موسم الهجرة إلى الجنوب، قوانين عمل سلطنة عمان تجذب أطباء سوريين لاذوا من الحرب
مختار الإبراهيم، صحفي سوري، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين
دقّت رئيسة أطباء التخدير داخل نقابة الأطباء السوريين مؤخرا ناقوس خطر تراجع عدد المختصين في التخدير بالبلاد بشكل حاد؛ وذلك من جراء هجرتهم الكبيرة إلى الخارج.
وسلّط هذا التحذير الضوء على ظاهرة هجرة الأدمغة والكفاءات من سوريا، وفي مقدمها الأطباء على اختلاف اختصاصاتهم؛ بفعل تراكم الأزمات التي تعيشها البلاد على مدى السنوات العشر الأخيرة.
الطبيب خالد الأحمد أكد في حديثه إلى مجلة سواعد نقابية إلى أن قوانين العمل في سلطنة عُمان تشجع على اختيار السلطنة لتكون وجهة للعمل هناك، وأن العمل في بلد عربي مثل السلطنة له إيجابيات كثيرة، تتمثل في عدم خسارة البلد الأم -وأقصد سوريا- لهذه الكفاءات؛ لأن الاغتراب سيكون مؤقتا على عكس الهجرة إلى بلدان أجنبية في أوروبا وكندا وأستراليا وغيرها التي تشكل هجرة أدمغة حقيقة، ونسبة عودة الأطباء منها تكون شبه منعدمة.
وتكشف الإحصائيات والأرقام مدى الخطر الداهم الذي بات يهدد القطاع الطبي السوري من جراء هجرة الأطباء للخارج، بمن فيهم المتخرجون حديثًا؛ فعدد أطباء التخدير ممن هم دون سن 30 عاما هو 4 أطباء فقط في عموم سوريا، بينما لا يتجاوز عدد الأطباء الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عاما 65 طبيبا فقط.
أما أطباء التخدير الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و50 عاما، فيبلغ نحو 300 طبيب؛ ما يعكس خطورة الأوضاع؛ والمتبقون باتوا في سن التقاعد، وفق تصربحات زبيدة شموط، رئيسة أطباء التخدير وتدبير الألم في نقابة أطباء سوريا لوسائل إعلام محلية.
كما أن الواقع الصحي المتدهور في سوريا، الذي شهِد تفشي فيروس كورونا المستجد في موجتيه الأولى والثانية، وخسارة قرابة 500 فرد من الكادر الطبي السوري، بينهم 230 طبيبًا من أكبر الأطباء المختصين وأهمهم قد أثار مخاوف العاملين بالقطاع الصحي، ودفع كثيرين منهم للتفكير بالفرار من سوريا، في وقت أغلقت فيه أغلبية دول العالم أبوابها في وجه اللاجئين، لا سيما السوريين عدا دول قليلة، على رأسها سلطنة عمان. وأشار الطبيب خالد إلى أن عروض العمل المتماشية مع احترام حقوق العامل وحفظ أتعابه في السلطنة كانت الأفضل في بلد استطاع تطوير منظومة قوانين العمالة لتصبح جاذبة مقارنة ببلدان أخرى، ومع بدء موجة هجرة الأطباء إلى سلطنة عُمان أقرّ نقيب الأطباء السوريين بأن الأطباء يهاجرون إلى هناك؛ لوجود فرص عمل أفضل ورواتب مرتفعة مقارنة بما هي عليه في سوريا؛ وتشير عروض فرص العمل المنتشرة بكثافة على مواقع إلكترونية متخصصة إلى تراوح الأجر الشهري للطبيب في سلطنة عمان بين 1500 و2000 دولار أميركي في حين لا يتجاوز دخل الطبيب في سوريا 250 دولارا أمريكيّا.
ويؤكد الطبيب حسن الناصر على فكرة زميله خالد، فكرة أنّ الاستنزاف الحقيقي للأدمغة يتمثل في إعادة توطينهم في بلدان أوروبية، ويقول لمجلة سواعد نقابية: وصل عدد طلاب الطب البشري من الجنسية السورية في الجامعات الألمانية إلى أكثر من 10 ألاف طالب، بينما وصل عدد الأطباء الذين بدؤوا فعليًّا في ممارسة المهنة والحصول على ترخيص ودعم حكومي ألماني إلى 4300 طبيب، فيما يعمل أكثر من 2300 صيدلانيا سوريّا في قطاعات الأدوية والصيدليات الألمانية، هؤلاء هم مكسب لأوروبا وخسارة حقيقة للبلدان العربية. وويضيف الطبيب الناصر قائلا: بحسب إحصائيات وزارة الصحة الألمانية ونقابة الأطباء الألمان يبلغ عدد الأطباء السوريين الذين يعملون ما يقارب 4300 طبيب، ولا يشمل الرقم الطبيب السوري الحاصل على الجنسية الألمانية، ويأتي الأطباء السوريون في العدد بين الأطباء الأجانب بالمرتبة الأولى، وتعترف ألمانيا بشهادة الطب السورية؛ إذ يحتاج الطبيب السوري إلى فحوص تعديل الشهادة، وهذا ما يجعل بلد مثل سلطنة عُمان طريق أقصر للعمل مقارنة مع الدول الأوروبية، ويختم الطبيب خالد قائلا: أن برنامج (إقامة مستثمر) الذي شرعت وزارة التجارة في سلطنة عُمان بتفعيله، ويُمنح بموجبه المستثمرون والمتقاعدون الأجانب حق الإقامة الطويلة في السلطنة لمدة 5 أو 10سنوات قابلة للتجديد يعتبر جزءًا من منظومة العمل الإيجابي التي تعمل عليها السلطنة لحفظ حقوق العمالة أكثر.