مقالات أخرى

هجرة المليارات 

إبراهيم بن سالم الهادي – صحفي وإعلامي

 على وقع الصراعات مع كوفيد 19 وما سببه هذا الفيروس من خسائر فادحة عصفت بالاقتصاد الوطني، ربما يبحث الكثير من الخبراء عن وميض، علّه يقود الاقتصاد إلى الخروج بأقل خسائر ممكنة، خاصة وقد آلت الكثير من كبار الشركات بتسريح العاملين بشكل جماعي، إلى جانب الضرائب التي تفرض بين الحين والآخر والتي تستهدف جيب المواطن البسيط، ولكن هذه التحديات التي مرت بها البلاد كسائر بلدان العالم اليوم ربما هي دروس نستفيد منها لوضع آليات جديدة نستطيع من خلالها تحصين الاقتصاد الوطني في المستقبل، فلو وقفنا لحظة مع مستوى العجز المالي الآخذ في التنامي من عام لآخر، ومن موازنة لأخرى، وصل في تقديرات العام 2020 إلى 3.5 مليار ريال، ومحاولات تغطيته بسبل شتى منها الاقتراض الذي استقر إلى 17 مليار ريال عُماني، والغريب أن هذا  الإفصاح يتزامن مع إفصاحات عن أرقام تحويلات مالية للخارج، تقوم بها القوى العاملة الوافدة ومنها رؤوس أموال استثمارات وتصل إلى 4 مليارات ريال عُماني سنويًّا! ولكن لا يلتفت إليها  كثيرًا، وكأنها ليست من صلب الاقتصاد  الوطني!

ورغم أنها تصل إلى المليارات إلا أن الحكومة لم تفرض أي ضريبة على التحويلات، بحجة تشجيع الاستثمار؛  أي استثمار هذا الذي تتحدثون عنه وأربعة مليارات تهاجر  سنويًّا خارج حدود الوطن، ويقابلها تنامي أعداد العُمانيين الباحثين عن عمل، وهم باحثون ربما صرفت وتصرف الحكومة على تعليمهم ما يربو على ملياري ريال سنويًّا، أضف إليها برامج تأهيل وتدريب؛ فمصروفاتها في حدود 27.3 مليون ريال عُماني، ليحصلوا في الأخير على مسمى “باحثين عن عمل ! “.

جانب آخر من الجو العام فالحلول لا تعتمد بشكل كلي على الذكاء وحده، أو الروتين في تنفيذ الخطط؛ فالمجتمع اليوم أصبح واعيًّا بما فيه الكفاية، والطموحات الوطنية المنصوص عليها في “رؤية عُمان 2040” تفرض  سياسة مختلفة، وعملاً دؤوبا،  مغلفًا بدهاء وخيال إداري ومالي واسع، ووضع خارطة طريق تجابه التحديات، وتتجنب العواقب وردود الفعل المحتملة.

وهو أمر يحتم علينا الحذر واستخدام الحكمة ووضع خطة خارج الصندوق، ألا تفكر بالحلول السريعة أو المعلبة  -الاقتراض مقابل خفض العجز- أو الضرائب التي  تقضّ مضجع المواطن البسيط .. لنضع خطة لتقليص  مليارات الريالات الأربع المهاجرة هذه، خطة تقوم على إحلال حقيقي للعُمانيين، بما يفوت الفرصة من ناحية على خروج كل هذه المليارات من البلد، وضمان بقائها داخل الوطن؛ وبالتالي تزيد القيمة المحلية المضافة، وبالمقابل سيتمكن المواطن العُماني من الحصول على وظيفة؛ فتقل أعداد الباحثين عن عمل، ولعل نظام البنك المركزي في ضبط هذا الصدد  نموذجٌ يستحق الإشادة والتعميم.

فالبنك المركزي لا يوافق على توظيف أي أجنبي في أي بنك محلي إلا إذا استنفد وجود تخصص يمتلكه مواطن عُماني؛ فأي بنك محلي لا يستطيع توظيف أجنبي إلا بموافقة البنك المركزي أولًا وفقًا لشروط التعمين التي وضعها البنك؛ ولذلك حقق القطاع المصرفي تعمينًا حقيقيًّا ومردودًا جيدًا، وهذا النظام لو استخدمته وزارة العمل لحققت أهدافها المطلوبة، كأن يعمل مسح شامل في القطاعين العام والخاص للمؤسسات التي تتكدس بها القوى العاملة الوافدة الإدارية -غير الماهرة- ويتجاوز راتب العامل فيها إلى 350 ريال عُماني – وما أكثرها!- لوجد أنّ العدد قد يصل إلى عشرات الآلاف، خاصة في القطاع الخاص؛ إذ يعملون بأقل كفاءة من عُمانيين ذوي إمكانيات عالية، وهم للأسف  باحثون عن عمل؛ وبذلك فإنّ العائد من إحلال عُمانيين مكانهم سيكون  مضاعفًا، تحقق فيه الحكومة مكسبًا ماديًّأ يصل إلى ملياري ريال عُماني بشكل سنوي على الأقل، إذا ما تمّ احتسابه بالطريقة الاكتوارية. ومن جانب آخر، فإنّها تستطيع استثمار هذه المبالغ في السلطنة بفتح مشاريع ذات عائد مالي، وقد يساعد في ذلك تعمين وظائف المديرين التنفيذيين ونوابهم ومديري العموم ونوابهم ومن في حكمهم؛ فالقوى الوطنية أصبحت مؤهلة بما يكفي، بل أضحت أفضل من الوافدين بكثير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى