التربية الإعلاميّة من منظور نقابي
بكر الأمير، صحفي وإعلامي أردني، متخصص بقضايا العمال
أبسط تعريف لهذا المفهوم الذي يعد حديثا نسبيا في المجتمعات العربية، هو (فهم بيئة الإعلام، والتعاطي معه على نحو فعّال وإيجابي، وحماية المجتمع من تأثيراته السلبية)، كما أنه يشتمل على جانب يتعلق بتمكين الأفراد من إنتاج محتوى إعلامي، يعبر عن همومهم وقضاياهم باستخدام أدوات الإعلام الحديث، ونشره بعد ذلك على منصات التواصل الاجتماعي والبيئة الرقمية المعتمدة على شبكة الإنترنت.
تحت هذا العنوان الكبير ثمة حقول متنوعة من الموضوعات الفرعية، ومفاهيم عديدة؛ بعضها يبحث في علم الاتصال، والآخر يختص بالأخبار على اختلاف الشكل الذي تقدم به، وحقل يركز على المعلومات، وما يتصل بها في عصر يوصف بأنه عصر المعلومات، أما المفهوم الأخير فيتناول محو الأمية الرقمية من خلال القدرة على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للوصول إلى البيئة الرقمية وفهمها، وإنتاج محتوى رقمي، وهو ما يعرف بــ(المحتوى الذي ينتجه الجمهور).
جميع ذلك هدفه الوصول إلى مجتمع يستطيع السباحة دون غرق في تدفق معلوماتي هائل، وعصر بات للإعلام فيه التأثير الأكبر على الأفراد والمجتمعات، من حيث أفكارهم وثقافتهم وأنماط حياتهم، وأصبح تعرض الفرد للرسائل والمواد الإعلامية يزداد يوما بعد يوم، لا سيما مع وسائل الإعلام الحديث.
ضمن هذا السياق فالتربية الإعلامية والمعلوماتية تمثل أداة مهمة وضرورية في الوقت الراهن بالنسبة للمنظمات العمالية، والعاملين في شتى ميادين العمل والإنتاج، سواء من يعمل منهم في القطاعات الاقتصادية المنظمة، أو في القطاعات الأخرى، ممن هم خارج مظلة التنظيم النقابي.
إن التربية الإعلامية والمعلوماتية بما توفره من وعي وإدراك لفهم طبيعة عمل الإعلام والتعاطي معه على نحو فعّال تجعل منها فرصة ثمينة للاستفادة من القوة التي تملكها وسائل الإعلام، والتأثير الذي تحظى به باتجاه تحقيق أهداف المنظمات العمالية؛ والمتمثلة في دعم قضايا العمال، والدفاع عن حقوقهم، وإيصال أصواتهم لصناع القرار؛ مما يساهم في معالجة التحديات التي تواجههم وتحسين واقعهم المعيشي.
سلة متنوعة من المهارات والمفاهيم توفرها التربية الإعلامية والمعلوماتية، يمكن للمنظمات العمالية والناشطين النقابيين الاستفادة، منها مهارة (الإنتاج) التي تتمثل في المشاركة بإنتاج محتوى إعلامي، يعبّر عن قضايا العمال وتطلعاتهم، ثم نشره على منصات الإعلام الحديث المتمثل بمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل النشر الرقمية.
هذا النوع من التربية يحمي المجتمع والأفراد، ويساهم في تعزيز المشاركة العامة وإكساب الجمهور مهارات التفكير النقدي لتعزيز قيم المواطنة الصالحة، وما أحوج شريحة العمال إلى ذلك، وهي التي تتعرض لصور نمطية سلبية، تكرسها بعض وسائل الإعلام، إلى جانب خطاب كراهية، موجه لقطاعات عمالية كالعمالة الوافدة، فضلا عن مخالفات مهنية وأخلاقية عديدة، تؤثر سلبا على العمال، وترسم صورة مغايرة لواقعهم؛ كالأخبار الصحفية التي تفقد معيار التوازن، وتقدم رواية أصحاب العمل أو الحكومة لقضايا العمال، وتغفل الطرف الآخر في معادلة الإنتاج.
وطالما انتقدت المنظمات العمالية تقصير وسائل الإعلام في دعم الحقوق العمالية، وعدم دفاعها عن حقوق العمال ومطالبهم، وعدم تبنيها لقضاياهم، وتقصيرها أيضا بتقديم معالجة مهنية للتحديات التي تواجههم، إلى جانب عدم إعطاء الشأن العمالي مساحة كافية ضمن التغطية الصحفية والإعلامية لوسائل الإعلام؛ وعليه فقد يكون المدخل في علاج ذلك هذا الفهم الجديد لوسائل الإعلام، وتوظيفه لخدمة العمال، والنهوض بواقعهم، وتمكينهم من إنتاج محتوى يعبر عن همومهم؛ وذلك لن يكون إلا بتعلم مهارات ومفاهيم التربية إلاعلامية والمعلوماتية، التي تعد قضية مجتمعية، والعمال أحوج الناس إليها.
ربما لا تكفي هذه المقالة كي نغطي الموضوع من كافة جوانبه، ولكنها محاولة لإثارة الوعي، ولفت الانتباه إزاء مهارات ومفاهيم غدت المنظمات العمالية بأمس الحاجة إليها .