الحماية الاجتماعية
نعمة بنت سعيد العمرانية، باحثة رعاية شؤون المستحقين، الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية
“لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاه له ولأسرته، وخاصةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فيما يأمن به العوائل في حالات البطالة، أو المرض، أو العجز، أو الترمُّل، أو الشيخوخة، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته، والتي تفقده أسباب عيشه”. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، (25)، البند(1).
في مقاربة مسارات الحماية الاجتماعية وتفكيك مضامينها، أتت فكرة الحماية الاجتماعية في مطلع القرن العشرين في الدول الصناعية في شكلها المبدئي المعني برفاه الأفراد والأسر آنذاك، وقد تأسس أول نظام للتأمين الاجتماعي في تلك الحقبة من الزمن للعاملين، يليه التأمين ضد الشيخوخة والوفاة والإصابة وأمراض العمل. وتباعاً ظهرت بوادر ما يسمى بدول الرعاية الاجتماعية لتشمل الضمان الصحي والضمان ضد البطالة، وصولاً إلى اتساع تغطيتها وتعدد مجالاتها بما يسمى الحماية الاجتماعية الشاملة.
باستقراء مسارات تطور أشكال الحماية الاجتماعية يتضح بأنها لم تكن وليدة الصدفة أو التجربة أو الحداثة، وإنما تطورت من أشكالها الأولية في التضامن التقليدي في المجتمعات، والذي كان يُظهر التلاحم بين العلاقات الاجتماعية والتعاون إلى شكلها الرسمي في النظم الاجتماعية المؤسساتية (فزة وآخرون، 2021). وفي ضوء هذا الإيضاح فإن الحماية الاجتماعية في مجالاتها تعد جزءً من الوظيفة الأولية للدول، ومنهاجًا تستند إليه في سياساتها، لارتباطها الوثيق بجميع شرائح المجتمع.
وقد أشارت منظمة العمل الدولية (ILO) إلى جملة من السياسات والبرامج الهادفة التي ترمي إلى الحد من مشكلات الفقر والضعف التي قد تعترض الإنسان في حياته، وتقدّم ضمانات تكفل له الحياة الكريمة، تتمثّل تلك البرامج الآتي:
يمكن القول إن الحماية الاجتماعية لما تقدمه من ضمان على الأفراد، تتلخص فلسفتها في ثلاثة اتجاهات:
- الاتجاه الاجتماعي، والذي يشير إلى أن المجتمع يُعنى بتهيئة الحماية الكاملة لأفراده، كما أنه مسؤول عن ضمان المعيشة لهم، والمحافظة على كرامة المنتفعين.
- الاتجاه الاقتصادي، والذي يُبنى على أسس أن الضمان يعمل على توفير حد أدنى من الدخل لأكبر عدد ممكن من الأفراد، كما يعتبر وسيلة من وسائل دعم الدخل للأسر، فضلا عن كونه معينا على تنمية الموارد البشرية.
- الاتجاه السياسي: إن من أهداف الدول عامة هو تنشئة مواطنين صالحين، قادرين على العطاء والبذل، والضمان ما هو إلا امتداد لهذا الهدف، أضف لذلك أن الدول تحرص على حماية مصالح أفرادها عند وجود ما يعوق قيامهم بذلك.
وقد أشارت الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي (ISSA) في منشورها “أولويات الضمان الاجتماعي-آسيا والمحيط الهادئ 2022: الاتجاهات والتحديات والحلول” إلى أنه بناءً على تقديرات منظمة العمل الدولية فيما يتعلّق بتوسعة تغطية الحماية الاجتماعية فإن (44.1%) من جملة السكان في آسيا والمحيط الهادئ يتمتعون بالوصول الفعال إلى شكل واحد على الأقل من أشكال الحماية الاجتماعية، و (18%) فقط من الأطفال يتلقون مزايا الرعاية المخصصة لفئة الطفولة، كما أنه ما يقارب (73.5 %) من فئة كبار السن يتلقون معاشات تقاعدية، و (24.8 %) من إعداد الموظفين النشطين محميون من إصابات العمل والأمراض المهنية، في جانب فئة الأفراد العاطلين عن العمل فقد وضّحت الإحصائية إلى أنه (14) بالمائة منهم يتلقون مزايا الحماية الاجتماعية أو شكل من أشكال المساعدات الاجتماعية.
تغطية الحماية الاجتماعية
المصدر: تقرير الحماية الاجتماعية في العالم (2020-2022)، منظمة العمل الدولية.
في قراءة النسب السابقة، يتبين أن أغلبية كبار السن يتقاضون معاشات تقاعدية، في حين أن مستحقات الأمومة والبطالة والإعاقات يتم تغطيتها من خلال المساهمات والمساعدات، وتظل امتيازا واستثناء للعاملين في القطاع الرسمي. كما أن معدل التغطية على العاملين في فرع إصابات العمل والأمراض المهنية يُعد منخفضا جدا في مقابل عدد الأشخاص العاملين، وبالمثل فإن نسب التغطية للعاطلين عن العمل تشير إلى انخفاض شديد؛ وهو ما يفضي عموما إلى الحاجة الماسة إلى توسعة مضامين تغطية الحماية الاجتماعية وأشكالها.
ويُعد من الأهمية بمكان دراسة توسعة تغطية الحماية الاجتماعية؛ لتشمل (التأمين الصحي، التغذية في حالات الطوارئ، الأمن الغذائي، مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، إعانات لأسر نزلاء السجون، دعم الدخل والاستهلاك …)، إضافة إلى توسعة نطاق الحماية؛ لتشمل الجوانب التعزيزية، والتي تتمثل في تعزيز الفرص، والجانب الوقائي والذي يستعرض (جانب تخفيف المخاطر من أجل تجنب الصدمات).
وفي ضوء ما تقدّم يجدر القول أن مفاهيم الحماية الاجتماعية في منظورها العام، وما تحتويه من مفاهيم ضمنية، كالضمان الاجتماعي والمساعدات الاجتماعية والتأمين الاجتماعي، جميعها تمثّل استثمارًا في رأس المال البشري، وتعمل على تلبية حاجات فئات المجتمع، وتوفّر لهم الحياة الآمنة والكريمة.