذين يحملون مؤهلات دراسية.
أما بالنسبة للزيادة التي أتى بها القرار رقم (13) لعام 1979م في الحد الأدنى للأجور بعد مرور(6 سنوات) من صدور القرار الأول فكانت ضئيلة؛ لأن الدولة أخذت في النمو المتسارع، وكان ينبغي أن يكون الحد الأدنى أكثر من (60) ريالًا في عام 1979م ، كما يؤخذ على هذا القرار كذلك أنه لم يشمل العمال المهنيين .
أما بالنسبة للقرار الوزاري رقم (87) لعام 1989م؛ فنرى أنه كان منصفًا وجيدًا بالنسبة للعمال خريجي الثانوية العامة أو ما يعادلها ومعاهد التدريب المهني، إلا أنه لم يكن مناسبًا بالنسبة للعمال الحاصلين على مؤهلات أقل، وعلى كل حال أرى أن هذا القرار كان من أفضل القرارات التي نظمت الحد الأدنى للأجور في السلطنة؛ بسبب تفرقته في الحد الأدنى للأجور بين العمال المهنيين والعمال غير المهنيين، وكذلك مراعاة الكفاءات والدرجة العلمية التي يحملها العامل.
ويعتبر القرار الوزاري رقم (222) لسنة 1998م غريبًا بعض الشيء؛ إذ إنه ألغى القرار السابق ونزل بالحد الأدنى للأجور لخريجي الثانوية العامة أو ما يعادلها ومعاهد التدريب المهني، ولذلك يمكن اعتباره من أسوأ القرارات التي صدرت في هذا الشأن مهما كانت مبرراته ودوافعه؛ إذ كان من المفترض أن يرفع الحد الأدنى للأجـور وليس انقاصه، فقد كان الحد الأدنى للأجور في القرار السابق (150) ريالًا بالإضافة إلى علاوة سكن قدرها (25) ريالًا، وعلاوة انتقال قدرها (25) ريالًا في حالة عدم توفرها على حساب صاحب العمل، ونزل به القرار الجديد إلى مبلغ مئة ريال عُماني شهريًّا وعشرين ريالًا عمانيًّا شهريًّا في حالة عدم قيام صاحب العمل بتوفير سكن ووسيلة نقل لعماله في الحالات التي تقتضيها ظروف العمل .
جاء القرار الوزاري رقم (16) لعام 2007م تصحيحاً جزئياً للقرار السابق؛ إذ رفع مقدار الحد الأدنى للأجور من مئة ريال إلى مئة وعشرين ريالًا بالإضافة إلى عشرين ريالًا عمانيًّا شهريًّا بدل سكن ونقل في حالة عدم توفيرها من قبل صاحب العمل. أما القرار الوزاري رقم 77/2011 الذي نص بأن يكون الحد الأدنى لأجر القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص 200 ريال عُماني بحيث يكون 180 ريالًا عمانيًّا أجرًا أساسيًّا و20 ريالًا عمانيًّا، كان دون المستوى العادل في ذلك الوقت للوفاء بحاجات الإنسان الأساسية بسبب غلاء المعيشة.
وبالنسبة للقرار الأخير رقم 22/ 2013م المنظم للحد الأدنى للأجر والمعمول به حاليًّا والذي نص بأن يكون الحد الأدنى للأجر 325 ريالًا عمانيًّا موزعة 225 أجرًا أساسيًّا و100 علاوات، فأنه كذلك دون المستوى العادل للوفاء بحاجات الإنسان الأساسية، وفي وقتنا الحاضر وهو بالإضافة إلى ذلك لا يحقق الحماية الحقيقية للعمال بسبب استمرار تصاعد موجة الغلاء في الدولة، لذلك يجب إعادة النظر من جديد في تعديل الحد الأدنى للأجور برفعه مرة أخرى بما يتناسب مع الوضع المعيشي في البلاد وبما يعود بالفائدة للعمال وأصحاب العمل والمجتمع، وخلق توازن بين الاعتبار الاجتماعي والاعتبار الاقتصادي بحيث لا يهُمل أحدهما لصالح الآخر .
أما التعميم الصادر عام 2020م من وكيل وزارة العمل بشأن عدم ربط المؤهلات بالأجور، وإلغاء الحد الأدنى للأجور المرتبط بالشهادة والاكتفاء بالحد الأدنى للأجر والبالغ 325 ريال عماني بغض النظر عن شهادة العامل، أرى أنه من الأفضل أن يتم التفرقة في الحد الأدنى للأجور بين العمال المهنيين والعمال غير المهنيين وأن يراعى في تحديد الأجور طبيعة العمل ومشقته وخطورته، وكذلك الكفاءات والدرجة العلمية التي يحملها العامل، وقد أجازت المادة (50) من قانون العمل ذلك “… وله أن يضع حدًّا أدنى لأجور فئة بذاتها من العمال الشاغلين لوظائف أو مهن تقتضي ظروف أو طبيعة العمل بها هذا التحديد ويصدر بالحد الأدنى للأجور قرار من الوزير ” كما نوصي بتشكيل لجنة تختص بدراسة ومراجعة الحد الأدنى لأجور العمال على أن تضم ممثلي أطراف الإنتاج الثلاثة (القطاع الخاص واتحاد العمال والحكومة).
([1]) ابـي الفضـل جمـال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري ، لسان العرب ، المجلـد الرابع ، دار الفكر ، بدون تاريخ نشر ، ص10 .
([2]) كتاب العيـن، الخليل بن أحمـد الفراهيدي الأزدي، الجزء الأول ، تحقيـق هادي حسن حمودي ، خدمات الإعلان السريع ، بدون تاريخ نشر ، ص 93 .
([3]) انظر: المعجـم الوسـيط ، الجزء الأول ، مجمع اللغة العربيـــة الإدارة العامة للمعجمـات وإحيــاء التـراث ، دار الدعوة ، 1989م ، ص7.
([4]) حسـن كيـره ، مرجع سابق ، ص 409 ، وقريب من هذا التعريف تعريف محكمة النقــض المصرية حيــث عرفته بالقول ” الأجر يشمل كل ما يدخل في ذمة العامل من مـال أيا كان نوعه مقابل قيامه بالعمــل موضوع العقد مهما كانت التسمية المعطاة له”.
([5]) رأفت محمد أحمـد حماد ، أجـر الأجير في الفقـه الإسلامي والقانون المدني ، دراسة مقارنة ، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في الفقه المقارن ، جامعة الأزهر ، كلية الشريعة والقانون ، القاهرة ، 1983م ، ص 218.
([6]) أحمد زكي بدوي ، علاقات العمل في الدول العربية ، دار النهضة العربية ، 1985م، ص 174.
([7]) عبدالله مبروك النجار ، مبادئ تشريع العمل وفقا لأحكام القانون12لسنة 2003 والقرارات الوزارية الجديدة المنفذة له ، الطبعة الرابعة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003ـ 2004م .، ص 167.
([8]) عبد الودود يحيى ، شرح قانون العمل ، الطبعة الثالثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1989م ، ص100 .