التأمينات الاجتماعية

التقاعد المبكر في قانون التأمينات الاجتماعية

يعتبر الحق في الحماية الإجتماعية والحصول على مستوى معيشي لائق من أهم الحقوق التي أوردها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948م، وقد سعت الدول الموقعة على هذا الإعلان إلى ترجمة مبادئه من خلال إيجاد مظلة حماية إجتماعية للفرد تتسع بتقدم الدول لتغطي العديد من الفئات، ويعتبر التأمين الإجتماعي أحد أهم أشكال الحماية الإجتماعية، ولقد سارعت الدول في إصدار القوانين المنظمة له وتحديد الأخطار التي يغطيها والمنافع التي يحصل عليها المؤمن عليه عند اشتراكه فيه.

ففي سلطنة عُمان نصت المادة (12) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101/96) على حق الحماية الإجتماعية للمواطنين بالتساوي، وقد انعكست المبادئ العامة التي أوردها النظام الأساسي على القوانين التي صدرت تنفيذاً وتنظيماً لهذه المبادئ، حيث صدر قانون التأمينات الاجتماعية بموجب المرسوم السلطاني رقم (72/91) والذي تضمن مجموعة من الحقوق للعاملين في القطاع الخاص بما يحقق لهم الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي ويضمن لهم ولأسرهم العيش الكريم عند عدم قدرتهم على الاستمرار في العمل بسبب حدوث أحد الطوارئ أو الأخطار التي يغطيها نظام التأمينات الإجتماعية، فلقد نصت المادة (1) منه على تطبق أحكام هذا القانون على فرعي التأمين الآتيين:

 1- التأمين ضد العجز والشيخوخة والوفاة.

2- التأمين ضد إصابات العمل والأمراض المهنية.

ويستحق المؤمن عليه بموجب هذا القانون منافع محددة وبشروط عامة واضحة عند حدوث أي من الأخطار التي أشارت إليها المادة أعلاه، وعلى الرغم من أن هذا هو الأصل في قانون التأمينات الإجتماعية، أي أنه يغطي الأخطار سالفة الذكر والتي يجمع بينها أنها أخطار طارئة لا إرادة للإنسان فيها أدت لخروجه من منظومة العمل، إلا أنه قد يحصل المؤمن عليه على منافع التأمين الإجتماعي حتى مع خروجه من العمل مختاراً وليس مضطراً، أي دون أن يصيبه أحد الأخطار الآنفة، ومن ضمن هذه الحالات عندما يختار المؤمن عليه ترك العمل ويتقاعد مبكراً لأحد الأسباب التي تعود إليه، وذلك سعياً من الدولة إلى توسيع نطاق الحماية التأمينية وتوفير الاستقرار الإقتصادي للعامل بما يضمن توفير حياة كريمة له ولأسرته، فلقد قضت الفقرة (2) من المادة (21) من قانون التأمينات الإجتماعية بحق المؤمن عليه في الحصول على معاش التقاعد المبكر، حيث نصت على أنه (يستحق المؤمن عليه من الهيئة معاش الشيخوخة وفقاً لمدد اشتراكه في التأمين ابتداءً من تاريخ العمل بهذا القانون، سواء أكانت متصلة أم منفصلة في  حالة انتهاء خدمة المؤمن عليه قبل بلوغه سن الستين من عمره متى كانت مدة اشتراكه في التأمين (240) شهراً على الأقل، أو المؤمن عليها قبل بلوغها سن الخامسة والخمسين أو بعدها، متى كانت مدة اشتراكها في التأمين (120) شهراً على الأقل.

ويخفض المعاش المستحق في هذه الحالة بنسبة تقدر تبعاً لسن المؤمن عليه أو المؤمن عليها وفقا للجدول رقم (3) المرافق، على ألا يقل المعاش في هذه الحالة عن (202,500 ر.ع) مائتان واثنان ونصف ريال عُماني شهرياً، ويستحق المعاش المخفض المشار إليه من أول الشهر الذي قدم فيه طلب الصرف.

ولا يسري التخفيض المشار إليه في حالات طلب المؤمن عليه أو المستحقين عنه صرف المعاش لثبوت العجز أو وقوع الوفاة.

وتلخص المادة السابقة الشروط التي يجب أن تتوافر في المؤمن عليه أو المؤمن عليها لاستحقاق معاش التقاعد المبكر وهي كالآتي:

  1. بلوغ المؤمن عليه/عليها سن الخامسة والأربعين على الأقل.
  2. تكون مدة الاشتراك في التأمين (الخدمة) لا تقل عن (20) سنة بالنسبة للرجل و(15) سنة بالنسبة للمرأة.
  3. عدم تقاضي المؤمن عليه/عليها أي معاش تقاعدي من أي جهة حكومية أخرى.

 كما يستفاد من نص المادة سالفة الذكر أن المعاش الذي يحصل عليه المؤمن عليه/عليها قبل بلوغ سن الشيخوخة الطبيعي (ستون عاماً) يكون معاشاً مخفضاً، وتكون نسبة التخفيض بحسب النسبة التي تقابل سن المتقاعد في الجدول رقم (3) من قانون التأمينات الإجتماعية، فتكون معادلة احتساب المعاش في هذه الحالة وفقاً للآتي:

  3% x متوسط الأجر للخمس السنوات الأخيرة x عدد سنوات الاشتراك الكاملة في التأمين.

إضافة إلى تخفيض المعاش عند التقاعد المبكر، فإن المؤمن عليه لا يحصل على منحة نهاية الخدمة عند التقاعد قبل بلوغ سن الستين، والتي تحتسب على أساس آخر أجر خاضع للاشتراك وبواقع أجر شهر واحد مقابل كل سنة اشتراك وبحد أقصى عشر سنوات، كما أنه يجدر التأكيد في هذا الجانب أن شرطي السن ومدة الاشتراك متلازمين، فلا يمكن الحصول على المنفعة بانتفاء أحدهما.

وقد يتساءل البعض عن سبب خفض المعاش إذا كانت سن المؤمن عليه أقل عن ستون عاماً، أو خمسة وخمسون عاماً بالنسبة للمؤمن عليها، على الرغم من استيفائهما لمدة الاشتراك في التأمين المطلوبة للتقاعد، والتي تؤهل المؤمن عليه للحصول على معاش شيخوخة كامل وهي (15 سنة) مدة اشتراك فعلية في التأمين، و (10 سنوات) بالنسبة للمؤمن عليها.

ولعل إجابة ذلك تتلخص في الغاية التي وجد من أجلها نظام التأمين الإجتماعي، حيث أن الهدف الأسمى منه هو توفير حماية إجتماعية للأجيال المتعاقبة على نحو يتسم بالاستمرارية والديمومة، وذلك من خلال تقديم منافع محددة يتم احتسابها اكتوارياً وفقاً لمعادلات ومعامل وضوابط معينة، حيث أن نسبة التخفيض يتم احتسابها اكتوارياً وفقاً لدراسات خاصة، كما أن التخفيض يحقق العدالة الإجتماعية التي ينشد النظام تحقيقها من خلال عدم المساواة بين الذين يستمرون لسن الستين وبين الذي يتقاعدون قبل ذلك.

وليس بخاف على أحد ما للتقاعد المبكر من أثر على الأوضاع المالية للصناديق، كطول فترة صرف الاستحقاقات وفقد الاشتراكات وفقد عائد الاستثمار منها، مما يؤثر على ديمومة الصندوق واستمراره، إلا إذا تم تعويض الصندوق باشتراكات أكبر، تعوض الفرق بين السنوات الفعلية والسنوات التي تبقت للوصول لسن التقاعد الطبيعي، وهو ما يؤثر على المؤمن عليه.

 ومن ناحية أخرى كما أشرنا آنفاً، إن التأمين الإجتماعي هو تأمين ضد خطر الوفاة أو العجز أو الشيخوخة والتي يقصد بها بلوغ سن التقاعد الطبيعي (60 سنة)،  وهي في مجموعها ظروف اضطرارية أدت بالعامل للخروج من العمل، إلا أن التقاعد المبكر هو من اختيار المؤمن عليه، والقاعدة تقتضي أن يكون الغنم بالغرم، ولذلك نصت الفقرة قبل الأخيرة من المادة (21) المشار إليها  أنه إذا كان طلب صرف معاش التقاعد قبل بلوغ السن هو العجز أو الوفاة فإنه لا يخفض المعاش ويحتسب كاملاً، سواء أكان الطلب من المؤمن عليه أو من المستحقين عنه.

عائشة بنت مبارك الدرمكية

تنفيذي قانوني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى